بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا،من يهده الله فلا مضل له،ومن يضلل فلا هادي له،وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.
لا يخفى على أي طالب علم مكانة السنة المطهرة وقيمة علومها وأثرها على أمة الإسلام وواقع المسلمين،وسأبدأ هذا الموضوع المتعلق بالسنة المطهرة وعلومها مستعيناً بالله وحده لا شريك له وهو ولي التوفيق.
قال الله تعالى مخاطباً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم :" فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا"
قال العلامة السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية بما معناه:" }فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ{ هي مرتبة الإسلام، }ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ{هي مرتبة الإيمان، }وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {هي مرتبة الإحسان "
تعريفُ السُّنَّةِ
السنة في اللغة مشتقةٌ من الفعلِ " سنّ " بفتح السين المهملة وتشديد النون، ولهذا الفعل عدة معانٍ لغوية ، منها:
1. الصقلُ: يقال: سنّ فلان السكين إذا حدّها وصقلها.
2. الابتداءُ: يقال: سنّ فلان العمل بكذا، أي: ابتدأ به.
3. العناية بالشيء ورعايته: يقالُ: سنّ الإبل إذا أحسن رعايتها والعناية بها.
4. السيرة المستمرة والطريقة المتبعة سواء كانت حسنةً أو سيئةً.
السُّنَّةُ اصطلاحًا:
للمحدثين تعريفاتٌ متعددة للسنَّة، من هذه التعريفات:
هي أقواله  وأفعاله، وتقريراته، وصفاته الخَلقية والخُلقية، وسائر أخباره سواء كان ذلك قبل البعثة أم بعدها.
السُّنَّةُ في اصطلاح الأصوليين:
عرف الأصوليون السنة بأنها: أقوال النبي  غير القرآن، وأفعاله وتقريراته التي يمكن أن تكون دليلاً لحكم شرعي.
السُّنَّةُ في اصطلاح الفقهاء:
هي كل ما ثبت عن النبي  ولم يكن مفروضًا ولا واجبًا مثل تثليث الوضوء، ومثل المضمضة.
وما يهمنا من هذه التعاريف هو تعريفها من وجهة نظر المحدثين كما ورد أعلاه.
يقصد بأقواله  :كلُّ ما تلفظَ به في مختلف الظروف والمناسبات
ويقصَدُ بتقريراته  : كلُّ ما صدر عن بعض أصحابه من قول أو فعل, وأقرَّه  إمَّا بسكوت منه وعدمِ إنكار، وإمَّا بموافقة وإظهار استحسان.
ويقصد بصفاته –  – الخَلقية:ما يتعلق بذاته وتكوينه
ويقصد بصفاته الخُلُقية: ما يتعلق بأخلاقه الشريفة 
ويقصدُ بسائر أخباره :ما صدر عنه  في كلِّ أحواله حركةً وسكونًا ويقظةً ومنامًا سواءً كان ذلك قبل البعثة أم بعدها.
أهمية السنة المطهرة ووجوه الحاجة إليها:
إن القرآن الكريم – وهو المصدر الأول في التشريع – لا يمكن أن يستغني عنها، ولا يستطيع أن يؤدي دوره كاملاً بدونها،و نذكر دليلاً واحداً على ذلك:
قال الله تعالى:" إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ " .
فلقد تكفل الله تبارك وتعالى ببيان القرآن، لكن كيف؟إليكم الجواب:
"وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون "
فلقد تكفل رب العزة جل شأنه بتبيان الذكر عن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو واضح بإذن الله تبارك وتعالى .
و أما عن قول القرآنيين منكري السنة بأن السنة لا تلزم لأنها تأتي في المرتبة بعد القرآن فالرد على ذلك سهل أيضاً،مثل هؤلاء كمثل طالب تعلم الجمع والطرح في المرحلة الابتدائية،ولما وصل إلى المرحلة المتوسطة الإعدادية تعلم جدول الضرب،وبعدها وصل إلى المرحلة الثانوية وعُرِضَت عليه مسألة في الجمع والطرح فأبى أن يحلها،وعندما سأله المعلم عن السبب أجاب قائلاً:"أنا لا أنزل إلى مرحلة الجمع والطرح لأنني حفظت جدول الضرب عن ظهر قلب".
ونذكر الآن وجوه أهمية السنة وارتباطها بالقرآن ...
الصورة الأولى:أن في القرآن الكريم آياتٍ لا يمكن فهم المراد منها إلا بعد معرفة سبب نزولها، ولا طريق لمعرفة سبب النزول إلا السنَّة،إليكم هذا الرابط لتحميل كتاب الصحيح من أسباب النزول للعلامة المحدث مقبل الوادعي رحمه الله:
http://saaid.net/book/open.php?cat=2&book=5355
الصورة الثانية: أن في القرآن الكريم آيات مجملة، ولا سبيل إلى تفصيلها وبيان المراد منها إلا السنة ، من ذلك قوله تعالى في شأن الصلاة: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ}فلو أخذ هذا الكلام على ظاهره لاكتفى من كل إنسان بأدنى ما يقع عليه اسم الصلاة وهي ركعة واحدة مثلاً، وتؤدى بأية كيفية كانت، مع أن هذا خلاف مراد الله تعالى.
