1. الوجه الثالث ان العبد اذا فعل الذنب مع اعتقاد ان الله حرمه عليه واعتقاد انقياده لله فيما حرمه واوجبه فهذا ليس بكافر فاما ان اعتقد ان الله لم يحرمه او انه حرمه لكن امتنع من قبول هذا التحريم وابى ان يذعن لله وينقاد فهو اما جاحدا او معاند ولهذا قالوا من عصى مستكبرا كإبليس كفر بالاتفاق ومن عصى مشتهيا لم يكفر عند اهل السنة والجماعة وانما يكفره الخوارج فان العاصي المستكبر وان كان مصدقا بأن الله ربه فان معاندته له ومحادته تنافي هذا التصديق


  1. وبيان هذا ان من فعل المحارم مستحلا لها فهو كافر بالاتفاق فانه ما امن بالقران من استحل محارمه وكذلك لو استحلها بغير فعل والاستحلال اعتقاد انها حلال له وذلك يكون تارة باعتقاد ان الله احلها وتارة باعتقاد ان الله لم يحرمها وتارة بعدم اعتقاد ان الله حرمها وهذا يكون لخلل في الايمان بالربوبية أو لخلل في الايمان بالرسالة ويكون جحدا محضا غير مبني على مقدمة وتارة يعلم ان الله حرمها ويعلم ان الرسول انما حرم ما حرمه الله ثم يمتنع عن التزام هذا التحريم ويعاند المحرم فهذا اشد كفرا ممن قبله وقد يكون هذا مع علمه بان من لم يلتزم هذا التحريم عاقبه الله وعذبه ثم ان هذا الامتناع والاباء اما لخلل في اعتقاد حكمة الامر وقدرته فيعود هذا إلى عدم التصديق بصفة من صفاته وقد يكون مع العلم بجميع ما يصدق به تمردا او اتباعا لغرض النفس وحقيقته كفر هذا لانه يعترف لله ورسوله بكل ما اخبر به ويصدق بكل ما يصدق به المؤمنون لكنه يكره ذلك ويبغضه ويسخطه لعدم موافقته لمراده ومشتهاه ويقول انا لااقر بذلك ولا التزمه وابغض هذا الحق وانفر عنه فهذا نوع غير النوع الاول وتكفير هذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام والقران مملوء من تكفير مثل هذا النوع بل عقوبته اشد وفي مثله قيل اشد الناس عذابا يوم

القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه وهو ابليس ومن سلك سبيله وبهذا يظهر الفرق بين العاصي فانه يعتقد وجوب ذلك الفعل عليه ويحب ان لا يفعله لكن الشهوة والنفرة منعته من الموافقة فقد اتى من الايمان بالتصديق والخضوع والانقياد وذلك قول وعمل لكن لم يكمل العمل # واما اهانة الرجل من يعتقد وجوب كرامته كالوالدين ونحوهما فلانه لم يهن ما كان الانقياد له والاكرام شرطا في ايمانه وانما اهان من اكرامه شرط في بره وطاعته وتقواه وجانب الله والرسول انما كفر فيه لانه لا يكون مؤمنا حتى يصدق تصديقا يقتضي الخضوع والانقياد فحيث لم يقتضه لم يكن ذلك التصديق ايمانا بل كان وجوده شرا من عدمه فان من خلق له حياة وادراك ولم يرزق الا العذاب كان فقد تلك الحياة والادراك احب اليه من حياة ليس فيها الا الالم واذا كان التصديق ثمرته صلاح حاله وحصول النعيم له واللذة في الدنيا والاخرة فلم يحصل معه الا فساد حاله والبؤس والالم في الدنيا والاخرة كان ان لا يوجد احب اليه من ان يوجد

