الثاني انه اذاه بهجائه المنظوم واليهودية بكلام منثور وكلاهما اهدر دمه فعلم ان النظم ليس له تاثير في اصل الحكم اذ لم يخص ذلك الناظم والوصف اذا ثبت الحكم بدونه كان عديم التاثير فلا يجعل جزاء من العلة ولا يجوز ان يكون هذا من باب تعليل الحكم بعلتين لان ذلك انما يكون اذا لم تكن احداهما مندرجة في الاخرى كالقتل والزنى واما اذا اندرجت احداهما في الاخرى فالوصف الاعم هو العلة والاخص عديم التاثير # الوجه الثالث ان الجنس المبيح للدم لا فرق بين قليله وكثيره وغليظه وخفيفه في كونه مبيحا للدم سواء كان قولا او فعلا كالردة والزنى والمحاربة ونحو ذلك وهذا هو قياس الاصول فمن زعم ان من الاقوال او الافعال ما يبيح الدم اذا كثر ولا يبيحه مع القلة فقد خرج عن قياس الاصول وليس له ذلك الا بنص يكون اصلا بنفسه ولا نص يدل على اباحة القتل في الكثير دون القليل وما ذهب اليه المنازع من جواز قتل من كثر منه القتل بالمثقل والفاحشة في الدبر دون من قل انما هو حكاية مذهب والكلام في الجميع واحد # ثم انه قد صح عن النبي انه رضخ راس يهودي بين حجرين
لانه فعل ذلك بجاريه من الأنصار فقد قتل من قتل بالمثقل قودا مع انه لم يتكرر منه وقال في الذي يعمل عمل قوم لوط اقتلوا الفاعل والمفعول به ولم يعتبر التكرروكذلك اصحابه من بعده قتلوا فاعل ذلك اما رجما او حرقا او غير ذلك مع عدم التكرر واذا كانت الاصول المنصوصة او المجمع عليها مستوية في اباحة الدم بين المرة الواحدة والمرات المتعدده كان الفرق بينهما في اباحة الدم اثبات حكم بلا اصل ولا نضير بل على خلاف الاصول الكلية وذلك غير جائز
يوضح ذلك ان ما ينقض الايمان من الاقوال يستوي فيه واحده وكثيره وان لم يصرح بالكفر كما لو كفر باية واحدة او بفريضة ظاهرة او سب الرسول مرة واحدة فانه كما لو صرح بتكذيب الرسول وكذلك ما ينقض الايمان من الاقوال لو صرح به وقال قد نقضت العهد وبرئت من ذمتكم انتقض عهده بذلك وان لم يكرره فكذلك ما يستلزم ذلك من السب والطعن في الدين ونحو ذلك لا يحتاج إلى تكرير # الوجه الرابع انه اذا أكثر من هذه الاقوال والافعال فاما ان يقتل لان جنسها مبيح للدم او لان المبيح قدر مخصوص فان كان الاول فهو المطلوب وان كان الثاني فماحد ذلك المقدار المبيح للدم وليس لاحد ان يحد في ذلك حدا الا بنص او إجماع او قياس عند من يرى القياس في المقدرات والثلاثة منتفيه في مثل هذا فانه ليس في الاصول قول او فعل يبيح الدم منه عدد مخصوص ولا يبيحه اقل منه ولا ينتقضته هذا الا بالاقرار في الزنى فانه لا يثبت الا باربع مرات عند من يقول به او القتل بالقسامة فانه لا يثبت الا بعد خمسين يمينا عند من يرى القود بها او رجم الملاعنه فانه لا يثبت الا بعد ان يشهد الزوج اربع مرات عند من يرى انها ترجم بشهادة الزوج اذا نكلت لان المبيح للدم ليس هو الاقرار ولا الايمان وانما المبيح فعل الزنى او فعل القتل وانما الاقرار والايمان حجة ودليل على ثبوت ذلك ونحن لم ننازع في ان الحجج الشرعية لها نصب محدودة واني قلنا ان نفس القول او العمل