لذلك جاءت السنة مبينة: أوقات الصلاة، وعدد ركعاتها، وكيفية أدائها، وأركانها، وشروطها، وسننها، وهيئاتها، وآدابها، ومبطلاتها ...
الصورةُ الثالثة: أن في القرآن الكريم آيات عامة، مع أن المراد منها خاص، ولا سبيل إلى تخصيصها وبيان مراد الله منها سوى السنة النبوية، والعام هو لفظ وضع للدلالة على أفراد غير محصورين على سبيل الاستغراق والشمول، سواءٌ أكانت دلالته على ذلك بلفظه ومعناه، بأن كان بصيغة الجمع، كالمسلمين والمسلمات والرجال والنساء، أم كانت بمعناه فقط: كالرهط والقوم والجن والإنس.
والخاصُّ لفظٌ وضع للدلالة على فرد واحد أو أفراد محصورين.
بعد هذا البيان لدلالة العام والخاص، نأتي على ذكر أمثلة لتخصيص السنة لعموم القرآن الكريم، فمن ذلك:
قول الله عز وجل: (حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخنْزيْرُ ...) [سورة المائدة: 3].
فهذه الآية تفيد أن كل ميتة وكل دم حرام، لكن جاءت السنة فخصصت من هذا التحريم نوعين من الميتة، ونوعين من الدماء يباح أكلهما. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ :" أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ : الْجَرَادُ وَالْحِيتَانُ وَالْكَبْدُ وَالطِّحَالُ ".
الصورة الخامسة: أن في القرآن الكريم آيات ظاهرها أنها مشكلة مع غيرها أو مع سنن أخرى صحيحة أو مع العقل،وكمثال على ذلك:
قوله تعالى: (وَكُلُوْا وَاْشْرَبُوْا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوْا الْصِّيَامَ إِلَى الَّلْيْلْ....) [سورة البقرة: 187].
فقد فهم بعض الصحابة من الخيط الأبيض والخيط الأسود حقيقتهما وأنه يباح الأكل للصائم حتى تتبين له رؤيتهما.
فجاءت السنة فرفعت هذا الإشكال، وبينت أن الخيط الأبيض والخيط الأسود: مجازان عن بياض النهار وسواد الليل.
فعَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ - رضى الله عنه - قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ ( حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ ) عَمَدْتُ إِلَى عِقَالٍ أَسْوَدَ وَإِلَى عِقَالٍ أَبْيَضَ ، فَجَعَلْتُهُمَا تَحْتَ وِسَادَتِى ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ فِى اللَّيْلِ ، فَلاَ يَسْتَبِينُ لِى ، فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -  - فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ « إِنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ » .
وقد يسأل البعض: لما لم يتحدث كتاب الله عز وجل على تفصيلات هذه الأمور التي تركها لبيان الرسول  ؟
والجواب من وجوه:
الأول: أن ذلك يعدُّ آية من آيات إعجاز القرآن الكريم والسنة المطهرة، حيث تضمن الأصول العامة والقواعد الكلية للأحكام الشرعية، تاركًا التعرض إلى تفاصيلها والتفريع عليها للسنة ليحقق بذلك النهضة الإنسانية الشاملة، والرقي الاجتماعي والفكري في كل أمة مهما كانت بيئتها وأعرافها، وفي كل زمان.
الثاني: أن القرآن الكريم لو اهتم بهذه التفصيلات لطال إطالة تجعل من الحرج على المؤمنين أن يستقصوه، ويحفظوه، ويرتلوه، وكل هذا واجب عليهم.
الثالث: أن القدوة بالرسول  حتى تتحقق، فلا بد من الاقتناع العقلي.
كان حديثنا عن ارتباط السنة بالقرآن،ونأتي الآن إلى وجه آخر:
دور السنة في التشريع وأهميتها:
إذ أن هناك أحكامًا كثيرةً استقلتِ السنة النبوية بتشريعها، وقد تلقت الأمة هذه الأحكام بالقبول، وإن كانت زائدةً على ما جاء في القرآن الكريم.
من هذه الأحكام: مشروعية الشفعة، وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، وأنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب، وأنه لا يقتل مسلم بكافر، وحد الرجم، وحد الردة، والنهي عن زواج المتعة، وغير ذلك كثير وكثير.
قال ابن القيم رحمه الله:" وَالسُّنَّةُ مَعَ الْقُرْآنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ ؛ أَحَدُهَا : أَنْ تَكُونَ مُوَافِقَةً لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ؛ فَيَكُونُ تَوَارُدُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ عَلَى الْحُكْمِ الْوَاحِدِ مِنْ بَابِ تَوَارُدِ الْأَدِلَّةِ وَتَظَافُرِهَا .
يتبع

r't hgelv lk ug,l hgp]de ,hgHev