يقول القمص إبراهيم لوقا في كتابه ( المسيحية في الإسلام )

(( 2_ قوة الخلق :
جاء على لسان المسيح: أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرَاً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (سورة آل عمران 3: 49) .. ففي هاتين الآيتين شهادة صريحة واعتراف جلي بإتيان المسيح المعجزات الباهرة، والقيام بالأعمال الخارقة للطبيعة، حتى إنّ الذين كفروا ممن شاهدوا هذه المعجزات قالوا: إنْ هذا إلا سحر مبين. ومن بين تلك العجائب التي ذكرها القرآن عن المسيح قدرته على أن يخلق من الطين طيراً بنفخه فيه. وأنّ الباحث المنصف لا يستطيع أن يواجه شهادة كهذه جاء بها القرآن عن المسيح دون أن يرى فيها إقراراً صريحاً بسمو شخصية المسيح عن طبقة البشر. وعندما نواجه هذه الشهادة بآيات أخرى جاء بها القرآن في نفس الموضوع نجد أنها لا تقف عند حد إثبات امتياز المسيح عن البشر وحسب، ولكنها أيضاً تثبت لاهوته الممجَّد. فالقرآن صرح بأن قوة الخلق هي لله وحده دون سواه. فقال: قُلِ اللّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (سورة يونس 10: 34) .وأَوَ لَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الّذي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلّ خَلْقٍ عَلِيمٌ,,, أَوَ لَيْسَ الّذي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (سورة يس 36: 77-81) فهذه الآيات وما يماثلها أسندت القدرة على الخلْق إلى الله وحده، واتخذت هذه القدرة دليلاً على ألوهيته. فإذا كانت قوة الخلق خاصة من خواص اللاهوت، وآية من آياته، وكان القرآن قد أقرّ للمسيح بهذه القوة والقدرة، فإن النتيجة المنطقية اللازمة هي أن القرآن قد شهد صراحة بلاهوت المسيح. وقد أيّد القرآن هذا القول بدليل آخر، فهو لم يسجل للمسيح قدرته على الخلق وقوته الإلهية في هذا فقط، ولكنه أقرّ له بالخلق بنفس الطريقة التي خلق بها الإنسان، بقوله في آيتي سورتي المائدة 110 وآل عمران 49 إن المسيح يخلق من الطين، وينفخ فيه فيكون طيراً. وهذا عين ما أعلنه القرآن عن الله في خلقه بقوله: هُوَ الّذي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (سورة الأنعام 6: 2) وإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (سورة الأعراف 7: 11 ، 12 فالله في هذه الآيات يخلق الإنسان من طين، وينفخ فيه من روحه فيكون بشراً سوياً, والمسيح يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً حياً. فمن يكون المسيح إذاً؟ لا مرية بعد إذ أنه الإله القدير العظيم. والخلاصة إن الإسلام قد رأى في قوة الخلق، برهان الألوهية والدليل الأكبر الذي يفرّق بين الإله الحقيقي الأزلي والآلهة المنحوتة. فإذا كان الإسلام بجانب هذا القرار الصريح قد أثبت للمسيح قدرته على الخلق، فليس هناك معنى لهذا الإثبات إلا اعتراف القرآن للمسيح بلاهوته المجيد. وما كان الإسلام في هذا الاعتراف إلا مصدقاً لما ذكره الوحي الإلهي عن المسيح إذ قال: فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلّ : مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الْأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لَا يُرَى,,, الْكُلّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ (كولوسي 1: 16) ))

مازال المؤلف يعتمد أسلوب التدليس والتزوير فهو لا يكتب إلا الخراب ولا ينقل إلا السراب .

أما الجواب على هذا الذي ذكره فهو من عدة وجوه :

أولاً: اعلم أخي الكريم أرشدني الله وإياك أن الخلق نوعان :

النوع الأول: وهو الذي بمعنى الإنشاء والاختراع وإيجاد الأشياء من العدم وهذا لا يقدر عليه إلاّ الله وحده .

النوع الثاني :وهو بمعنى التصوير والتقدير و التشكيل وهذا قد يقدر عليه المخلوق وما الآيات الكريمة التي استدل بها المؤلف لإثبات قدرة المسيح على الخلق إلا من هذا النوع .

