شبهات ظالمة حول الإسلام:
الشبهة السابعة و الستون (67):
- للذكر مثل حظ الأنثيين عندكم فى الميراث, هل هذا هو العدل الذى تدَّعونه؟

الرد:
- إن نصيب المرأة عندنا فى الميراث إكرام لها, لأن المرأة فى الإسلام ليس عليها أى نفقات - ولو على نفسها - سواء كانت أُمّاً, أو زوجة, أو بنتاً, أو أختاً, ففى جميع الحالات يُلزَم وليّها بالنفقة عليها, حتى لو كانت غنية, أما الرجل فعليه كل النفقات, من مهر, وإعداد المسكن, وتجهيزه, وكفالة أسرته, وأولاده, وكل شىء. أما ما يحدث من مشاركة أهل الزوجة فى جهاز ابنتهم فهو محمود, لأنه من باب التعاون على الخير, ولكنه ليس مُلزِماً لهم, قال الله عز وجل: {وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء:4] أى (مهراً واجباً بطيب نفس) فالمهر حق للمرأة تفعل به ما تشاء, وليست مُلزَمة بمشاركة زوجها أو أهلها فى نفقات زواجها, وليس لأحد من أوليائها حق فى أخذ مهرها, ولو كان أباً, أو أخاً, أو عمّاً, أو جدّاً, فالمرأة فى الإسلام لها ذِمّة مالية مستقلة, وليس لأحد وصاية عليها, ولكن لها أن تتصدق على زوجها الفقير بمحض إرادتها, ويكون لها فى هذه الحالة أجران.. أجر الصدقة وأجر الصِّلَة, كما أخبرنا بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, أما زوجها فلا يحل له أن يتصدق عليها, لأنه مُلزَم بالنفقة عليها, وأن يطعمها مما يطعم, وأن يكسوها كما يكتسى, فلا يخص نفسه بالطيّب من الطعام والشراب والملبس دونها, ولو كانت غنية, أما هى فلا يلزمها ذلك, بل لها أن تخص نفسها بما شاءت. ولو طلقها فلها مؤخر الصداق (إن كانت لم تأخذه) ونفقة مطلقة, ونفقة متعة, بالإضافة لما تأخذه من أثاث بيت الزوجية الذى اشتراه لها زوجها, وهو ما يسميه العامَّة (القائمة) ثم إذا أراد طليقها أن يتزوج, فعليه من جديد أن يتحمل المهر, والسكن, والأثاث, وغير ذلك للزوجة الأخرى. والمرأة كانت فى الجاهلية لا تَرِث, بل كانت تُوَرَّث كأى متاع, فكانت إذا مات عنها زوجها, يأتى والده, أو أخوه, أو أى رجل من عَصَبَتِه - حتى لو كان ابن المتوَفَّى - فيُلقى عليها ثوبه, فتكون مِلكاً له بذلك, ثم جاء الإسلام فحرم هذه العادة القبيحة, فقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهاً} [النساء:19] وفى بعض القرى - إلى اليوم - لا يُوَرِّثون المرأة, لأنهم يقولون إن مالها سيذهب لزوجها, وهذا حرام قطعاً, وإن استحَلَّهُ أحد (أى اعتقد أنه حلال) يصبح بذلك كافراً.
وبالإضافة لما سبق.. فإن الرجل مكلَّف بطلب العلم, والجهاد فى سبيل الله, أكثر من المرأة, وهذا مما يجعله أشد احتياجاً للمال.
ثم إن الذين ينكرون علينا تفضيل الذكر على الأنثى فى الميراث, يفضلون الذكر على الأنثى منذ ولادته, بل ويجعلون الأنثى نفسها تُوَرَّث, فضلاً عن أن تَرِث, فيقول كتابهم المقدس:
وكلَّم الرب موسى قائلاً كلِّم بنى إسرائيل قائلاً. إذا حبلت امرأة وولدت ذكراً تكون نجسة سبعة أيام... وإن ولدت أنثى تكون نجسة أسبوعين (لاويين12: 1-5)
إذا سكن إخوة معاً ومات واحد منهم وليس له ابن فلا تَصِر امرأة الميت إلى خارج لرجل أجنبى. أخو زوجها يدخل عليها ويتخذها لنفسه زوجة ويقوم لها بواجب أخى الزوج. والبكر الذى تلده يقوم باسم أخيه الميت لئلا يُمحَىَ اسمه من إسرائيل (تثنية25: 5-6), والله أعلم.