  1. وهنا كلام طويل في تفصيل هذه الامور ومن حكم الكعاب والسنة على نفسه قولا وفعلا ونور الله قلبه تبين له ضلال كثير من الناس ممن يتكلم برأيه في سعادة النفوس بعد الموت وشقاوتها جريا على منهاج الذين كذبوا بالكتاب وبما ارسل الله به رسله ونبذا لكتاب الله وراء ظهورهم واتباعا لما تتلوه الشياطين # واما الشبهة الثانية فجوابها من ثلاثة اوجه # احدها ان موجب هذا ان من تكلم بالتكذيب والجحد وسائر انواع الكفر من غير اكراه على ذلك فانه يجوز ان يكون مع ذلك في نفس الامر مؤمنا ومن جوز هذا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه


  1. الثاني ان الذي عليه الجماعة ان من لم يتكلم بالايمان بلسانه من غير عذر لم ينفعه ما في قلبه من المعرفة وان القول من القادر عليه شرط في صحة الايمان حتى اختلفوا في تكفير من قال ان المعرفة تنفع من غير عمل الجوارح وليس هذا موضع تقرير هذا # وما ذكره القاضي رحمه الله من التأويل لكلام الإمام احمد فقد ذكر هو وغيره خلاف ذلك في غير موضع وكذلك ما دل عليه كلام القاضي عياض فان مالكا وسائر الفقهاء من التابعين ومن بعدهم الا من نسب إلى بدعة قالوا الايمان قول وعمل وبسط هذا له مكان غير هذا # الثالث ان من قال ان الايمان مجرد معرفة القلب من غير احتياج إلى المنطق باللسان يقول لا يفتقر الايمام في نفس الامر إلى القول الذي

يوافقه باللسان لكن لا يقول ان القول الذي ينافي الايمان لايبطله فان القول قولان قول يوافق تلك المعرفة وقول يخالفها فهب ان القول الموافق لا يشترط لكن القول المخالف ينافيها فمن قال بلسانه كلمة الكفر من غير حاجة عامدا لها عالما بانها كلمة كفر فانه يكفر بذلك ظاهرا وباطنا ولايجوز ان يقال انه في الباطن يجوز ان يكون مؤمنا ومن قال ذلك ذلك فقد مرق من الإسلام قال الله سبحانه ^ من كفر بالله من بعد ايمانه الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ^ # ومعلوم انه لم يرد بالكفر هنا اعتقاد القلب فقط لان ذلك لا يكره الرجل عليه وهو قد استثنى من اكره ولم يرد من قال واعتقد لأنه استثنى المكره وهو لا يكره على العقد والقول وانما يكره على القول فقط فعلم انه اراد من تكلم بكلمة الكفر فعليه غضب من الله وله
عذاب عظيم وانه كافر بذلك الا من اكره وهو مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدرا من المكرهين فانه كافر ايضا فصار كل من تكلم بالكفر كافرا الا من اكره فقال بلسانه كلمة الكفر وقلبه مطمئن بالايمان و    في حق المستهزئين ^ لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم ^ فبين انهم كفار بالقول مع انهم لم يعتقدوا صحته وهذا باب واسع والفقه فيه ما تقدم من ان التصديق بالقلب يمنع ارادة التكلم وارادة فعل فيه استهانة واستخفاف كما انه يوجب المحبة والتعظيم واقتضاؤه وجود هذا وعدم هذا أمر جرت به سنة الله في مخلوقاته كاقتضاء ادراك الموافق للذة وادراك المخالف للألم فاذا عدم المعلول كان مستلزما لعدم العلة واذا وجد الضد كان مستلزما لعدم الضد الاخر فالكلام والفعل المتضمن للاستخفاف والاستهانة مستلزم لعدم التصديق النافع ولعدم الانقياد والاستسلام فلذلك كان كفرا # واعلم ان الايمان وان قيل هو التصديق فالقلب يصدق بالحق والقول يصدق ما في القلب والعمل يصدق القول والتكذيب بالقول مستلزم للتكذيب بالقلب ورافع للتصديق الذي كان في القلب اذ اعمال الجوارح تؤثر في القلب كما ان اعمال القلب تؤثر في الجوارح فأيهما قام به كفر تعدى حكمه إلى الاخر والكلام في هذا واسع وانما نبهنا على هذه المقدمة
فصل # ثم نعود إلى مقصود المسالة فنقول # قد ثبت ان كل سب وشتم يبيح الدم فهو كفر وان لم يكن كل كفر سبا ونحن نذكر عبارات العلماء في هذه المسألة # قال الإمام احمد كل من شتم النبي او تنقصه مسلما كان او كافرا فعليه القتل وارى ان يقتل ولا يستتاب # وقال في موضع اخر كل من ذكر شيئا يعرض بذكر الرب تبارك وتعالى فعليه القتل مسلما كان او كافرا وهذا مذهب اهل المدينة # وقال اصحابنا التعرض بسب الله وسب رسول الله ردة وهو موجب للقتل كالتصريح ولا يختلف اصحابنا ان قذف أم رسول الله من جملة سبه الموجب للقتل واغلظ لان ذلك يفضي إلى القدح في نسبه وفي عبارة بعضهم اطلاق القول بان من سب أم النبي
يقتل مسلما كان او كافرا وينبغي ان يكون مرادهم بالسب هنا القذف كما صرح به الجمهور لما فيه من سب النبي # وقال القاضي عياض جميع من سب النبي او عابه او الحق به نقصا في نفسه او نسبه او دينه او خصلة من خصاله او عرض به او شبهه بشئ على طريق السب له والازراء عليه او البغض منه والعيب له فهو ساب له والحكم فيه حكم الساب يقتل ولا نستثن فصلا من فصول هذا الباب عن هذا المقصد ولا نمتر فيه تصريحا كان او تلويحا وكذلك من لعنه او تمنى مضرة له أو دعا عليه او نسب اليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم او عيبه في جهته العزيزة بسخف من الكلام وهجر ومنكر من القول وزور او عيره بشئ مما يجري من البلاء والمحنة عليه او غمصه ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه قال هذا كله إجماع من العلماء وائمة الفتوى من لدن اصحابه وهلم جرا

  1. وقال ابن القاسم عن مالك من سب النبي قتل ولم يستتب قال ابن القاسم او شتمه او عابه او تنقصه فانه يقتل كالزنديق وقد فرض الله توقيره وبره # وكذلك قال مالك في رواية المدنيين عنه من سب رسول الله او شتمه او عابه او تنقصه قتل مسلما كان او كافرا ولا يستتاب # وروى ابن وهب عن مالك من قال ان رداء النبي ويروى زره وسخ واراد به عيبه قتل


  1. وذكر بعض المالكية إجماع العلماء على ان من دعا على نبي من الانبياء بالويل او بشيء من المكروه انه يقتل بلا استتابة # وذكر القاضي عياض اجوبة جماعة من فقهاء المالكية المشاهير بالقتل بلا استتابة في قضايا متعددة افتى في كل قضية بعضهم # منها رجل سمع قوما يتذاكرون صفة النبي اذ مر بهم رجل قبيح الوجه واللحية فقال تريدون تعرفون صفته هي صفة هذا المار في خلقه ولحيته # ومنها رجل قال النبي كان اسود # ومنها رجل قيل له لا وحق رسول الله فقال فعل الله برسول الله كذا قيل له ما تقول يا عدوا الله فقال اشد من كلامه

الاول ثم قال انما اردت برسول الله العقرب قالوا لان ادعاءه للتأويل في لفظ صراح لا يقبل لانه امتهان وهو غير معزر لرسول الله ولا موقر له فوجبت اباحة دمه # ومنها عشار قال اد واشك إلى النبي وقال ان سألت او جهلت فقد سأل النبي وجهل # ومنها متفقه كان يستخف بالنبي ويسميه في اثناء مناظرته اليتيم وختن حيدره ويزعم ان زهده لم يكن قصدا ولو قدر على الطيبات لأكلها واشباه هذا

