شبهات حاقدة حول الرسول - صلى الله عليه وسلم - :
الشبهة المائة و الحادية عشر (111):
- تقولون إن نبيكم شاهد جبريل فى غار حراء, أليس من المحتمل أن يكون قد رأى أشباحاً, أو تكون هذه حالة نفسية اعترته, مثل من يرى أشياء لا وجود لها؟ وتقولون إنه كان يأتيه الوحى فيستلقى على الأرض ويغطونه بالبُردة, أليس من الممكن أن يكون هذا تمثيلاً؟

الرد:
- لماذا أنكرتم هذا الأمر على نبينا - صلى الله عليه وسلم - ولم تنكروه على معبودكم, الذى قال عنه كتابكم: فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء. وإذا السمَوَات قد انفتحت له فرأى روح الله نازلاً مثل حمامة وآتياً عليه. وصوت من السمَوَات قائلاً هذا هو ابنى الحبيب الذى به سُرِرْتُ (متى3: 16-17) وإذ كان يصلى انفتحت السماء ونزل عليه الروح القدس بهيئة جسميَّة مثل الحمامة وكان صوتاً من السماء قائلاً أنت ابنى الحبيب بكَ سُرِرْتُ (لوقا3: 21-22)
لقد أنكرتم على نبينا - صلى الله عليه وسلم - رؤية الملاك, فى حين أن كتابكم المقدس أثبته حتى لنسائكم: فتراءى ملاك الرب للمرأة (قضاة13: 3) أما مريم فكانت واقفة عند القبر خارجاً تبكى. وفيما هى تبكى انحنت إلى القبر فنظرت ملاكَيْن بثياب بيض جالسَيْن واحداً عند الرأس والآخر عند الرِّجلين حيث كان جسد يسوع موضوعاً. (يوحنا20: 11-12)
إن المصاب بحالة نفسية, تكون له أحوال غير طبيعية, يعرفها المقربون منه, والرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يُعرَف عنه قط أنه كما يقولون (يهلوس) أو تعتريه أى حالة نفسية غريبة, بل كان معروفاً بالحكمة, والصدق, والأمانة, وغير ذلك من الصفات الحميدة, التى لا يمكن أن تكون فى رجل غير سَوِىّ. ثم إنه لو كان يتخيل.. فهل الخيال يأتى بخير؟ هل وجدنا إنساناً تخيل رؤية شىء لا وجود له, ثم بعد ذلك أخبرنا أن الذى رآه أمره بخير, أو نهاه عن شر, أو وضع منهجاً لحياته؟ أما استلقاؤه - صلى الله عليه وسلم - على الأرض حين كان ينزل عليه الوحى, فإن هذا من شدة ما كان يعتريه حال نزوله عليه, لأن التقاء ملك بإنسان ليس بالأمر الهَيِّن, فالطبيعتان مختلفتان, وهذه صورة من صور نزول الوحى عليه, وهناك صور أخرى قال عنها - صلى الله عليه وسلم -: ((أحياناً يأتينى - يعنى الوحى - فى مثل صَلصَلة الجرس, وهو أشده علىَّ, فيفصِمُ عنى وقد وَعيْتُ ما قال, وأحياناً يتمثل لى الملك رجلاً فيكلمنى فأَعِى ما يقول)) [مُوَطَّأ مالك, سنن الترمذى, صحيح الجامع:213] وحالة مجىء الوحى على هيئة رجل معروفة فى الحديث الذى رواه سيدنا عمر - رضي الله عنه - فى [الصحيحين] حين سأله عن الإسلام, والإيمان, والإحسان, وأشراط الساعة. ولو كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يمثل كما يقولون, فهل كان يمثل العَرَق؟ إن السيدة عائشة - رضى الله عنها – تقول: ولقد رأيته ينزل عليه فى اليوم الشديد البرد, فيفصِمُ عنه, وإن جبينه ليتفصَّدُ عَرَقاً [مُوَطَّأ مالك, سنن النسائى] وهل كان - صلى الله عليه وسلم - يمثل ثِقَل فخذه؟ لقد كان ذات مرة جالساً واضعاً فخذه على فخذ زيد بن ثابت - رضي الله عنه - ثم نزل عليه الوحى, فتغشّاه الكرب كما كان يتغشّاه, وثقلت فخذه على فخذ زيد, حتى كادت أن تَرُضَّها (أى تكسرها) كما ورد فى [صحيح البخارى] وذات مرة كان راكباً ناقته القصواء, فنزل عليه الوحى, فثقل على الناقة, فناخت به حتى كادت أن توقعه على الأرض. وأحياناً كان سيدنا عمر - رضي الله عنه - يسمع بالقرب من صدره أزيزاً كأزيز النحل عند نزول الوحى عليه, فهل كل هذا كان تمثيلاً؟, والله أعلم.



