وكيف لا ادافع عن النبي وارد واسب من سبه وقد امر صلي الله عليه وسلم حسان بن ثابت بهجاء المشركين

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، وَعَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ ، وَحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ ، قَالُوا : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ لِحَسَّانَ : " اهْجُهُمْ أَوْ هَاجِهِمْ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ " .
ذهب الشافعية إلى جواز هجو المبتدع ، والمعلن بفسقه ، وذهب الحنفية إلى جواز هجو المنافق .
قال الشربيني الشافعي رحمه الله :
"ومثله في جواز الهجو : المبتدع ، كما ذكره الغزالي في " الإحياء " ، والفاسق المعلِن ، كما قاله العمراني ، وبحَثه الإسنوي" انتهى .
"مغني المحتاج" (4/430) .

وفي "الموسوعة الفقهية" (42/159) :
"ذهب الفقهاء إلى عدم جواز هجو المسلم ، واستثنى الشافعية المبتدع ، والفاسق المعلِن بفسقه ، فيجوز هجوهم ، وعند الحنفية : يجوز هجو المسلم المنافق" انتهى .

وكلما ازداد قبح البدعة ، وبُعدها عن الصراط المستقيم : تحتم على أهل السنَّة كشف عوارها ، وتبيين ضلالها ، وهو من الجهاد في سبيل الله باللسان .
قال ابن القيم رحمه الله في بيان شرِّ بدعة التعطيل ، والتأويل ، وذم أهليهما - :
"فكشْف عورات هؤلاء ، وبيان فضائحهم ، وفساد قواعدهم : مِن أفضل الجهاد في سبيل الله ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت : (إِنَّ رُوحَ القُدُسِ مَعَكَ مَا دُمْتَ تُنَافِحُ عَنْ رَسُولِهِ) ، وقال : (أُهْجُهُم - أَوْ هَاجِهِم - وَجِبْرِيلُ معك) ، وقال : (اللهمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ القُدُسِ مَا دَامَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِكَ) ، وقال عن هجائه لهم : (والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ فِيهم من النَّبْل) ، وكيف لا يكون بيان ذلك من الجهاد في سبيل الله : وأكثر هذه التأويلات المخالفة للسلف الصالح من الصحابة ، والتابعين ، وأهل الحديث قاطبة ، وأئمة الإسلام الذين لهم في الأمَّة لسان صدق : يتضمن من عبث المتكلم بالنصوص ، وسوء الظن بها من جنس ما تضمنه طعن الذين يلمزون الرسول ، ودينه ، وأهل النفاق ، والإلحاد ؛ لما فيه من دعوى أن ظاهر كلامه إفك ، ومحال ، وكفر ، وضلال ، وتشبيه ، وتمثيل ، أو تخييل ، ثم صرْفها إلى معانٍ يعلم أن إرادتها بتلك الألفاظ من نوع الأحاجي ، والألغاز ، لا يصدر ممن قصْدُه نصح ، وبيان ، فالمدافعة عن كلام الله ورسوله ، والذب عنه : من أفضل الأعمال ، وأحبها إلى الله ، وأنفعها للعبد" انتهى .
"الصواعق المرسلة" (1/301 ، 302) .

ثالثاً :
أما الكافر ، والمشرك ، والمرتد : فظاهر النصوص تدل على جواز هجائهم ، بل قد دلَّت سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم على أن ذلك من الجهاد في سبيل الله .
عَنْ أَنَس بن مالك أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ) . رواه أبو داود (2504) والنسائي (3069) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"عيب ديننا ، وشتم نبيِّنا : مجاهدة لنا ، ومحاربة ، فكان نقضاً للعهد ، كالمجاهدة ، والمحاربة بالأَوْلى .
يبين ذلك : أن الله سبحانه قال في كتابه : (وَجَاهِدُوا بِأَمْوالِكم وَأَنْفِسكم فِي سَبيلِ الله) التوبة/41 ، والجهاد بالنفس : يكون باللسان ، كما يكون باليد ، بل قد يكون أقوى منه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (جَاهِدُوا المُشْرِكين بِأَيْدِيكُم وَأَلْسِنَتِكُم وَأَمْوالِكُم) رواه النسائي وغيره ، وكان صلى الله عليه وسلم يقول لحسان بن ثابت : (أهْجُهُم وَهَاجِهِم) ، (وكان يُنصب له منبر في المسجد ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعره ، وهجائه للمشركين) – رواه البخاري تعليقا ، ورواه أبو داود والترمذي متصلاً ، وحسنه الألباني - ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (اللهمَّ أَيِّدْهُ بِرُوح القُدُس) – متفق عليه - ، وقال : (إِنَّ جِبرائيلَ مَعَكَ مَا دُمْتَ تُنَافِحُ عَنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم) – وهو الحديث قبل السابق - ، وقال : (هِيَ أَنْكَى فِيهُم مِن النَّبْل) – رواه مسلم – " انتهى .
"الصارم المسلول" (1/213) .


