إنجازات المسلمين الصيدلة

إنجازات المسلمين في الصيدلة

مما يجدر ذِكره أن المسلمين يُعدُّون أول من أسَّس الصيدليات العامة،
وذلك إبَّان حكم أبي جعفر المنصور (ت158هـ/775م)، وألحَق المسلمون صيدليات خاصة
بالبيمارستانات، فكانت تُملأ بأصناف الأدوية والأشربة الموضوعة في أفخر الأواني الصينية،
تُضاهي في حُسن ترتيبها صيدليات هذا الزمن، وكانت الأدوية تُصرَف منها للمرضى مجانًا،
بل جعلوا في بعض المستشفيات - كما يذكُر المؤرخ جاثري - حديقة لاستِنبات الأعشاب الطبية،
وكانت صيدلية البيمارستان تُناط بصيدلي كفء؛ إذ كان يقوم - علاوة على إشرافه وقيامه
بتجهيز الأدوية - بتدريب الدارسين علميًّا في مجال الدواء.

ينقل جلال مظهر عن الموسوعة البريطانية ما ترجَمتُه:
"والحقُّ أن كثيرًا من أسماء الأدوية وكثيرًا من تركيباتها المعروفة حتى يومنا هذا،
وفي الحقيقة المبنى العام للصيدلة الحديثة - فيما عدا التعديلات الكيماوية الحديثة بطبيعة
الحال - قد بدأه العرب".

إنجازات المسلمين الصيدلة

ومن إنجازات المسلمين كذلك ما ذكَره لوبون،
أن "الطب مَدين للعرب بعقاقير كثيرة؛ كالسليخة والسنامكي والراوند والتمر الهندي
وجوز الطيب والقرمز والكافور والغول (الكحول)، وما إلى ذلك، وهو مَدين لهم بفن الصيدلة
وبكثير من المستحضرات التي لا تزال تستعمل كالأشربة واللعوق واللزقات والمراهم والدهان
والمياه المقطرة... إلخ"، والطب مَدين لهم كذلك بطرق مبتكَرة في المداواة، عاد (الطب) إليها
على أنها اكتشافات حديثة بعد أن نُسيت زمنًا طويلاً، ومنها طريقة امتصاص النبات بعض
الأدوية، كما صنَع ابن زهر، الذي كان يُعالِج المرضى المصابين بالقبض بإطعامهم
عنبًا أُشرب من بعض المسهلات.

هذا، والمسلمون هم الذين اكتشَفوا الأشربة والمستحلبات والخلاصات العِطرية،
وهم أول من استعمل الحشيش والأفيون والزوان في عملية التخدير، إلا أنه من أهم
مآثر المسلمين وإنجازاتهم في ميدان الصيدلة والأدوية - إدخالها (أي: إدخال الصيدلة
والأدوية) في نظام المراقبة، خصوصًا بعدما فشا الغِش، وفسدت النفوس، وصار همها
الربح السريع وجمْع المال، وقد لوحظ أن أشخاصًا كُثرًا كانوا يبيعون الأدوية ويغشُّون الناس
إبان عهد المأمون؛ فقد روى القفطي في كتابه "تاريخ الحكماء" وابن أبي أصيبعة في سِفره
الضخم "عيون الأنباء في طبقات الأطباء" أن يوسف لقوة الكيميائي عَرَّض - مدافعًا عن
الكيميائيين - بأمانة الصيادلة؛ حيث اقترَح على المأمون أن يضع اسمًا من الأسماء لا
يُعرَف ويتوجَّه إلى جماعة من الصيادلة رسل يسألونهم عن سقطيثا، فكلهم ذكَر أنه
عنده، وأخذ الثمن من الرسل ودفع إليهم شيئًا من حانوته، فصاروا إلى المأمون
بأشياء مختلفة، فمنهم من أتى بقطعة حجر، ومنهم من أتى بقطعة وتد... إلخ.

