علماء وكتّاب ردوا هذه الفرية :

- قال الشيخ الألوسي – رحمه الله – في كتابه " صب العذاب على من سب الأصحاب "[31] : "
وما يذكره المؤرخون من أن معاوية رضي الله تعالى عنه كان يقع في الأمير كرم الله تعالى وجهه بعد وفاته ويظهر ما يظهر في حقه ، ويتكلم بما يتكلم في شأنه مما لا ينبغي أن يعول عليه أو يلتفت إليه ؛ لأن المؤرخين ينقلون ما خبث وطاب ، ولا يميزون بين الصحيح والموضوع والضعيف ، وأكثرهم حاطب ليل ، لا يدري ما يجمع، فالاعتماد على مثل ذلك في مثل هذا المقام الخطر والطريق الوعر والمَهمَه الذي تضل فيه القطا ويقصر دونه الخطا ، مما لا يليق بشأن عاقل ، فضلا عن فاضل " .



- وقال الشيخ محمد العربي التباني في "تحذير العبقري من محاضرات الخضري"[32]
راداً هذه التهمة: "أقول: لم يثبت عن معاوية رضي الله عنه أنه سب علياً أو لعنه مرة واحدة فضلاً عن الاهتمام به والتشهير به على المنابر، وقد تقدم ثناؤه وترحمه عليه في أثر ضمرة بن حمزة الكناني وغيره، فكلامه – أي الخضري - هذا باطل لا أصل له عنه رضي الله عنه ".



وقال : "إن الصحابة بشر يصدر منهم في حالة الغضب في حق بعضهم بعضاً ما يصدر من غيرهم"[33] .

- الدكتور عبدالعزيز محمد نور ولي في رسالته "أثر التشيع على الروايات التاريخية في القرن الأول الهجري"[34] .

- الشيخ محمود الزعبي في "البينات في الرد على أباطيل المراجعات"[35]، قائلاً:
"أما قول الرافضي بأن معاوية رضي الله عنه لعن علياً على منابر المسلمين؛ فهو محض كذب وبهتان؛ بل هو معارض بما ثبت عن معاوية أنه بكى علياً يوم قتله، وأنه كان يترحم عليه، ويعترف بأفضليته عليه".


- الشيخ صالح بن سعد اللحيدان في كتابه "نقد آراء ومرويات العلماء والمؤرخين على ضوء العبقريات"[36] قائلاً:
"لم يثبت بنص صحيح أبداً، ولم يصل إلينا نص سالم من المعارض؛ إنما فهم المؤلف هذا وأقره ونقله من خلال مجرد نقل سار عليه من كتب مذهبية إخبارية تاريخية وشعوبية، وحديثية لم يصح سندها، وهذه المقولة لاكها نقلة كثيرون في هذا بسبب تعصب أو جهل بمقتضيات حقيقة السند والمتن".


- الشيخ عبدالعزيز بن حامد في رسالته "الناهية عن طعن أمير المؤمنين معاوية"[37] .
- الشيخ سليمان العلوان في رده على السقاف "إتحاف أهل الفضل والإنصاف"[38]
- الشيخ خالد العسقلاني في رده على التيجاني "بل ضللت"[39]
- الدكتور إبراهيم شعوط في كتابه "أباطيل يجب أن تُمحى من التاريخ"[40].
ومما يزيد هذه الفرية وهنً[41] :


1- أن معاوية- رضي الله عنه - منـزه عن مثل هذه التهم، بما ثبت من فضله في الدين، فقد كان كاتب الوحي لرسول الله r، وثبت في سنن الترمذي بسند صحيح من حديث عبدالرحمن بن عميره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاوية: "اللهم اجعله هادياً مهدياً وأهد به"[42].



وكان محمود السيرة في الأمة، أثنى عليه بعض الصحابة وامتدحه خيار التابعين، وشهدوا له بالدين والعلم، والعدل والحلم، وسائر خصال الخير.

فعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال لما ولاّه الشام: "لا تذكروا معاوية إلا بخير"[43].

وعن علي - رضي الله عنه - أنه قال بعد رجوعه من صفين: " أيها الناس لا تكرهوا إمارة معاوية، فإنكم لو فقدتموه رأيتم الرؤوس تندر عن كواهلها كأنها الحنظل "[44].