المبيح للدم لا نصاب له في الشرع وانما الحكم معلق بجنسه # الوجه الخامس ان القتل عند كثرة هذه الاشياء اما ان يكون حدا يجب فعله او تعزيزا يرجع إلى راي الإمام فان كان الاول لابد من تحديد موجبه ولا حد له الا تعليقه بالجنس اذ القول بما سوى ذلك تحكم وان كان الثاني فليس في الاصول تعزيز بالقتل فلا يجوز اثباته الا بدليل يخصه والعمومات الواردة في ذلك مثل قوله لا يحل دم امرء مسلم الا باحدى ثلاث يدل على ذلك ايضا # الوجه الثاني من الاستدلال به ان النفر الخمسة الذين قتلوه من المسلمين محمد بن مسلمة وابا نائله وعباد بن بشر
والحارث بن اوس وابا عبس بن جبر قد اذن لهم النبي ان يغتالوه ويخدعوه بكلام يظهرون به انهم قد امنوه ووافقوه ثم يقتلوه ومن المعلوم ان من اظهر لكافر امانا لم يجز قتله بعد ذلك لاجل الكفر بل لو اعتقد الكافر الحربي ان المسلم امنه وكلمه على ذلك صار مستامنا قال النبي فيما رواه عنه عمرو بن الحمق من امن رجل على دمه وماله ثم قتله فانا منه بريء وان كان المقتول كافرا رواه الإمام احمد وابن ماجه # وعن سليمان بن صرد عن النبي قال اذا امنك الرجل على
دمه وماله فلا تقتله رواه ابن ماجه وعن أبي هريره عن النبي قال الايمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن رواه أبو داود وغيره # وقد زعم الخطابي انهم انما فتكوابه لانه كان قد خلع الامان ونقض العهد قبل هذا وزعم ان مثل هذا جائز في هذا جائز في الكافر الذي لا عهد له كما جاز البيات والاغارة عليهم في اوقات الغرة لكن يقال هذا الكلام الذي كلموه به صار مستامنا وادنى احواله ان يكون له شبهة
امان مثلل ذلك لايجوز قتله بمجرد الكفر فان الامان يعصم دم الحربي ويصير مستامنا باقل من هذا كما هو معروف في مواضعه وانما قتلوه لاجل هجائه واذاه لله ورسوله ومن حل قتله بهذا الوجه لم يعصم دمه بامان ولا بعهد كما لو امن المسلم من وجب قتله لاجل قطع الطريق ومحابرة الله ورسوله والسعي في الارض بالفساد الموجب للقتل او امن من وجب قتله لاجل زناه او امن من وجب قتله لاجل الردة او لاجل ترك اركان الإسلام ونحو ذلك ولا يجوز ان يعقد له عقد عهد سواء كان عقد امان او عقد هدنة او عقد ذمة لان قتله حد من الحدود وليس قتله لمجرد كونه كافرا حربيا كما سياتي واما الاغارة والبيات فليس هناك قول او فعل صاروا به امنين ولا اعتقدوا انهم قد امنوا بخلاف قصة كعب بن الاشرف فثبت ان اذى الله ورسوله بالهجاء ونحوه لا يحقن معه الدم بالامان فلأن لا يحقن معه بالذمة المؤبدة والهدنة المؤقتة بطريق الاولى فان الامان يجوز عقده لكل كافر ويعقده كل مسلم ولا يشترط على المستامن شئ من الشروط والذمة لا يعقدها الا الإمام او نائبه ولا تعقد الا بشروط كثيرة تشترط على اهل الذمة من التزام الصغار ونحوه وقد كان عرضت لبعض السفهاء شبهة في قتل ابن الاشرف فظن ان دم مثل هذا يعصم بذمه متقدمة او بظاهر امان وذلك نظير الشبهه التي عرضت لبعض الفقهاء حتى ظن
ان العهد لا ينتقد بذلك فروى ابن وهب اخبرني سفيان بن عيينة عن عمر بن سعيد أخي سفيان بنى سعيد الثوري عن ابيه عن عباية قال ذكر قتل ابن الاشرف عند معاوية فقال ابن يامين كان قتله غدرا فقال محمد بن مسلمة يا معاوية ايغدر عندك رسول الله ثم لا تنكر والله لا يظلني وايك سقف بيت ابدا ولا يخلوا لي دم هذا الا قتلته
