.
I. أدلة وجود الله:
1- دليل الوحدانية:
فهو يشير إلى التفكير في الموجودات والمصنوعات للوصول إلى ذات الحق فهي الدليل الواضح على ذاته وذلك وفقا لقوله "انظروا ما في السموات والأرض" فلماذا نظروا وجدوه حقا، أي تمعنوا في الكون وتدبروا فيه متصلون إليه (واجب الوجود) ومن ثم قالوا "ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك" وبهذا تحصل المعرفة لأسرار الكتاب والوصول إلى معرفة الحق من خلال المصنوعات، وذاته متعالية ومستقلة عن ما صنعه -تعالى الله عن ذلك- وهذا يدل على أن معرفة الله تكون بالشهود فذاته هي الذات الجامعة لسائر الأسماء والصفات وهذا ما ورد في كتاب "أم القواعد وما انطوت عليه من العقائد" وذاته متفردة وقائمة لوحدها وبهذا فوجوده مطلق لا يتحيز ولا يتعدد ولا يتميز وهذا الإدراك لذاته لا يكون لجميع الناس، فوجوده تعالى لا يقبل الانتفاء في بصائر العارفين وهم من وصلوا لإدراكه ومعرفة حقيقته عندما رفع عنهم الحجاب وفهموا ما جاء في الكتاب عن طريق التأمل والتفكير في ذاته تعالى من خلال موجوداته معرفوه معرفة روحانية نفسية أما المحجوبين بين فطريتهم الحس والحس مرتبط بالوجود المادي فلا يرقى للوصول إلى الحق تبارك وتعالى[1].
فمعرفة الحق لا تكون لسائر الناس في تنزيهه وإقرار وحدانيته وقيامه بذاته مستقل عن كل صفة ينسبونها إليه وذلك لأن حقيقة الوحدانية تعجز الألفاظ عن إعطاء معناها ولا الإشارة أو تصريح أو عبارة، فهي متعالية عن كل ذلك فالذات قديمة والإشارة محدثة فلا يمكن معرفة حقيقة الذات بها، فالقدم دائما متعالي وأرقى من المحدث ولا يمكن أن يعبّر عن ذاته، والمحدث زائل ومنه ومتلاشي، فلا يمكن أن يعبّر عن ذات الذات التي لا ذات مع تلك الذات، أي الاستقلالية بذاته، وترفعه عن كل وصف يوصف به أو صفة تنسب إليه، فهو غني عنها لقيام ذاته، وبهذا فالألفاظ عاجزة عن الإيصال لمعرفة ذات الحق باعتبارها على الأوصاف والصفات، وينسب إلى ذاته من الصفات باعتبارها ألفاظ واللفظ محدث وبالتالي ناقص، وذاته تعالى كاملة فلا يمكن معرفة الكمال بالنقص، فذاته تعالى غنية عن الصفات، فمعرفة الذات بالصفات من معرفة يضيفها القوم أو العامة فقط،ى فالله كان ولا شيء معه وما زاد على ذاك هو من كلام القوم.
فالموجودات هي دليل على موجودها فهي غير مستقلة أو تعبّر عن ذاتها، والنظرة الأصح للفرد أن ينظر إليها على أنها فانية ومحدثة من طرف الخالق فإذا نظرت إليها تستحضر خالقها وموجدها لأن الأشياء من ذواتها العدم، والزوال باعتبارها محدثة والحدوث لا يثبت مع القدم.
2- دليل التنزيه:
يلخص ابن عليوة هذا الدليل من خلال العلاقة القائمة على التباين الموجود بين الصانع والصنعة التي ينشؤها وذلك من خلال الصفات التي تثبت وجوده ذاته ومخالفته للحوادث، فهو يذهب إلى اعتبارها دليل لا يعبّر عن الذات الحقيقة لذاته تعالى وإنما هي وسيلة تساعد العامة من الناس لكي لا يخرجوا عن إنكاره فهم يصفون الصفات الإلهية وينسبونها لذاته فتتكون لهم نظرة عامة على ذاته، وهذا ليس عين الذات الإلهية عند ابن عليوة، أما العارفين حقا لذاته فهم لا يعتمدون على هذه الصفة المتعلقة بماهية الذات الإلهية أي أنها مخالفة لما يتصوره الفكر وهو يقول أن الفكر لا يستطيع أن يتصور إلا مخلوقا مثله فلا يستطيع تصور الخالق، وبما أن الخالق لا يتصف بصفات المخلوق فلا يوجد في فكر الإنسان ما يتصوره عن الذات الإلهية وصفاته مخالفة لصفات البشر ولا تمت لها بصلة[2] ومنه الفئة من العارفين هم الذين يصلون إلى معرفة ذاته حق المعرفة فهم لا يشبهون ولا ينسبون ولا يمثلون لذاته تعالى فذاته قائمة بذاتها ومتنزهة على كل وصف يلحق بها، وذلك لخروجهم عن عالم الخيال والكيف والمنال.
أما المحجوبون فهذه الصفة "مخالفته للحوادث" تساعدهم وهي سفينة نجاتهم لأن الاعتقاد بها ينفي وجود التكيف والتشبيه والتحيز والمكان والتميز لذاته تعالى، فإيمانهم هنا يكون عن لم وجمع الصفات وإعطائها نظرة عامة شاملة تفوق الصفات البشرية وبها تنسب إلى الذات الإلهية، ولكن هذه الصفات لا تعبّر عن ذات الحق تماما لأن صفة التنزيه مثلا لا تليق بذاته تعالى لأنه غني عن التنزيه ولا يحتاج إليه في ذاته وبتالي هذه الفئة من الناس ستقع في التشبيه لا محالة، وبالتالي فمعرفتهم غير صحيحة تماما، فيجب في حقه الوحدانية في الذات والصفات والأفعال فذاته لا شيء زائد عنها لا تقبل الزيادة ولا النقصان لقوله تعالى "كان الله ولا شيء معه" وهو الآن قائم بذاته وما عليه كان، وهذا يعبّر عن الوحدانية في الأسماء والصفات[3] والوحدانية في الفعل أي أنه لا فاعل مع الله أي أنه مصدر الأفعال كلها والقوم انقسموا في هذه المسألة إلى ثلاثة أقسام:
فالأول: يرون أنه لا فاعل مع الله وبهذا يتحقق معنى الوحدانية في الأفعال وذلك عن طريق الكشف لا عن طريق الاعتقاد فهذه الفئة تحصل لها المعرفة عن طريق الاشراقات والمكاشفات التي تحصل لهم بعيدين عن الاعتقاد وباعتباره يبقى ناقصا.
أما الصنف الثاني: فينطلق بالإيمان بالوحدانية في الصفات وعندما يحصل على هذا الإطلاع في الصفات يجد ذاته منزهة عن كل الصفات والأسماء فهي قائمة ومستغنية عنها وبالتالي فكل الأفعال صادرة عن ذاته، فهو الخالق للمصنوعات والموجودات فهذه الصفات نفسية متعلقة بالموجودات.
أما الصنف الثالث: فهذا الصنف ينطلقون من حقائق الوحدانية في الذات أنها مستقلة ومنزهة عن كل وصف وتشبيه، وبذلك وصلوا إلى المعرفة الحقة كمالا ذاته وكشفوا عن عظمته، لم يجدوا هنالك فسحة تظهر فيها المكونات، فقالوا تكون ذاتية تخص كل فرد منهم وصل إلى هذا الاعتقاد وبالتالي يصل إلى التوحيد الخالص لذاته وتنزيهه عن كل الصفات وما سواهم هم محجوبون وغافلون لم يصلوا حقيقة التوحيد ولا استنشقوا رائحة التفريد وإنما سمعوا بالتوحيد فقط[4].
3- دليل الشك والنفي:
وفي حديثه عن الشك في ذات الله وكيف هو برهان يثبت وجوده، فلقد اتجه إلى دراسة ومعرفة الأسباب التي تجعل الفرد ينكر وجوده ويعتقد ذلك وكيف يصل إلى هذه النتيجة وما هي الدوافع والبواعث التي دفعته إلى هذا الموقف في الاعتقاد؟ فهو يقول أن المنكر لذاته الإلهية فهو في إنكاره يتجه إلى إله متصور في ذاته ويعتقد به ولكن يضيف إليه ويعتقد به ما شاء في الصفات وبالتالي فهو يظن أنه ناقص وبالتالي يرفضه، وذلك يعود إلى ما تلقاه وأخذه عن وسطه أو بالوراثة، وبهذا فهو يتخيل إله العالم لا يخرج عن التكيف الإنساني والكم مقره العلو جالس على كرسي أو نحوه، صالح أن يلمس باليد، فهذا هو معنى الإله عند هذه الفئة من الناس، ثم يتجه إلى الوجود أو العالم وينظر ما يحيط به من نظام عام وشامل ودقيق لحركة الأفلاك والكواكب والشموس، وتتوقف حركة بعضها إلى بعض الآخر حسبما تقتضيه الجاذبية والنواميس الطبيعية فيقول أن الأشياء مرتبطة ببعضها أو المسببات موقوفة على أسبابها والطبيعية فعالة في مركباتها.
وبهذا فهو لا يصل إلى وجود سلطة زائدة تشير إليه بالوجود أو الله فذلك نتيجة عجلة بالقول بمجرد الطبيعة وأنها تسير وفق لحاجاتها، وهكذا تجده يقول بالنفي، ولكن إذا تحدث عن نفيه فلن ينفي إلا الإله المقرر سابقا في ذهنه فهو أضاف له كل صفات ناقصة نتيجة تشبيهه بالإنسان، وبذلك فنفيهم يكون عاقد على الوصف المقرر الذي أضافوه لذاته في أذهانهم لا على الله الحق "فلو قيل لأحدهم أن الله هو قوة خارجية متعذرة الإدراك، تباين المادة بأتم المباينة يتحسسها الإنسان من قريب ومن بعيد ومن أقرب إليه من حبل الوريد لم تزل مجهولة، متعذرة الإدراك"، لما تعجل بالنفي لأن شعوره يثبت له شيئا من وراء إدراكه.
فالقانون بالنفي لم يكن نفيهم صادقا إلا على ما توهموه في الإله من قبل أما لو كان لهم إلمام بشيء من أخصه عقائد الإسلام بما صادفه نفيهم موقفا يقع عليه[5].
وبهذا نجد أن المشككين والنافين لوجود الله قد حاولوا إعطاء أدلة على عدم وجوده ولقد اختلفوا إلى فريقين فما اعتبره فريق دليل على إثبات عدم وجوده أي نفيه استدل الآخر بعكسه، فكان برهانهما من حيث الإجمال متركب من نقيضين فمنهم من يرى أن هذا الكون جاء على أتم الكمال والتناسق، أي أن الطبيعة عندهم أعطت كل شيء حقه وخلقه والأشياء عندهم مرتبطة ببعضها والمسببات موقوفات على أسبابها والعادة هي الحاكمة في نفسها دون أن يوجد في الكون أدنى اختلال.
وهكذا جاءت الأشياء وستبقى وفق نظام الطبيعة وطبق النواميس، ويقولون أنه لو كان هناك إله خارج عن إرادة الطبيعة لكان هناك أمور خارجة عن العادة الطبيعية والنواميس فتدل على بذلك على وجوده في الخارج، وحيث أنه لا يوجد ما ينافي العادة علمنا أنه لا شيء هناك.
أما الفريق الآخر فهو يذهب بما يعكس ما ذهب إليه الفريق الأول وذلك بقولهم أنه لو تتبعنا جملة من الكائنات فحصا وتدقيقا وتنقيبا لوجدنا منها ما جاء على خلاف العادة أو بدون غاية ووظيفة في هذا العالم، فهناك ما جاء على خلاف جنسه فهناك من الحيوانات ما يوجد فيه وصف الذكورية والأنوثة، وهو لا يستفاد منه فوجوده ما هو إلا اندفاع من الطبيعة جاء على غير قانون، ولو كان هناك إله قادر حاكم حسبما يقولون لما رأيت وجود هذا الصنف من المخلوقات أو الموجودات والفعال التي هي شبه عبث وبهذا فلقد نفى كل فريق حجة الآخر في نفي الإله والتشكك في وجود مدبر وخالق ومنظم لهذا الكون[6].