وعن ابن عمر أنه قال: " ما رأيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسود من معاوية. فقيل : ولا أبوك؟ قال: أبي عمر –رحمه الله- خير من معاوية، وكان معاوية أسود منه"[45].

وعن ابن عباس قال: " ما رأيت رجلاً كان أخلق بالملك من معاوية"[46] .

وفي صحيح البخاري أنه قيل لابن عباس: " هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة قال: إنه فقيه "[47].

وعن عبدالله بن الزبير أنه قال: " لله در ابن هند –يعني معاوية- إنا كنا لنفرقه وما الليث على براثنه بأجرأ منه، فيتفارق لنا، وإن كنا لنخدعه وما ابن ليلة من أهل الأرض بأدهى منه فيتخادع لنا، والله لوددت أنا مُتّعنا به ما دام في هذا الجبل حجر وأشار إلى أبي قبيس "[48] .



وعن قتادة قال: " لو أصبحتم في مثل عمل معاوية لقال أكثركم هذا المهدي"[49].

وعن مجاهد أنه قال: "لو رأيتم معاوية لقلتم هذا المهدي"[50].

وعن الزهري قال: "عمل معاوية بسيرة عمر بن الخطاب سنين لا يخرم منها شيئاً"[51].

وعن الأعمش أنه ذكر عنده عمر بن عبدالعزيز وعدله فقال:
"فكيف لو أدركتم معاوية؟ قالوا: يا أبا محمد يعني في حلمه؟ قال: لا والله، بل في عدله"[52].

وسئل المعافى : معاوية أفضل أو عمر بن عبدالعزيز؟ فقال: "كان معاوية أفضل من ستمائة مثل عمر بن عبدالعزيز"[53].
والآثار عن السلف في ذلك كثيرة، وإنما سقت هنا بعضها.
كما أثنى على معاوية - رضي الله عنه - العلماء المحققون في السير والتاريخ، ونقاد الرجال.



يقول ابن قدامة المقدسي:
"ومعاوية خال المؤمنين، وكاتب وحي الله، وأحد خلفاء المسلمين –رضي الله تعالى عنهم-"[54].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "
واتفق العلماء على أن معاوية أفضل ملوك هذه الأمة، فإن الأربعة قبله كانوا خلفاء نبوة، وهو أول الملوك، كان ملكه ملكاً ورحمة"[55].
وقال: "فلم يكن من ملوك المسلمين خير من معاوية، ولا كان الناس في زمان ملك من الملوك خيراً منهم في زمان معاوية"[56].



وقال ابن كثير في ترجمة معاوية : "
وأجمعت الرعايا على بيعته في سنة إحدى وأربعين... فلم يزل مستقلاً بالأمر في هذه المدة إلى هذه السنة التي كانت فيها وفاته، والجهاد في بلاد العدو قائم، وكلمة الله عالية، والغنائم ترد إليه من أطراف الأرض، والمسلمون معه في راحة وعدل، وصفح وعفو"[57].



وقال ابن أبي العز الحنفي: "وأول ملوك المسلمين معاوية وهو خير ملوك المسلمين"[58].

وقال الذهبي في ترجمته: "أمير المؤمنين ملك الإسلام"[59].
وقال: "ومعاوية من خيار الملوك، الذين غلب عدلهم على ظلمهم"[60].

وإذا ثبت هذا في حق معاوية ؛ فإنه من أبعد المحال على من كانت هذه سيرته، أن يحمل الناس على لعن علي t على المنابر وهو من هو في الفضل. وهذا يعني أن أولئك السلف وأهل العلم من بعدهم الذين أثنوا عليه ذلك الثناء البالغ، قد مالؤوه على الظلم والبغي واتفقوا على الضلال وهذا مما نزهت الأمة عنه بنص حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : "إن أمتي لا تجتمع على ضلالة"[61].



2- من علم سيرة معاوية في الملك، وما اشتهر به من الحلم والصفح، وحسن السياسة للرعية، ظهر له أن ذلك من أكبر الكذب عليه.