وينبغي أن يكون ذلك ردّاً على هجاء أولئك الكفار للإسلام ، أو لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ؛ وقد دلَّ النص القرآني على عدم جواز ابتدائهم بالسب ، والهجاء ؛ خشيةً من تعرضهم لله تعالى ، أو لدينه ، أو لرسوله صلى الله عليه وسلم ، بالسب والشتم ، فقال الله تعالى : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأنعام/ 108 .


ومما يدل على جواز هجاء الكفار والمشركين ردّاً عليهم : ما ثبت من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحسان بن ثابت رضي الله عنه : (اهْجُهُمْ - أَوْ قَالَ : هَاجِهِمْ - وَجِبْرِيلُ مَعَكَ) رواه البخاري (5801) ومسلم (2486) .
قال العيني رحمه الله :
"قوله (اهجهم) : أمرٌ مِن هجا ، يهجو ، هجواً ، وهو نقيض المدح .
قوله (أو هاجهم) : شك من الراوي ، من المهاجاة ، ومعناه : جازهم بهجوهم .
قوله (وجبريل معك) : يعني : يؤيدك ، ويعينك عليه" انتهى .
"عمدة القاري" (15/134) .

وفي "مغني المحتاج" (4/430) :
"محل تحريم الهجاء إذا كان لمسلم فإن كان لكافر أي غير معصوم جاز ، كما صرح به الروياني وغيره ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمر حسَّان بهجو الكفار ، بل صرح الشيخ أبو حامد بأنه مندوب .
وظاهر كلامهم : جواز هجو الكافر غير المحترم [يعني غير المعصوم] المعين" انتهى .

وجاء في "الموسوعة الفقهية" (42/160) :
"ذهب الفقهاء إلى جواز هجو الكافر غير المعصوم ، وكذا المرتد ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر حسان بن ثابت رضي الله عنه بهجو الكفار" انتهى .

وفي ذِكر جبريل عليه السلام في الحديث دون غيره من الملائكة حكمة بالغة .
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله :
"وإنما خصَّ النبي صلى الله عليه وسلم جبريل ، وهو روح القدس ، بنصرة من نصره ، ونافح عنه ؛ لأن جبريل صاحب وحي الله إلى رسله ، وَهُوَ يتولى نصر رسله ، وإهلاك أعدائهم المكذبين لهم ، كما تولى إهلاك قوم لوط ، وفرعون ، في البحر .
فمَن نصر رسول الله ، وذب عنه أعداءه ، ونافح عنه : كان جبريل معه ، ومؤيِّداً له ، كما قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ) التحريم/4" انتهى .
"فتح الباري" لابن رجب (2/509) .

وبالتأمل في سبب ورود الحديث : يتبين أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر حسان بن ثابت بهجاء المشركين ردّاً على طعنهم ، لا أن ذلك كان ابتداءً .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
"وفي الحديث : جواز سب المشرك ، جواباً عن سبه للمسلمين , ولا يعارض ذلك مطلق النهي عن سب المشركين لئلا يسبوا المسلمين : لأنه محمول على البداءة به , لا على من أجاب منتصراً" انتهى .
"فتح الباري" (10/547) .

وفي "حاشية السندى على صحيح البخارى" (4/141) :
"وقوله : (بِرُوحِ القُدُس) هو جبريل ، في ذلك إشارة إلى أن هجو الكفار من أفضل الأعمال ، ومحله : إذا كان جواباً ، كما هنا ، وإلا فهو منهي عنه لآية : (وَلاَ تَسُبُّوا الذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دِونِ اللهِ)" انتهى .

http://www.islamqa.com/ar/ref/130913