وبهذا فبرهان وجود الحق موجود في ذات الإنسان وفطرته، فله ما يرشده إلى استخلاص برهان وجود المدبر من أي شيء مهما كان، ولكن الفرد كثيرا ما يتعاصى أن يرى البرهان برهانا، ولو كثر عليه فكل موجود هو دليل على وجود موجدِهِ، فينبغي للحكيم أن لا يفوته شيء ليأخذ كدليل للوصول إلى الحق وإثبات المنشئ لهذا العالم وله القدرة على استخلاص الشيء من نقيضه، فيمكن أن يعرف الحق من خلال موجوداته ومصنوعاته فهي دليل على وجوده فالموجودات تعبّر عن ما ورائها من عظيم وهو سبب وجودها، والشك هو دليل على وجود المشكوك فيه لأن الشك شيء ولا شيء إلا وله فعال فيه آية وإذا فالشك لا يبعد أن يوجد فيه آية تدل على وجود الله.
فأنت إذا أعطيت مثلا شيئا من الاهتمام فإنك تجده متركبا من النقيضين أي النفي والإثبات بدونه أن يزاحم احد المتناقضين الآخرين، وبهذا فأنت تثبت وجوده من خلال هذا الطرح أي أنت تبحث في ذاته تعالى وتفكر فيها من دون أن تثبت بها أحدث الموقفين، فالإثبات يكون مستخلصه من خلال ما أوجده.
فالموجودات هي دليل على وجود خالقها فهو المؤثر فيها من الخارج، وهذا ما يدفع إلى التساؤل عن هذا المؤثر الذي يؤثر في الموجودات، فلا يصح أن يقال أن هذا الوجود أنه وقع من لاشيء والإثبات يكون وفق ما اقتضته الإحساسات الباطنية، وبذلك من خلال التدبر في المخلوقات واستحضار عظمة خالقها.
فالإنسان يحس بوجود قوة خارجية تحكمه وتحكم العالم وتسييره بدقة وهي عالمة بكل ما فيه من عظيم ودقيق ونظام، فتارة تجده يثبت هذه القدرة وأخرى ينفيها.
وذلك بحسب قدر الإيمان المتسرب إلى فؤاد الفرد وتختلف درجة الإيمان من فرد لآخر، ويصل من خلال باطنه إلى قدر كبير من الإيمان يستريح له ضميره وذلك من خلال صنع ما عند غيره وما وصلوا إليه من الإيمان والحجج والبراهين التي يثبتون بها وجود الله حتى يتقوى إيمانه وتزداد معرفته وهذه المعرفة تكون لمن لا ينكر الغيب ويستهين به[7].

[1] أحمد بن مصطفى العلاوي: المنح القدوسية في شرح المرشد المعين بطريق الصوفية، المطبعة العلاوية، مستغانم، ط2، 1998، ص 48.

[2] أحمد بن مصطفى العلاوي: المنهج المقيد في أحكام الفقه والتوحيد، ط1، المصدر السابق، ص 7.

[3] أحمد بن مصطفى العلاوي: المنح القدوسية في شرح المرشد المعين بطريق الصوفية، ط1، المصدر السابق، ص 52.

[4]أحمد بن مصطفى العلاوي: المنح القدوسية في شرح المرشد المعين بطريق الصوفية، ط2، المصدر السابق، ص 53.

[5] أحمد بن مصطفى العلاوي: الأبحاث العلاوية في الفلسفة الإسلامية، المطبعة العلاوية، مستغانم، 1984، ص 16.

[6] أحمد بن مصطفى العلاوي: المصدر نفسه،ص- ص 16-17.

[7] أحمد بن مصطفى العلاوي: الأبحاث العلاوية في الفلسفة الإسلامية، المصدر السابق، ص-ص 26-27.

I> H]gm ,[,] hggi: