1. وطرد القاضي وابن عقيل هذا القياس في كل ما ينقض الايمان من الكلام مثل التثنية والتثليث كقول النصارى ان الله ثالث ثلاثة ونحو ذلك ان الذمي متى اظهر ما تعلمه من دينه من الشرك نقض العهد كما انه ان اظهر ما نعلمه بقوله في نبينا نقض العهد # قال القاضي وقد نص احمد على ذلك فقال في رواية حنبل كل من ذكر شيئا يعرض به الرب فعليه القتل مسلما كان او كافرا هذا مذهب اهل المدينة # وقال جعفر بن محمد سمعت أبا عبد الله يسأل عن يهودي مر بمؤذن وهو يؤذن فقال له كذبت فقال يقتل لانه شتم فقد نص على قتل من كذب المؤذن وهو يقول الله أكبر او اشهد ان لا اله الا الله أو اشهد ان محمدا رسول الله وقد ذكرها الخلال والقاضي في

سب الله بناء على انه كذبه فيما يتعلق بذكر الرب سبحانه والاشبه انه عام في تكذيبه فيما يتعلق بذكر الرب وذكر الرسول بل هو في هذا اولى لان اليهودي لا يكذب من قال لا اله الا الله ولا من قال الله أكبر وانما يكذب من قال ان محمدا رسول الله وهذا قول جمهور المالكيين قالوا انه يقتل لكل سب سواء كانوا يستحلونه او لا يستحلونه لانهم وان استحلوه فانا لم نعطهم العهد على اظهاره وكما لا يحصن الإسلام من سبه وكذلك لا تحصن منه الذمة وهو قول أبي مصعب وطائفة من المدنيين # قال أبو مصعب في نصراني قال والذي اصطفى عيسى على محمد اختلف علي فيه فضربته حتى قتلته او عاش يوما وامرت من جر برجله وطرح على مزبلة فاكتله الكلاب # قال أبو مصعب في نصراني قال عيسى خلق محمد قال يقتل وافتى سلف الاندلسيين بقتل نصرانية استهلت بنفي الربوبية وبنوة عيسى لله # وقال ابن القاسم فيمن سبه فقال ليس بنبي او لم يرسل أو لم ينزل عليه قران وانما هو شئ تقوله ونحو هذا فيقتل وان قال ان محمد لم يرسل الينا وانما ارسل اليكم وانما نبينا موسى او عيسى ونحو هذا لا شئ عليهم لان الله اقرهم على مثله

  1. قال ابن القاسم واذا قال النصراني ديننا خير من دينكم اانما دينكم دين الحمير ونحو ذلك من هذا القبيح او سمع المؤذن يقول اشهد ان محمدا رسول الله فقال كذلك يعظكم الله ففي هذا الادب الموجع والسجن الطويل وهذا قول محمد بن سحنون وذكره عن ابيه ولهم قول اخر فيما اذا سبه بالوجه الذي به كفروا انه لايقتل # قال سحنون عن ابن القاسم من شتم الانبياء من اليهود والنصارى بغير الوجه الذي به كفروا ضربت عنقه الا ان يسلم # وقال سحنون في اليهودي يقول للمؤذن اذا تشهد كذبت يعاقب العقوبة الموجعة مع السجن الطويل # وقد تقدم نص الإمام احمد في مثل هذه الصورة على القتل لانه شتم


  1. وكذلك اختلف اصحاب الشافعي في السب الذي ينتقض به عهد الذمي ويقتل به اذا قلنا بذلك على الوجهين # احدهما ينتقض بمطلق السب لنبينا والقدح في ديننا اذا اظهروه وإن كانوا يعتقدون ذلك دينا وهذا قول اكثرهم # والثاني انهم اذا اظهروه وان كانوا يعتقدون فيه دينا من انه ليس برسول والقران ليس بكلام الله فهو كاظهارهم قولهم في المسيح ومعتقدهم في التثليث قالوا وهذا لا ينقض العهد بلا تردد بل يعزرون على اظهاره واما ان ذكروه بما لايعتقدونه دينا كالطعن في نسبه فهو الذي قيل فيه ينقض العهد وهذا اختيار الصيدلاني وابي المعالي وغيرهما # وحجة من فرق بين ما يعتقدونه فيه دينا وما لا يعتقدونه كما اختاره بعض المالكية وبعض الشافعية انهم قد اقروا على دينهم الذي