  1. قال عياض فهذا الباب كله مما عده العلماء سبا وتنقصا يجب قتل قائله لم يختلف في ذلك متقدمهم ومتاخرهم وان اختلفوا في حكم قتله # وكذلك قال أبو حنيفة واصحابه فيمن تنقصه او برئ منه او كذبه انه مرتد وكذلك قال اصحاب الشافعي كل من تعرض لرسول الله بما فيه استهانة فهو كالسب الصريح فان الاستهانة بالنبي كفر وهل يتحتم فيه قتله او يسقط بالتوبة على الوجهين وقد نص الشافعي على هذا المعنى # فقد اتفقت نصوص العلماء من جميع الطوائف على ان التنقص به

كفر مبيح للدم وهم في استتابته على ما تقدم من الخلاف ولا فرق في ذلك بين ان يقصد عيبه والازراء به او لا يقصد عيبه لكن المقصود شيء اخر حصل السب تبعا له او لا يقصد شيئا من ذلك بل يهزل ويمزح او يفعل غير ذلك # فهذا كله يشترك في هذا الحكم اذا كان القول نفسه سبا فان الرجل يتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن ان تبلغ ما بلغت يهوي بها في النار ابعد مما بين المشرق والمغرب ومن قال ما هو سب وتنقص له فقد اذى الله ورسوله وهو ماخوذ بما يؤذي به الناس من القول الذي هو في نفسه اذى وان لم يقصد اذاهم الم تسمع إلى الذين قالوا
انما كنا نخوض ونلعب فقال الله تعالى ^ أبا الله واياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم ^ # وهذا مثل من يغضب فيذكر له حديث عن النبي او حكم من حكمه او يدعى لما سنه فيلعن ويقبح ونحو ذلك وقد     ^ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ^ فأقسم سبحانه بنفسه انهم لايؤمنون حتى يحكموه ثم لايجدون في نفوسهم حرجا من حكمه فمن شاجر غيره في أمره وحرج لذكر رسول الله حتى افحش في منطقة فهو كافر بنص التنزيل ولا يعذر بان مقصوده رد الخصم فان الرجل لايؤمن حتى يكون الله ورسوله احب اليه ممن سواهما وحتى يكون الرسول احب اليه من ولده ووالده والناس اجمعين

  1. ومن هذا الباب قول القائل ان هذه لقسمة مااريد بها وجه الله وقول الاخر اعدل فانك لم تعدل وقول ذلك الانصاري ان كان ابن عمتك فان هذا كفر محض حيث زعم ان النبي انما حكم للزبير لانه ابن عمته ولذلك انزل الله تعالى هذه الاية واقسم انهم لايؤمنون حتى لا يجدوا في انفسهم حرجا من حكمه وانما عفا عنه النبي كما عفا عن الذي قال ان هذه لقسمة ما اريد

