أولاً: لكي نعيش:
ولنستشعر هذا المعنى ماعلينا إلا أن نغمض أعيننا لحظات ونتخيل أنفسنا نعيش حياة الرضيع حي بني يقظان،وتتلخص قصة الرضيع حي بن يقظان لابن طفيل الأندلسي أن والدةً خافت علي رضيع لها من بطش الملك الطاغية الذي هدد بقتل الصبية من المواليد
•فخافت عليه ووضعته في تابوت على غرارصنيع أم موسى عليه السلام ، ثم ألقته في البحر ، فحمله الماء وارتحل به إلى جزيرة ذات أشجار كثيفة ،ملتفة الأوراق ،ومابين مد وجزر انحسر الماء..وبقي التابوت على رمال الجزيرة. واشتد الجوع بذلك الرضيع فراح يبكى ..وتعالى صوت بكاءه في الأجواء حتى بلغ مسمع ظبية فقدت صغيرها،الذي خرج من مخبئه ..فرآه عقابٌ جائع ..انقض عليه وحمله بين مخالبه... وطاربه إلى عشه.....

سمعت الظبية صوت البكاء ...فظنته لصغيرها ، وتتبعت الصوت حتى بلغت التابوت ... ولم ترى مصدر الصوت ..ولكن الصوت تعالى ...فاقتربت من التابوت ودفعت غطاءه بطرف رأسها ، فرأت طفل إنسان وهو ينوء ويئن من الجوع والعطش ..وبعاطفة الأمومة التي لاتفرق بين إنسان أو حيوان، حنت عليه الظبية ..... وألقمته حلمتها وأروته لبنا سائغا عذباً...وقامت على رعايته وحمايته من بطش الحيوانات......حتى كبر وما زالت الظبية تتعهده...فنشأ بين الحيوانات يلتقم حلماتها ويرتوي من ألبانها حتى ألفته جميع الحيوانات ..فقضى طفولته وشبابه بينها..وتطبع بطباعها..واتسمت أخلاقه بالعرفان بالجميل..حيث كان يرعى أمه الظبية في كبرها..فيرتاد المراعي الخصبة ويحضر العشب الطازج لها...ويسقيها من أعذب الماء...وعندما ماتت ماكان يعرف ما يفعل بها إلى أن رأى غراباً يواري سوءة أخيه.فدفن جسدها الذي فارق الروح..ثم راح يتخبط في حياته.....وتنتهي قصته بعثور بعض زائري الجزيرة عليه ...ومعاناته بعد ذلك في بناء علاقات إيجابية مع المجتمع الجديد..مجتمع الإنسان.

• ولن ينسى أحد حادثة تخلص الربان (سترلنج) من البحار (سالكرك) بعد أن قام بإلقائه من السفينة ورحل تاركاً إياه منفياً في جزيرة فيرناندز المهجورة عام 1705م حيث بقي بها أربعة سنوات...ملّ خلالها من الوحدة والإنقطاع عن الناس
•ومن هذه المأساة الحقيقية استقى الروائي الصحفي (دانيال ديفو) فصول روايته (روبنسن كروزو )

الذي تحطمت سفينته....وعلق في تلك الجزيرة النائية وسط البحر بين الحيوانات الأليفة والمتوحشة... قصدالكاتب في أهدافه النبيلة المعالجة الفلسفية للعزلة عن المجتمع الإنساني ،وكان في نهاية تلك الرواية انتصارا للمجتمع الانساني حين يقرر البطل أن يعود لمجتمعه ، فكان يلوح بيديه لكل سفينة تمر بجزيرته النائية..حتى رست بجزيرته سفينة عابرة بعد سنين طويلة.
ويظل الإنسان معنى لللأنسة والإئتلاف...؟