ثالثاً : في المشاركة السابقة بينت أن الزركشي يقول أن اسناد كل قراءة من القراءات السبعة عن النبي صلى الله عليه و سلم منقول بنقل الآحاد بالنظر إلى اسناد كل قراءة بصورة مستقلة و التحقيق الصحيح أنه بالنظر بأسانيد القراءات بمجموعها و ما تضمنته من كيفية لأداء ألفاظ القرآن عن رواة هذه القراءات نجد أن أغلب هذه القراءات متواتر و ذلك باتفاق جميع رواة هذه القراءات أو اتفاق مجموعة منهم يبلغون حد التواتر على كيفية أداء ألفاظ القرآن .

أما الذي لم يبلغ اتفاق الرواة فيه حد التواتر فهو صحيح مشهور و مستفاض لا يعد من الغلط و الشذوذ متلقىً بالقبول و القطع حاصل به .

قال الإمام ابن الجزري في منجد المقرئين صفحة 91

(( قلت فثبت من ذلك أن خبر الواحد العدل الضابط إذا حفته قرائن يفيد العلم
ونحن ما ندعي التواتر في كل فرْدٍ مما انفرد به بعض الرواة أو اختص ببعض الطرق ، لا يدّعي ذلك إلا جاهل لا يعرف ما التواتر ؟ وإنما المقروء به عن القراء العشرة على قسمين : متواتر ، وصحيح مستفاض متلقى بالقبول ، والقطع حاصل بهما
))

إذن تبين لك مما سبق أن أغلب ما هو منقول من القراءات إنما منقول بالتواتر الذي اتفق رواة القراءات على نقله و ما لم يبلغ حد التواتر فإنه صحيح مستفاض متلقى بالقبول و القطع حاصل به وهو قليل .

قال الإمام ابن الجزري أيضاً في منجد المقرئين صفحة 206

(( ثم قال أبو شامة في المرشد - بعد ذلك القول - فالحاصل أننا لسنا ممن يلتزم التواتر في جميع الألفاظ المختلف فيها .

قلت : و نحن كذلك
و لكن في القليل منها ، كما تقدّم في الباب الثاني ))

رابعاً : قول الإمام أبي شامة و متابعة الإمام الرزكشي عليه أن القراءات منقولة من القراء إلى النبي صلى الله عليه و سلم نقل الآحاد رد عليه أهل العلم فقد قال الإمام ابن الجزري أيضاً في منجد المقرئين تعقيباً على رأي أبي شامة المشار إليه آنفاً صفحة 206 و 207

(( قلتُ هذا من جنس الكلام المتقدم أوقفت عليه شيخنا الإمام واحد زمانه شمس الدين محمد بن أحمد ابن خطيب يبرود الشافعي فقال لي : معذور أبو شامة حسب أن القراءات كالحديث مخرجها كمخرجه إذا كان مدارها على واحد كانت آحادية ، و خفي عليه أنها نُسبت لذلك الإمام اصطلاحاً ، و إلا فكل أهل بلدة كانوا يقرؤنها ، أخذوها أمماً عن أمم ، و لو انفرد واحد بالقراءة دون أهل بلده لم يوافقه على ذلك أحد ، بل كانوا يجتنبونها و يأمرون باجتنابها . قلت صدق ))

و من هذا الرابط أنقل قول العطار في حاشيته مؤيداً لما ذكرناه

http://www.islamweb.net/fatwa/index....twaId&Id=44576

((
و أورد العطار في حاشيته على الجلال المحلي شبهتين ورد عليهما فقال : وهنا بحثان :

الأول : أن الأسانيد إلى الأئمة السبعة وأسانيدهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم على ما في كتب القراءة آحاد لا تبلغ عدد التواتر فمن أين جاء التواتر . وأجيب بأن انحصار الأسانيد المذكورة في طائفة لا يمنع مجيء القرآن عن غيرهم وإنما نسبت القراءة إلى الأئمة ومن ذكر في أسانيدهم والأسانيد إليهم لتصديهم لضبط الحروف وحفظ شيوخهم فيها ومع كل منهم في طبقته ما يبلغها عدد التواتر ; لأن القرآن قد تلقاه من أهل كل بلد بقراءة إمامهم الجم الغفير عن مثلهم , وكذلك دائما مع تلقي الأمة لقراءة كل منهم بالقبول . الثاني: أن من القواعد أنه لا تعارض بين قاطعين , فلو كانت القراءات السبع متواترة لما تعارضت مع أنه وقع فيها ذلك . وجوابه أنا نمنع التعارض ; لأن من قرأ بإحدى القراءتين لا ينكر الأخرى ولا يتأتى التعارض، إلا لو نفى قراءة غيره وشهرته بروايته واعتناؤه بها لا يقتضي أنه ينفي غيرها كأرباب المذاهب ... وقول الكوراني إن كلام ابن الحاجب لا وجه له ; لأن نقلة المدود هم نقلة القرآن ولو كان المد ونحوه غير متواتر لزم أن القرآن غير متواتر مردود بأن المتواتر أصل المد والذي قال ابن الحاجب بعدم تواتره ما يتحقق اللفظ بدونه وهو ما زيد في المد كما أشار لذلك الشارح ))

فهذا الكلام يبين معنى قول ابن الجزري صحيح مستفاض متلقىً بالقبول و القطع حاصل به .


خامساً : الإمام الزركشي يؤكد أن هذه القراءات متواترة إلى أئمة القراءة السبعة و هذا ما لم يتطرق إليه الجاهل في كلامه أبداً و هذا يحصر الاعتراض في الفترة بين القراء و النبي صلى الله عليه و سلم و قد تضمنت ردودي السابقة التعليق على هذه النقطة تحديداً .

يتبع إن شاء الله