بها وجه الله وعن الذي قال اعدل فانك لم تعدل وقد ذكرنا عن عمر رضي الله عنه انه قتل رجلا لم يرض بحكم النبي فنزل القرن بموافقته فكيف بمن طعن في حكمه وقد ذكر طائفة من الفقهاء منهم ابن عقيل وبعض اصحاب الشافعي ان هذا كان عقوبته التعزير ثم منهم من قال لم يعزره النبي لان التعزير غير واجب ومنهم من قال عفا عنه لان الحق له ومنهم من قال عاقبه بان امر الزبير ان يسقي ثم يحبس الماء حتى يرجع إلى الجدر وهذه كلها اقوال ردية لا يستريب من تأمل في ان هذا كان يستحق القتل بعد نص القران ان من هو بمثل حاله ليس بمؤمن # فان قيل ففي رواية صحيحة انه كان من اهل بدر وفي الصحيحين عن علي عن النبي انه قال وما يدريك لعل الله اطلع على اهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ولو كان هذا
القول كفرا للزم ان يغفر الكفر والكفر لايغفر ولا يقال عن بدري انه كفر # فقيل هذه الزيادة ذكرها أبو اليمان عن شعيب ولم يذكرها أكثر الرواة فيمكن انهم وهم كما وقع في حديث كعب وهلال بن
امية انهما من اهل بدر ولا يختلف اهل المغازي والسير انهما لم يشهدا بدرا وكذلك لم يذكره ابن اسحاق في روايته عن الزهري لكن الظاهر صحتها # فنقول ليس في الحديث ان هذه القصة كانت بعد بدر فلعلها كانت قبل بدر وسمي الرجل بدريا لان عبد الله بن الزبير حدث بالقصة بعد ان صار الرجل بدريا فعن عبد الله بن الزبير عن ابيه ان
رجلا من الأنصار خاصم الزبير عند رسول الله في شراج الحرة التي يسقون بها النخل فقال الانصاري سرح الماء يمر فأبى عليه فاختصما عند رسول الله فقال رسول الله للزبير اسق يازبير ثم ارسل الماء إلى جارك فغضب الانصاري ثم قال يارسول الله ان كان ابن عمتك فتلون وجه النبي ثم قال للزبير اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع اللى الجدر فقال الزبير والله لاني احسب هذه الاية نزلت في ذلك ^ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ^ متفق عليه وفي رواية للبخاري من حديث عروة قال فاستوعى رسول الله حينئذ للزبير حقه وكان رسول الله قبل ذلك قد اشار على الزبير براي اراد فيه سعة له وللانصاري فلما احفظ الانصاري رسول الله استوعى رسول الله للزبير حقه في صريح الحكم وهذا يقوي ان القصة متقدمة قبل بدر لان النبي
قضى في سيل مهزور ان الأعلى يسقى ثم يحبس حتى يبلغ الماء إلى الكعبين فلو كانت قصة الزبير بعد هذا القضاء لكان قد علم وجه الحكم فيه وهذا القضاء الظاهر انه متقدم من حين قدم النبي لان الحاجة إلى الحكم فيه من حين قدم ولعل قصة الزبير اوجبت هذا القضاء # وايضا فان هؤلاء الايات قد ذكر غير واحد ان اولها نزل لما اراد بعض المنافقين ان يحاكم يهوديا إلى ابن الاشرف وهذا انما كان قبل بدر لان ابن الاشرف ذهب عقب بدر إلى مكة فلما رجع قتل
فلم يستقر بعد بدر بالمدينة استقرار يتحاكم اليه وان كانت القصة بعد بدر فان القائل لهذه الكلمة يكون قد تاب واستغفر وقد عفا له النبي عن حقه فغفر له والمضمون لأهل بدر انما هو المغفرة اما بان يستغفروا ان كان الذنب مما لا يغفر الا بالاستغفار او لم يكن كذلك واما بدون ان يستغفروا الا ترى ان قدامة بن مظعون وكان بدريا تأول في خلافة عمر ما تأول في استحلال الخمر من قوله تعالى ^ ليس على الذين امنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ^ # حتى اجمع رأي عمر واهل الشورى ان يستتاب هو اصحابه فان اقروا بالتحريم جلدوا وان لم يقروا به كفروا ثم انه تاب وكاد