فقد بلغ معاوية في الحلم مضرب الأمثال، وقدوة الأجيال ؛ قال عبدالملك بن مروان وقد ذُكر عنده معاوية: "ما رأيت مثله في حلمه واحتماله وكرمه"[62].



وقال قبيصة بن جابر: "ما رأيت أحداً أعظم حلماً، ولا أكثر سؤدداً، ولا أبعد أناة، ولا ألين مخرجاً، ولا أرحب باعاً بالمعروف من معاوية"[63].

ونقل ابن كثير: "أن رجلاً أسمع معاوية كلاماً سيئاً شديداً، فقيل له : لو سطوت عليه؟ فقال: إني لأستحيي من الله أن يضيق حلمي عن ذنب أحد من رعيتي"[64].

وقال رجل لمعاوية: "ما رأيت أنذل منك، فقال معاوية: بلى من واجه الرجال بمثل هذا"[65].



فهل يُعقل بعد هذا أن يسع حلم معاوية سفهاء الناس وعامتهم المجاهرين له بالسب والشتائم، وهو أمير المؤمنين، ثم يأمر بعد ذلك بلعن الخليفة الراشد علي بن أبي طالب على المنابر، ويأمر ولاته بذلك في سائر الأمصار والبلدان ؟! الحكم في هذا لكل صاحب عقل وفهم .



3- قال ابن كثير: "وقد ورد من غير وجه: أن أبا مسلم الخولاني وجماعة معه دخلوا على معاوية فقالوا له: هل تنازع علياً أم أنت مثله؟ فقال: والله إني لأعلم أنه خير مني وأفضل، وأحق بالأمر مني..." الخبر[66].

ونقل ابن كثير أيضاً عن جرير بن عبدالحميد عن مغيرة قال: " لما جاء خبر قتل علي إلى معاوية جعل يبكي، فقالت له امرأته: أتبكيه وقد قاتلته؟ فقال: ويحك إنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم"[67].

فهل يسوغ في عقل ودين أن يسب معاوية علياً بل ويحمل الناس على سبه وهو يعتقد فيه هذا ؟!



4- أنه لا يعرف بنقل صحيح أن معاوية تعرض لعلي بسب أو شتم أثناء حربه له في حياته، فهل من المعقول أن يسبه بعد انتهاء حربه معه ووفاته؟! فهذا من أبعد ما يكون عند أهل العقول، وأبعد منه أن يحمل الناس على سبه وشتمه.



5- أن معاوية كان رجلاً ذكياً، مشهوراً بالعقل والدهاء، فلو أراد حمل الناس على سب علي–حاشاه ذلك- أفكان يطلب ذلك من مثل سعد بن أبي وقاص، وهو من هو في الفضل والورع، مع عدم دخوله في الفتنة أصلاً!! فهذا لا يفعله أقل الناس عقلاً وتدبيراً، فكيف بمعاوية.



6- أن معاوية انفرد بالخلافة بعد تنازل الحسن بن علي رضي الله عنهما له واجتمعت عليه الكلمة والقلوب ودانت له الأمصار بالملك، فأي نفع له في سب علي؟ بل الحكمة وحسن السياسة تقتضي عدم ذلك، لما فيه من تهدئة النفوس، وتسكين الأمور، ومثل هذا لا يخفى على معاوية الذي شهدت له الأمة بحسن السياسة والتدبير.



7- أنه كان بين معاوية بعد استقلاله بالخلافة وأبناء علي من الأُلفة والتقارب، ما هو مشهور في كتب السير والتاريخ. ومن ذلك أن الحسن والحسين وفدا على معاوية فأجازهما بمائتي ألف. وقال لهما: "ما أجاز بهما أحد قبلي، فقال له الحسين: ولم تعط أحد أفضل منا"[68].

ودخل مرة الحسن على معاوية فقال له: "مرحباً وأهلاً بابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر له بثلائمائة ألف "[69].


وهذا مما يقطع بكذب ما ادعي في حق معاوية، من حمله الناس على سب علي، إذ كيف يحصل هذا ؟ مع ما بينه وبين أولاده من هذه الألفة والمودة، والاحتفاء والتكريم . وبهذا يظهر الحق في هذه المسألة، وتتجلى الحقيقة.

.......يُتبع