الشبهة المائة و الثانية عشر (112):
- يقول نبيكم: ((نُصِرتُ بالرعبِ مَسيرَة شهر)) [صحيح البخارى] وهذا يدل على أن نبيكم نبى مرعب, ينصر دينه بالرعب والإرهاب, والاعتراف سيد الأدلة.

الرد:
- فلنقرأ أولاً بعض ما جاء فى الكتاب المقدس:
لا تظنوا أنى جئتُ لأُلقى سلاماً على الأرض. ما جئتُ لأُلقى سلاماً بل سيفاً. (متى10: 34)
جئتُ لأُلقى ناراً على الأرض. (لوقا12: 49)
الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء اقتلوا للهلاك. (حزقيال9: 6)
وأحْرَقوا جميع مدنهم بمساكنهم وجميع حصونهم بالنار. (عدد31: 10)
لأجل ذلك تأكل الآباء الأبناء فى وسطك والأبناء يأكلون آباءهم (حزقيال5: 10)
نعود إلى افترائكم.. ولننظر معاً.. متى ذُكِرَ الرعب فى القرآن؟ لقد ذُكِرَ فى أربعة مواضع لم يكن للإرهاب أو الظلم فيها مكان, فأول هذه المواضع كان فى الحديث عن موقعة بدر, وهذه الموقعة كانت لاسترداد بعض حقوق المسلمين التى اغتصبها المشركون, فأيد الله المسلمين ونصرهم على المشركين, فتغيرت بذلك نظرة العرب والقبائل المجاورة للرسول - صلى الله عليه وسلم - وأتباعه, وشفى الله صدور المؤمنين, بالانتقام ممن أذلوهم وساموهم سوء العذاب من كفار مكة {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال:12] والموضع الثانى فى الحديث عن موقعة أحد, التى كانت حرباً دفاعية, حين بغى المشركون وطغوا, وأرادوا أن يهاجموا المسلمين فى عقر دارهم, بعد أن تركوا لهم البلاد والأهل والمال, ولكنهم لم يكتفوا بذلك, وأرادوا أن يقضوا على الإسلام وأهله, فحال الله عز وجل بينهم وبين ما فى قلوبهم, رغم ما أصاب المسلمين فى سبيل الدفاع عن عقيدتهم وأرضهم, فطمأنهم الله عز وجل بأنهم إذا حاربوهم مرة أخرى فسيلقى فى قلوب الذين كفروا الرعب {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} [آل عمران:151] والموضع الثالث فى الحديث عن غزوة الأحزاب, حين تحزبت قريش وحلفاؤها على حرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعزموا أمرهم على الهجوم عليه من جميع الجهات, ليدكُّوا المدينة عليه ومن معه, ولكن الله خيب سعيهم, ووفق المسلمين لحفر الخندق - الذى لم تعرفه العرب من قبل - بالمشورة المباركة لسلمان الفارسى - رضي الله عنه -, ليس هذا فحسب, بل ألقى الله سبحانه وتعالى الرعب فى قلوب أعدائه, وأرسل عليهم الريح الشديدة, التى قلبت خيامهم, وقدورهم, وأمتعتهم, ففروا هاربين {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً} [الأحزاب:25] وأمر الله رسوله بقتال بنى قريظة الذين خانوا العهد معه, وتمالأوا عليه مع المشركين, ووافقوا أن يسمحوا لهم بالهجوم على المدينة من قِبَلهم, ولكن الله عز وجل رد كيدهم فى نحورهم, وفرَّق شملهم, فكانت الحرب ضدهم جزاء خيانتهم, ونكثهم لعهدهم {وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً} [الأحزاب:26] أما الموضع الرابع فقد جاء فى الحديث عن غزوة بنى النضير لما نكثوا عهدهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحاولوا قتله {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر:2] فأخبرونا بربكم أى المواضع الأربعة كانت إرهابية, أو لنصر الدين بالرعب كما تزعمون؟ ثم من الذى ألقى الرعب فى قلوب الكافرين.. الله أم رسوله؟ وهل لو توحدت جيوش المسلمين للدفاع عن دينهم وأرضهم وعِرضهم, وحاربوا اليهود لتكون كلمة الله هى العليا, ويعود للمسلمين قدسهم, وللفلسطينيين وطنهم, فيلقى الله الرعب فى قلوب أعدائه, فيفرون هاربين أمام جحافل المسلمين.. أيكون هذا إرهاباً؟ إن تسميته إرهاباً يُعَدُّ من باب تحريف الكلم عن مواضعه, ولا غرابة فى ذلك, فإنها شيمة أهل الكتاب. إن غزوات الرسول - صلى الله عليه وسلم - بلغت تسعة عشرة غزوة, جملة من قتلوا فيها من المسلمين والمشركين 386, وهذا بالمقارنة مع ما فعله الصليبيون واليهود مع المسلمين لا يصل إلى الواحد بالمائة, ويساوى تقريباًً عشر قتلى الفتنة التى وقعت بين الكاثوليك والبروتستانت فى عيد سان بارثيلينيو. إن الدماء التى أريقت فى الحروب التى تقولون إن الإسلام انتشر بها, تعتبر كقطرة فى بحر الدماء الذى صاحب تطبيق الشيوعية وسيطرة نفوذها, لقد ذبح الملحدون مئات الألوف من المسلمين فى شمال آسيا وشرقها, وبعد حرق رفات الضحايا زعموا أن الشيوعية تدعو للسلام! وما زال الواقع القريب يشهد على المذابح الوحشية ضد المسلمين فى البوسنة والهرسك, والشيشان, وفلسطين, والعراق, والصومال, وكشمير, والفلبين, وغير ذلك من بلاد المسلمين, لدرجة أن الصِّرب النصارى كانوا يشقُّون بطون الحوامل المسلمات فى البوسنة, ويرمون أطفالهن فى القِمامة, ويضعون فى أرحامهن أجِنَّة كلاب وقطط, فهل هذه أفعال آدميَّة؟ وهل بعد هذا وحشيَّة؟, والله أعلم.