يعتقدونه لكن منعوا من اظهاره فاذا اظهروه كان كما لو اظهروا سائر المناكير التي هي من دينهم كالخمر والخنزير والصليب ورفع الصوت بكتابهم ونحو ذلك وهذا انما يستحقون عليه العقوبة والنكال بما دون القتل # يؤيد ذلك ان اظهار معتقدهم في الرسول ليس باعظم من اظهار معتقدهم في الله وقد يسلم هؤلاء ان اظهار معتقدهم لا يوجب القتل واستبعدوا ان ينتقض عهدهم باظهار معتقدهم اذا لم يكن مذكورا في الشرط وهذا بخلاف ما اذا سبوه بما لا يعتقدونه دينا فانا لن نقرهم على ذلك ظاهرا ولا باطنا وليس هو من دينهم فصار بمنزلة الزنى والسرقة وقطع الطريق وهذا القول مقارب لقول الكوفيين وقد ظن من سلكه انه خلص بذلك من سؤالهم وليس الامر كما اعتقد فان الادلة التي ذكرناها من الكتاب والسنة والاجماع والاعتبار كلها تدل على السب بما يعتقده فيه دينا وما لايعتقده فيه دينا وان مطلق السب موجب
للقتل ومن تامل كل دليل بانفراده لم يخف عليه انها جميعا تدل علىا السب المعتقد دينا كما تدل على السب الذي لا يعتقده دينا ومنها ما هو نص في السب الذي يعتقد دينا بل اكثرها كذلك فان الذين كانوا يهجونه من الكفار الذين اهدر دماءهم لم يكونوا يهجونه الا بما يعتقدونه دينا مثل نسبته إلى الكذب والسحر وذم دينه ومن اتبعه وتنفير الناس عنه إلى غير ذلك من الامور فاما الطعن في نسبه او خلقه او امانته او وفائه او صدقه في غير دعوى الرسالة فلم يكن احدا يتعرض لذلك في غالب الامر ولا يتمكن من ذلك ولا يصدقه أحد في ذلك لا مسلم ولا كافر لظهور كذبه وقد تقدم ذلك فلا حاجة إلى اعادته # ثم نقول هنا هذا الفرق متهافت من وجوه # احداها ان الذمي لو اظهر لعنة الرسول او تقبيحه او الدعاء عليه بالسخط وجهنم والعذاب او نحو ذلك فان قيل ليس من السب الذي ينتقض به العهد كان هذا قولا مردودا سمجا فانه من لعن شخصا وقبحه لم يبق من سبه غاية وفي الصحيحين عن النبي انه قال لعن المؤمن كقتله ومعلوم ان هذا اشد من الطعن في خلقه وامانته او وفائه وان قيل هو سب فقد علم ان من الكفار من
يعتقد ذلك دينا ويرى انه من قرباته كتقريب المسلم بلعن مسيلمة والاسود العنسي # الوجه الثاني انه على القول بالفرق المذكور اذا سبه بما لايعتقده دينا مثل الطعن في نسبه او خلقه او خلقه ونحو ذلك فمن اين ينتقض عهده ويحل دمه ومعلوم انه قد اقر على ما هو أعظم من ذلك من الطعن في دينه الذي هو أعظم من الطعن في نسبه ومن الكفر بربه الذي هو أعظم الذنوب ومن سب الله بقوله ان له صاحبة وولدا وانه ثالث ثلاثة فانه لا ضرر يلحق الامة ونبيها باظهار ما لا يعتقد صحته من السب الا ويلحقهم بإظهار ما كفر به أعظم من ذلك # فاذا اقر على أعظم السببين ضررا فاقراره على ادناهما ضررا اولى نعم بينهما من الفرق انه اذا طعن في نسبه او خلقه فانه يقر لنا بانه كاذب او اهل دينه يعتقدون انه كاذب اثم بخلاف السب الذي يعتقده دينا فانه واهل دينه متفقون على انه ليس بكاذب فيه ولا اثم فيعود الامر إلى انه قال كلمة اثم بها عندهم وعندنا لكن في حق من لا حرمة له عنده بل مثاله عنده ان يقذف الرجل مسيلمة او العنسي او ينسبه إلى انه كان اسود او انه كان دعيا او كان يسرق او كان قومه يستخفون به ونحو ذلك من الوقيعة في عرضه بغير حق ومعلوم ان هذا لا يوجب القتل بل ولا يوجب الجلد ايضا فان العرض يتبع الدم فمن لم يعصم دمه لم يصن عرضه فلو لم يجب قتل الذمي اذا سب الرسول لكونه قد قدح في ديننا