إنجازات المسلمين الصيدلة

وفي معسكر الأفشين[قائد جيوش المعتصِم في غزوات بلاد الروم

في آسيا الصغرى، والظافر في موقعة عمُّورية 224هـ/ 838م.] اقترَح زكريا
الطيفوري على الأفشين أن يمتحن الصيادلة على هذا المنوال، وبالفعل فقد تبيَّن للأفشين
أن غالبية الصيادلة المرافقين في المعسكر غشاشون، فأمَر الأفشين بإحضار جميع الصيادلة،
فمن أنكَر معرفة تلك الأسماء التي وضَعها الأفشين، أذِن له بالمُقام في معسكره، ونفى الباقين
عن المعسكر، ونادى في معسكره بذلك، وكتَب إلى المعتصم يلتمس بعثه إليه بصيادلة لهم أديان،
ومتطبِّبين مثل ذلك، فاستحسَن المعتصم فعله ووجَّه إليه من سأل، وهكذا استُنَّ امتحان الصيادلة
منذ ذلك الوقت؛ أي: منذ عام 221هـ /836م، وذلك في عهد المعتصم، وهكذا كان المسلمون أول
من أنشأ فنَّ الصيدلة على أساس علمي سليم، وأقام الرقابة على الصيدليات والصيادلة من خلال
وظيفة الحِسبة، التي تقوم على أساس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح بين الناس،
وهذا مِن أوجَبِ واجبات ولِيِّ المسلمين، الذي يترتَّب عليه تعيين من يراه أهلاً للقيام بهذه المهمَّة
الشاقة، التي تتطلَّب مِن الذي يقوم بها صفات متميِّزة وكثيرة؛ كالفِطنه والعِفة، والتقوى والورع،
والفِقه بالحلال والحرام، والعدل والإنصاف، يساعده أعوان في ذلك؛ ليحمل الناسَ على مصالح
العامة في المدينة، وليس للمحتَسِب - كما يذكر ابن خلدون - إمضاء الحكم في الدعاوى مطلَقًا،
بل فيما يتعلَّق بالغِش والتدليس في المعايش وغيرها، وفي المكاييل والموازين،
وله أيضًا حمْل المُماطِلين على الإنصاف، وأمثال ذلك مما ليس فيه
سماع بيِّنة ولا إنفاذ حكم.

إنجازات المسلمين الصيدلة

وقد ألِّفت في الحِسبة كتب، وضِّحت فيها وظيفة المحتَسِب،
وحدِّدت مقتضيات المهن والصنائع الخاضعة للرقابة، فيَسَّرت بذلك للمحتَسب أمر مهمَّته،
فصارت بالنسبه إليه بمثابة الدستور يرجع إليه إذا دعتِ الضرورة، وقد ورد - فيما يتعلَّق
بصناعة الصيدلة - في كتاب "نهاية الرُّتبة في طلَب الحِسبة" لـ عبدالرحمن بن نصر الشيزري
(ت 589هـ / 1193م)، الباب السابع عشر، ورَد في الحِسبة على الصيادلة قوله: "تدليس هذا الباب
والذي بعده (أي: الباب الثامن عشر في الحِسْبة على العطارين) كثير، لا يمكن معرفته على التمام،
فرحِم الله من نظَر فيه، وعرَف استخراج غشوشه، فكتبها في حواشيه تقريبًا إلى الله تعالى؛ فهي أضرُّ
على الخلق من غيرها؛ لأن العقاقير والأشربة مختلفة الطبائع والأمزجة، والتداوي على قَدْر أمزجتها،
فمنها ما يَصلُح لمرض ومزاج، فإذا أضيف إليها غيرها، أحرَفها عن مزاجها، فأضرَّت بالمريض لا
محالة، فالواجب على الصيادلة أن يراقِبوا الله - عز وجل - في ذلك، وينبغي للمحتَسِب أن يُخوِّفهم
ويَعِظهم ويُنذِرهم بالعقوبة والتعزير، ويعتبر عليهم عقاقيرهم كل أسبوع"، ومن ثم يذكُر المؤلف
أنواعًا من الغش والتدليس التي ينبغي على المُحتَسِب أن يأخذها بعين الاعتبار.

ومما يجدر ذكره أن أهل الخبرة والمعرفة بأمور الصيدلة
جعلوا على الصيادلة نقيبًا يُسمَّى رئيس العشابين، وكان في كل مدينة كبيرة عميد للصيدلة،
ولقد أوْلى المسلمون لفنِّ العلاج اهتمامًا كبيرًا، وأظهَرَ كثير من صيادلة عصر ازدهار الحضارة
الإسلامية براعة ونبوغًا عظيمين؛ إذ جعلوا الأدوية المُرة المألوفة، حلوة مُستَساغة؛ بإدخالهم
السكرَ لأول مرة في الصيدلة، وبخاصة في صناعة الأشربة.

إنجازات المسلمين الصيدلة

ومن إنجازات المسلمين المهمَّة في عِلم الصيدلة كذلك:
المؤلَّفات الرائدة التي كانت ذات أثر عظيم في بلاد الغرب، ولعل أبرز هذه
المؤلفات كتاب البيروني "الصيدلة في الطب"، استقصى فيه معرفة ماهيات الأدوية،
ومعرفة أسمائها، واختلاف آراء المتقدِّمين، وما تعلَّم كل واحد من الأطباء وغيرهم فيه،
وقُدرته على حروف المعجم، والكتاب يُعَد ثمرة تَجارِب البيروني في سَنواته الأخيرة، فيه
مجموعة ضخمة من المعلومات التي تُغطِّي 850 عقارًا مقرونة بأسماء العقاقير باللغات
اليونانية والسريانية والسنسكريتية والفارسية، وعلى رأسها اللغة العربية بالطبع، فالبيروني
ينتقِد بعض المترجمين والناقلين لمفردات الأدوية الذين تركوا أسماء العقاقير باليونانية،
ولم يستعمِلوا المصطلحات العربيه للعقاقير الموجودة في الممالك الإسلامية؛ فقلَّتْ
بذلك الفائدةُ من هذه الترجمات، وقد كان كتاب البيروني هذا نبراسًا لكل
من كتَب بعده في مجال الصيدلة.

إنجازات المسلمين الصيدلة

ويَحسُن الإشارة هنا إلى أنه قلما خلا مؤلَّفٌ من مؤلَّفات الأطباء العظام

إبان العهود الإسلامية من باب أو أبواب تَبحث في الأدوية وما يتَّصِل بها، علاوة على
أن بعضهم ربما ألَّف كتابًا في الأدوية أو الأغذية كاملاً، فها هو الرازي (ت311هـ /932م)
يُضيف كتابًا في "الأدوية المسهلة الموجودة في كل مكان"، وكتابًا في "الأقراباذين"، وكذلك
فعل الزهراوي (ت 427هـ/ 1036م)؛ حيث خصَّص معظم مقالات كتابه "التصريف لمن عجز
عن التأليف" إلى الأدوية، ذاكرًا وصايا وإرشادات في تركيب الأدوية واستعمالاتِها، ووصفات منها،
ومما يذكُر منها الزهراوي - كما في المقدمة - أن كتابه "ينتفِع به العام والخاص، والجاهل والعالم
في كل أوان؛ لعموم ما جمعت فيه من فنون الأغذية والأشربة والأدوية، والجوارشات والمربيات،
والإيارجات والترياقات، والأدوية المسهلة والضمادات، والمراهم والأكحال، والأقراص والسفوفات،
والشيافات والقطورات والنطولات، والحقن وأدوية القيء، وأدوية الرتبة والباءة، وما أشْبَه ذلك من
دواء رفيع يصلح للجِلَّة والملوك، وسَهْل يَصلُح للفقراء والمساكين، وكل ما جرَّبته وامتَحنتُه طوال
عمري منذ خمسين سنة"، وفي هذا إشارة واضحة للمنهج التجريبي الذي سلَكه المسلمون إبان هيمنة
الإسلام وتعاليمه على أتباعه في كل مكان، والزهراوي - كغيره من علماء المسلمين - تَحرَّى الصدق
والإخلاص فيما كتب أو عمل؛ فالعلماء المسلمون من أطباء وصيادلة وكيميائيين وفيزيائيين،
هم في الوقع أرباب العلوم التجريبية والعاملون بها حقًّا؛ إذ قلما تخلو مقدِّمة كتاب من كتبهم
الرائدة إلا ويذكُر صاحبه أنه لم يدوِّن إلا ما جرَّبه وامتَحنه بنفسه، والدواء هو أولى الأشياء
بالمعاينة والتجرِبة؛ لأنه يترتَّب على تناوله حياة أو موت، وحياة الإنسان هي أغلى ما
يحرِص عليه الإسلام، كما يتضح مما جاء في خطبة كتاب التصريف الآنف الذِّكر، وحري
أن تُفنَّد الأقاويلالتي تَشيع في صفوف طلبة العلوم التجريبية من أن المنهج التجريبي
جاء به الغرب، حيث يُعزَىإلى روجر بايكون (ت 694هـ/1294م) تارة،
وإلى فرانسيس بايكون (ت 1036هـ/1626م)تارة أخرى،
وكلاهما إنكليزيان، وُلِدا بعد الزهراوي وغيره من العلماء
المسلمين التجريبيين بقرون.

