علاقة التبشير بالسياسة
تقدمة:


في البداية كان الأمر واضحاً

السياسة التي حركت الحروب الصليبية .. هي التي تحرك التبشير والمبشرين قصدا إلى تنصير المسلمين وردتهم عن دينهم!
ولم تكن السياسة وقتها غير فرع .. من فروع التعصب الديني المقيت ولا تزال! لكن الأمر ليس بالوضوح السابق .. فقد كثرت ألاعيب السياسة، واكتست بوجه ديبلوماسي رقيق!
وأصبح الأمر بحاجة إلى كثير من البحث والتدقيق ..
ونظرة سريعة إلى الماضي القريب .. تكشف الحاضر الأليم!



أولاً: نظرة سريعة إلى الماضي

حين قرر الغرب العدول عن الحروب الصليبية.. ليحل محلها التبشير لم يعدل عن منطق القوة تماما.. بل رآها لازمة لمساندة الباطل..
فإن الباطل بغير قوة لا يقف على قدمين!

وكان احتلال فرنسا.. للجزائر 1830
وتونس 1881
ولمراكش 1912
وللشام 1920
وكان احتلال بريطانيا.. للهند 1857
ولمصر 1882
وللعراق 1914
ولفلسطين 1920

وغير هذه من أوطان الإسلام. احتلها أعداء الإسلام حتى لم ينج منها إلا السعودية والأفغانستان..




وفي ظل ذلك الاحتلال.. عمل التبشير لقديم في هذه الجهات وفي غيرها من الجهات الأخرى.. التي منيت كذلك بالاحتلال أوبالسيطرة السياسية الأجنبية على أي لون من الألوان!
وطور التبشير أساليبه..
من الدعوة إلى النصرانية.. صراحة إلى ما لازمها وما لحقها من تشويش الإسلام وتشويهه إلى ما تبعها.
من محاولة جر المسلمين إلى قيم جديدة بعدما يتجردون من قيمهم.. الإسلامية طبعا! وهو ما عرف تحت إسم التغير الإجتماعي أو التغريب

وكان تطور آخر.. في مجال.. السياسة.. والقوة! إن الإستعمار.. قد افتضح أمره.. وفل سلاحه.. تماما كما فشلت من قبله الحروب الصليبية في مهمتها! وكان لابد من أسلوب جديد!
ثانيا: الأسلوب الجديد





لم تعد الشعوب تحتمل.. أن ترى السترة الصفراء الأجنبية تحكمها مهما حاولت أن تدعي الصداقة.. أو حتى أن ترفع راية الإسلام
وكان لابد من أن ترحل السترة الصفراء الأجنبية
لكن الباطل لا يستغني عن القوة.. وإلا تهاوى.. وسقط!
ومن ثم كان لابد أن يبحث عن مصدر للقوة آخر.. حتى يمضي في تنفيذ مخططه الاثيم لابعاد شعوب الإسلام.. عن الإسلام وهداه شيطانه.. إلى ما نجح فيه إلى حد ما..



استبدل السترة الصفراء الأجنبية
بالسترة الصفراء المحلية..


وصرح بعض كتابه.. أن هؤلاء اقدر على التغير الإجتماعي المطلوب وعرفت المنطقة الانقلابات العسكرية.. بديلا عن جيوش الاحتلال الأجنبية ومن أمثلة ذلك كما صرح أحد الكتاب الأمريكيين:
سوريا سنة 1949
مصر سنة 1952
السودان سنة 1957
العراق سنة 1958
باكستان سنة 1959
.. ومن قبل هؤلاء:
ايران عام 1920
تركيا عام 1908





وفي كل مرة يستفيدون من تجارب المرة السابقة.. فمثلا.. الخطأ الذي وقع فيه كمال أتاتورك في محاولة فرض التغيير الإجتماعي بالقوة..
مع وسائل الإعلام المختلفة.. وما يصحبها من وسائل أخرى للتبشير أشرنا إليها.
فقد كان أتاتورك غبيا حين فرض خلع الطربوش بالقوة
فقد خلعه الناس في مصر لما رأوا رجال الانقلاب الجديد الأبطال لا يلبسونه بدون حاجة إلى قانون! وهكذا!



لكن القوة بقيت لازمة تؤدي أمرين
أولهما قمع.. المعارضة والمعارضين.. خاصة إن كانوا من أصحاب العقائد
ثانيهما: مساندة الباطل والمبطلين.. فيما يمضون فيه من تخطيط أثيم لابعاد الناس عن الإسلام.

