الشبهة الخامسة عشر (15):
- إن القرآن يأمرنا أن نؤمن بالمسيح قولاً واحداً جازماً {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِه} [النساء:159] أما نبيكم فهو شاك فى أمر نفسه, بدليل قوله: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [سبأ:24] أفنتبع من هو شاك فى أمره, أم الذى ليس فيه شك؟

الرد:
قال العلماء: إن معنى الآية الأولى له احتمالان, إمّا أن كل نصرانى يعلمُ عند موته بأن عيسى عبد الله ورسوله, فيتبين له أنه كان على الباطل فى عبادته إياه, لأن الحقائق تتكشف عند الموت, ويعلم الإنسان ما هو صائِر إليه من جنة أو نار, وإمّا أن يكون الضمير عائداً على سيدنا عيسى نفسه – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – وذلك بعدما ينزل فى آخر الزمان, ويكسر الصليب, ويقتل الخنزير, ويضع الجزية, فيعلم أهل الكتاب فى زمانه أنه عبد الله ورسوله, وليس إلهاً كما يزعمون. أما قوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} فهو أدب فى الحوار وليس شكاً, كما أمرنا تعالى فى قوله: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُم} [العنكبوت:46] كما تختلف أنت وصاحبك فى أمر ما – {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} – فتقول له: لا يمكن أن نكون نحن الاثنان على حق, فلابد أن أحدنا على الحق, والآخر على الباطل, فهل أنت شاكٌ فى نفسك, أم أنك تحاوره بالأدب, ليتفكر ويقارن بين الأمرين ليختار أصحهما؟ وهل هذا أفضل فى الإتيان بالنتيجة المرجُوَّة, أم فَرْض رأيك عليه؟ ومن زيادة الأدب فى الحوار ما جاء فى الآية التى تليها, وهى قوله تعالى: {قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} فهل ما كان عليه الرسول من الدعوة إلى التوحيد الخالص, ومكارم الأخلاق, إجراماً؟ وهل المجرم يقول عن نفسه إنه مجرم؟ وصدق رسول الله : ((إنما بعثتُ لأتمم صالح الأخلاق)) [مُسنَد أحمد, صحيح الجامع:2349], والله أعلم.

شبهات باطلة حول العقيدة:
الشبهة السادسة عشر (16):
- إن القرآن يقرُّ بأن المسيح كان يحيى الموتى, ولم يُثبت ذلك لأى نبى, ولا لنبيكم, ولا يقدر على ذلك إلا الله بنص قرآنكم {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس:79] أى أن الذى يحيى هو الذى خلق أول مرة, فطالما أن المسيح كان يحيى الموتى.. إذن يكون هو الذى خلق, وتكون الحجة قامت عليكم بربوبيته.!!

الرد:
- إن القرآن لم يثبت إحياء الموتى للمسيح إلا وقد قرنه بإذن الله {وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ} [آل عمران:49] {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي} [المائدة:110] ولم يكن دأب المسيح أن يحيى الموتى بكثرة كما تظنون, إن الذين أحياهم لم يتجاوزوا ثلاث حالات على الأكثر, وقد ماتوا بعدما أحياهم مباشرة, ولم يستأنفوا حياتهم كسائر الأحياء, وقد وهبه الله سبحانه وتعالى هذه المعجزة لإثبات نبوته, كما كان المرسلون – صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين – يؤَيَّدون بالمعجزات كدليل على صدقهم, ليؤمن بهم أقوامهم. وقد كان الطب هو العلم السائد فى زمن المسيح, فآتاهم الله بما يعجزهم فى مجال تخصصهم. ولم يكن إحياء الموتى قاصراً على المسيح وحده, فقد أثبت الكتاب المقدس هذه المعجزة لإيليا واليشع وحزقيال, ولم يزعم أى واحد منهم أنه إله, وإليكم بعض ما ورد بهذا الشأن:
وبعد هذه الأمور مرض ابن المرأة صاحبة البيت واشتد مرضه جداً حتى لم تبقَ فيه نسمة. فقالت لإليا مالى ولك يا رجل. هل جئتَ إلىَّ لتذكير إثمى وإماتة ابنى. فقال لها أعطينى ابنك. وأخذه من حضنها وصعد به أعلى العَليَّة التى كان مقيماً بها وأضجعه على سريره وصرخ إلى الرب وقال أيها الرب إلهى أيضاً إلى الأرملة التى أنا نازل عندها قد أسأتَ بإماتتك ابنها. فتمدد على الولد ثلاث مرات وصرخ إلى الرب وقال يا رب إلهى لترجع نفس هذا الولد إلى جوفه. فسمع الرب لصوت إيليا فرجعت نفس الولد إلى جوفه فعاش. فأخذ إيليا الولد ونزل به من العَليَّة إلى البيت ودفعه لأمه. وقال إيليا انظرى. ابنك حَىّ. فقالت المرأة لإليا هذا الوقت علمتُ أنك رجل الله وأن كلام الرب فى فمك حق. (الملوك الأول17: 17-24) نلاحظ التطاول على الله بكلمة (أسأتَ).
