الاب في و انا فيه
يوحنا 10: 38
و لكن ان كنت اعمل فان لم تؤمنوا بي فامنوا بالاعمال لكي تعرفوا و تؤمنوا ان الاب في و انا فيه
أولاً : ان في الكتاب المدعو مقدس عدة فقرات بحق الحواريين والمؤمنين تشبه عبارة (( أنا في الآب والآب في )) ومع ذلك فالمسيحيين لا يفسرونها كما فسروا قول المسيح : (( أنا في الآب والآب في )) .
فلو كان قول المسيح (( أنا في الآب والآب في )) دليل على الاتحاد والحلول لأصبح جميع الحواريين والمؤمنين مثله سواء بسواء ذلك لأن المسيح قال لهم في إنجيل يوحنا [ 14 : 20 ] :
1 - (( في ذلك اليوم تعلمون أني أنا في أبي و أنتم في وأنا فيكم ))
2 - وورد في رسالة يوحنا الأولى في الاصحاح الثاني قوله : (( إن ثبت فيكم ما سمعتموه من البدء
فأنتم أيضاً تثبتون في الابن وفي الآب ))
3 _ وأيضاً جاء في نفس الرسالة [ 4 : 13 ] قوله : (( بهذا تعرف أننا نثبت فيه وهو فينا )) أي الله
4 _ ونفس المعنى أيضاً جاء في [ 3 : 24 ] من نفس الرسالة .
فمن هنا عزيزي القارىء نرى كيف أننا لا نستطيع الأخذ بظاهر الكلام ، وإلا لأصبح المسيح والحواريون وجميع المؤمنين آلهه كذلك ، حسب ظاهر ما قيل .
مت 13:34
هذا كله كلم به يسوع الجموع بامثال . وبدون مثل لم يكن يكلمهم
فيسوع لا يتكلم إلا بالأمثال فقط ، لذلك وجب علينا في تفسير الأناجيل أن نراعي هذه النقطة ولا نأخذ بطاهر الكلام .
فيفهم عزيزي القارئ أن معنى كون المسيح في الأب أي ثبوته فيه بالمحبة والرضا ، ومعنى كون المؤمنين في المسيح أي ثبوتهم فيه بالمحبة والطاعة لما جاء به من عند الله ويكون الهدف والقصد واحد وهو هداية الناس إلي الله .
وبهذا نعلم بأن الحديث عن الروابط بين الله والمسيح ، أو بين المسيح والمؤمنين ، أو بين الله والمؤمنين لا يسمح بالحديث عن (( روابط بين جواهر )) أو (( اتصال ذات بذات )) وإنما غاية القول فيه أن يكون حديثاً عن صلات روحية معنوية . والله المستعان .
ثانياً : تطرف النصارى بالفهم بعد تشبعهم بفكرة الاتحاد والحلول :
وتطرف النصارى في فهمهم للأتحاد والحلول أدى إلي القول بأن المسيح هو الله ، وليس نبياً كسائر الانبياء ، لأن الآب ( وهو الله ) حسب قولهم حال فيه ومتحد معه ، ويستدلون على ذلك بما ورد بإنجيل يوحنا [ 14 : 10 ، 11 ] من قول منسوب للمسيح :
(( الكلام الذي أكلمكم به لست أتكلم به من نفسي لكن الآب الحال في هو يعمل الأعمال ))
لذلك يقول النصارى إن عبارة _ الحال في _ تفيد اتحاد المسيح بالآب مما يدل على حسب قولهم إن المسيح هو الله .