إنجازات المسلمين الصيدلة

ومما يَجدر ذكره، بمناسبة الكلام عن كتاب "التصريف"،
أن المقالة التاسعة والعشرين فيه جعلها الزهراوي في تسمية العقاقير باختلاف اللغات،
ومدة صلاحها للاستعمال، وقد قام المؤلِّف بتفسير العديد من المصطلحات الطبيَّة الشائعة في عصره،
ويذكُر الزركلي صاحب "الأعلام" أنه اقتَنى مخطوطة مغربية بخط أندلسي مرتَّبة على الحروف،
من الألف إلى الياء، في جزء لطيف،
أولها بعد البسملة: "كتاب فيه أسماء العقاقير باليونانية والسريانية والفارسية والعجمية،
وتفسير الأكيال والأوزان، وبدل العقاقير وأعمارها، وتفسير الأسماء الجارية في
كتب الطب؛ تأليف الزهراوي".

وها هو ابن زهر (ت 557هـ/ 1162م) يُخصِّص كتابًا كاملاً بعنوان
"التيسير في المداواة والتدبير" أودَعه وصايا وإرشادات في تركيب الأدوية المركبة
واستعمالها، ووصفات من الأدوية المركبة التي أثبتها هو بنفسه، ووضَع فيه بابًا في
تحضير الأشربة والمراهم والمعاجين.

إنجازات المسلمين الصيدلة

وهناك مؤلِّفون آخرون، من أمثال أحمد بن محمد بن أحمد بن السيد الغافقي
(ت560هـ / 1165م)، يُعَد من الأكابر في الأندلس، ساح كثيرًا في إسبانيا وشمالي
إفريقيا يجمع النباتات، فكان أعرف أهل زمانه بقُوى الأدوية المفرَدة ومنافعها وخواصها
وأعيانها ومعرفة أسمائها، وله - أيضًا - كتاب "الأدوية المفرَدة" لا نظير له في الجودة،
ولا شبيه له في معناه، استقصى فيه ما ذكره ديسقوريدس وجالينوس بأوجز لفظ وأتم معنى،
ثم ذكَر فيه بعد قوليهما ما تَجدَّد للمتأخرين من الكلام في الأدوية المفرَدة، أو ما ألمَّ به واحد
واحد منهم وعرَفه فيما بعد، وذكَر فيه نبات لاسمه العربي واللاتيني والبربري، فجاء كتابه
جامعًا للأدوية المفرَدة، ودستورًا يُرجع إليه فيما يحتاج إلى تصحيحه منها، ولكوهين العطار
عميد الصيادلة في القاهرة، كتاب "منهاج الدكان ودستور الأعيان" بقي مرجِعًا يُستعمَل في
صفوف الصيادلة دستورًا عدة قرون؛ إذ تبحث فصوله الخمسة والعشرون في تحضير
الأدوية واستعمالها وفي أدب الصيدلة، وفيه كذلك: "يجب تنظيف العقاقير بعد جَنْيها من
طينها وتجفيفها أولاًّ في الشمس فيفسدها حر الهواء، ولا في أماكن رطبة أو قريبة من
الماء؛ فإنه ينديها التعفين))، ولرشيد الدين الصوري (انظر ترجمته بعد) عميد الأطباء
في دمشق، كتاب في "الأدوية المفرَدة" زيَّنه برسوم النباتات بألوانها الطبيعية، وصَف
فيه 585 عقارًا، منها 466 من فصيلة النبات، و75 من المعادن، و44 من فصيلة
الحيوان، وقد ألَّف كتابه هذا بعد أن درَس النباتات في الحقول درسًا دقيقًا.

إنجازات المسلمين الصيدلة

ولابن البيطار كتاب "الجامع لمُفرَدات الأدوية والأغذية"؛

جمَع فيه معلومات يونانية وعربية في عِلم النبات والأقراباذين، وأضاف معلوماته
الخصوصية المكتَسَبة من بحوثه وتَجارِبه الشخصية، فقد ذكَر في مقدمة كتابه هذا الأسباب
أو الأغراض التي دعته إلى تأليفه، ومما جاء في الغرض الثاني قوله: "صحة النقل فيما أذكره
عن الأقدمين، وأحرِّره عن المتأخرين، فما صحَّ عندي بالمشاهدة والنظر، وثبَت لدي بالخُبْر
(بالامتحان والتجربة) لا الخَبَر، ادَّخرتُه كنزًا سريًّا، وعدَدت نفسي عن الاستعانة بغيري
فيه سوى الله غنيًّا..."، وجاء في الغرض الخامس: "التنبيه على كل دواء وقَع فيه وهم
أو غَلَط لمتقدِّم أو متأخِّر؛ لاعتماد أكثرهم على الصحف والنقل، واعتمادي على
التجرِبة والمشاهدة حسبما ذكرتُ قبل".