لم يجب قتله بشئ من السب ايضا فان خطب ذلك يسير # يبين ذلك ان المسلم انما قتل اذا سبه بالقذف ونحوه لان القدح في نسبه قدح في نبوته فاذا كنا بإظهار القدح في النبوة لا نقتل الذمي فان لانقتله باظهار القدح فيما يقدح في النبوة اولى اذ الوسائل اضعف من المقاصد # وهذا البحث اذا حقق اضطر المنازع إلى أحد امرين اما موافقة من قال من اهل الراي ان العهد لا ينتقض بشئ من السب واما موافقة الدهماء في ان العهد ينتقض بكل سب واما الفرق بين سب وسب في انتقاض العهد واستحلال الدم فمتهافت # ثم انه اذا فرق لم يمكنه ايجاب القتل ولا نقض العهد بذلك اصلا ومن ادعى وجوب القتل بذلك وحده لم يمكنه ان يقيم عليه دليلا # الثالث انا اذا لم نقتلهم باظهار ما يعتقدونه دينا لم يمكنا ان نقتلهم باظهار شئ من السب فانه ما من أحد منهم يظهر شيئا من ذلك الا ويمكنه ان يقول اني معتقد لذلك متدين به وان كان طعنا في النسب
كما يتدينون بالقدح في عيسى وامه عليهما السلام ويقولون على مريم بهتانا عظيما ثم انهم فيما بينهم قد يختلفون في اشياء من انواع السب هل هي صحيحة عندهم او باطلة وهم قوم بهت ظالون فلا يشاؤون ان يأتوا ببهتان ونوع من الضلال الذي لا اوجع للقلوب منه ثم يقلون هو معتقدنا الا فعلوه فحينئذ لا يقتلون حتى يثبت انهم لا يعتقدونه دينا وهذا القدر هو محل اجتهاد واختلاف وبعضه لا يعلم الا من جهتهم وقول بعضهم في بعض غير مقبول ونحن وان كنا نعرف أكثر عقائدهم فيما تخفي صدورهم أكبر وتجدد الكفر والبدع منهم غير مستنكر فهذا الفرق مغضاة إلى حتم القتل بسب الرسول وهو لعمري قول اهل الراي ومستندهم ما ابداه هؤلاء وقد قدمنا الجواب عن ذلك وبينا انا انما اقررناهم على اخفاء دينهم لا على اظهار باطل قولهم والمجاهرة بالطعن في ديننا وان كان يستحلون ذلك فان المعاهدة على تركه صيرته حراما في دينهم كالمعاهدة على الكف عن دمائنا

  1. واموالنا وبينا ان المجاهرة بكلمة الكفر في دار الإسلام كالمجاهرة بضرب السيف بل اشد على ان الكفر اعم من السب فقد يكون الرجل كافرا ولا يسب وهذا هو سر المسالة فلابد من بسطه فنقول # التكلم في تمثيل سب رسول الله وذكر صفته ذلك مما يثقل على القلب واللسان ونحن نتعاظم ان نتفوه بذلك ذاكرين او اثرين لكن الاحتياج إلى الكلام في حكم ذلك نحن نفرض الكلام في انواع السب مطلقا من غير تعيين والفقيه ياخذ حظه من ذلك فنقول السب نوعان دعاء وخبر اما الدعاء فمثل ان يقول القائل لغيره لعنه الله او قبحه الله او اخزاه الله او لا رحمه الله او لا رضي الله عنه او قطع الله دابره فهذا وامثاله سبب للانبياء ولغيرهم وكذلك لو قال عن نبي لا صلى الله عليه او لا سلم او لا رفع الله ذكره او محا الله اسمه ونحو ذلك من الدعاء عليه بما فيه ضرر عليه في الدنيا او في الدين او في الاخرة # فهذا كله اذا صدر من مسلم او معاهد فهو سب فاما المسلم فيقتل به بكل حال واما الذمي فيقتل بذلك اذا اظهره # فاما ان اظهر الدعاء للنبي وابطن الدعاء عليه ابطانا يعرف من لحن القول بحيث يفهمه بعض الناس دون البعض مثل قوله السام عليكم اذا اخرجه مخرج التحية واظهر انه يقول السلام ففيه قولان