وقال الواقدي حدثني إبراهيم بن جعفر عن ابيه قال قال مروان بن الحكم وهو على المدينة وعنده ابن يامين النظيري كيف كان قتل ابن الاشرف قال ابن يامين كان غدرا ومحمد بن مسلمة جالس شيخ كبير فقال يا مروان ايغدر رسول الله عندك والله ما قتلناه الا بامر رسول الله والله لا يؤويني واياك سقف بيت الا المسجد واما انت ياابن يامين فالله علي ان افلت وقدرت عليك وفي يدي سيف الا ضربت به راسك فكان ابن يامين لا ينزل من بني قريضه حتى يبعث له رسولا ينظر محمد بن مسلمة فإن كان في بعض ضياعه نزل فقضى حاجته ثم صدر والا لم ينزل فبين محمد في جنازة وابن يامين بالبقيع فراى محمد نعشا عليه جرائد رطبة لامراءة جاء فحله فقام اليه الناس فقالوا يا أبا عبد الرحمن ما تصنع نحن نكفيك فقام اليه فلم يزل بضربه بها جريدة جريدة حتى كسر ذلك الجريد على وجهه وراسه حتى لم يترك به مصحا ثم ارسله ولا طباخ به ثم قال والله لو قدرت على السيف لضربتك به
فان قيل فاذا كان هو وبنو النضير قبيلته موادعين فما معنى ما ذكره ابن اسحاق قال حدثني مولى لزيد بن ثابت حدثتني ابنة محيصة عن ابيها محيصة ان رسول الله قال من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه فوثب محيصة بن مسعود على ابن سنينة رجل من تجار يهود كان يلبسهم ويبايعهم فقتله وكان حويصة بن مسعود اذا ذاك لم يسلم وكان اسن من محيصة فلما قتله جعل حويصة يضربه ويقول اي عدو الله قتلته اما والله لرب شحم في بطنك من ماله فوالله ان كان لاول إسلام حويصة فقال محيصة فقلت له والله لقد امرني بقتله من لو امرني بقتلك لضربت عنقك فقال حويصة والله ان ديننا بلغ منك هذا لعجب
وقال الواقدي بالاسانيد المتقدمة قالوا فلما اصبح رسول الله في الليلة التي قتل فيها ابن الاشرف قال رسول الله من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه فخافت يهود فلم يطلع عظيم من عظمائهم ولم ينطلقوا وخافوا ان يبيتوا كما بيت ابن الاشرف وذكر قتل ابن سنينة إلى ان قال ففزعت يهود ومن معها من المشركين وساق القصة كما تقدم عنه # فان هذا يدل على انهم لم يكونوا موادعين والا لما امر بقتل من صودف منهم ويدل على ان العهد الذي كتبه النبي بينه وبين اليهود كان بعد قتل ابن الاشرف وحين اذن فلا يكون ابن الاشرف معاهدا # قلنا انما امر النبي بقتل من ظفر به منهم لان كعب بن الاشرف كان من ساداتهم وقد تقدم انه قال ما عندكم يعني في النبي قالوا عداوته ما حيينا وكانوا مقيمين خارج المدينة
فعظم عليهم قتله وكان مما يهيجهم على المحاربة واظهار نقض العهد فامر النبي بقتل من جاء منهم لان مجيئه دليل على نقض العهد وانتصاره للمقتول وذبه عنه واما من قر فهو مقيم على عهده المتقدم لانه لم يظهر العداوة ولهذا لم يحاصرهم النبي ولم يحاربهم حتى اظهروا عداوته بعد ذلك واما هذا الكتاب فهو شئ ذكره الواقدي وحده # وقد ذكر هو ايضا ان قتل ابن الاشرف في شهر ربيع الاول سنة ثلاث وان غزوة بني قنيقاع كانت قبل ذلك في شوال سنة اثنتين بعد بدر بنحو شهر # وذكر ان الكتاب الذي وادع فيه النبي اليهود كان كانت لما قدم المدينة قبل بدر وعلى هذا فيكون هذا كتابا ثانيا خاصا لابني النضير تجدد فيه العهد الذي بينه وبينهم غير الكتاب الاول الذي كتبه بينه وبين جميع اليهود لاجل ما كانوا قد ارادوا من اظهار العداوة وقد تقدم ان ابن الاشرف كان معاهدا وتقدم ايضا ان النبي