واضح من هذين النصين أن ابن البيطار لم يأخذ بشهادة الغير،
فما صحَّ عنده بالمشاهدة والنظر وثبَت لديه بالتجرِبة، أخذ به، "أما ما كان مخالِفًا
في القوى والكيفية والمشاهدة الحسيَّة في المنفعة والماهية للصواب والتحقيق، أو أن ناقِله أو
قائله عدَل فيه عن سواء الطريق، نبذتُه ظهريًّا، وهجرته مليًّا"، فهو رجل مشاهدة ونظَرٍ وتجرِبةٍ،
ولا يُسجِّل إلا ما تأكَّد عنده بالمشاهدة والتجرِبة: "واختصَصتُ بما تَمَّ لي به الاستبداد، وصحَّ لي القول
فيه ووضَح عندي عليه الاعتماد"، بل إن ابن البيطار يقول بصراحة: "لم أحابِ في ذلك قديمًا لسَبْقه،
ولا مُحدَثًا اعتمَد غيري على صدقه"، وابن البيطار ورشيد الدين الصوري هما من جيل واحد تقريبًا،
يؤكِّدان دَور الملاحظة والمشاهدة في دراسة الظواهر النباتية؛ فابن البيطار كان يُعاين منابت النبات،
ويُحقِّق ماهيته - كما يذكر تلميذه ابن أبي أصيبعة، الذي رافَقه في مشاهدة النبات في
مواضعه - وكذلك كان يفعل رشيد الدين الصوري وزيادة.

إنجازات المسلمين الصيدلة

وعليه؛ فقد كان الصيادلة - لشدة حِرْصهم بلوغ الكمال في اختيار العقار -

يتحقَّقون من أي الأجزاء من النبات يكون العقار أفيد وأفضل، وكذلك مواعيد جميع
العقاقير من النباتات وجنيها وقطْفها، وكيفيَّة ادِّخارها (تخزينها) مُحتفظة بفوائدها وقوتها
في أثناء خَزْنها دون أن يَتطرَّق إليها الفساد، ومعرفة علامات فسادها، وكذلك انتِقاء أجودها،
وفي أي المواطن تَجود، وكان الصيادلة والعاملون في حقل العقاقير ذات الأصول النباتية
يَسيحون في البلدان المختلفة؛ بحثًا عن العقاقير وأصولها ومصادرها ومواطنها وأسمائها
بمختلف اللغات واللهجات، وللتعرف على كل ما يَستعمله أهالي البلاد من العقاقير، بل
بلَغ ببعضهم الاهتمام والعناية بالأدوية والعقاقير أنه كان يدرس النباتات في مواطنها
وفي جميع مراحل نموها، وربما استَصحَب معه مصوِّرًا ومعه الأصباغ والليق
(شيء أسود أو صوفة الدواة) على اختلافها وتنوُّعها، يعتبر هناك لون النبات
ومقدار ورَقه وأغصانه وأصوله، ويصوِّر بحسَبها، ويجتهد في مُحاكاتها.

وعلى الرغم من تفوُّق المسلمين في عِلم الصيدلة وتقدُّمهم فيه،
فإن أطباءهم المهرة كانو يفضِّلون التداوي بالأغذية على التداوي بالعقاقير،
وإذا احتاج الأمر، فإنهم يرون أن يُعطى المريض دواء مفردًا، ولا يلجأ إلى الدواء
المركَّب إلا عند الضرورة القصوى على ألا يُكثِر منه، من ذلك ما ورد في كتاب
"كامل الصناعة الطبية": "إن أمكَنكَ أن تعالِج العليل بالغذاء، فلا تُعطِه شيئًا من
الدواء، إن أمكنك أن تعالِج بدواء خفيف مفرَد، فلا تعالِج بدواء قوي، ولا بدواء
مركب، ولا تستعمل الأدوية الغريبة المجهولة".

إنجازات المسلمين الصيدلة

أخيرًا، فإن من مظاهر أثر الصيدلة العربية - كما يذكُر ديورانت
صاحب الكتاب الضخم "قصة الحضارة"، وكامبل صاحب كتاب "الطب العربي"
- على أوروبا: أن استيراد العقاقير العربية كان أحد الأركان الأساسية للتجارة الإيطالية
مع الشرق العربي، ويقال: إن ازدهار البندقية - باعتبارها ميناء للتجارة مع الشرق
العربي -
كان بسبب الثورات التي أمكَن جميعها من بيع العقاقير المرتفعة الثمن والنادرة،
التي اشتملَت عليها الصيدلة العربية بعقاقيرها الكثيرة.

إنجازات المسلمين الصيدلة

المصدر:

لمحات في تاريخ العلوم الكونية عند المسلمين
د. عبدالله حجازي


Yk[h.hj hglsgldk td hgwd]gm