الشبهة المائة و الثالثة عشر (113):
- إن نسب أنبيائنا - مثل موسى وعيسى - أفضل من نسب نبيكم, لأن آباءهم لم يعبدوا الأصنام, ولكن آباء وأجداد محمد قد عبدوها.

الرد:
- إن هذه من الشبهات التافهة التى تعوَّدنا عليها, وقد ذكرنا فى الرد على الشبهة رقم (163) أن الكتاب المقدس جعل السيد المسيح - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - من نسل امرأة زانية اسمها (ثامار) ومن نسل امرأة أخرى زانية اسمها (بثشبع) وعلى أيَّة حال فلا يُشتَرط أن يكون الولد مثل أبيه وأجداده, فإن أبا سيدنا إبراهيم كان كافراً, وهو أبو جميع الأنبياء, وابن سيدنا نوح كان كافراً, ولم يقدح هذا فى نبوِّته, كما لم يقدح كفر أبى سيدنا إبراهيم فى نبوِّته, فالاثنان من أُولِى العزم من الرسل. وهذا الكلام حجة عليكم, لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - جاء ليعمل فى أرض بور خالية من التوحيد, ولم يساعده أحد, أما أنبياؤكم - على جميع أنبياء الله ورسله الصلاة والسلام - فكان يساعد بعضهم بعضاً, فإبراهيم كان معه ابن أخيه لوط, وكان معه ولداه إسماعيل وإسحاق, وإسحاق كان معه يعقوب, وكان ليعقوب اثنا عشر ابناً هم الأسباط, وموسى كان يساعده أخوه هارون ويوشع بن نون تلميذه, وزكريا كان معه ابنه يحيى, وعيسى كان معه ابن خالته يحيى, وقد جاء وقومه موحدون, وهم أتباع موسى, أما الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد أُرسِل إلى قوم مشركين, ليس لهم علاقة بأى دين, ولا يؤمنون بالبعث والحساب, والجنة والنار, فبينه وبين جده إسماعيل حوالى خمسة آلاف سنة {لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} [السجدة:3] فكانت مهمته صعبة للغاية, وكأنك أتيت بقوم تريد أن توصلهم لنيل أعلى الشهادات, وهم لا يعرفون القراءة والكتابة, فتبدأ معهم من الصفر, بل إن الأمر أعظم من ذلك, فتعليم القراءة والكتابة أهون من تغيير العقيدة المتوارثة على مر الأجيال, الراسخة فى العقول والأذهان. ربما يقول قائل: إن نوحاً لم يكن معه أحد يساعده, فنقول له: إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قاتل فى سبيل الله لآخر عمره, أما سيدنا نوح فلم يقاتل أحداً. ثم إن هذا الكلام حجة عليكم من جهة أخرى, فلو أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الذى ألف القرآن, لَمَا عاب من أقاربه أحداً كما فى سورة (المسد) ولَمَا نهى عن الاستغفار لهم, كما حدث عندما أراد أن يستغفر لعمه أبى طالب, فنهاه الله عن ذلك {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة:113] وليس الغريب أن يخرج النبى من قوم موحدين, ولكن الغريب أن يخرج من قوم مشركين ليخرجهم {مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} [إبراهيم:1] وليصل بهم إلى أن يكونوا خير أمة {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110] فمثلاً - {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} - لو خرج طبيب من عائلة كلها متعلمة تعليماً جامعياً, فإن هذا لن يكون غريباً, أما إذا خرج من عائلة أُمِّية, ليس هذا فحسب, بل تفوَّق على جميع قرنائه, وكان ترتيبه الأول, فإن هذا هو الغريب, والله أعلم.


يتبع