كتب الكتاب لما قدم المدينة في اوائل الامر والقصة تدل على ذلك والا لما جاء اليهود إلى النبي وشكوا اليه قتل صاحبهم ولو كانوا محاربين لم يستنكروا قتله وكلهم ذكر ان قتل ابن الاشرف كان بعد بدر وان معاهدة النبي لليهود كانت قبل بدر كما ذكره الواقدي # قال ابن اسحاق وكان فيما بين ذلك من غزو رسول الله امر بني قينقاع يعني فيما بين بدر وغزوة الفرع من العام المقبل في جمادى الاولى وقد ذكر ان بني قينقاع هم أول من حارب ونقض العهد # الحديث الرابع ما روى عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه قال قال رسول الله من سب نبيا قتل ومن سب اصحابه جلد
رواه أبو محمد الخلال وابو القاسم الازجي ورواه أبو ذر الهروي ولفظه من سب نبيا فاقتلوه ومن سب اصحابي فاجلدوه وهذا الحديث قد رواه عبد العزيز بن محمد بن الحسن بن
زباله قال ثنا عبد الله بن موسى بن جعفر عن علي بن موسى عن ابيه عن جده عن محمد بن علي بن الحسين عن ابيه عن الحسين بن
علي عن ابيه وفي القلب منه حزازه فان هذا الاسناد الشريف قد ركب عليه متون منكرة والمحدث به عن اهل البيت ضعيف فان كان محفوظا فهو دليل على وجوب قتل من سب نبيا من الانبياء وظاهره يدل على انه يقتل من غير استتابة وان القتل حد له # الحديث الخامس ما روى عبد الله بن قدامى عن أبي برزة قال اغلظ رجل لابي بكر الصديق رضى الله عنه فقلت اقتله فانتهرني وقال ليس هذا لاحد بعد رسول الله رواه النسائي من حديث شعبه عن
توبة العنبري عنه وفي رواية لابي بكر عبد العزيز بن جعفر الفقيه عن أبي برزة ان رجلا شتم أبا بكر فقلت يا خليفة رسول الله الا اضرب عنقه فقال ويحك او ويلك ما كانت لاحد بعد رسول الله # ورواه أبو داود في سننه باسناد صحيح عن عبد الله بن مطرف عن أبي برزة قال كنت عند أبي بكر رضى الله عنه فتغيض على رجل فاشتد عليه فقلت تاذن لي يا خليفة رسول الله اضرب عنقه قال فاذهبت كلمتي غضبه فقام فدخل فارسل الي فقال ما الذي قلت انفا قلت ائذن لي اضرب عنقه قال اكنت فاعلا لو امرتك
قلت نعم قال لا والله ما كانت لبشر بعد رسول الله # قال أبو داود في مسائله سمعت أبا عبد الله يسال عن حديث أبي بكر ما كانت لاحد بعد رسول الله فقال لم يكن لابي بكر ان يقتل رجلا الا باحدى ثلاث وفي رواية باحدى الثلاث التي قالها رسول الله كفر بعد ايمان وزنى بعد احصان وقتل نفس بغير نفس والنبي كان له ان يقتل # وقد استدل به على جواز قتل ساب النبي جماعات من العلماء منهم أبو داود واسماعيل بن اسحاق القاضي وابو بكر عبد العزيز والقاضي
ابو يعلى وغيرهم من العلماء وذلك لان أبا برزة لما راى الرجل قد شتم أبا بكر واغلظ له حتى تغيض أبو بكر استاذنه في ان يقتله لذلك واخبره انه لو امره لقتله فقال أبو بكر ليس هذا لاحد بعد النبي # فعلم ان النبي كان له ان يقتل من سبه ومن اغلظ له وان له ان يامر بقتل من لا يعلم الناس منه سببا يبيح دمه وعلى الناس ان يطيعوه في ذلك لانه لا يامر الا بما امر الله به ولا يامر بمعصية الله قط بل من اطاعه فقد اطاع الله # فقد تضمن الحديث خصيصتين لرسول الله # احداهما انه يطاع في كل من امر بقتله # والثاية ان له ان يقتل من شتمه واغلظ عليه # وهذا المعنى الثاني الذي كان لله باقي في حقه بعد موته فكل من شتمه او اغلظ في حقه كان قتله جائزا بل ذلك بعد موته او كد واوكد لان حرمته بعد موته اكمل والتساهل في عرضه بعد موته غير ممكن # وهذا الحديث يفيد ان سبه في الجملة يبيح القتل ويستدل بعمومه على قتل الكافر والمسلم