  1. احدهما انه من السب الذي يقتل به وانما كان عفو النبي عن اليهود الذين حيوه بذلك حال ضعف الإسلام تاليفا عليه لما كان مأمورا بالعفو عنهم والصبر على اذاهم وهذا قول طائفة من المالكية والشافعية والحنبلية مثل القاضي عبد الوهاب والقاضي أبي يعلي وابي اسحاق الشيرازي وابي الوفاء بن عقيل وغيرهم وممن ذهب إلى ان هذا سب من قال لم يعلم ان هؤلاء كانوا اهل عهد وهذا قول ساقط لأنا قد بينا فيما تقدم ان اليهود الذين بالمدينة كانوا معاهدين وقال اخرون كان الحق له وله ان يعفو عنهم فاما بعده فلا عفو # والقول الثاني انه ليس من السب الذي ينتقض العهد لانهم لم يظهروا السب ولم يجهروا به وانما اظهروا التحية والسلام لفظا


  1. وحالا وحذفوا اللام حذفا خفيا يفطن له بعض السامعين وقد لا يفطن له الاكثرون ولهذا قال النبي ان اليهود اذا سلموا فانما يقول احدهم السام عليكم فقولوا وعليكم فجعل هذا شرعا باقيا في حياته وبعد موته حتى صارت السنة ان يقال للذمي اذا سلم وعليكم او عليكم وكذلك لما سلم عليهم اليهودي قال اتدرون ماقال انما قال السام عليكم ولو كان هذا من السب الذي هو سب لوجب ان يشرع عقوبة اليهودي اذا سمع منه ذلك ولو بالجلد فلما لم يشرع ذلك علم انه لا يجوز مؤاخذتهم بذلك وقد اخبر الله عنهم بقوله تعالى ^ واذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في انفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس

المصير ^ فجعل عذاب الاخرة حسبهم فدل على انه لم يشرع على ذلك عذابا في الدنيا وهذا لانهم لو قرروا على ذلك لقالوا انما قلنا السلام وانما السمع يخطئ وانتم تتقولون علينا فكانوا في هذا مثل المنافقين الذين يظرون الإسلام ويعرفون في لحن القول ويعرفون بسيماهم فانه لا يمكن عقوبتهم باللحن والسيما فان موجبات العقوبات لابد ان تكون ظاهرة الظهور الذي يشترك فيه الناس وهذا القدر وان كان كفرا من المسلم فانما يكون نقضا للعهد اذا اظهره الذمي واتيانه به على هذا الوجه غاية ما يكون من الكتمان والاخفاء ونحن لا نعاقبهم على مايسرونه ويخفونه من السب وغيره وهذا قول جماعات من العلماء من المتقدمين ومن اصحابنا والمالكيين وغيرهم وممن اختار هذا القول من زعم ان هذا دعاء بالسام وهو الموت على اصح القولين او دعاء بالسامة وملال واما الذين قالوا ان الموت محتوم على الخليقة قالوا وهذا تعريض بالاذى لا بالسب وهذا القول ضعيف فان الدعاء على الرسول والمؤمنين بالموت وترك الدين من ابلغ السب كما ان الدعاء بالحياة والعافية والصحة واثبات على الدين من ابلغ الكرامة

