هل هناك من يشهد بصحة الكلام السابق نعم التدرج الشيطاني وتبريرات النصارى واعترافاتهم الضمنية وتفسيراتهم الواهية التى تحتم عليهم فى بعض الاحيان الرجوع الى الفطرة والعقل , فالشيطان لا يستطيع أن يدفعك للإنكار مرة واحدة بل لابد أن يبدأ معك بالتدريج من احد الأبواب الفرعية البعيدة تماما عن البحث فى أصل الأصول (وجود الله) لأنه يعلم يقينا بان الفطرة سوف تقف له بالمرصاد و تدفعه عن تلك الجزئية بسهولة تامة وبالتالى يتوجب عليه العبث فى الفطرة وتشوشيها وتشويهها تدريجيا لتجهيزها لاستقبال تلك الفكرة الشاذة .
أما النصارى فامرهم اعجب حيث نجد بعضهم يجعل المخالفة للعقل شرط للايمان" أؤمن بذلك لأنه محال" فى نفس الوقت الذى يتخذ فيه الجدال حرفة والبعض الاخر يعترف صراحتا بكون العقيدة المسيحية بعيدة عن العقل كالقس جورج سيل حين قال : "لا تعلموا المسلمين المسائل التي هي مخالفة للعقل ؛ لأنهم ليسوا حمقى حتى نتغلب عليهم في هذه المسائل ، كعبادة الصنم والعشاء الرباني ، لأنهم يعثرون كثيرا من هذه المسائل ، وكل كنيسة فيها هذه المسائل لا تقدر أن تجذبهم إليها") ويكفينا ان نعلم كون الشيء مخالف للعقل لكي نلفظه والمخالفة في المسيحية صارخة لا تحتاج الى بحث ناهيك عن تلك الاعترافات وتكفينا مسألة التثليث مع التركيز على وصفى التغفيل والحماقة اللذان وصفا بهما القس نفسه ضمنيا اقتداء ببولس: "قد صرت غبيا وأنا افتخر" بينما البعض الآخر يعطون المخالف والفاسد صفة العلو عن الإدراك مع الاختلاف الظاهر فالمتعالي عن الإدراك يقره العقل دون القدرة على الاحاطة بكنهه كعظمة الله في حين أن الفاسد لن يجد من العقل سوى المج التلقائى وببساطة أكثر عدم الإدراك لا يمكن أن يرتبط إلا بماهية الشيء أو كيفية نشوءه الخارجة عن نطاق العقل والحواس لا بحقيقته أو واقعه الظاهر والمحسوس الداخلة فى هذا الاطار.
فالانسان يؤمن بالروح
ولكن من السفه ان يبحث فى كنهها
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) الاية (85) من سورة الاسراء...
فهى لا يمكن إن تكون عرضة للتجارب المعملية .
ويؤمن بالكون
دون البحث فى كيفية خلقه التى لم يشهدها (مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا) الاية (51) من سورة الكهف .
اذن اذا كان هناك سر لا يدرك لخروجه عن اطار العقل والحواس
فهناك حقيقة تقرر وجوده وامكان حدوثه تحت نفس الاطار فهناك فرق بين الوجود والكنه كما ان هناك فرق بين امكانية الحدوث وبين كيفيته .
وبالتالى فان السر والحقيقة المتعلقان بالشىء ذاته لا يمكن ان يناقض احدهما الا خر .
فكون الروح سر لا يدرك لا ينافى حقيقة وجودها .
وكون خلق ونشوء الكون سر لا يدرك لعدم المشاهدة والاطلاع لا ينافى حقيقة وجوده اوالايمان به فانا جزء من محتوياته
وكذلك النتائج المترتبة على كلا منهما لا ينافى احدها الاخر
وبذلك يمكن إن نستغنى بما هو مندرج تحت نطاق الحواس عن الذى فوقها لان النتيجة واحدة .
فنصل الى إن هناك فرق بين ما هو فوق العقل وبين ما هو مناقض للعقل
لانه اذا كانت هناك حقيقة غامضة ومجهولة لبعض الاشياء لكونها فوق الحواس أو الادراك
فسوف تكون هناك حقيقة ظاهرة جلية متعلقة بكل ما هو مناقض وهى الفساد والبطلان.
والعكس صحيح فهناك اشياء فوق العقول والحواس مع الاحتفاظ بعدم المناقضة للثوابت وقد ذكرنا بعضها .
وعلى ذلك لكى يكون الشىء صحيح لابد إن يكون متوافق مع العقل بغض النظر عن كونه سر لا يدرك أو سر يدرك
ليس هناك مشكلة فى ذلك فلا يمكننى إن انكر عظمة الله لانها فوق العقول فالعجز عن الادراك فى هذه الحالة ادراك
ولكن يمكننى إن ارفض 1 كحاصل جمع 1+1+1 لانها مناقضة للعقل والفطرة والعلوم والبديهيات والثوابت و اللغات والاشارات والرموزوالاعراف الانسانية
فانا لا ارفضا لكونها فوق العقل بل ارفضها لكونها مناقضة له .
وهذه الحقيقة لم يلتفت اليها المسيحيون عند وضعهم للتبريرهم الخاطىء المتعلق بعقيدة التثليث .
فكون التثليث سر لا يدرك لا ينفى وجوب كونه متوافق مع العقل ومنسجم مع الفطرة , فالحقيقة انه ليس مرفوض لكونه فوق العقول أو الافهام انما الحقيقة انه مرفوض لكونه مناقض لها
اوبمعنى اخر يمكننا إن نقول اذا كانت هناك ظنون تقول بانه فوق العقل أو الادراك
فهناك حقيقة ثابتة يقينية تقول بانه مناقض للعقل ومنفر للفطرة
وهذه طرقة وهذه طرقة
وبالتالى لن تكون الظنون ظنون ولكن اوهام
وعلى ما اعتقد ويعتقد الكثيرون إن الحقيقة لا يمكن تجاهلها لانها ببساطة حقيقة
ولن يشفع كون شىء فوق العقل لكونه مناقض له فهذا يظهر الغموض والكمال والعظمة
وهذا يظهر الفساد والتهافت والبطلان
ولا يمكن إن يجتمع ذلك مع ذلك .
يتبع بعون الله تعالى