  1. الحديث السادس قصة العصماء بنت مروان ما روى عن ابن عباس قال هجت امراة من خطمة النبي فقال من لي بها فقال رجل من قومها انا يارسول الله فنهض فقتلها فاخبر النبي فقال لا ينتطح فيها عنزان # وقد ذكر بعض اصحاب المغازي وغيرهم قصتها مبسوطة # قال الواقدي حدثني عبد الله بن الحارث بن الفضيل عن ابيه ان عصماء بنت مروان من بني امية بنت زيد كانت تحت يزيد بن زيد ابن حصن الخطمي وكانت تؤذي النبي وتعيب الإسلام

وتحرض على النبي وقالت شعرا % فباست بني مالك والنبيت % وعوف وباست بني الخزرج % % اطعتم اتاوي من غيركم % فلا من مراد ولا مذحج % % ترجونه بعد قتل الرؤوس كما يرتجى مرق المنضج %

  1. قال عمير بن عدي الخطمي حين بلغه قولها وتحريضها اللهم ان لك على نذرا لئن رددت رسول الله إلى المدينة لاقتلنها ورسول الله يومئذ لبدر فلما رجع النبي من بدر جائها عمير بن عدي في جوف الليل حتى دخل عليها في بيتها وحولها نفرا من ولدها نيام منهم من ترضعه في صدرها فجسها بيده فوجد الصبي ترضعه فنحاه عنها ثم وضع سيفه على صدرها حتى انفذه من ظهرها ثم خرج حتى صلى الصبح مع النبي فلما انصرف النبي نظر إلى عمير فقال أقتلت بنت مروان قال نعم بابي انت يا رسول الله

وخشي عمير ان يكون افتات على رسول الله بقتلها فقال هل علي في ذلك شيء يا رسول الله قال لا ينتطح فيها عنزان فان أول ما سمعت هذه الكلمة من النبي قال عمير فالتفت النبي إلى من حوله فقال اذا احببتم ان تنظروا إلى رجل نصر الله ورسوله بالغيب فانظروا إلى عمير بن عدي فقال عمر بن الخطاب انظروا إلى هذا الاعمى الذي تسرى في طاعة الله فقال لا تقل الاعمى ولكنه البصير # فلما رجع عمير من عند رسول الله وجد بنيها في جماعة يدفنونها فاقبلوا اليه حين رواه مقبلا من المدينة فقالوا يا عمير انت قتلتها نعم فيكدوني جميعا ثم لا تنظرون فوالذي نفسي بيده لو قلتم باجمعكم ما قالت لظربتكم بسيفي هذا حتى اموت او اقتلكم فيومئذ ظهر الإسلام في بني خطمة وكان منهم رجال يستخفون بالإسلام خوفا من قومهم فقال حسان بن ثابت يمدح عمير بن عدي # قال انشدنا عبد الله بن الحارث
% بني وائل وبني واقف % وخطمة دون بني الخزرج % متى ما دعت اختكم ويحها % % بعولتها والمنايا تجي فهزت فتى ماجدا عرقه % كريم المداخل والمخرج % % فضرجها من نجيع الدما % قبيل الصباح ولم تخرج % % فاوردك الله برد الجنا % ن جذلان في نعمة المولج %

  1. قال عبد الله بن الحارث عن ابيه وكان قتلها لخمس ليالي بقين من رمضان مرجع النبي من بدر # وروى هذه القصة اخصر من هذا أبو احمد العسكري ثم قال كانت هذه المراة تهجو رسول الله وتؤذيه # وانما خص النبي العنز دون سائر الغنم لان العنز تشام العنز ثم تفارقها وليس كنطاح الكباش وغيرها وذكر هذه القصة

مختصرة محمد بن سعد في الطبقات # وقال أبو عبيد في الاموال وكذلك كانت قصة عصماء اليهودية انما قتلت لشتمها النبي وهذه المراة ليست هي التي قتلها سيدها الاعمى ولا اليهودية التي قتلت لان هذه المراة من بني امية بن زيد أحد بطون الأنصار ولها زوج من بني خطمة ولهذا والله اعلم نسبت في حديث ابن عباس إلى بني خطمة والقاتل لها غير زوجها وكان لها بنون كبار وصغار نعم كان القاتل من قبيلة زوجها كما في الحديث