  1. النوع الثاني الخبر فكل ما عهده الناس شتما او سبا او تنقصا فانه يجب به القتل كما تقدم فان الكفر ليس مستلزما للسب وقد يكون الرجل كافرا ليس بساب والناس يعلمون علما عاما ان الرجل قد يبغضىالرجل ويعتقد فيه العقيدة القبيحة ولا يسبه وقد يضم إلى ذلك مسبه وان كانت المسبة مطابقة للمعتقد فليس كل ما يحتمل عقدا يحتمل قولا وما لا يحتمل ان يقال سرا يحتمل ان يقال جهرا والكلمة الواحدة تكون في حال سبا وفي حال ليست بسب فعلم ان هذا يختلف باختلاف الاقوال والاحوال واذا لم يكن للسب حد معروف في اللغة ولا في الشرع فالمرجع فيه إلى عرف الناس فما كان في العرف سبا للنبي فهو الذي يجب ان ينزل عليه كلام الصحابة والعلماء وما لا فلا ونحن نذكر من ذلك اقساما فنقول # لا شك ان اظهار التنقص والاستهزاء به عند المسلمين سب كالتسمية باسم الحمار او الكلب او وصفه بالمسكنة والخزي والمهانة او الاخبار بانه في العذاب وان عليه اثام الخلائق ونحو ذلك وكذلك اظهار التكذيب على وجه الطعن في المكذب مثل وصفه بانه ساحر خادع محتال وانه يضر من اتبعه وان ما جاء به كله زور وباطل ونحو ذلك فان نظم ذلك شعرا كان ابلغ في الشتم فان الشعر يحفظ ويروى وهو الهجاء وربما يؤثر في نفوس كثيرة مع العلم ببطلانه أكثر من تاثير البراهين

فان غني به بين ملأ من الناس فهو الذي قد تفاقم امره واما ان اخبر عن معتقده بغير طعن فيه مثل ان يقول انا لست متبعه او لست مصدقه او لا احبه او لا ارضى دينه ونحو ذلك فانما اخبر عن اعتقاد او ارادة لم يتضمن انتقاصا لان عدم التصديق والمحبة قد يصدر عن الجهل والعناد والحسد والكبر وتقليد الاسلاف وإلف الدين أكثر مما يصدر عن العلم بصفات النبي خلاف ما اذا قال من كان ومن هو وأي كذا وكذا هو ونحو ذلك واذا قال لم يكن رسولا ولا نبيا ولم ينزل عليه شيء ونحو ذلك فهو تكذيب صريح وكل تكذيب فقد تضمن نسبته إلى الكذب ووصفه بانه كذاب لكن بين قوله ليس بنبي وقوله هو كذاب فرق من حيث ان هذا انما تضمن التكذيب بواسطة علمنا انه كان يقول اني رسول الله وليس من نفى عن غيره بعض صفاته نفيا مجردا كمن نفاها عنه ناسبا له إلى الكذب في دعواها والمعنى الواحد قد يؤدى بعبارات بعضها يعد سبا وبعضها لايعد سبا وقد ذكرنا ان الإمام احمد نص على ان من قال للمؤذن كذبت فهو شاتم وذلك لان ابتداؤه بذلك للمؤذن معلنا بذلك بحيث يسمعه المسلمون طاعنا في دينهم مكذبا للأمة في تصديقها بالوحدانية والرسالة لاريب انه شتم

  1. فان قيل ففي الحديث الصحيح الذي يرويه الرسول عن الله تبارك وتعالى انه قال شتمني ابن ادم وما ينبغي له ذلك وكذبني ابن ادم وما ينبغي له ذلك فاما شتمه اياي فقوله اني اتخذت ولدا واما تكذيبه اياي فقوله لن يعيدني كما بداني فقد قرن بين التكذيب والشتم # فيقال قوله لن يعيدني كما بداني يفارق قول اليهودي للمؤذن كذبت من وجهين # احدهما انه لم يصرح بنسبته إلى الكذب ونحن لم نقل ان كل تكذيب شتم اذ لو قيل ذلك لكان كل كافر شاتما وانما قيل ان الاعلان بمقابلة داعي الحق بقوله كذبت سب للأمة وشتم لها في اعتقاد النبوة وهوسب للنبوة كما ان الذين هجو من اتبع النبي على اتباعهم اياه كانوا سابين للنبي مثل شعر بنت مروان وشعر كعب بن زهير وغيرهما واما قول الكافر لن يعيدني كما بدأني فانه نفي لمضمون خبر الله بمنزلة سائر انواع الكفر # الثاني ان الكافر المكذب بالبعث لايقول ان الله اخبر انه سيعيدني ولا يقول ان هذا الكلام تكذيب لله وان كان تكذيبا