ودخل اليشع البيت وإذا بالصبى ميت ومضطجع على سريره. فدخل وأغلق الباب على نفسيهما كليهما وصلى إلى الرب. ثم صعد واضطجع فوق الصبى ووضع فمه على فمه وعينيه على عينيه ويديه على يديه وتمدد عليه فسخن جسد الولد. ثم عاد وتمشى فى البيت تارة إلى هنا وتارة إلى هناك وصعد وتمدد عليه فعطس الصبى سبع مرات ثم فتح الصبى عينيه. (الملوك الثانى4: 32-35)
ليس هذا فحسب, بل إن الكتاب المقدس أثبت إحياء الموتى لعظام اليشع بعد موته, فقال:
ومات اليشع فدفنوه. وكان غُزاة موآب تدخل على الأرض عند دخول السنة. وفيما كانوا يدفنون رجلاً إذا بهم قد رأوا الغزاة فطرحوا الرجل فى قبر اليشع فلما نزل الرجل ومس عظام اليشع عاش وقام على رجليه. (الملوك الثانى13: 20-21)
وأثبت الكتاب المقدس إحياء جيش بكامله لحزقيال, فقال:
كانت علىَّ يد الرب فأخرجنى بروح الرب وأنزلنى فى وسط البقعة وهى ملآنة عظاماً. وأمَّرَنى عليها من حولها وإذا هى كثيرة جداً على وجه البقعة وإذا هى يابسة جداً. فقال لى يا ابن آدم أتحيا هذه العظام. فقلتُ يا سيد الرب أنتَ تعلم. فقال لى تنبّأ على هذه العظام وقُل لها. أيتها العظام اليابسة اسمعى كلمة الرب. هكذا قال السيد الرب لهذه العظام. ها أنذا أدخل فيكم روحاً فتحيون. وأضع عليكم عصباً وأكسيكم لحماً وأبسط عليكم جِلداً وأجعل فيكم روحاً فتحيون وتعلمون أنى أنا الرب. فتنبّأتُ كما أُمِرت وبينما أنا أتنبّأ كان صوت وإذا رعش فتقاربت العظام كل عظم إلى عظمه. ونظرت وإذا بالعصب واللحم كساها وبسط الجِلد عليها من فوق ولبس فيها الروح. فقال لى تنبّأ للروح تنبّأ يا ابن آدم وقُل للروح هكذا قال السيد الرب هلمَّ يا روح من الرياح الأربع وهُبَّ على هؤلاء القتلى ليحيوا. فتنبّأتُ كما أمرنى فدخل فيهم الروح فحيوا وقاموا على أقدامهم جيش عظيم جداً جداً. (حزقيال37: 1-10)
وقد قال العلماء: إن معجزة انقلاب العصا إلى ثعبان لسيدنا موسى أعظم من معجزة إحياء الموتى, لأن إحياء الموتى لم يغير من طبيعة البشر, أما العصا فقد تغيرت حالتها من جماد إلى حيوان, وكذلك معجزة شق البحر لسيدنا موسى, وإخراج الناقة العشراء من الصخر لسيدنا صالح, وخلق سيدنا آدم بغير أب ولا أم, وخلق السيدة حواء بغير أم, فكل هذه المعجزات لا يقدر عليها إلا الله, ولم يَدَّعِ أحدٌ ممن أوتوها أنه هو الله. ولو أن القرآن أثبت الربوبية للمسيح – كما تدَّعون – لَمَا حكم على من عبدوه بالكفر {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة:17]
ثم إن المسيح نفسه لم يقل إنه الله, بل إنه تبرأ ممن ينسبون له الألوهية, وأقرَّ بأن ما يفعله من معجزات فهى من الله سبحانه وتعالى, وها هى بعض الأدلة التى ذكرها الكتاب المقدس:
ليس كل من يقول لى يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات. بل الذى يفعل إرادة أبى الذى فى السموات. كثيرون سيقولون لى فى ذلك اليوم يا رب يا رب أليس باسمك نتنبأ وباسمك أخرجنا شياطين وباسمك صنعنا قوات كثيرة. فحينئذ أُصَرِّح لهم إنى لم أعرفكم قط. اذهبوا عنى يا فاعلى الإثم (متى7: 21-23)
