بسم الله الرحمن الرحيم

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ فَجَعَلَ يَمُرُّ النَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلُ وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلَانِ وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّهْطُ وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ وَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الْأُفُقَ فَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ أُمَّتِي فَقِيلَ هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ ثُمَّ قِيلَ لِي انْظُرْ فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الْأُفُقَ فَقِيلَ لِي انْظُرْ هَكَذَا وَهَكَذَا فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الْأُفُقَ فَقِيلَ هَؤُلَاءِ أُمَّتُكَ وَمَعَ هَؤُلَاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ فَتَفَرَّقَ النَّاسُ وَلَمْ يُبَيَّنْ لَهُمْ فَتَذَاكَرَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا أَمَّا نَحْنُ فَوُلِدْنَا فِي الشِّرْكِ وَلَكِنَّا آمَنَّا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَكِنْ هَؤُلَاءِ هُمْ أَبْنَاؤُنَا فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هُمْ الَّذِينَ لَا يَتَطَيَّرُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ أَمِنْهُمْ أَنَا فَقَالَ سَبَقَكَ بِهَا عُكَاشَةُ. رواه البخاري (13/38)

· غريب الحديث :
الرَّهْطُ: عدد من الرجال من ثلاثة إلى عشرة .

سَدَّ الْأُفُقَ : الأفق الناحية .

لَا يَتَطَيَّرُونَ :لا يتشاءمون كما كانوا يفعلون في الجاهلية

وَلَا يَسْتَرْقُونَ : بلغوا من التوكل على الله مرتبة بحيث لايطلبون من أحد أن يرقيهم، والرقية في ذاتها ليست ممنوعة وإنما منع منها ما كان شركاً أو احتمله

وَلَا يَكْتَوُونَ : المعنى لا يطلبون من أحد أن يكويهم لكمال توكلهم ولأنه نار .



· اضاءات الحديث :

1. تفاوت الناس مع الأنبياء يوم القيامة وقلتهم مع بعض الأنبياء عليهم السلام جعل النبي صلى الله عليه وسلم – شفقة منه ورحمة و محبة بأمته – يرغب ويتطلع بأن تكون أمته من أكثر الأمم عدداً في دخول الجنة ، ولهذا فقد باشر شغاف قلبه عليه الصلاة والسلام حب ورجاء بأن تكون هذه أمته لما رأى السواد العظيم – دلالة على كثرة العدد –، جاء في رواية الإمام أحمد " حتى مر على موسى في كبكبة من بني إسرائيل فأعجبني , فقلت من هؤلاء ؟" فقيل : هذا أخوك موسى معه بنو إسرائيل " والكبكبة بفتح الكاف ويجوز ضمها بعدها" موحدة هي الجماعة من الناس إذا انضم بعضهم إلى بعض .

ولقد حصل له صلى الله عليه وسلم ما تمناه ورجاه فأمته أكثر من تلك الأمة عدداً ( ثُمَّ قِيلَ لِي انْظُرْ فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الْأُفُقَ فَقِيلَ لِي انْظُرْ هَكَذَا وَهَكَذَا فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الْأُفُقَ فَقِيلَ هَؤُلَاءِ أُمَّتُكَ ) وإضافة إلى ذلك (وَمَعَ هَؤُلَاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) .

لقد بلغ صلى الله عليه وسلم من السعادة والإعجاب ما جعله يرضى وتطمئن نفسه ، ففي لفظ للإمام أحمد " فرأيت أمتي قد ملئوا السهل والجبل , فأعجبني كثرتهم وهيئتهم , فقيل" أرضيت يا محمد ؟ قلت : نعم أي رب "" ) .

2. هذا الحديث فيه فضيلة ظاهرة لهذه الأمة المحمدية ، فأمتنا أكثر الأمم دخولاً الجنة ، لهذا الحديث ، ولحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ".. والذي" نفس محمد بيده إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة, وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة.. " متفق عليه ."

3. الرقية في ذاتها ليست ممنوعة وإنما منع منها ما كان شركاً أو احتمله أو ما كان خلاف الهدي النبوي .

4. التوكل على الله و تفويض الأمر إليه سبحانه ، و تعلق القلب به جل و علا من أعظم الأسباب التي يتحقق بها المطلوب و يندفع بها المكروه ، وتقضى الحاجات فالتوكل منزلة عظيمة من منازل العبودية ، قال الله تعالى {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }التوبة51 .

وقال جل ذكره {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ }الزمر38.

روى الإمام أحمد بسند صحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم ( لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً ) .

5. استنبط أهل العلم جواز التدارس والتناظر في مسألة علمية مع وجود الموجه لهم بالحكم المبني على الدليل الشرعي ، فالصحابة رضوان الله عليهم تباحثوا و تذاكروا في أمر هؤلاء الذين سيدخلون الجنة بغير حساب لعلمهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم سيجلي لهم الأمر قريباً ، قال الإمام النووي رحمه الله : (وتناظروا وفي هذا إباحة المناظرة في العلم والمباحثة في نصوص الشرع على جهة الاستفادة وإظهار الحق ) .

6. فضيلة عكاشة بن محصن رضي الله عنه فقد وفقه الله جراء مبادرته وسؤاله الخير وسابقته إليه عندما قام فقال: أمنهم أنا يا رسول الله ؟ قال : ( نعم ) . فقام آخر فقال : أمنهم أنا ؟ فقال ( سبقك بها عكاشة ) ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .

7. قيل أن السائل الثاني كان منافقاً لهذا أجابه النبي عليه السلام بـ ( سبقك بها عكاشة ) لكن الإمام ابن حجر

(من كتاب صور من محبة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته)





tQvQ[Q,XjE HQkX jQ;E,kQ HElQ~jAd