الشبهة الثامنة و الستون (68):
- لماذا أقرَّ الإسلام تِجارة الرقيق؟ وهل يرضى الله للإنسان الْمُكرَّم أن يكون سلعة تُباع وتُشترى؟ وإذا كان لا يرضى, فلِمَ لم ينص القرآن على تحريمها؟ وكيف يبيح للرجل أن يطأ مِلك يمينه, مع أنها ليست زوجته؟

الرد:
- إن الإسلام لم يبتدع الرِّق, فقد كان سائداً لقرون طويلة بين أبناء الديانات المختلفة, وبين غير ذَوِى الأديان, وكان استخدام الرقيق يتم بصورة وحشية غير آدمية, وكانوا يُعَرَّضُون للقَمعِ والذل والإهانة, ويُضربون كالبهائم بالسوط (الكرباج) لا لشىء إلا لمجرد لذة السيادة, ويتم استخدامهم فى الأعمال الشاقة والمهينة, فى شدة الحر والبرد, وهم مقيدون بالحديد حتى لا يهربوا, وليس لهم أدنى حق حتى فى الشكوى, وكان يُنظر لهم على أنهم أشياء ليسوا كبقية البشر, خُلِقوا ليُستَعبَدوا. فعلى سبيل المثال: كان الهنود المجوس يعتبرونهم خُلِقُوا من قَدَم الإله, ولابد أن يُذلُّوا ويُحتَقروا, ويعملوا الأعمال الشاقة المهينة, ويُعذبوا, عسى أن تُنسَخ أرواحهم بعد مماتهم على هيئة البشر! وكان الأمر فى بلاد الفرس مثل ذلك. وفى العصر الرومانى كانوا يغيرون على البلاد الفقيرة لينهبوا خيراتها, ويستعبدوا أهلها (كما يحدث فى عصرنا الحاضر) ويسوموهم سوء العذاب, ويحرقوهم بالنار, حتى إنهم كانوا يجبرونهم على مبارزات بالسهام والنبال, مع بعضهم, ومع الوحوش, لا لشىء إلا لمتعة السّادة برؤية دماء هؤلاء العبيد المساكين, ولا يجدون فى أنفسهم أى شفقة عليهم, حتى لو تمزقت أجسادهم فى هذه المبارزات. بل كان السادة (وربما الإمبراطور نفسه) يحضرون هذه المهرجانات, ويضحكون ويصفقون لمن يقضى على خصمه, ولا دِيَة لهم, ولا ينتصر لهم أحد, أو يسمع شكواهم, وكأنهم كلاب قتلتها الضوارى وانتهى الأمر. وورثهم الأوربيون من بعدهم, فكانوا يغيرون على البلاد الأفريقية, ويخطفون الرجال والنساء والأطفال, ويقوم القراصنة بنقلهم فى سُفن البضائع مُكَدَّسين, فى مكان ضيق مظلم, كريه الرائحة, لا يُسمَح لهم حتى بالمسافة التى تكون فى الحظيرة بين بقرة وبقرة, يبولون ويتغوطون على بعضهم بعضاً, مع الحشرات والفئران, دون أدنى مراعاة لآدميتهم, بل كان التعامل معهم أحط وأحقر من معاملة البهيمة, وشاهد على ذلك مسلسل (جذور) الذى أنتجوه بأنفسهم, ليكون شاهداً على ظلمهم أمام الأجيال المتعاقبة. وكان الرجل الأبيض يستعبد الرجل الأسود, ويرى أن من حقه أن يفعل فيه ما يشاء, ينهب أرضه, ويهتك عِرضه, ويسفك دمه, ليحيا حياة الْمُنعَّمين المترفين, ولو على حساب الآخرين, فكان - وما زال - ينطبق عليهم قول القائل: قَتْلُ رجلٍ أبيض فى غابةٍ شىء لا يُغتَفر, وقتل شعب بأكمله أمرٌ فيه نظر!
