ثانياً:الأحوال السياسية:-
شهدت أفريقيا قبل سنة 1600م تشييد مدن وممالك وامبراطوريات قادرة على البقاء فى كل مكان سمحت فيه الظروف بذلك[1].

ومن هذه الممالك كانت هناك زيمبابوي* Zimbabwe حيث أثار كثيرة ،
ويظن المؤرخون انها كانت تمثل دولة قوية فى القرن الثاني عشرالميلادى حتى القرن التاسع عشر الميلادي , وان مدينة زيمبابوي Zimbabwe كانت عاصمة أمبراطورية كارنجيا Karangh .
وكذلك الكونغو وانجولا الحالية وكانتا دولتين كبيرتين ، وكان لهما نفوذ كبير نتيجة اتصالهما بالبرتغاليين على ان هذا الأتصال ادى الى انحلال الدول الأفريقية فى حوض الكنغو الجنوبي [2].


ثالثا:الأحوال الثقافية والدينية:-
ازدهرت تجارة الكتب فى غاو وفي تومبكتو . أما فى السودان بأكمله ،من الأطلسي الى البحر الأحمر فقد نشأ أدب زنجي ـ اسلامي ، وقد نما فى ممالك الحبشة وبورنو،

والسونغى والتكرور ومالي أدب أصيل يحتل فيه الفقه والتاريخ منزلة عظمى , وكانت للمدن الواقعة جنوب الصحراء ، علاقات ثقافية مع مدن الشمال عن طريق الحج والتجارة .

وفيما بين القرن الثاني عشر والسادس عشر الميلادي انتشرت الشعوب التى تتكلم لغة البانتو فى وسط أفريقيا بأكمله ، حاملة معها تقنية زراعية أكثر كفاءة بفضل مالها من أدوات حديدية .
أما فى أتجاه الجنوب فأن تأثير ثقافة البانتو كان لاينفك يتدعم . وفى الوقت الذ ي التف فيه فاسكو دي جاما حول رأس الرجاء الصالح ، سنة 1498م ، كان الطرف الجنوبي من القارة منذ زمن بعيد موطناً لحضارات باهرة أزدهرت فيها الفلاحة وتربية الماشية.

اما من الناحية الدينية فقد اصبح الأسلام ديناً رسمياً للعديد من الممالك والأمبراطوريات فى جنوب الصحراء ، لكن أفريقيا السوداء لم تتعرب . فقد الاسلام بها حدثاً سياسياً اكثر مما كان حدثاً دينياً ، على انه قد سهل العلاقات التجارية فى كل مكان . اما فى السودان ، فقد كانت كثافة المبادلات التجارية التجارية قد أدت الى تطور اجتماعي سريع فظهرت طبقة اجتماعية جديدة ، هي طبقة التجارو المثقفين الزنوج .
اما جنوب الصحراء ، فأن الاسلام قد تكيف فيه مع الظروف ، أو على وجه الدقة ، فأنه لم يعتنقه سوى البلاط والتجار الذين لهم علاقات مع البربر المستعربين ، اما الدين التقليدي ، القائم على عبادة الاسلاف ،
فقد ظل هو هو عند الشعوب التى يحكمها امراء أسلموا .



وكذلك بالنسبة للمسيحيية و التراث التقليدي الافريقي في أثيوبيا . لكن الدينين المسيحي والاسلامي ظلا طيلة قرون فى حالة حرب ،

على ان التجارة لم تتخل أبداً عما لها من حقوق رغم ذلك التوتر القائم بين المسلمين والمسيحيين فى القرن الافريقي[3].



وبهذا نكون قد تعرفنا على ملامح أفريقيا فى الفترة التى سبقت نمو العلاقات الأفريقية الأوربية وسبقت حالة الجمود والتخلف التى شهدتها القارة نتيجة تلك العلاقات ..

ورأينا ان أفريقيا كانت الاحوال فيها تسير بشكل طبيعي حتى القرن الخامس عشر الميلادى

وكيف انها كانت تتقدم بشكل طبيعي من الناحية الاقتصادية وكانت مستقرة سياسيا ولم تبدو عليها اى ملامح تخلف واضحة عن باقي القارات .

وبهذه الدراسة نستطيع ان ندرك الاثار السلبية على القارة الأفريقية

نتيجة نزوح الرجل الابيض اليها _كما سنرى فى الفصول القادمة _ وتطور العلاقات بينها وبين اوروبا فى تلك الفترة الممتدة
من أوائل القرن السادس عشر حتى الربع الاخير من القرن التاسع عشر تلك الفترة التى يطلق عليها مرحلة ما قبل الاستعمار الحديث التى ادت فى النهاية
الى سقوط القارة الأفريقية صريعة للنهب الاستعمارى خلال مرحلة الاستعمار الحديث. وسنتناول هذه المرحلة _مرحلة ما قبل الاستعمار الحديث _فى الفصلين القادمين.
_____________________________


[1] اليونسكو،تاريخ أفريقيا العام ، المجلد الرابع ،ص676
* كانت تعرف باسم رودسيا الجنوبية حين كانت مستعمرة بريطانية ، وعرفت بجمهورية زمبابوي. بعد ان نالت استقلالها
[2] أحمد طاهر ، المرجع السابق ، ص63،62
[3] اليونسكو ، المرجع السابق ، ص 677،672