وسأله رئيس قائلاً أيها المعلم الصالح ماذا أعمل لأرِث الحياة الأبدية. فقال له يسوع لماذا تدعونى صالحاً. ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله. (لوقا18: 18-19)
لأنى قلت أمضى إلى الآب. لأن أبى أعظم منى. (يوحنا14: 28) كيف يكون الآب أعظم من الإبن وهما واحد؟ وهل يكون الواحد أعظم من نفسه؟
وفى تلك الأيام خرج إلى الجبل ليصلى. وقضى الليل كله فى الصلاة لله. (لوقا6: 12) فهل الإله يصلى لنفسه؟
ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلونى وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذى سمعه من الله. (يوحنا8: 40) هذا النَّص واضح الدلالة على أن المسيح إنسان, وفى النَّص الذى يأتى بعد قليل (فى هذه الشبهة) يقول إنه ابن الإنسان, مع أن الكتاب المقدس نفى الألوهية عن الإنسان, وعن ابن الإنسان, فقال: ليس الله إنساناً فيكذب. ولا ابن إنسان فيندم. (عدد23: 19) ولكنهم يجحدون ذلك, ويقولون: إن جزءاً منه لاهوت (أى متعلق بالألوهية) وجزءاً منه ناسوت (أى متعلق بالإنس) مع أن المسيح لم يقل ذلك عن نفسه, فأين دليلهم؟ كما أنه من البديهى أن الله هو الذى خلق الناس, وخلق كل شىء, فهل كان الله سبحانه وتعالى ناقصاً حتى يُكمل نفسه بجزء من خَلْقِه؟ (أستغفر الله)
لأنى لم أتكلم من نفسى لكن الآب الذى أرسلنى هو أعطانى وصية ماذا أقول وبماذا أتكلم. وأنا أعلم أن وصيته هى حياة أبدية. فما أتكلم به فكما قال لى الآب هكذا أتكلم (يوحنا12: 49-50)
أنا لا أقدر أن أفعل من نفسى شيئاً. كما أسمع أدين ودينونتى عادلة لأنى لا أطلب مشيئتى بل مشيئة الآب الذى أرسلنى (يوحنا5: 30)
والآب نفسه الذى أرسلنى يشهد لى. لم تسمعوا صوته قط ولا أبصرتم هيئته. (يوحنا5: 37)
فكيف يكون هو الله ثم يقول: لم تسمعوا صوته قط ولم تبصروا هيئته؟
ومتى أُخضِعَ له الكل فحينئذ الابن نفسه أيضاً سيخضع للذى أخضع له الكل كى يكون الله الكل فى الكل (رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس15: 28)
وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا ملائكة السموات إلا أبى وحده. (متى24: 36) كيف يكون إلهاً وهو لا يعلم متى يوم القيامة؟
ولم يزعم أحد من تلاميذه أنه الله, واقرأوا إن شئتم:
الله لم ينظره أحد قط (رسالة يوحنا الأولى4: 12)
فقال لهما وما هى. فقالا المختصة بيسوع الناصرى الذى كان إنساناً نبياً مقتدراً فى الفعل والقول أمام الله وجميع الشعب. (لوقا24: 19)
فقالت الجموع هذا يسوع النبى الذى من ناصرة الجليل (متى21: 11)
أيها الرجال الإسرائيليون اسمعوا هذه الأقوال. يسوع الناصرى قد تبرهن من قِبَل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده فى وسطكم. (أعمال الرسل2: 22)
فلما رأى الناس الآية التى صنعها يسوع قالوا إن هذا هو بالحقيقة النبى الآتى إلى العالم. (يوحنا6: 14)
وقد أمر بتوحيد الربوبية والألوهية فى كثير من المواطن, منها:
فأجابه يسوع إن أول كل الوصايا هى اسمع يا إسرائيل. الرب إلهنا رب واحد. (مرقس12: 29)
لأنه الله واحد وليس آخر سواه. (مرقس12: 32)