وما زالت التفرقة العنصرية شاهدة على ماضيهم الأسود. ومن العجيب أن هؤلاء الظلمة, المحتلين, الذين سفكوا الدماء, وهتكوا الأعراض, وسلبوا الأموال, هم الذين يثيرون الشكوك حول الإسلام, كالقِزْم الأعمى الذى ينفخ بفمه تجاه الشمس ليطفئ نورها! وينسون - أو يتناسون - أن دينهم لم يحرم عليهم تجارة العبيد, ليس هذا فحسب, بل أمرهم بضربهم, وأباح لهم بيع بناتهم, وها هى بعض الأدلة من كتابهم المقدس:
ومن منكم له عبد يحرث أو يرعى يقول له إذا دخل من الحقل تقدَّم سريعاً واتكئ. بل ألا يقول له أعدد ما أتعشى به وتمنطق واخدمنى حتى آكل وأشرب وبعد ذلك تأكل وتشرب أنت. فهل لذلك العبد فضل لأنه فعل ما أُمِرَ به. لا أظن. (لوقا17: 7-9)
إذا اشتريتَ عبداً عبرانياً فسِتّ سنين يخدم وفى السابعة يخرج حُرّاً مجاناً. إن دخل وحده فوحده يخرج. إن كان بعل امرأة تخرج امرأته معه. إن أعطاه سيده امرأة وولدت له بنين أو بنات فالمرأة وأولادها يكونون لسيده وهو يخرج وحده. ولكن إن قال العبد أحب سيدى وامرأتى وأولادى لا أخرج حراً يقدمه سيده إلى الله ويقربه إلى الباب أو إلى القائمة ويثقب سيده أذنه بالمثقب. فيخدمه إلى الأبد. (خروج21: 2-6)
أيها العبيد أطيعوا سادتكم حسب الجسد بخوف وَرِعْدَة فى بساطة قلوبكم كما للمسيح. (رسالة بولس إلى أفسس6: 5)
وإذا باع رجل ابنته أمَة (خروج21: 7)
وأما ذلك العبد الذى يعلم إرادة سيده ولا يستعد ولا يفعل بحسب إرادته فيُضرَبُ كثيراً. (لوقا12: 47)
ونقول لهؤلاء الحاقدين: إن المشركين فى الجزيرة العربية قبل الإسلام كانوا لا يختلفون عن أسلافهم فى قمع العبيد وإذلالهم وتعذيبهم, وكانوا يغيرون على القبائل, ويخطفون الرجال والنساء والأطفال, لبيعهم فى سوق النخاسة, وعندما جاء الإسلام لم يُحَرِّم الرِّق, لأن هؤلاء العبيد كانوا رءوس أموال لأصحابهم, ولنتخيل لو جاء أى نظام جديد يَحرِم الناس من أملاكهم.. ماذا يكون رد فعلهم؟ إن هذا سيصد الكثيرين عن الإيمان به واتِّباعه, وخاصة فى بادئ الأمر, قبل أن تقبله العقول, وترضاه النفوس. ولو حُرِّمَ الرِّق.. فكيف كان يُعامَل أسرى الحروب؟ أيُعامَلون مثل معاملتهم فى وقتنا الحاضر, فيُسجنون, ويُعَذبون, ويُهانون, كما حدث فى سجن (أبو غْرِيب) بالعراق, ومُعتقَل (جوانتانمو)؟ أم ينعمون بحياة آدمية مطمئنة, فى بيوت نظيفة, يأكلون ويشربون ويلبسون مثل أصحابها؟ ثم إن أخذ الأسرى من العدو فى الحروب, واسترقاقهم, هو معاملة بالمثل, ولكن بشروط معينة يُرجع إليها فى كتب الفقه, وقد جعل لهم الإسلام حقوقاً تكفل لهم العيش الكريم مع إخوانهم, وجعلهم مُكَرَّمين, لهم حقوق كسائر البشر, وحرم ظلمهم, أو الاعتداء عليهم بأى وسيلة, وأمر مُلاكَهم بألا يكلفوهم ما لا يطيقون من الأعمال الشاقة, وإذا كلفوهم أن يعينوهم, قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن إخوانَكُم خَوَلُكُم جعلهم الله تحت أيديكم, فمن كان أخوه تحتَ يَدِهِ, فليطعمه مما يأكل, وليلبسه مما يلبس, ولا تكلِّفوهم ما يغلبهم, فإن كلَّفتموهم فأعينوهم)) [صحيح البخارى] سبحان الله! هل هناك خُلُق أفضل من هذا؟ لقد جعلهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - إخواناً لمن هم تحت أيديهم, و((خَوَلُكُم)) معناها الذين يتخوَّلون مصالحكم, كما نقول بلغتنا (خُولى الجنينة) أى الذى يتعهد البستان برعايته وإصلاحه. وتخيلوا معى كم تساوى كلمة ((إخوانكم))؟ وكيف كان رفعها لمعنويات هؤلاء الخدم, بعد أن كانوا يُعاملون على أنهم أشياء محتقرة ذليلة؟ وكيف وصَّى بإطعامهم وكسوتهم, بعد أن كانوا لا يأكلون إلا الردىء من الطعام, ولا يلبسون إلا المهلهل من الثياب, يفترشون التراب, ويلتحفون بالسحاب. إن الخدم فى عصرنا الحاضر ليَتَمنّون أن تكون لهم مثل هذه الحقوق التى لم يحصلوا عليها فى ظل ما يدّعونه من مراعاة حقوق الإنسان فى العالم المتحضر!
ومن إكرام الإسلام لهم قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يقولنَّ أحدكم عبدى وأَمَتِى, كلكم عبيد الله, وكل نسائكم إماء الله, ولكن ليَقُل غلامى وجاريتى, وفتاى وفتاتى)) [صحيح مسلم] وقوله: ((من ضرب غلاماً له حَدّاً لم يأتِهِ, أو لَطَمَه, فإن كفارته أن يعتقه)) [صحيح مسلم] فهل بعد هذا حفظ للحقوق؟ لقد جعل مجرد ضربهم, أو لطمهم, سبباً لعتقهم, وهذا إذا كان بغير ذنب, وهو معنى ((له حَدّاً لم يأتِهِ)) وهذا العتق كفارة لذنبه, لينجيه من عذاب الله يوم القيامة, وليس مُلزماً له فى الدنيا, إلا عند الإمام مالك (والله أعلم) ولطم الوجه - عموماً - نهى عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم -, حتى إنه نهى عن ضرب البهيمة فى وجهها, فقال: ((أمَا بلغكم أنِّى لعنتُ من وَسَمَ البهيمةَ فى وجهها, أو ضربها فى وجهها)) [صحيح الجامع:1326] سبحان الله! هل علم العالم أجمع, فى قديمه أو حديثه, أرفع من هذا الْخُلُق؟ أو رفقاً بالحيوان أعظم من هذا؟ فالذى رفق بالحيوان هو أجدر بأن يرفق بالإنسان. فالحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة.
لقد حرم الإسلام قتل العبيد, أو الاعتداء عليهم بغير حق, سواء كان بضربهم, أو جَدْع أنوفهم, أو إخصائهم, وقد كان ذلك منتشراً فى الجاهلية قبل ظهور الإسلام, ليصبحوا غير قادرين على المعاشرة الزوجية, لأنهم كانوا يدخلون على نسائهم فى غيابهم, ليقوموا بخدمتهن, قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من خَصَى عبده خصيناه)) [سنن النسائى] وقال: ((من قتل عبده قتلناه, ومن جَدَعَ عبده جَدَعناه)) [سنن أبى داود والترمذى] وعن أبى مسعود البدرى - رضي الله عنه - قال: كنت أضرب غلاماً لى بالسوط, فسمعت صوتاً من خلفى: (( اِعلم أبا مسعود )) فلم أفهم الصوت من الغضب, فلما دنا منى إذا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو يقول: (( اِعلم أبا مسعود أن الله أقدَر عليك منك على هذا الغلام )) فقلت: لا أضرب مملوكاً بعده أبداً [صحيح مسلم] وفى رواية أخرى فى صحيح مسلم - أيضاً - أن أبا مسعود قال للرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما رآه غاضباً: يا رسول الله هو حُرّ لوجه الله, فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (( أمَا لو لم تفعل لَلَفَحتك النار, أو لَمَسَّتك النار ))
‌أين هذا مما جاء فى الكتاب المقدس الذى يبيح للسيَّد أن يضرب عبده ضرباً مُبَرِّحاً, ولا يُنتَقم منه, طالما أن العبد لم يَمُتْ خلال يوم أو يومين, لأنه اشتراه بماله؟ وها هو الدليل: وإذا ضرب إنسان عبده أو أمَتَه بالعصا فمات تحت يده يُنتَقمُ منه. لكن إن بقىَ يوماً أو يومين لا يُنتَقم منه لأنه ماله. (خروج21: 20-21) إن معنى ذلك أن العبد إذا مات من الضرب بعد اليوم الثانى فلا يُنتقَم من سيِّده! أين هذا من تكريم العبيد فى الإسلام؟ وهل هناك تكريم عرفته البشرية أكبر من أن يتزوج الحر الأمَة, وأن تتزوج الحرة العبد؟ إن الناس يستنكفون من زواج الخادم والخادمة, بل ويستنكفون من زواج من هم دونهم فى الجاه, والمنصب, والتعليم... إلخ, فما بالكم بالعبد والأمَة؟ ولكن الله الرحيم, اللطيف بعباده, شرع ذلك للمؤمنين, فقال فى كتابه الكريم: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء:25] ولم يقل الله سبحانه وتعالى (بإذن أسيادهن) أو (بإذن أربابهن) ولكنه قال: {بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} التى توحى بالرأفة والرحمة وعدم الجفوة, و: {وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البقرة:221] وفى الآية نفسها {وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} لأن تفاضل الناس عند الله بالتقوى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] وبالفعل حدث هذا عندما تزوج زيد بن حارثة - رضي الله عنه - مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من السيدة زينب بنت جحش - رضى الله عنها - وهى الشريفة القرشية, بنت عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, ولم يذكر الله عز وجل أحداً من الصحابة - رضوان الله عليهم - باسمه فى القرآن إلا زيداً, فقال: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً} [الأحزاب:37] وأمَّرَهُ الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى غزوة مؤتة على المهاجرين والأنصار, واستشهد فيها - رضي الله عنه -, وأمَّرَ ابنه أسامة - رضي الله عنه - وهو ابن سبع عشرة سنة على الجيش, وفيهم أبو بكر, وعمر, وعثمان, وعلىّ, وخالد بن الوليد, وغيرهم من الصحابة الأجلاء - رضوان الله عليهم -. قال - صلى الله عليه وسلم -: ((كلكم بنو آدم, وآدم خُلِقَ من تراب, لَيَنتَهِيَنَّ قوم يفتخرون بآبائهم, أو ليكوننَّ أهون على الله من الْجُعلان)) [صحيح الجامع:4568] ((الْجُعلان)) معناه الْخُنفِسَاء. وقال - صلى الله عليه وسلم - لسيدنا بلال - رضي الله عنه -: ((يا بلال! بمَ سبقتنى إلى الجنة؟ ما دخلتُ الجنة قط إلا سمعتُ خشخشتكَ أمامى, إنى دخلتُ البارحة الجنة, فسمعتُ خشخشتكَ أمامى)) [صحيح الجامع:7894] وقال: ((إن الجنة لتشتاقُ إلى ثلاثة: علىّ, وعمّار, وسَلْمان)) [سنن الترمذى, صحيح الجامع:1598] وعمّار وسلمان (رضى الله عنهما) كانا عبدين مملوكين. ‌ورُوِىَ أن أبا بكر - رضي الله عنه - حينما أعتق بلالاً قال له: يا سيدى, فقال له: لا تقل سيدى, إنما أنا أخوك. وورد أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال حين ذاك: سيّدُنا وأعتق سيّدَنا. وقد توارثت الأُمَّة تعظيمهم جيلاً بعد جيل, فلا يُذكَر بلال الحبشى إلا ويُقال سيدنا, وكذلك عمّار بن ياسر, وصُهَيب الرومى, وسلمان الفارسى, وغيرهم, رضى الله عنهم وأرضاهم أجمعين, اللهم اجعلنا معهم يوم الدين.
ولم يكتفِ الإسلام بكل هذا التكريم, بل عمل على تجفيف منابع الرِّق, فحرَّم بيع الأحرار, وحث على عتق الرِّقاب, وجعله قُربَى لله سبحانه وتعالى, مثل: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ{12} فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد:12-13] فكان أول من امتثل لأمر الله سبحانه وتعالى هو الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأن أعتق جميع من عنده من العبيد, وبعده أبو بكر, الذى أنفق ماله فى تحريرهم, ليرحمهم من التعذيب الذى كانوا يلاقونه على أيدى الكفار ليفتنوهم عن دينهم. وقد جعل الله لتحريرهم نصيباً من الزكاة , فقال سبحانه : {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60] وجعل عتقهم تكفيراً لبعض الذنوب, فعلى سبيل المثال: القتل الخطأ, كفارة اليمين, الظِّهار, الجماع فى نهار رمضان... إلخ. وجعل لعتقهم نصيباً من زكاة المال {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة:60] وحث على تحريرهم بالمكاتبة, فقال: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور:33] والْمُكَاتَبَة هى أن يطلب العبد من سيده أن يحرره مقابل مبلغ من المال, بحيث يتركه يعمل, ويسدده له على أقساط, وإذا عمل عند سيده فى هذه الفترة, يكون عمله بأجر, وأمر الله سيده (أو غيره من المسلمين) بإعطائه نصيباً من المال, لإعانته على هذا الأمر, قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يَسألُ الرجل مولاه من فضل هو عنده فيمنعه إيّاه, إلا دُعِىَ لهُ يوم القيامة فضله الذى منعه شجاعاً أقرع)) [صحيح الجامع:7709] أرأيتم ما هو عقاب من منع وليه فضل ما عنده؟ أن يُمَثَّلَ لهُ ثعباناً ضخم الهيئة, يُسمَّى (الشجاع الأقرع) والعياذ بالله. وإذا رفض سيده أن يكاتبه, فله أن يشتكيه للقاضى, ويلزمه القاضى بقبول المكاتبة, بشرط أن يكون هذا العبد موثوقاً فى أمانته وصدقه, لضمان حق وليّه. وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفك أسرى المشركين مقابل تعليمهم المسلمين القراءة والكتابة, فكان شرط فكاك الواحد منهم أن يعلم عشرة من المسلمين. ويكفى أن آخر وصية للرسول - صلى الله عليه وسلم - قبل موته كانت بالعبيد, إذ قال: ((الصلاة وما ملكت أيمانكم, الصلاة وما ملكت أيمانكم)) [سنن ابن ماجه ومُسنَد أحمد, صحيح الجامع:3873]
أما وَطْء الرجل أمَتَه, فإن هذا احترام لحقها, وليس إهانة, فإنها كانت قبل الإسلام ليست ملكاً لسيدها وحده, بل لابنه, وأبيه, ولمن شاء أن يقدمها له من الضيوف, فحرم الله إجبارهن على البغاء, فقال: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [النور:33] وهى امرأة, ولها متطلباتها كبقية النساء, وإذا تُرِكَت بغير زوج.. فمن يُعِفُّها إذن؟ أتُترَك لتكون عُرضة لمطمع الفسقة والفجرة من الرجال؟ إن هذا يعرّضها للأمراض, فضلاً عن إشاعة الفساد فى البلاد. ولها تكريم آخر.. أنها إذا ولدت ولداً تصير حرة, وبعض العلماء قال والبنت أيضاً. أما إذا خطبها أحد - سواء كان حراً أو عبداً - فلا مانع من ذلك, بشرط أن يكون بإذن وليها, وفى هذه الحالة تحرم على وليها, لأنها أصبحت زوجة لرجل غيره.
وقد أباح الكتاب المقدس أخذ السبايا, ووطء الإماء, وهذه بعض الأدلة:
فالآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال. وكل امرأة عرفت رجلاً بمضاجعة ذكر اقتلوها. لكن جميع الأطفال من النساء اللواتى لم يعرفن مضاجعة ذكر أبقوهن لكم حيّات. (عدد31: 17-18) أى أنهم يقتلون الذكور من الأطفال, أمّا الإناث من الأطفال فلا يُقتَلْنَ طالما أنهنَّ عفيفات, ولكن يُؤخَذْنَ كأسيرات.
إذا خرجتَ لمحاربة أعدائك ودفعهم الرب إلهك إلى يدك وسبيتَ منهم سبياً ورأيت فى السَّبْى امرأة جميلة الصورة والتصقتَ بها واتخذتها لك زوجة فحين تدخلها إلى بيتك تحلِق رأسها وتقلِّم أظفارها وتنزع ثياب سبيها عنها وتقعد فى بيتك وتبكى أباها وأمها شهراً من الزمان ثم بعد ذلك تدخل عليها وتتزوج بها فتكون لك زوجة. (تثنية21: 10-13)
فلما رأت راحيل أنها لم تلد ليعقوب غارت راحيل من أختها. وقالت ليعقوب هب لى بنين. فحمى غضب يعقوب على راحيل وقال ألَعَلِّى مكان الله الذى منع عنك ثمرة البطن. فقالت هُوَذا جاريتى بلهة. ادخل عليها فتلد على ركبتى وأُرزَق أنا أيضاً منها بنين. فأعطته بلهة جاريتها زوجة. فدخل عليها يعقوب (تكوين30: 1-4)
وأما بنو السرارى اللواتى كانت لإبراهيم فأعطاهم إبراهيم عطايا وصرفهم عن إسحق ابنه شرقاً إلى أرض المشرق وهو بعد حى (تكوين25: 6), والله أعلم



الشبهة التاسعة و الستون (69):
- إن تحريم الربا فى الإسلام يصيب الاقتصاد العالمى بالشلل التام.

الرد:
- سنورد لكم بعض أقوالكم لتكون حجة عليكم:
لقد جاء فى كتابكم المقدس ما نصه: إن أقرضتَ فضة لشعبى الفقير الذى عندك فلا تكن له كالمرابى. لا تضعوا عليه ربا (خروج22: 25) ولكن هذا التحريم - للأسف - خاص بأبناء دينكم, بدليل: لا تُقرِض أخاك برباً ربا فضة أو ربا طعام أو ربا شىء ما مما يُقرَض بربا. للأجنبى تُقرِض بربا ولكن لأخيك لا تُقرِض بربا لكَى يباركك الرب إلهك (تثنية23: 19-20)
إن رجل الاقتصاد الأول, وهو العالِم الألمانى (شاخت) وضع نظرية سنة 1950 قال فيها: (إن الربا ليتسبب فى مصائب عالمية, وإن الربا ليضر بالاقتصاد العالمى, وإنه ليزيد الفقير فقراً, والغنِىَّ غِنىً) وكذلك فإن مؤسس علم الاقتصاد العالمى, وهو رجل بريطانى اسمه (كينز) قال: (إن العالم ليحلم بأن يدور رأس المال مرتين ونصف المرة كل سنة, وعندها تتحقق الرفاهية لكل الشعوب) أى أن رأس المال يعاد استثماره كل أربعة أشهر, إن هذا معناه هو مقدار الزكاة. ويقول أيضاً: (حين تصل قيمة الفوائد إلى الصفر, يشيع النماء والرخاء فى العالم كله) معنى هذا هو عدم الربا. وقد لجأت الولايات المتحدة فى السنوات الأخيرة للإقراض بدون فوائد, لتشجيع الاستثمار فى المجتمع الأمريكى.
إن الربا هو الذى يضر بالاقتصاد العالمى, وليس تحريمه كما يدَّعى المغرضون, فلنفترض أنك اقترضت مليون جنيه لعمل مشروع, ثم ربحت عشرين بالمائة أو أقل فى نهاية العام, وفى الوقت نفسه كانت قيمة الأرباح المطلوب منك سدادها هى أيضاً عشرين بالمائة, فكم يكون ربحك حينها؟ إن هذا المشروع عند رجال الاقتصاد لا يساوى نشاطه, فتضطر لغلق المصانع, وتسريح العمالة, أو تزداد ديونك عاماً بعد عام, إلى أن يتم استيلاء الجِهة الْمُقرِضة على ممتلكاتك, أو وضعك فى السجن, فهل هذا يؤدى إلى نمو الاقتصاد, والقضاء على البطالة, وتشغيل الأيدى العاملة؟ فى حين أنك لو قمت بهذا المشروع من مالك الخاص, أو اقترضت قرضا حسناً بغير فوائد, لكان ربحك خالصاً لك, كما أن فى هذا استمراراً للإنتاج, وازدهاراً للاقتصاد, وقضاءً على البطالة - أو الحدّ منها - ورفعاً لمستوى المعيشة... إلخ. ربما يتعجب البعض ويقول: من الذى يقرض قرضاً حسناً فى هذا الزمان؟ إنه بذلك يكون قد عطل ماله, ولم يَعُد عليه بأى نفع دنيوى؟ فنقول له: ليس شرطاً أن يكون قرضاً, ولكنه يشارك فى المشروع, ويتفق مع شريكه - أو شركائه - على نسبة معينة من الربح أو الخسارة, بحيث لا تكون الفائدة ثابتة, حتى لا يقع فى الحرام, فربما خسر المقترض, أو ربح أرباحاً طائلة, فيكون بذلك قد ظلم نفسه, أو ظلم شريكه.
والذى يسدد أرباحه كفوائد للديون.. ماذا يفعل؟ إنه - كما قلنا - إمّا أن يغلق مصانعه, وينهى مشروعه, ويسرِّح عمالته, وإمّا أن تتراكم عليه ديونه, وفى هذه الحالة قد يلجأ إلى حِيَل تضر بمجتمعه, ليسدد ديونه, ولنفترض أنه يبيع سلعاً استهلاكية, فلو باعها بسعرها فى السوق لَخَسِرَ, ولو باعها بثمن أغلى ليحقق قيمة الربح المرجوَّة لسداد ديونه بفوائدها لكسدت سلعته, فماذا يفعل؟ إنه يلجأ إلى ما يسمى بالحِيَل النَّكِدَة, كأن يغش البضاعة, فيقدم للمجتمع سلعاً مغشوشة تضر بالمستهلك, وإن لم يستطع غشها (كالملابس الجاهزة مثلاً) فإنه يلجأ إلى استغلال المرأة لاستقطاب الزبائن - كما يحدث فى أوربا - نساء يرقصن ويغنين من أجل ترويج السلعة, وبيعها بسعر أغلى, أو يشغل عنده المتبرجات تبرجاً صارخاً, وفى هذه الحالة أيضاً يضر بالمستهلك, لأنه يبيع له بسعر عالٍ (فضلاً عن ضرره فى دينه) فيخفض مستوى المعيشة, لأن المستهلك فى هذه الحالة لا يستطيع شراء كل ما يحتاجه من السلع, لارتفاع سعرها.
والذين يبيحون الفوائد (الربا) يقولون إن العقد شريعة المتعاقدين, وإن كِلا الطرفين (الدائن والمدين) راضيان عن هذا العقد. ونقول لهم: إن هناك مُشرِّعاً أعلى, وهو الله سبحانه وتعالى. وقاعدة (العقد شريعة المتعاقدين) لا تصلح إلا فى العقود الحلال, وإلا- لأصبحت عقود الزنى حلالاً بالتراضى أيضاً. والربا عقوده باطلة قانونياً, وليس شرعياً فقط, فالمفروض أن القانون يحمى الطرفين: المقرض والمقترض, أما عقود الربا فإنها تحمى المقرض فقط, لأنها تبيح له أن يأخذ كل الضمانات التى يريدها من المقترض, مثل الحجز على متاع بيته, أوكذا أوكذا, ولا يضمن للمقترض أى حق. والذين يقولون إن البنوك لا تخسر, وإقراضها للناس بالفوائد يعتبر مثل البيع, فإن قولهم هذا مثل قول الكافرين أيام الرسول - صلى الله عليه وسلم -: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:275] وكان المفروض أن يقولوا (إنما الربا مثل البيع) ولكنهم بدأوا بالبيع لتشبيهه بالربا فى جلب الزيادة للمال.
ومن قال إن البنوك لا تخسر؟ إن هناك الكثير من البنوك العالمية التى تخسر بالمليارات, وتغلق أبوابها, وتسرِّح عمالَتَها, بل وتستدين, وشركات عالمية تخسر, وتعلن إفلاسها, فطالما أنك دخلت فى التجارة فإنك معرض للربح والخسارة. وهناك سؤال: ما الفرق بين البيع والربا؟ إنك فى البيع تبيع السلعة بنقود, أما الربا فإنك تبيع نقوداً بنقود, والنقود ليست سلعة, ولو أصبحت النقود سلعاً, لتحولت السلع إلى نقود, وهنا يسقط التقايض, وتسقط المنافع العامة, فلابد وحتماً أن تكون التعاملات المصرفية البنكية على أن رصيدها من الفوائد صفر. ومن حِكَم تحريم الربا ألا يدور رأس المال بين الأغنياء فقط {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ} [الحشر:7] {دُولَةً} معناها التداول, فإن رءوس الأموال فى العالم - عادة - تدور دورة أفقية مع الأغنياء فقط مثل (مروحة السقف) ولكن الإسلام يريد أن يدور المال دورة رأسية مثل (الساقية) حتى لا يحرم الفقير, ينزل المال من الغنى على الفقير, ويصعد من الفقير إلى الغنى, فالغنى يشغّل الفقراء, والفقراء يستثمرون مال الغنى, ويعطونه الربح.
إن الربا - كما قال شاخت - يزيد الغَنِىّ غِنَىً ويزيد الفقير فقراً, لأن الغنى تتضاعف أمواله بالربا, أما الفقير فإنه ينشغل بسداد ديونه وفوائدها, فيزداد فقراً على فقر, ويضطر إلى الحرام. والإنهيار الاقتصادى الذى أصاب العالم هذه الأيام - وخصوصاً أمريكا والدول الصناعية الكبرى - سببه أكل الربا, وحين حرَّمه الإسلام لم يترك الناس يتخبطون فى البحث عن البديل, ولكنه حث على الصدقة, والقرض الحسن, وجعل أجره أعلى من أجر الصدقة, ووعد من صبر على الْمُعسِر بجزيل الأجر والثواب, وفى هذا تكافل اجتماعى كبير, ليس له فى العالم نظير, والله أعلم.


يتبع