لوقا ومتى يحرفان إنجيل مرقس:
يرى الكثير من مفسري الأناجيل أن انجيل مرقس وهو أقدم الأناجيل كان أمام كاتبي انجيل متى وانجيل لوقا أثناء تحرير انجيليهما.
وقد أثبت التحليل الكمي للأناجيل أنه إذا كان إنجيل مرقس يتكون من (661) عبارة فإن إنجيل متى قد استعار منه (606) عبارة مستخدما (51%) من نفس ألفاظه أى أن إنجيل متى يحتوى على (91%) من مادة إنجيل مرقس.
أما لوقا فإنه يستعير (320) عبارة مستخدما (53%) من نفس ألفاظ مرقس أى أن إنجيل لوقا يحتوى على (50%) من مادة إنجيل مرقس ، بل وأكثر من ذلك فالخمسة والخمسون عبارة الباقية من مرقس التي لا يستعيرها متى نجد منها (31) عبارة فى إنجيل لوقا (1)
ومن الملاحظ أن إنجيلي متى ولوقا اقتبسا عبارات كثيرة من إنجيل مرقس ولكن مع تحويرها لأهداف معينة تظهر من الأمثلة التالية:
1- يقول مرقس: (فشفى كثيرين كانوا مرضى .. وأخرج شياطين كثيرة) مرقس 1 : 34
يقول متى: (فأخرج الأرواح بكلمة وجميع المرضي شفاهم) متى 8 : 16
يقول لوقا: (فوضع يديه على كل واحد منهم وشفاهم) لوقا 4 : 40.
مرقس: لأنه كان قد شفى كثيرين) 3 : 18
متى: (وتبعته جموع كثيرة فشفاهم جميعا) 12 : 15
لوقا: (لأن قوة كانت تخرج منه وتشفي الجميع) 6 : 19
هكذا يحول متى ولوقا كلمة (كثيرين) التي يذكرها مرقس إلى (جميع) لإظهار قدرة المسيح اللامحدودة.
2- المثال الثاني:
يقول مرقس (ولم يقدر أن يصنع هناك ولا قوة واحدة) 6 : 5 قوة: أى معجزة.
يقول متي: (ولم يصنع هناك قوات كثيرة) 13 : 58.
هاتان الروايتان تصفان زيارة المسيح لوطنه الناصرة ونرى متى يمتنع عن أن يذكر عجز المسيح عن القيام بأية معجزة فى مديتنه الناصرة كما ذكر صراحة مرقس ، فنجده يغير الأسلوب لكي لا تكون هناك شبهة بمحدودية قوة يسوع.
3- المثال الثالث:
لا يرد فى لوقا ومتى الأحداث التالية التى ذكرها مرقس وهى تصف الانفعالات البشرية التي كانت تعتري السيد المسيح خوفا من أن يكون فيها الإقلال من شأنه.
(فنظر حوله إليهم بغضب حزينا) مرقس 3 : 5
(ولما سمع أقرباؤه ، خرجوا ليمسكوه لأنهم قالوا أنه مختل) مرقس 3 : 21
(فلما راى يسوع ذلك اغتاظ) مرقس 10 : 14
هكذا يظهر مرقس الصورة الطبيعية للسيد المسيح وأنه كان فريسة للانفعالات البشرية كالغيظ والغضب والحزن والقدرة المحدودة للقيام بالمعجزات.
4- المثال الرابع:
مرقس (أليس هذا هوالنجار ابن مريم) 6 : 3
متى (أليس هذا ابن النجار) 13 : 55
لوقا (أليس هذا ابن يوسف) 4 : 22 يوسف هو يوسف النجار زوج مريم.
هنا أيضا يخبرنا مرقس بمهنة السيد المسيح فيذكر انه كان نجارا أما متى ولوقا فامتنعا عن ذكر مهنته هوواكتفيا بمهنة أبيه يوسف.
يقول ليون موريس: القديس مرقس أكثر صراحة من متى ولوقا فى وصف بشرية المسيح.
نظرا لأن إنجيل مرقس هو أقدم الأناجيل كما أن أسلوبه فى رواية الأحداث كما رأينا لا يميل إلي المبالغة والتضخيم فإن كثيرين من المفسرين يرجحون روايته على روايات باقي الأناجيل عند اختلافها حول نفس الحادثة. على سبيل المثال يقول مرقس (حقا اقول لكم من القيام ههنا قوما لايدوقون الموت حتى يروا ملكوت الله قد اتى بقوة ) مرقس 1:9 فى حين يقول متى (الحق اقول لكم ان من القيام ههنا قوما لايدوقون الموت حتي يروا ابن الانسان اتيا فى ملكوته ) متى 28:16 هنا يستبدل متى(ملكوت الله ) والمقصود به انتشار الديانة المسيحية بلقب( ابن الانسان ) المقصود به السيد المسيح وعودته الى الارض. ان ما فعله متى هنا سبب العديد من المشاكل للمفسرين لان المجىء الثانى للمسيح لم يتم رغم مرور 2000 عام على موت مستمعيه .ان كاتب انجيل متى اقدم على هده الاضافه من عنده لانه كتب انجيله فى ايام الاضطهاد العنيف فاراد التخفيف من معاناة المضطهدين وتبشيرهم ان الفرج قريب.
ويعترف وليم ياركلي بأن هناك عبارات قد دست فى الأناجيل لتحقيق أغراض معينة فمثلا: (إلى طريق أمم لا تمضوا والي المدينة للسامريين لا تدخلوا) متى 10 : 6
يقول عنها فى تفسيره: هذه الوصية الغريبة التي يخاطب فيها يسوع تلاميذه تشتمل روحا يختلف اختلافا بينا عن تعاليم المسيح مما جعل بعض الشراح يعتقدون أن المسيح لم ينطق بهذه العبارة وأنها مدسوسة إلي أقواله بواسطة بعض قادة الكنيسة مما كانوا ينادون ان تقتصر رسالة الإنجيل على اليهود فقط[15]