ليس كل من يقول لى يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات. بل الذى يفعل إرادة أبى الذى فى السموات. (متى7: 21)
وهذه هى الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك ويسوع المسيح الذى أرسلتَه. (يوحنا17: 3)
ولا تدعوا لكم أباً على الأرض لأن أباكم واحد الذى فى السموات. (متى23: 9)
وفى تلك الساعة تهلل يسوع بالروح وقال أحمدك أيها الآب رب السماء والأرض (لوقا10: 21)
أجابهم يسوع وقال تعليمى ليس لى بل للذى أرسلنى. إن شاء أحد أن يعمل مشيئته يعرف التعليم هل هو من الله أم أتكلم أنا من نفسى. (يوحنا7: 16-17)
من يغلب فسأجعله عموداً فى هيكل إلهى ولا يعود يخرج إلى خارج وأكتب عليه اسم إلهى واسم مدينة إلهى أورشليم الجديدة النازلة من السماء من عند إلهى (رؤيا يوحنا3: 12) فى هذا النص يقول 4 مرات إلهى, مع أن كلامه هذا – فى اعتقداهم – حدث بعدما عاد إلى الحياة مرة أخرى بعد صَلْبِه, أى أنه بعدما التحم بالآب ورجعت إليه صفات الألوهية فى زعمهم!
وفى حديثه مع مريم المجدلية: قال لها يسوع لا تلمسينى لأنى لم أصعد بعد إلى أبى. ولكن اذهبى إلى إخوتى وقولى لهم إنى أصعد إلى أبى وأبيكم وإلهى وإلاهكم. (يوحنا20: 17) نلاحظ أنه قال لها: (اذهبى إلى إخوتى) فكيف يكون إلهاً ثم يصف أتباعه بأنهم إخوته؟
وحين أمره إبليس أن يسجد له: قال له يسوع اذهب يا شيطان. لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد. (متى4: 10) فلو كان إبليس يعلم أنه الله, أو ابن الله, فكيف يطلب منه السجود له؟
والقارئ لكتابكم المقدس يجد أن كلمة (الرب) تعنى (المعلِّم): فالتفت يسوع ونظرهما يتبعان فقال لهما ماذا تطلبان. فقالا ربى الذى تفسيره يا معلِّم أين تمكث. (يوحنا1: 38) وحتى كلمة (إله) فليست خاصة به, بدليل: فقال الرب لموسى انظر. أنا جعلتك إلهاً لفرعون. وهارون أخوك يكون نبيّك. (خروج7: 1) أنا قلت إنكم آلهة وبنو العَلىُّ كلكم. (مزمور82: 6) أجابهم يسوع أليس مكتوباً فى ناموسكم أنا قلتُ إنكم آلهة. (يوحنا10: 34)
ونحن نتحدى أى إنسان أن يأتينا بنص فى الكتاب المقدس يقول إن المسيح عليه السلام قال لهم (أنا الله) أو قالوا له (يا الله) وحتى لو حدث ذلك, فقد ورد عندهم إطلاق لفظ الجلالة (الله) على الملاك, وعلى القاضى (أى أنه يحكم بحكم الله) كما جاء فى النصوص التالية: فكان عند صعود اللهيب عن المذبح نحو السماء أن ملاك الرب صعد فى لهيب المذبح ومَنُوح وامرأته ينظران. فسقطا على وجهيهما إلى الأرض. ولم يَعُد ملاك الرب يتراءى لمنوح وامرأته. حينئذ عرف مَنُوح أنه ملاك الرب. فقال مَنُوح لامرأته نموت موتاً لأننا قد رأينا الله. (قضاة13: 20-22) وإن لم يوجد السارق يُقدَّم صاحب البيت إلى الله ليحكم هل لم يمد يده إلى مِلْك صاحبه. فى كل دعوى جناية من جهة ثور أو حمار أو شاة أو ثوب أو مفقود ما يُقال إن هذا هو تقدم إلى الله دعواهما. فالذى يحكم الله بذنبه يعوض صاحبه باثنين. (خروج22: 8-9) الله قائم فى مجمع الله. فى وسط الآلهة يقضى. (مزمور82: 1) (فى وسط الآلهة) أى فى وسط عِلْيَة القوم.
كما أنه لم يقل لهم أنا الذى خلقتكم, أو أنا الذى رزقتكم, أو أنا الذى أُحْيِيكم وأُمِيُتكم… إلى غير ذلك من صفات الربوبية, ولم يقل لهم اعبدونى أو ادعونى أو صَلُّوا لى, أو غير ذلك من موجبات الألوهية.
أما كلمة (أنا والآب واحد) فلم يختص بها المسيح عليه السلام وحده, بدليل قوله: ليكون الجميع واحداً كما أنك أنت أيها الآب فىَّ وأنا فيك ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا ليؤمن العالم أنك أرسلتنى. وأنا قد أعطيتهم المجد الذى أعطيتنى ليكونوا واحداً كما أننا نحن واحد. أنا فيهم وأنت فىَّ ليكونوا مكمّلين إلى واحد وليعلم العالم أنك أرسلتنى وأحببتهم كما أحببتنى. (يوحنا17: 21-23) ألستم تعلمون أن أجسادكم هى أعضاء المسيح. (رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس6: 15) لأننا أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه. (رسالة بولس إلى أفسس5: 30) فى ذلك اليوم تعلمون أنى أنا فى أبى وأنتم فىَّ وأنا فيكم. (يوحنا14: 20) وأما من التصق بالرب فهو روح واحد. (رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس6: 17) لأن لستم أنتم المتكلّمين بل روح أبيكم الذى يتكلم فيكم. (متى10: 20)
وأما ما ورد من سجود الناس له فى بعض الأناجيل فليس دليلاً على ألوهيته, فقد كان ذلك مباحاً فى الشرائع التى سبقت الإسلام, مثل ما حدث مع سيدنا يوسف – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – وقد أثبت الكتاب المقدس هذا لغير المسيح عليه السلام, مثل ما حدث مع اليشع عندما أحيى الصبى بإذن الله, فسجدت له أمه: فدعاها ولما دخلت إليه قال احملى ابنك. فأتت وسقطت على رجليه وسجدت إلى الأرض ثم حملت ابنها وخرجت (الملوك الثانى4: 36-37) ومثل سجود سيدنا سليمان – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – لأمه: فدخلت بثشبع إلى الملك سليمان لتكلمه عن أدونيا. فقام الملك للقائها وسجد لها (الملوك الأول2: 19) (بثشبع) هى أم سيدنا سليمان, بحسب ما جاء فى الكتاب المقدس.
وقد جاء وصف المسيح – عليه السلام – بأنه (ابن الإنسان) فى مواضع كثيرة جداً من الكتاب المقدس, منها: لأنه كما كان يونان فى بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ هكذا يكون ابن الإنسان فى قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ. (متى12: 40)
أما الروح القدس فشىء والمسيح شىء آخر, بدليل قوله: ومن قال كلمة على ابن الإنسان يُغفر له. وأما من قال على الروح القدس فلن يُغفر له لا فى هذا العالم ولا فى الآتى. (متى12: 32) ولا يظن أحد أن الروح القدس خاص به وحده, بدليل: فحَلَّ عليه روح الله فتنبأ فى وسطهم (صموئيل الأول10: 10) وحَلَّ روح الرب على داود من ذلك اليوم فصاعداً. (صموئيل الأول16: 13) وذهب روح الرب من عند شاول وبغته روح ردىء من قِبَل الرب. (صموئيل الأول16: 14) وروحك القدوس لا تنزعه منى. (مزمور51: 11) والله العارف القلوب شهد لهم مُعطياً لهم الروح القدس كما لنا أيضاً. ولم يميّز بيننا وبينهم بشىء إذ طهر بالإيمان قلوبهم. (أعمال الرسل15: 8-9) أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذى فيكم الذى لكم من الله وأنكم لستم لأنفسكم. لأنكم قد اشتُرِيتُم بثمن. فمجّدوا الله فى أجسادكم وفى أرواحكم التى هى الله (رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس6: 19-20) رجاء الانتباه لعبارة (التى هى الله).
وحتى كلمة (المسيح) فلم يختص بها المسيح عليه السلام وحده, فقد أطلقها الكتاب المقدس على أنبياء غيره: فقال له داود كيف لم تخف أن تمد يدك لتهلك مسيح الرب. ثم دعا داود واحداً من الغلمان وقال تقدم. أوقع به. فضربه فمات. فقال له داود دمك على رأسك لأن فمك شهد عليك قائلاً أنا قتلت مسيح الرب (صموئيل الثانى1: 14-16) فهذه هى كلمات داود الأخيرة. وحى داود بن يَسِّى ووحى الرجل القائم فى العُلا مسيح إله يعقوب ومُرَنِّم إسرائيل الْحُلْو. (صموئيل الثانى23: 1) والآن قُمْ أيها الرب الإله إلى راحَتِكَ أنت وتابوت عِزِّك… أيها الرب الإله لا ترد وجه مسيحك. اذكر مراحم داود عبدك (أخبار الأيام الثانى6: 41-42)
وقد جاءت فى الكتاب المقدس صفات عن المسيح لا تليق بالربوبية أو الألوهية مطلقاً, من كونه كان جنيناً فى بطن أمه, ثم وُلِدَ, ورضع, واختتن.. إلى غير ذلك من الصفات التى لا تليق إلا بالبشر, وقد ذكرنا بعضاً من هذه الصفات فى الرد على الشبهة رقم (123) ونورد هاهنا بعض الصفات الأخرى:
فصعد يوسف أيضاً من الجليل من مدينة الناصرة إلى اليهودية إلى مدينة داود التى تُدعَى بيت لحم لكونه من بيت داود وعشيرته ليكتتب مع مريم امرأته المخطوبة وهى حُبلى. وبينما هما هناك تَمَّت أيامها لتَلِد. فولدت ابنها البكر وقمَّطته وأضجعته فى المِذوَد إذ لم يكن لهما موضع فى المنزل (لوقا2: 4-7)
وفيما هو يتكلم بهذا رفعت امرأة صوتها من الجمع وقالت له طوبى للبطن الذى حملك والثديين اللذين رضعتهما (لوقا11: 27)
ولما تمت ثمانية أيام ليختنوا الصبى سُمِّىَ يسوع كما تَسمَّى من الملاك قبل أن حُبِلَ به فى البطن (لوقا2: 21)
وكان الصبى ينمو ويتقوّى بالروح ممتلئاً حكمة وكانت نعمة الله عليه وكان أبواه يذهبان كل سنة إلى أورشليم فى عيد الفصح. (لوقا2: 40-41)
وأما يسوع فكان يتقدم فى الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس (لوقا2: 52)
أنا لا أقدر أن أفعل من نفسى شيئاً (يوحنا5: 30)
فى الصباح إذ كان راجعاً إلى المدينة جاع (متى21: 18)
بعد هذا رأى يسوع أن كل شىء قد كمل فلكى يتم الكتاب قال أنا عطشان. (يوحنا19: 28)
وكانت هناك بير يعقوب. فإذ كان يسوع قد تعب من السفر جلس هكذا على البير. (يوحنا4: 6)
وكان هو فى المؤخر على وسادة نائماً. فأيقظوه وقالوا له يا معلم أما يهمك أننا نهلك (مرقس4: 38)
والرجال الذين كانوا ضابطين يسوع كانوا يستهزئون به وهم يجلدونه. وغطوه وكانوا يضربون وجهه ويسألونه قائلين تنبّأ. من هو الذى ضربك. (لوقا22: 63-64) أإِلَه يُضرَب ولا يعرف حتى من يضربه؟!
أمّا يسوع فلما جاءوا إليه لم يكسروا ساقيه لأنهم رأوه قد مات. (يوحنا19: 33)
فهل الإله يجوع ويعطش ويتعب وينام ويموت؟ {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً} [الإسراء: 43]
والغريب أنهم يقولون إن الآب والابن والروح القدس إله واحد, أى أن الثلاثة واحد, وإذا قلت لهم: أنا لا أفهم هذا, يقولون لك: هل تستطيع أن تضع البحر فى كوب؟ فترد عليهم: بالطبع لا, فيقولون: كذلك الله اللا محدود لا يمكن فهمه بالعقل المحدود. ونحن نتساءل: إذا كان الله اللا محدود لا يُفهم بالعقل المحدود , فكيف يدخل الله اللا محدود فى رَحِم السيدة مريم المحدود؟
أعُبّاد المسيح لنا سؤال نريد جوابه ممن وعاه
إذا مات الإله بصنع قوم أماتوه فما هذا الإله
وهل أرضاه ما نالوه منه فبُشراهم إذا نالوا رضاه
وإن سخط الذى فعلوه فيه فقوتهم إذن أوهَت قُواه
وهل بقى الوجود بلا إله سميع يستجيب لمن دعاه
وهل خلت الطباق السبع لما ثوى تحت التراب وقد علاه
وهل خلت العوالم من إله يدبرها وقد سمرت يداه
وكيف تخلت الأملاك عنه بنصرهم وقد سمعوا بُكاه
وكيف أطاقت الخشبات حمل الإله الحق شُدَّ على قفاه
وكيف دنا الحديد إليه حتى يخالطه ويلحقه أذاه
وكيف تمكنت أيدى عِداه وطالت حيث قد صفعوا قفاه
وهل عاد المسيح إلى حياة أم المُحيى له رب سواه
ويا عجباً لقبر ضم رباً وأعجب منه بطنٌ قد حواه
أقام هناك تسعاً من شهور لدى الظلمات من حيض غِذاه
وشق الفرج مولوداً صغيراً ضعيفاً فاتحاً للثدى فاه
ويأكل ثم يشرب ثم يأتى بلازم ذاك هل هذا إله
تعالى الله عن إفك النصارى سيُسأل كلهم عما افتراه
أعُبّاد الصليب لأى معنى يُعظَّم أو يُقبَّح من رماه
وهل تقضى العقول بغير كسر وإحراق له ولمن بغاه
إذا ركب الإله عليه كُرهاً وقد شُدت لتسمير يداه
فذاك المركَب الملعون حقاً فدُسْه لا تبُسْه إذا تراه
يُهان عليه رب الخلق طُرّاً وتعبده فأنت من عِداه
فإن عظَّمته من أجل أن قد حوى رب العباد وقد علاه
وقد فُقِد الصليب فإن رأينا له شكلاً تذكرنا سَناه
فهلا للقبور سجدت طُرّاً لضم القبر ربك فى حشاه
فيا عبد المسيح أفِق فهذا بدايته وهذا مُنتهاه
هذه الأبيات من أقوال ابن قيِّم الجَوْزيَّة رحمه الله, والله أعلم.

الشبهة السابعة عشر (17):
- هل الله يحتاج إلى القَسَم لتصدقه الناس, أو ليؤكد كلامه وهو أصدق القائلين؟ فعندكم فى القرآن أنه أقسم بالفجر, والشمس وضحاها, والقمر, وغير ذلك من المخلوقات.

الرد:
- إن كل الأشياء التى أقسم الله بها لها أهمية كبيرة فى حياة الناس, فكأن القسم بها تنبيه على فضلها, ومن حق الله سبحانه وتعالى أن يقسم بما يشاء على ما يشاء, أما نحن فليس لنا أن نحلف إلا بالله, قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ((من حلف بغير الله فقد أشرك)) [أبو داود والترمذى وأحمد, صحيح الجامع:6204] وعلى السائل أن يعود للكتاب المقدس فيقرأ: لم يسمعوا لقول الرب الذين حلف الرب لهم إنه لا يريهم الأرض التى حلف الرب لآبائهم (يشوع5: 6) حلف الرب بيمينه وبذراع عزّته (إشعياء62: 8) فإن من حلف بالمذبح فقد حلف به وبكل ما عليه. ومن حلف بالهيكل فقد حلف به وبالساكن فيه. ومن حلف بالسماء فقد حلف بعرش الله وبالجالس عليه (متى23: 20-22) أقسم الرب ولن يندم (مزمور110: 4) وقال بذاتى أقسمتُ يقول الرب (تكوين22: 16), والله أعلم.



يتبع