(( ولبيان هذين الخطين.. نقدم وثيقة جاءت في حثيثات حكم صدر في بلد إسلامي.. نسقط منها.. أسماء.. الضحايا.. وأسماء المجرمين.. لنصل بها إلى الموضوعية الكاملة..

تبدأ الوثيقة بالاشارة إلى أسماء أعضاء اللجنة التي قدمت معلوماتها واقتراحاتها.. وأكثرهم من رجال المخابرات والمباحث والأمن..

ثم تلخص معلوماتها بالاشارة إلى أن )) تدريس التاريخ الإسلامي في المدارس للنشئ بحالته القديمة يربط الدين بالسياسة في لا شعور كثير من التلاميذ منذ الصغر .. ثم الإشارة إلى صعوبة التمييز بين معتنقي الأفكار (..) وبين غيرهم من المتدينين .. إلخ
ليصل إلى المطالبة:

1) بمحو فكرة ارتباط السياسة بالدين
2) إبادة تدريجية بطيئة مادية ومعنوية وفكرية للجيل القائم من (0 ـ ) ولا يقتصر الأمر على هذه الفئة!
بل يمتد إلى )) كل المتدينين (( باعتبارهم يمثلون الاحتياطي الذي يصب في هذه الفئة!
ومن وسائل الإبادة: الإعدام .. والسجن .. والاعتقال ويبلغ الأمر غاية خسته حين تصرح بالنسبة لنسائهم سواء كن زوجات أو بنات فسوف يتحررن ويتعرضن مع غياب عائلهن وحاجتهن المادية .. إلى انزلاقهن .. وهكذا تفقد الأنظمة العسكرية .. حتى الشرف والكرامة !!


بقي السؤال ـ لماذا يفضلونها .. وطنية؟
نسمع إجابيتين:
إجابة من الكاتب الأمريكي مايلز كوبلاند
.. فكان الحكام من )) طراز ناصر (( يعطون الأولوية على غيرهم لأن استيلائهم على السلطة يوفر أفضل الفرص ـ أو أقلها سواء ـ لنجاح )) لعبتنا ((
وفي مكان آخر )) أن نمودجا ك ( …. ) كان من الأهمية بمكان بخصوص اللعبة وأنا كنا ملزمين بالبحث عن مثيل له فيما لو لم يكن على قيد الحياة.. ((
وإجابة من الكاتب الأمريكي مورو بيرجر

.. وكان الجيش من بين كل الجماعات النخبة الوطنية أكثرها دنوا من المشاكل التي تواجهها مصر، دنوا بالمعنى الحسابي، والعلماني، والواقعي، وبهذه الصورة كان الجيش أكثر النخبات تغربا
والواضح من تقرير (…) الموجز أن الضباط كانوا علمانيين يتوقون إلى بث التعاصر في مصر متماشين مع الخط الغربي التكنولوجي.. ولم يكن الضباط على ثبات أيدلوجي، بل كانوا جماعة علمانية في البناء السياسي والإجتماعي للحياة المصرية.. إلا أن قادتهم كانت تضع نصب عينيها صورة من مصر العلمانيةكما يتصورونها، ويتحركون صوب هذا الهدف على خط مستقيم..
ويعمم الكاتب.. وعلى ذلك فبينما يترك الحكام الغربيون منطقة الشرق الأدنى تتحول هذه المنطقة فتصبح أكثر غربية، ويواجه الزعماء العرب طريقين فهم يطردون.. الغرب سياسيا ويسحبون الكتل الشعبية إلى الغرب ثقافيا ((



فنجيب بعد هؤلاء فنقول بعون الله:
1ـ إن النخبة الوطنية التي حلت محل )) النخبة الأجنبية (( وفرت على الأخيرة أولا.
الدم والمال التي كانت تبذل في الحروب الصليبية أو في محاولات الاستعمار.

2ـ وأنها كذلك منعت إثارة المشاعر.. الدينية أو الوطنية.. التي كانت تتحرك حين يرى الشعب الجيوش الأجنبية قادمة.. تتحدى قيمه الدينية.. أو قيمه الوطنية.. ومن ثم فقد ميعت المقاومة أو منعتها!

3ـ أنها بلباس الوطنية.. نفذت المطلوب..
ليس فقط دون مقاومة بل أحيانا مع استحسان الجماهير وحماستها!!

4ـ أنها استطاعت أن تقضي على كل معارضة.. من أي فئة.. دون أن يتحرك أحد لنصرة هذه الفئة.. بل مع اعتقادهم بما تذيعه )) النخبة الوطنية (( من أن المعارضين.. خوارج ـ أو خونة!!!
45ـ وأخيرا سؤال لا ينفك عن السؤال الأخير
لماذا يفضلونها.. )) عسكرية ((؟

نقول بعون الله:
1ـ لأنها )) أسرع (( في الوصول إلى الحكم ، وأكثر شغفا بالسلطة
2ـ لأنها )) أسرع (( في تلبية الأوامر الخارجية، والالتزام حرفيا بها فهكذا تعلمهم الحياة العسكرية.
3ـ لأن قبضتها )) أقوى (( بالنسبة.. لأية معارضة أو أية مقاومة..
4ـ أن الطبقة العسكرية في أغلبها أعدت اعدادا خاصا.. يجعلها )) علمانية (( و )) غربية (( .. لا تستنكف الانحلال.. لنفسها ولا لغيرها ومن ثم فهي أنسب الفئات لتنفيذ مخطط الابعاد من )) الإسلام ((
5ـ أنها تزيح بذلك احتمال تقدم عناصر دينية.. إلى الحكم عن الطريق الشعبي العادي



وليس معنى اللجوء إلى الانقلابات العسكرية.. انتهاء الوسائل الأخرى إن.. القوى الأجنبية المعادية للإسلام لاتزال محتفظة لبعض أنظمة )) الرجعية بالبقاء.
أولا لأنها تنفذ ما يطلب منها، وثانيا لأنها أضعف من أن تقف يوما في وجهها
وثالثا لأنه داخل هذه الأنظمة نفسها يجري التغيير.. باستعداء الإبن على أبيه والأخ على أخيه بعدما يجرى الاتفاق على الصفقة، ماذا يبيع لكي يجلس على العرش..؟! ورابعا لأنها حين يبدو العصيان.. يكون الردع سريعا وعنيفا وحوادث )) الاغتيال السياسي (( في الماضي القريب شاهدة على ذلك، وقد كانت موضع تحقيق )) الكونجرس (( في فضائح المخابرات المركزية الأمريكية.
وأخيرا.. فإن بقاء هذه الأنظمة ـ في نظر أعداء الإسلام ـ رهين بانتهاء العصبيات التي تستند إليها، وفي المواجهة بزيادة قوة وقدرة القوات المسلحة لتولي الأمر..حينئذ.. سوف تخلعها بيسر وبغير حياء.. ولا احترام للود البادي والوفاء الظاهر!!!




وهكذا نرى اتفاقا غريبا.. على علمنة التعليم، وعلمنة الإعلام، وعلمنة المجتمع كله عن طريق المرأة وعن طريق الشباب.. ليبتعد بذلك عن الإسلام.. نجدها في الدول الإسلامية رغم اختلاف نظم الحكم الحاكمة.. لأن التغيير السياسي وإن.. اختلف أسلوبه..فالهدف لا يختلف وهو التغيير الاجتماعي أو التغريب أو بالعبارة الواضحة: الابعاد عن الإسلام!

لكن هل انتهت تماما وسيلة الحروب والاستعمار التي كانت سبيل الغرب من قبل لغرض أهدافه وغاياته؟
لا نستطيع أن نجيب بالنفي.. لأن الحروب انتهت في أغلب البلاد في صورتها العسكرية، واستبدلت بها الحرب الفكرية والنفسية لتحطيم عقيدة الأمة ومبادئها.
ولا نستطيع أن نجيب بالاثبات.. لأنها لا تزال تستعمل في نطاق محدود وهو ما اصطلح الغرب على تسميته بالحرب المحدودة.. واحتلال الجيوش الأمريكية لشواطئ لبنان سنة 1958 مثل قريب وتحركات الأسطول السادس كذلك.

لكن في رأيي أن الحرب المحدودة ارتدت كذلك ثوبا محليا فأصبحت الجيوش العربية أو الإسلامية تسلط لهذا الغرض وتدخل سوريا في لبنان مثل قريب وانفصال بنجلاديش عن باكستان من قبلها مثل قريب كذلك!

...يُتبع