وقال محمد بن اسحاق اقام مصعب بن عمير عند اسعد بن زرارة يدعوا الناس إلى الإسلام حتى لم يبق دار من دور الأنصار الا وفيها رجال ونساء مسلمون الا ما كان من دار بني امية بن زيد وخطمة ووائل وواقف وتلك اوس الله وهم من الاوس بن حارثة وذلك انه كان فيهم أبو قيس بن الاسلت كان شاعرهم يسمعون منه ويعظمونه # فهذا الذي ذكره ابن اسحاق يصدق ما رواه الواقدي من تاخر ظهور الإسلام ببنى خطمة والشعر الماثور عن حسان يوافق ذلك # وانما سقنا القصة من راوية اهل المغازي مع ما في الواقدي من الضعف للشهرة هذه القصة عندهم مع انه لا يختلف اثنان ان الواقدي من اعلم الناس بتفاصيل امور المغازي واخبر الناس باحوالها وقد كان الشافعي واحمد وغيرهما يستفيدون علم ذلك من كتبه نعم هذا الباب يدخله خلط الروايات بعضها ببعض حتى يطهر انه سمع مجموع القصة من شيوخه وانما سمع من كل واحد بعضها ولم يميزه
ويدخله اخذ ذلك من الحديث المرسل والمقطوع وربما حدس الراوي بعض الامور لقرائن استفادها من عدة جهات ويكثر من ذلك اكثارا فينسب لاجله إلى المجازفة في الرواية وعدم الضبط فلم يمكن الاحتجاج بما ينفرد به فاما الاستشهاد بحديثه والاعتضاد به فمما لايمكن المنازعة فيه لا سيما في قصة تامة يخبر فيها باسم القاتل والمقتول وصورة الحال فان الرجل وامثاله أفضل من ان يقعوا في مثل هذا في كذب ووضع على انا لم يثبت قتل الساب بمجرد هذا الحديث وانما ذكرناه للتقوية والتوكيد وهذا يحصل ممن هو دون الواقدي # ووجه الدلالة ان هذه المراة لم تقتل الا لمجرد اذى النبي وهجوه وهذا بين في قول ابن عباس هجت امراة من خطمة النبي فقال من لي بها فعلم انه انما ندب اليها لاجل هجوها وكذلك في الحديث الاخر فقال عمير حين بلغه قولها وتحريضها اللهم ان لك علي نذرا لئن رددت رسول الله إلى المدينة لاقتلنها وفي الحديث لما قال له قومه انت قتلتها فقال نعم فكيدوني جميعا ثم لاتنظروني فوالذي نفسي بيده لو قلتم جميعا ما قالت لضربتكم
بسيفي حتى اموت او اقتلكم فهذه مقدمة ومقدمة اخرى وهو ان شعرها ليس فيه تحريض على قتال النبي حتى يقال التحريض على القتال قتال وانما فيه تحريض على ترك دينه وذم له ولمن اتبعه واقصى غاية ذلك ان لا يدخل في الإسلام من لم يكن دخل او ان يخرج عنه من دخل فيه وهذا شان كل ساب # يبين ذلك انها هجته بالمدينة وقد اسلم أكثر قبائلها وصار المسلم بها اعز من الكافر ومعلوم ان الساب في مثل هذه الحال لايقصد ان يقاتل الرسول واصحابه وانما يقصد اغاطتهم وان لا يتابعوا # وايضا فانها لم تكن تطمع في التحريض على القتال فانه لاخلاف بين اهل العلم بالسيرة ان جميع قبائل الاوس والخزرج لم يكن فيهم من يقاتل النبي بيد ولا لسان ولا كان أحد بالمدينة يتمكن من اظهار ذلك وانما غاية الكافر او المنافق منهم ان يثبط الناس عن اتباعه او ان يعين على رجوعه من المدينة إلى مكة ونحو ذلك مما فيه تخذيل عنه وحض على الكفر به لا على قتاله على ان الهجاء ان كان من نوع القتال فيجب انتقاض العهد به ويقتل به الذمي فانه اذا قاتل