بخلاف القائل للرسول او لمن صدق الرسول كذبت فانه مقر بان هذا طعن على المكذب وعيب له وانتقاص به وهذا ظاهر وكل كلام تقدم ذكره في المسالة الاولى من نظم ونحوه عده النبي سبا حتى رتب على قائله حكم الساب فانه سب ايضا وكذلك ماكان في معناه وقد تقدم ذكر ذلك والكلام على اعيان الكلمات لا ينحصر وانما جماع ذلك ان ما يعرف الناس انه سب فهو سب وقد يختلف ذلك باختلاف الاحوال والاصطلاحات والعادات وكيفية الكلام ونحو ذلك وما اشتبه فيه الامر الحق بنظيره وشبهه والله سبحانه اعلم
فصل # وكل ماكان من الذمي سبا ينقض عهده ويوجب قتله فان التوبة توبته منه لا تقبل على ما تقدم هذا هو الذي عليه عامة اهل العلم من اصحابنا وغيرهم # وقد تقدم عن الشيخ أبي محمد المقدسي رضي الله عنه انه قال ان الذمي اذا سب النبي ثم اسلم سقط عنه القتل وانه اذا قذفه ثم اسلم ففي سقوط القتل عنه روايتان وينبغي ان يبنى كلامه على انه ان سبه بما يعتقده فيه دينا سقط عنه القتل بإسلامه كاللعن والتقبيح ونحوه وان سبه بما لايعتقده فيه كالقذف لم يسقط عنه لان ما يعتقده فيه كفر محض سقط حده بالإسلام باطنا فيجب ان يسقط ظاهرا ايضا لان سقوط الاصل الذي هو الاعتقاد يستتبع سقوط فروعه واما ما لا يعتقده فهو فرية يعلم هو انها فرية فهي بمنزلة سائر حقوق الادميين وان حمل الكلام على ظاهره في انه يستثنى القذف فقط من بين سائر انواع السب فيمكن ان يوجه بان قذف غيره لما تغلظ بان جعل على صاحبه الحد المؤقت وهو ثمانون بخلاف غيره من انواع السب فان عقوبته التعزير
المفوض إلى اجتهاد ذي السلطان كذلك يفرق في حقه بين القذف وغيره فيجعل على قاذفه الحد مطلقا وهو القتل وان اسلم ويدرأ عن الساب الحد اذا تاب لكن هذا الفرق ليس بمرضي فان قذفه انما اوجب القتل ونقض العهد لما قدح في نسبه وكان ذلك قدحا في نبوته وهذا معنى يستوي فيه السب بالقذف وبغيره من انواع الاكاذيب بل قد توصف من الافعال او الاقوال المنكرة بما يلحق بالموصوف شيئا وغضاضة أعظم من هذا وانما فرق في حق غيره بين القذف وغيره لانه لا يمكن تكذيب القاذف به كما يمكن تكذيب غيره فصار العار به اشد # وهنا كلمات السب القادحة في النبوة سواء في العلم ببطلانها ظهورا وخفاء فان العلم بكذب القاذف كالعلم بكذب الناسب له إلى منكر من القول وزور لا فرق بينهما # وبالجملة فالمنصوص عن الإمام احمد وعامة اصحابه وسائر اهل العلم انه لافرق في هذا الباب بين السب بالقذف وغيره بل من قال انه ينتقض عهده ويتحتم قتله لم يفرق بين القذف وغيره ومن قال يسقط عنه القتل بإسلامه لم يفرق بين القذف وغيره ومن فرق من الفقهاء بين ما يعتقده وما لا يعتقده فانما فرق في انتقاض
