بسم الله الرحمن الرحيم

أبدأ بحمدك اللهم على سوابغ نعمك وعطاك . والشكر لك على ما علمتني من سنن نبيك ومصطفاك . وأشهد أن لا إله إلا أنت ، ولا معبود بحق سواك . والصلاة والسلام على أكرم من دعا إلى العلم وعلم . محمد المجتبى من خلقه صلى الله عليه وسلم .

وبعد ..

فإنه من الأصول الثابتة المعلومة بالضرورة لدى الخواص والعوام: أن صلاة الجمعة فريضة واجبة على المسلم البالغ العاقل، وأنها أوجب، وأوكد، وأفرض من صلاة العيد، ولا تبرؤ ذمة من لزمته إلا بأدائها. ومن لوازم ذلك: أن صلاة العيد لا تكافئها، ولا تسقطها، ولا تجزئ عنها. وقد يعبر بعض الفقهاء عن هذا المعنى بقولهم : الجمعة فريضة، وصلاة العيد تطوع ، والتطوع لا يسقط الفرض .وهذا لفظ أبي محمد ابن حزم الظاهري في «المحلى».

وقد وردت روايات واهيات، أوهمت: أن الجمعة والعيد إذا اجتمعا، رخص لمن صلى العيد في ترك صلاة الجمعة. وفي بعضها التصريح بنسبة هذه الرخصة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية زيد بن أرقم، وأبي هريرة، وابن عمر عنه!!.

وهذه الواهيات لا يسمعها مسلم عاقل، وإن لم يكن من أهل المعرفة بنقدها، ومراتب رواتها، إلا استفظع القول بإسقاط الجمعة عمن لزمته ، وسارع إلى نفي نسبة ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال متعجبا: كيف يجوز لأحد ممن لزمته الجمعة أن يتخلف عنها مع قول الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}،
أم كيف يرضى لنفسه أن يلحقه وعيد ترك الجمعة المشهور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه»،
وقوله صلى الله عليه وسلم: «لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين»؟!.

وبهذا التقرير الناصع الدلالة، القوي المستند، الواضح الحجة، تبلغ قناعة المسلم العاقل كمالها، فلا يشك، ولا يرتاب في صحة معتقده ومذهبه: أن صلاة الجمعة فريضة واجبة لا تبرؤ ذمته إلا بأدائها، ولا تترك لصلاة العيد، ولا لغيرها من النوافل، ولو جاءه المترخص بكل شبهة زعم أنها دليلا لرخصته، ناسخا للأصل الثابت المعلوم بالضرورة لدى الكافة من المسلمين.

ولربما نعت مخالفه المترخص بالتنطع، والشذوذ، واتباع الشبهات، ومخالفة الأصول المحكمات، وأربعتها من المنهي عنه لقوله جل ذكره: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد».

فاسعد بقناعتك أيها العاقل الفطن، فقد وافقك أكثر أهل العلم على مذهبك، واستيفاء أقوال موافقيك مما لا يسعه هذا المختصر.

وهذا قول إمام المالكية أبي عمر ابن عبد البر في «التمهيد» (10/ 270): وأما القول بأن الجمعة تسقط بالعيد، ولا تصلى ظهرا ولا جمعة فقول بين الفساد، وظاهر الخطأ، متروك مهجور، لا يعرج عليه، لأن الله عز وجل يقول: «ياأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله»، ولم يخص يوم عيد من غيره. وقال: لا يجوز لمسلم أن يذهب إلى سقوط فرض الجمعة عمن وجبت عليه بأحاديث ليس منها حديث إلا وفيه مطعن لأهل العلم بالحديث اهـ.