قال الشيخ العلّامة محمد ابن عثيمين (( فإن قلت: كيف تجمع بين ما قررت وبين إثبات الخلق لغير الله، مثل قوله تعالى:(فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)(المؤمنون: من الآية14) ، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم في المصورين: "يقال لهم أحيوا ما خلقتم ومثل قوله تعالى في الحديث القدسي: "ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي،فكيف تجمع بين قولك: أن الله منفرد بالخلق، وبين هذه النصوص؟. فالجواب أن يقال: إن الخلق هو الإيجاد، وهذا خاص بالله تعالى، أما تحويل الشيء من صورة إلى أخرى، فإنه ليس بخلق حقيقة، وإن سمي خلقاً باعتبار التكوين، لكنه في الواقع ليس بخلق تام، فمثلا: هذا النجار صنع من الخشب باباً، فيقال: خلق باباً لكن مادة هذه الصناعة الذي خلقها هو الله عز وجل، لا يستطيع الناس كلهم مهما بلغوا في القدرة أن يخلقوا عود أراك أبداً، ولا أن يخلقوا ذرة ولا أن يخلقوا ذباباً ))
شرح العقيدة الواسطية صفحة 5 و 6

قال فضيلة الشيخ عبد العزيز الراجحي في شرحه للعقيدة الطحاوية

(( أما القدرية والمعتزلة، الذين يقولون: العباد خالقون لأفعالهم، والله تعالى لا يقدر عليها، استدلوا بقول الله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)} قالوا: الآية دليل على أن هناك خالقين مع الله، إلا أن الله أحسنهم وأجودهم خلقا، فقال: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)} يعني أجود الخالقين وأحسنهم، فدل على أن العباد خالقين مع الله، أن العباد خالقون مع الله إلا أن الله أحسن خلقا وأجود، فدل على أن العباد خالقون لأفعالهم. وقالوا: مما يدل على أن العباد هم الذين خلقوا أفعالهم قول الله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)} قالوا: الباء باء العوض، والمعنى ادخلوا الجنة عوضا عن عملكم، فدل على أن الأعمال عوض؛ لأن العباد خلقوها وأوجدوها باختيارهم، فوجب على الله أن يعوضهم عنها الثواب، كما يعوض الأجير أجرته. ماذا أجاب أهل السنة؟ قالوا: أنتم -أيها المعتزلة والقدرية- ضللتم في تفسير هاتين الآيتين، كما أن إخوانكم من القدرية ضلوا أيضا، أما قول الله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)} فالخلق نوعان: النوع الأول: الإنشاء والاختراع، هذا لا يقدر عليه إلا الله، قال الله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} . النوع الثاني: من الخلق التصوير والتقدير، وهذا هو الذي يثبت للمخلوق، ومعنى الآية: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)} يعني أحسن المقدرين المصورين، لا المنشئين المخترعين. الإنشاء والاختراع ما يكون إلا لله، لكن التقدير والتصوير، يقدر عليه المخلوق، وكما قال الله -تعالى- عن عيسى: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ} تخلق: يعني تقدر وتصور، فعيسى -عليه السلام- يصور ويقدر الطين كهيئة الطير، وينفخ فيه، فالله - تعالى- يخلق فيه الروح، فيصير ؛ ولهذا قال الشاعر: ولأنت تفري ما خلقت *** وبعض القوم يخلق ثم لا يفري معنى تخلق: يعني: تقدر، يخاطب الشاعر يقول: أنت تقدر، ثم تنفذ ما تقدر، وبعض الناس يقدر، ولا ينفذ، هو يمدح الشاعر، يقول: "ولأنت تفري" يعني: تنفذ ما خلقت، يعني: ما قدرت وصورت، وبعض القوم يخلق، ثم لا يفري. فإذن: الخلق يطلق، ويراد به التقدير والتصوير، ويطلق، ويراد به الإنشاء والاختراع، والأول ثابت للمخلوق، والثاني لا يقدر عليه إلا الله، الإنشاء والاختراع.))

شرح العقيدة الطحاوية للشيخ عبد العزيز الراجحي ج 1ص 333

((س1/ هل يوصف المخلوق بكونه خالقا للأشياء؟ ج/ الجواب: لا، خلْق الأشياء هذا مختص بالرب - عز وجل -، فهو سبحانه وتعالى الذي يخلق الأشياء. أما أن يوصف بكونه خالقا، فنعم، لكن لا يقال خالق للأشياء، الأشياء بيد الله - عز وجل -، لكن يخلق ما يناسب، كما قال سبحانه {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}[المؤمنون:14]، ويُعنى بالخلق هنا التقدير أو التصوير أو ما يناسبه، ولهذا قال ? في الحديث الذي رواه البخاري وغيره (مَنْ أَظْلَمُ مِمّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي؟ فَلْيَخْلُقوا حَبّةً، أَوْ لِيَخْلُقُوا شَعِيرَةً)(1)فأثبت لهم خلقا قال (يَخْلُقُ كَخَلْقِي)، ثم نفى عنهم خلقا فقال (فَلْيَخْلُقوا حَبّةً، أَوْ لِيَخْلُقُوا شَعِيرَةً)، فدلّ على أنّ المخلوق يخلق أشياء؛ بمعنى يصورها أو يقدرها، أما برء الأشياء، أو برء الأمور؛ بمعنى إخراج الصور يعني فيها حياة فهذه لله - عز وجل -. أما تصنيع الجمادات فهذا نوع من الخلق؛ لأنه تقدير وتصوير. )) شرح العقيدة الطحاوية للشيخ صالح آل الشيخ ج 1ص 53

يتبع إن شاء الله



hgv] ugn afim ogr hglsdp , lsh,hji fhggi