شبهات باطلة حول العقيدة:
الشبهة الحادية والعشرون (21):
- ما هى فائدة التوحيد للمسلمين؟ وما هو الخير الذى يعود عليكم منه, وحالكم كما تعلمون الآن من الذلة والهوان؟ ألا يكفى الاعتراف بأن للكون خالقاً؟

الرد:
- ن هذا الكلام كفر وإلحاد, إذ كيف يعترف الإنسان بأن له خالقاً, ثم لا يعبده؟ إن توحيد الألوهية يريح البشرية, فالذى له أرباب متفرقون كالعامل الذى له مجموعة من الرؤساء, أو الجندى الذى يخدم مجموعة من الضباط, كلّ له أوامره التى تختلف عن الآخر, فتراه حائراً بينهم, لا يدرى من يُرضى؟ فلاناً أم فلاناً أم فلاناً؟ فالأوامر متعددة, والنواهى متخبطة, أما الموحد فقلبه مستريح, وعقله مستريح, وفكره غير مشتت, ونفسيته غير مضطربة, لأن الخالق واحد, والرزاق واحد, ومدبر الأمر واحد, والمشرِّع واحد, والآمر واحد, والناهى واحد… إلخ. : {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر:29] وقال: {أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف:39] فالخير كل الخير فى توحيد الله, والشر كل الشر فى الشرك بالله, أما الخير الدنيوى للتوحيد فكثير, فهو يجمع شمل المسلمين على كتاب واحد, ورسول واحد وَقِبْلَة واحدة… إلخ, وإذا حققوه فى أنفسهم, وأهليهم, وكل معاملاتهم, ففيه عزتهم, وكرامتهم, ونصرهم, أما الخير الأخروى فهو نجاتنا من النار, ودخولنا الجنة, قال رسول الله : ((يا مُعاذ! هل تدرى حقَّ اللهِ على عبادِهِ وما حقُّ العبادِ على الله؟ فإن حقَّ اللهِ على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا بهِِِ شيئاً, وحقَّ العبادِ على اللهِ أن لا يعذب من لا يشركُ بِهِ شيئاً)) [صحيح البخارى] أما حالنا فهو لا يخفى علينا, وهذا من تفريط بعضنا – بل معظمنا – فى حق ربنا, أما لو رجعنا إلى ربنا, واتبعنا هدى نبينا فسيصلح الله حالنا, ويُمَكِّن لنا كما مَكَّن لأسلافنا, كما : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:55] وقد تكلمنا من قبل على موضوع الشرك, فى الرد على الشبهة رقم (10) وتكلمنا أيضاً على موضوع التخلف والفقر والمرض الذى أصاب المسلمين, فى الرد على الشبهة رقم (72) والهزيمة التى لحقت بهم فهى من ترك الصلاة, والتبرج, وسب الدين, وأكل الربا, وشرب الخمور, وإشاعة الفاحشة, وغير ذلك كثير مما لا يخفى على أحد, ومن أكبر أسبابها الركون إلى الدنيا, وترك الجهاد فى سبيل الله, : {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة:24] وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ} [التوبة:38] وقال رسول الله : ((يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أُفُق كما تداعى الأكَلَة إلى قصعتها)) قيل: يا رسول الله! فمن قِلَّة يومئذ؟ قال: ((لا.. ولكنكم غُثاء كغثاء السيل, يجعل الوَهْن فى قلوبكم, وينزع الرعب من قلوب عدوكم, لحبكم الدنيا, وكراهيتكم الموت)) [صحيح الجامع:8183] وقال: ((إذا تبايعتم بالعِينَة, وأخذتم أذناب البقر, ورضيتم بالزرع, وتركتم الجهاد, سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)) [صحيح الجامع:423] وقد حدث ما قاله الرسول بالحرف الواحد, فَهَا نحن قد أصبحنا أذلة, وتكالبت علينا الأمم من كل صوب وحدب, ولم يصبح لنا وزن بين الأمم, حتى إن اليهود قالوا عنا فى فترة الستينيات: (يفطروا فول, ويتغدوا كرة, ويتعشوا أم كلثوم) وعندهم حق, فقد تخاذل المسلمون, ونكصوا عن الجهاد, ولم يُعِدُّوا له عُدَّته كما أمرهم الله عز وجل فى قوله: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال:60] ولم يقتصر الأمر على تخاذلهم عن الجهاد بأنفسهم, بل إنهم تخاذلوا عن بذل أموالهم فى سبيل الله, لنصرة إخوانهم المستضعفين فى كل مكان, ولم يعد لهم شاغل إلا السعى على أرزاقهم, وتضييع أوقاتهم فى مشاهدة الكرة والأغانى والأفلام والمسلسلات والمسرحيات, والتفنن فى أنواع الأطعمة والملابس والمفروشات…إلخ, لدرجة أنهم ينفقون آلاف الجنيهات فى تزيين منازلهم, بل ودورات مياههم, ولا ينفقونها فى سبيل الله, ويعرفون كل شىء فى الدنيا إلا دينهم, وأصبح اهتمام شباب الأمة (الذين هم أملها فى جهاد أعدائها) هو المشى مع البنات, والانشغال بالكرة, ومعرفة أسماء اللاعبين العرب والأجانب, حتى الاحتياطى منهم, ومن سيفوز بكأس العالم, وما هى الدولة التى تقام بها الأوليمبيات, ولا يعلمون شيئاً عن دينهم, ويقلدون الأجانب فى لبسهم, وكلامهم, وتسريحة شعرهم, وفى كل أحوالهم, ولا يقلدون نبيهم , وترى المساجد خاوية أثناء إذاعة مباريات الكرة, وخاوية فى صلاة الفجر إلا القليل, وغير ذلك مما يطول شرحه, ولا فائدة من ذكره, إلا قليلاً من الموحدين المخلصين, الذين لا يضرهم من خالفهم, وهم الذين بشرنا بهم نبينا محمد فى قوله: ((لا تزال عصابة من أمتى يقاتلون على أمرِ الله, قاهرينَ لعدوهم, لا يضرهم مَن خالفَهُم, حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك)) [صحيح مسلم]
إن الدين أصله التوحيد, ومن هذا التوحيد تنبثق الشريعة, وهى ما شرعه الله من التحليل والتحريم, والأوامر والنواهى, وأمر بالمعروف, ونهى عن المنكر… إلخ, ويترتب على هذه الشريعة نظام يشمل جميع نواحى الحياة, وكى تظهر هذه الشريعة فلابد لها من تطبيق فى حياة الناس, ولابد لها من رجال يذودون عن حياضها, أم أن الدين سينتصر بغير رجال؟ ولو أن ديننا عبارة عن كهنوت فقط (أى عبادة) لعاوننا أشد أعدائنا على عبادة ربنا, وربما بنوا لنا المساجد ودور العبادة على أفخم طراز وأبهاه, ولكنهم يحاربوننا لأنهم يعلمون أن ديننا يشمل جميع نواحى الحياة, وأخطر ما فى ذلك عليهم هو الحكم بما أنزل الله, فإن ذلك سيعطل مصالحهم السياسية والاقتصادية والفكرية… إلخ, فإنه يحرم الربا.. فماذا تفعل بنوكهم؟ الخمر حرام.. فماذا يفعلون فى حوانيتهم ومصانع خمورهم؟ الزنى وكل ما يؤدى إليه من الفواحش حرام.. فماذا يفعلون بإعلامهم الهابط الذى يشجع على ارتكاب الفواحش, من أفلام جنسية, ومسلسلات, ومسرحيات, ومؤلفات هابطة, وأغانٍ ماجنة, وموسيقى صاخبة؟ لا اختلاط بين الرجال والنساء.. فأين تذهب منتجعاتهم السياحية؟ لا تبرج..فماذا تفعل بيوت أزيائهم ومعارضهم؟
إن الدين صرح شامخ لا بد له من نظام, ومن رجال أشدّاء يحمون هذا النظام, فهل هناك مبنى عملاق ليس له نظام؟ أو ليس له بواب أو حارس؟ وهذا النظام يشمل (بالإضافة لما سبق): غض البصر, صدق الحديث, حسن الجوار, عدم التطفيف فى الكيل والميزان, بر الوالدين, صلة الأرحام, الوفاء بالعهود, عدم شهادة الزور… إلخ. والكلام فى هذا الأمر يحتاج لمجلدات, ولكن المقام لا يتسع لذلك, أمّا هُمْ فدينهم كهنوت: أعطوا إذاً ما لقيصر لقيصر وما لله لله (متى22: 21)
والسائل قد أجاب على نفسه فى سؤاله, فهو يقول: وحالكم كما تعلمون الآن, أى إنه الآن, وليس فى ماضى الزمان, لأنه يعلم ماذا كان يفعل أسلافنا الكرام, حين كان المسلمون مسلمين حقاً, وكان الإسلام هو أكبر همهم, فدانت لهم الدنيا بأسرها, ولم يستطع أحد أن يتعدى على حرماتهم, أما الآن فهم مُسَلِّمُون (أى مُسَلِّمين أنفسهم وأرضهم وأموالهم لأعدائهم) ونحن نعلم ما فعله الفاروق عمر بن الخطاب حين بعث إلى هرقل عظيم الروم يهدده, ويقول له: والله لأُنْسِينَّك وساوس الشيطان بخالد (أى خالد بن الوليد) ووالله لأُرسِلنَّ لك رجالاً يحبون الموت كما تحبون الحياة. وقد زلزل أعظم امبراطوريتين فى التاريخ, وهما الرومانية والفارسية, وانتشرت فى عهده الفتوحات الإسلامية, والانتصارات العظيمة, التى سجلها التاريخ على صفحات مشرقة, بجهاد هؤلاء الأبطال الأتقياء المخلصين, رضى الله عنهم وأرضاهم أجمعين, والله أعلم.