انتقض عهده لان العهد اقتضى الكف عن القتال فاذا قاتل بيد او لسان فقد فعل ما يناقض العهد وليس بعد القتال غاية في نكث العهد # اذا تبين ذلك فمن المعلوم من سيرة النبي الظاهر علمه عند كل من له علم بالسيرة انه لما اقام بالمدينة لم يحارب احدا من اهل المدينة بل وادعهم حتى اليهود خصوصا بطون الاوس والخزرج فانه كان يسالمهم ويتالفهم بكل وجه وكان الناس اذ قدمها على طبقات منهم المؤمن وهم الاكثرون ومنهم الباقي على دينه وهو متروك لا يحارب ولا يحارب وهوو المؤمنون من قبيلته وحلفائهم اهل سلم لا اهل حرب حتى حلفاء الأنصار اقرهم النببي على حلفهم # قال موسى بن عقبة عن ابن شهاب قدم رسول الله المدينة وليس فيها دار من دور الأنصار الا فيها رهط من المسلمين الا بني خطمة وبني واقف وبني وائل كانوا اخر الأنصار إسلاما وحول المدينة
حلفاء الأنصار كانوا يستظهرون بهم في حربهم فامرهم رسول الله ان يخلوا حلف حلفائهم للحرب التي كانت بين رسول الله وبين من عادى الإسلام # وكذلك قال الواقدي فيما رواه عن يزيد بن رومان وابن كعب بن مالك عن جابر بن عبد الله في قصة ابن الاشرف قال فكان الذي اجتمعوا عليه قالوا وكان رسول الله قدم المدينة واهلها اخلاط منهم المسلمون الذين تجمعهم دعوة الإسلام فيهم اهل الحلقة والحصون ومنهم حلفاء للحيين جميعا الاوس والخزرج فاراد رسول الله حين قدم المدينة استصلاحهم كلهم وموادعتهم وكان الرجل يكون مسلما وابوه مشركا # ومن المعلوم ان قبائل الاوس كانوا حلفاء بعضهم لبعض فاذا كان النبي قد اقرهم كانت هذه المراة من المعاهدين وكان
منهم المظهر للإسلام المبطن لخلافه يقول بلسانه ماليس في قلبه وكان الإسلام والايمان يفشوا في بطون الأنصار بطنا بعد بطن حتى لم يبق فيهم مظهر للكفر بل صاروا اما مؤمنا واما منافقا وكان من لم يسلم منهم بمنزلة اليهود موادع مهادن او هو احسن حالا من اليهود لما يرجى فيه من العصبية لقومه وان يهوى هواهم ولا يرى ان يخرج عن جماعتهم وكان النبي يعاملهم من الكف عنهم واحتمال اذاهم باكثر مما يعامل به اليهود لما كان يرجوه منهم ويخاف من تغيير قلوب من اظهر الإسلام من قتالهم لو اوقع بهم وهو في ذلك متبع قوله تعالى ^ لتبلون في اموالكم وانفسكم ولتسمعن من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين اشركوا اذى كثيرا وان تصبروا وتتقوا فان ذلك من عزم الامور ^ # ثم انه مع ندب الناس إلى قتل المرأة التي هجته وقال فيمن قتلها اذا احببتم ان تنظروا إلى رجل نصر الله ورسوله بالغيب فانظروا إلى هذا فثبت بذلك ان هجاءه وذمه موجب للقتل غير الكفر وثبت ان الساب يجب قتله وان كان من الحلفاء والمعاهدين
ويقتل في الحال التي يحقن فيها دم من ساواه في غير السب لا سيما ولو لم تكن معاهدة فقتل المراة لا يجوز الا ان تقاتل لانه راى امراة في بعض مغازيه مقتولة فقال ما كانت هذه لتقاتل ونهى عن قتل النساء والصبيان # ثم انه امر بقتل هذه المراة ولم تقاتل بيدها فلو لم يكن السب موجبا للقتل لم يجز قتلها لان قتل المراة لمجرد الكفر لا يجوز ولا نعلم قتل المراة الكافرة الممسكة عن القتال ابيح في وقت من الاوقات بل القران وترتيب نزوله دليل على انه لم يبيح قط لان أول اية نزلت في القتال ^ اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير الذين اخرجوا من ديارهم ^ الاية فاباح للمؤمنين القتال دفعا عن نفوسهم وعقوبة لمن اخرجهم من ديارهم ومنعهم من توحيد الله وعبادته وليس للنساء في ذلك حظ