الــرد :
ويرد على ذلك بأن :
هذا الحلول في المسيح هو حلول رضا الله ومحبته وقداسته ورضاه في المسيح ، ومواهبة القدسية فيه ، ويستدل على هذا بالآتــي :
أولاً : في العهد الجديد :
1 _ ورد في رسالة يوحنا الاولى [ 3 : 24 ] في وصف الله :
( من يحفظ وصاياه يثبت فيه وهو فيه ، وبهذا نعرف أنه يثبت فينا ، من الروح الذي أعطانا )
2 _ وورد في رسالة يوحنا الاولى [ 4 : 12 ، 13 ] :
( إن أحب بعضنا بعضاً فالله يثبت فيه ، ومحبته قد تكلمت فينا ، بهذا نعرف أننا نثبت فيه وهو فينا )
ثانياً : في العهد القديم :
1 _ ورد في المزمور [ 68 : 16] :
( ولماذا أيتها الجبال المسنمة ترصدن الجبل الذي اشتهاه الله لسكنه ، بل الرب يسكن فيه إلي الأبد )
2 _ وورد في مزمور [ 135 : 21 ] :
( مبارك الرب من صهيون الساكن في أورشليم )
وهنا طبقاً للنصوص السابقة نجد أنفسنا بين أحد أمرين :
الأمر الاول :
إن من يؤمن بالمسيح ويحفظ وصاياه وأحب المؤمنين به يثبت الله فيه ، ويثبت هو في الله ، وهذا الحلول بعينه بلا مزية أو فرق بين المسيح وبينه ، وبذلك يتحد الجميع بالله وبحلولهم في الله ، والله يحل فيهم ، ويكون كل واحد من هؤلاء المؤمنين بالمسيح أو ممن يحفظ وصاياه ، هو الله شأنه شأن المسيح نفسه طبقاً لمنطق النصارى في الحلول .
وكذلك الامر بالنسبه لأتحاد الله وحلوله في بالجبل أو بمدينة أورشليم ، فيكون الجبل ا ومدينة أورشليم هو الله طبقاً للمنطق السابق .
وهذا بالبداهة منطق خاطىء بالنسبة لمادة الحلول ، ومادة الثبوت ، ومادة السكن ، والتي جاءت مترادفة في النصوص السابقة متحدة في معناها .
الأمر الثاني :
هو الجنوح إلي التأويل في معنى الألفاظ السابقة وذلك بأن نؤول ثبوت الله فيمن يحفظون وصاياه ، وفيمن يحبون المؤمنين به ، أو فيمن يحبون بعضهم بعضاً ، أو فيمن يؤمنون بالمسيح بثبوته فيهم بالمحبة والرضا .
كذلك سكنى الله في الجبل أو في مدينة أورشليم ، وتأويل ذلك هو وضع اسم الله المقدس عليها ، وجرياً على قاعدة المساواة في التأويل ، يجب تأويل ما ورد من حلول الله في المسيح بحلوله فيه بالمحبة والقداسة والطاعة والرضا وهذا هو المعنى الذي يجب الأخذ به .
ثالثاً : ورد في الكتاب لمقدس أن روح الله حلت على حزقيال وألداد وميداد كما ان روح الله تحل في المؤمنين ، ولم يقل أحد إن واحداً من هؤلاء متحد مع الله ، أو أنه هو الله طبقاً للآتــي :
1 _ ورد في سفر حزقيال [ 11 : 5 ] : قول حزقيال النبي :
( وحل علي روح الرب )
2 _ ورد في سفر العدد [ 11 : 26 ] عن ألداد وميداد :
( فحل عليهما الروح )
3 _ ورد برسالة يعقوب [ 4 : 5 ] قول يعقوب :
( الروح الذي حل فينا يشتاق إلي الغيرة والحسد )
4 _ ورد في رسالة بطرس الأولى [ 4 : 14 ] قول بطرس :
( لأن روح المجد والله يحل عليكم )
فإذا كانت روح الله حلت على حزقيال وألداد وميداد وتحل على النصارى وفيهم ولم يقل أحد بأن واحد من هؤلاء متحد مع الله أو أنه الله ، فلماذا القول بذلك في المسيح ، لمجرد الأخذ بظاهر كلمة متشابهة دون البحث وإجراء التأويل الذي يتفق مع باقي النصوص ؟
منقول
يتبع
.
المفضلات