الشبهة الثانية والعشرون (22):
- يقول نبيكم إن كل رسول يذكر ذنبه يوم القيامة, ويعتذر عن الشفاعة العظمى, ويوصى الناس أن يذهبوا للذى بعده, حتى يصلوا إلى المسيح فلا يذكر ذنباً, أما نبيكم فقد قال الله له: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِك} [غافر:55] فطالما أن المسيح لم يذنب فقد قامت الحجة عليكم بأنه الرب, لأن الرب عندكم مُنزَّه من كل عيب.

الرد:
- هل كل من لا يذنب يصير إلهاً؟ إذن لأصبح الأطفال آلهة لأنهم لا يذنبون, وكذلك المجانين, والذين فقدوا وعيهم, قال رسول الله : ((رُفِعَ القلمُ عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقلهِ حتى يَبرَأ, وعن النائم حتى يستيقظ, وعن الصبى حتى يحتلم)) [صحيح الجامع: 3512] فإذا صح استدلالكم بحديث الشفاعة العظمى.. فلماذا أحالهم سيدنا عيسى إلى نبيناr ؟ ولو كان إلهاً لماذا طلب منه الناس الشفاعة, ولم يطلبوا منه المغفرة؟ وكيف يكون إلهاً وهو يقف مع الناس فى المحشر, بل ويقول نفسى نفسى؟ ولماذا لم يدل سيدنا آدم البشر عليه مباشرة, ألم يكن يعلمه؟ إن المسيح نفسه لم يدَّعِ الألوهية, وقد ذكرنا بعض الأدلة على ذلك فى الرد على الشبهة رقم (16) ثم إنكم قد نسبتم إليه الخطايا, ولعنتموه فى كتابكم, فكيف تعبدونه وقد لعنتموه؟
حينئذ جاء يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنا ليعتمد منه (متى3: 13)
ولما اعتمد جميع الشعب اعتمد يسوع أيضاً. (لوقا3: 21) مع أنه لا يعتمد عندكم إلا المذنب, بدليل:
أنا أعمدكم بماء التوبة (متى3: 11)
واعتمدوا منه فى الأردن معترفين بخطاياهم (متى3: 6)
فجاء إلى جميع الكورة المحيطة بالأردن يَكْرِز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا. (لوقا3: 3) وإلى الآن تعَمِّدون كل من دخل فى دينكم لتنقوه من الخطايا بزعمكم.
المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب ملعون كل من عُلِّقَ على خشبة. (رسالة بولس إلى غلاطية3: 13), والله أعلم.


الشبهة الثالثة والعشرون (23):
- إن المسلمين لا يوحدون ربهم, فحين يحلفون يثلِّثون, ويقولون: (والله العظيم ثلاثة) أى أنه ليس إله واحد, بل ثلاثة.

الرد:
- إن هذا من أتفه الأسئلة الطفولية. إن ما يقوله المسلمون عبارة عن تأكيد للقسم, وكأنهم يقولون: نقسم بالله ثم نقسم بالله ثم نقسم بالله. ولكنهم يختصرون فيقولون (نقسم بالله ثلاثاً) أى ثلاث مرات وليس ثلاثة آلهة, مع العلم بأن صيغة القَسَم هذه لم تَرِد عن الرسول ولا عن الصحابة ولا التابعين, ولا علماء الدين, والله أعلم.


يتبع