[4] حديث ابن عباس رضي الله عنهما :
قال ابن ماجه (1311): حدثنا محمد بن المصفى الحمصي حدثنا بقية حدثنا شعبة حدثني مغيرة الضبي عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اجتمع عيدان في يومكم هذا، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون إن شاء الله».

قلت: كذا ساقه ابن ماجه بهذا الإسناد عن ابن عباس، وهو خطأ صوابه كما أخرجه أبو داود بهذا الإسناد: عن أبي هريرة. وهو كما سبق بيانه مفصلا: حديث مضطرب منكر المتن.

والخلاصة: فهذه الأحاديث كلها ضعاف واهية، ولا يستقل واحد منها بذاته في الصحة، ولا يقوي بعضها بعضا لتناقضها، وتباين دلالاتها، ومعارضتها مجتمعة بالصحيح الثابت من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه: أن الجمعة والعيد كانا إذا اجتمعا في يوم واحد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاتين كليهما.

ولله در إمام المالكية أبي عمر ابن عبد البر إذ قال: لا يجوز لمسلم أن يذهب إلى سقوط فرض الجمعة عمن وجبت عليه بأحاديث ليس منها حديث إلا وفيه مطعن لأهل العلم بالحديث اهـ.

ومن التنبيه الواجب: أن أكثر المحققين المتأخرين يصححون هذه الواهيات بمجموع طرقها، ويزعمون أن ضعفها ميسور محتمل، ويتغافلون عن تباين دلالاتها ومعانيها، ومخالفتها للأصول.

والحق الذي لا مرية فيه: أنه بمثل هذا الصنيع خرج أكثرهم عن حد التساهل إلى التغافل، وعن قيد التثبت والإحتياط إلى التقصير والإفراط، ولم يفرقوا بين إسناد يسير ضعفه، مجبور كسره، وإسناد ضعفه أكيد، وكسره شديد.

وتحرير القول فى هذا المهيع الصعب ما قاله الحافظ ابن حجر العسقلاني، فيما ذكره عنه السخاوي فى «القول البديع» (ص258): «سمعت شيخنا - يعني ابن حجر - مرارا يقول، وكتبه لي بخطه: إن شرائط العمل بالضعيف ثلاثة:
(1) أن يكون الضعف غير شديد، فيخرج هذا القيد الكذابين، والمتهمين بالكذب، ومن فحش غلطه.
(2) أن يكون مندرجا تحت أصل عام، فيخرج ما يخترع، بحيث لا يكون له أصل أصلا.
(3) ألا يعتقد عند العمل به بثبوته، لئلا ينسب إلى النبى صلى الله عليه وسلم ما لم يقله. قال: والأخيران عن العز بن عبد السلام، وابن دقيق العيد. والأول نقل العلائي الاتفاق عليه» اهـ.
ولست مبالغا إذا قلت: إن أكثر المحققين المتأخرين لا يراعون هذه الشرائط مجتمعة، خاصة واشتراط كون الحديث مندرجا تحت أصل عام صعب الإدراك والتصور، فإن إثبات توثق الحديث بالأصل، واندراجه تحته أمر عسير، لا يحققه إلا جهابذة الفقهاء والأصوليين، لذا لا يستغرب اشتراطهم له.