يبلس لعظم ذنبه في نفسه حتى ارسل اليه عمر رضي الله عنه بأول سورة غافر فعلم ان المضمون للبدريين ان خاتمتهم حسنة وانهم يغفر لهم وان جاز ان يصدر عنهم قبل ذلك ما عسى ان يصدر فان التوبة تجب ما قبلها # واذا ثبت ان كل سب تصريحا او تعريضا موجب للقتل فالذي يجب ان يعتني به الفرق بين السب الذي لا تقبل منه التوبة والكفرالذي تقبل منه التوبة فنقول # هذا الحكم قد نيط في الكتاب والسنة باسم اذى الله ورسوله وفي بعض الاحاديث ذكر الشتم والسب وكذلك جاء في الفاظ الصحابة والفقهاء ذكر السب والشتم والاسم اذا لم يكن له حد في اللغة كاسم الارض والسماء والبر والبحر والشمس والقمر ولا في الشرع كاسم الصلاة والزكاة والحج والايمان والكفر فانه يرجع في حده إلى العرف كالقبض والحرز والبيع والرهن والكرى ونحوها فيجب ان يرجع في حد
الاذى والشتم والسب إلى العرف فما عده اهل العرف سبا او انتقاصا او عيبا او طعنا ونحو ذلك فهو من السب وما لم يكن كذلك وهو كفر به فيكون كفرا ليس بسب حكم صاحبه حكم المرتد ان كان مظهرا له والا فهو زندقة والمعتبر ان يكون سبا واذى للنبي وان لم يكن سبا واذى لغيره فعلى هذا كل ما لو قيل لغير النبي او جب تعزيرا او حدا بوجه من الوجوه فانه من باب سب النبي كالقذف واللعن وغيرهما من الصورة التي تقدم التنبيه عليها واما ما يختص بالقدح في النبوة فان لم يتضمن الا مجرد عدم التصديق بنبوته فهو كفر محض ان كان فيه استخفاف واستهانة مع عدم التصديق فهو من السب # وهنا مسائل اجتهادية يتردد الفقهاء هل هي من السب اومن الردة المحضة ثم ما ثبت انه ليس بسب فان استسر به صاحبه فهو زنديق حكمه حكم الزندقة والا فهو مرتد محض واستقصاء الانواع والفرق بينها ليس هذا موضعه
فصل # فاما الذمي فيجب التفريق بين مجرد كفره به وبين سبه فان كفره به لا ينقض االعهد ولايبيح دم المعاهد بالاتفاق لانا صالحناهم على هذا واما سبه له فانه ينقض العهد ويوجب القتل كما تقدم # قال القاضي أبو يعلى عقد الامان يوجب اقرارهم على تكذيب النبي لا على شتمهم وسبهم له # وقد تقدم ان هذا الفرق ايضا معتبر في المسلم حيث قتلناه بخصوص السب وكونه موجبا للقتل حدا من الحدود بحيث لا يسقط بالتوبة وان صحت واما حيث قتلناه لدلالته على الزندقة او لمجرد كونه مرتدا فلا فرق حينئذ بين مجرد الكفر وبين ما تضمنه من انواع السب نقول # الاثار عن الصحابة والتابعين والفقهاء مثل مالك واحمد وسائر الفقهاء القائلين بذلك كلها مطلقة في من شتم النبي من مسلم او معاهد فانه يقتل ولم يفصلوا بين شتم وشتم ولا بين ان يكرر الشتم او لا يكرره او يظهره او لا يظهره واعني بقولي لا يظهره ان لا يتكلم به في ملأ من المسلمين والا فالحد لا يقام عليه حتى يشهد مسلمان انهما سمعاه يشتمه او حتى يقر بالشتم وكونه يشتمه بحيث
يسمعه المسلمون اظهارا له اللهم الا ان يفرض انه شتمه في بيته خاليا فسمعه جيرانه المسلمون او من استرق السمع منهم # قال مالك واحمد كل من شتم النبي او تنقصه مسلما كان او كافرا فانه يقتل ولا يستتاب فنصا على ان الكافر يجب قتله بتنقصه له كما يقتل بشتمه وكما يقتل المسلم بذلك وكذلك اطلق سائر اصحابنا ان سب النبي من الذمي يوجب القتل # وذكر القاضي وابن عقيل وغيرهما ان ما ابطل الايمان فانه يبطل الامان اذا اظهروه فان الإسلام اكد من عقد الذمة فاذا كان من الكلام ما يبطل حق الإسلام فان يبطل حقن الذمة اولى مع الفرق بينهما من وجه اخر فان المسلم اذا سب الرسول دل على سوء اعتقاده في رسول الله فلذلك كفر والذمي قد علم ان اعتقاده ذلك واقررناه على اعتقاده وانما اخذ عليه كتمه وان لا يظهره فبقي تفاوت ما بين الاظهار والاضمار # قال ابن عقيل فكما اخذ على المسلم ان لا يعتقد ذلك اخذ على الذمي ان لايظهره فاظهار هذا كاضمار ذاك واضماره لا ضرر على الإسلام ولا ازراء فيه وفي اظهاره ضرر وإزراء على الإسلام ولهذا ما بطن من الجرائم لا نتبعها في حق المسلم ولو اظهروها اقمنا عليهم حد الله