العهد لا في سقوط القتل عنه بالإسلام لكن هو يصلح ان يكون معاضدا لقول الشيخ أبي محمد لانه فرق بين النوعين في الجملة واما الإمام احمد وسائر العلماء المتقدمين فانما خلافهم في السب مطلقا وليس في شئ من كلام الإمام احمد رضي الله عنه تعرض للقذف بخصوصه وانما ذكره اصحابه في القذف لانهم تكلموا في احكام القذف مطلقا فذكروا هذا النوع من القذف انه موجب للقتل وانه لا يسقط القتل بالتوبة لنص الإمام على ان السب الذي هو اعم من القذف موجب للقتل لا يستتاب صاحبه ثم منهم من ذكر المسالة بلفظ السب كما هي في لفظ احمد وغيره ومنهم من ذكرها بلفظ القذف لان الباب باب القذف فكان ذكرها بالاسم الخاص اظهر تاثيرا في الفرق بين هذا القذف وغيره ثم علل الجميع وادلتهم تعم انواع السب بل هي في غير القذف انص منها في القذف وانما تدل على القذف بطريق العموم او بطريق القياس والدليل يوافق ما ذكره الجمهور من التسوية كما تقدم ذكره نفيا واثباتا ولا حاجة إلى الاطناب هنا فان من سلم ان جميع انواع السب من القذف وغيره ينقض العهد ويوجب القتل ثم فرق بين بعضهما وبعض في السقوط بالإسلام فقد ابعد جدا لان السب لو كان بمنزلة الكفر عنده لم ينقض العهد ويوجب قتل الذمي واذا لم يكن بمنزلة الكفر فإسلامه اما ان يسقط الكفر فقط او يسقط الكفر وغيره من الجناية على عرض
الرسول فأما اسقاطه لبعض الجنايات دون بعض مع استوائهما في مقدار العقوبة فلا يتبين له وجه محقق # والاحتجاج بان الإسلام يسقط عقوبة من سب الله فاسقاطه عقوبة من سب النبي اولى ان صح فانما يدل على ان الإسلام يسقط عقوبة الساب مطلقا قذفا كان السب او غير قذف ونحن في هذا المقام لا نتكلم الا في التسوية بين انواع السب لا في صحة هذه الحجة وفسادها اذا قد تقدم التنبيه على ضعفها وذلك لان سب النبي ان جعل بمنزلة سب الله مطلقا وقيل بالسقوط في الاصل فيجب ان يقال بالسقوط في الفرع وان جعل بمنزلة سب الخلق او جعل موجبا للقتل حدا لله او سوي بين السبين في عدم السقوط ونحو ذلك من الماخذ التي تقدم ذكرها فلا فرق في هذا الباب بين القذف وغيره في السقوط بالإسلام فان الذمي لو قذف مسلما او ذميا او شتمه بغير القذف ثم اسلم لم يسقط عنه التعزير المستحق بالسب كما لا يسقط الحد المستحق بالقذف فعلم انهما سواء في الثبوت والسقوط وانما يختلفان في مقدار العقوبة بالنسبة إلى غير النبي اما بالنسبة إلى النبي فعقوبتهما سواء فلا فرق بينهما بالنسبة اليه البته # واذ قد ذكرنا حكم الساب للرسول فنردفه بما هو من جنسه مما قد تقدم في الادلة المذكورة باصل حكمه فان ذلك من تمام الكلام في هذه المسالة على ما لا يخفى ونفصله فصولا
فصل # في من سب الله تعالى # فان كان مسلما وجب قتله بالاجماع لانه بذلك كافر مرتد واسوأ من الكافر فان الكافر يعظم الرب ويعتقد ان ما هو عليه من الدين الباطل ليس باستهزاء بالله ولا مسبة له # ثم اختلف اصحابنا وغيرهم في قبول توبته بمعنى انه هل يستتاب كالمرتد ويسقط عنه القتل اذا اظهر التوبة من ذلك بعد رفعة إلى السلطان وثبوت الحد عليه على قولين # احدهما انه بمنزلة ساب الرسول فيه الروايتان كالروايتين في ساب الرسول هذه طريقة أبي الخطاب واكثر من احتذى حذوه من المتاخرين وهو الذي يدل عليه كلام الإمام احمد حيث قال كل من ذكر شئ يعرض بذكر الرب تبارك وتعالى فعليه القتل مسلما كان او كافرا وهذا مذهب اهل المدينة فاطلق وجوب القتل عليه