ثقافة الكساح
ثقافة الكساح

لبنى شرف

أقوال كثيرة وعباراتٌ منتشرة بين الناس، يؤمنون بها وكأنها مُسَلَّمات مجزومٌ بصحتها،
وهي على العكس من ذلك، وما أسهلَ أن يقتنع الناس بالأباطيل والخزعبلات والخرافات،
وما أصعب أن تُقنعهم بالصحيح والصواب!

"لو علمتم الغيبَ، لاخترتُم الواقع"؛

قولٌ لا أدري من أين جاء؟، كثيرٌ من الناس مقتنعون به
أشد الاقتناع، ولذا تراهم مستسلِمون لما هم عليه من فقر، وظلم، وبؤس، وضعف، وذلة وسوء
حال، ولا يحاولون أو يفكِّرون في التغيير؛ ففي ظنِّهم أن ما ينتظرهم أسوأ مما هم فيه،
والمستقبل أسود كظُلمة الليل، فهل يا ترى اطَّلعوا الغيب؟ أم يُوحَى إليهم؟ أم هم مُلهَمون؟.

فرق كبير بين الأخذ بالأسباب المتاحة، والاحتيال لدفع الأقدار بالأقدار، فإن لم يتغيَّر الحال،
فالصبرُ والاحتساب والتسليم؛ وبين الاستسلام للواقع المرِّ دون أدنى محاولة لتغييره؛ اعتقادًا
أنه (خلِّيك على المسخّم؛ بلاش يجيك الأسخم)، فهذا ليس رضا؛ إنما هو تفكير سوداوي
مُثبِّط يائس، أصحابه يعيشون موتًا قبل الموت، وقبرًا قبل القبر.

ثقافة الكساح
فكم من فقير اغتنى؟ وكم من مكروبٍ كشف الله كربَه؟ وكم من مريضٍ عُوفِي؟
وكم من محزون ذاق السرور ألوانًا؟ وكم من مظلوم انتقم الله له؟ وكم من أسيرٍ فكَّ الله أسره؟

هؤلاء لو كانوا يعلمون الغيب، هل كانوا سيختارون الواقع الذي كانوا يعيشون؟

مَن يرفض أن يَحْيا حياةً أكثر وضاءة ورفعة ونظافة، إن تهيأت له الأسباب لذلك؟!
لقد كان - عليه الصلاة والسلام - يستعيذ من الفقر، والذِّلة، والجبن، والعجز، والكسل،
وغلبة الدَّين، وقهر الرجال، وسيِّئ الأسقام، ويسأل الله العافية والمعافاة في الدنيا والآخرة،
ويبعث في النفوس دائمًا الهمةَ العالية، ويقول:

((استَعِنْ بالله ولا تَعجِز)).

عندما كان المسلمون مضطهدين في مكة، ويراهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم
يعذَّبون، هل كان يقول لهم: لو علمتم الغيب لاخترتم الواقع؟ أما كان الغيب أنْ قَوِيَتْ شوكةُ
الإسلام، وعزَّ المسلمون، وانطلقوا ينشرون الإسلام في ربوع الأرض؟

ثقافة الكساح
كانوا يَشْكُون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"ألا تستنصرُ لنا، ألا تدعو لنا!"،فماذا قال لهم؟ قال:

((قد كان مَن قبلكم يؤخَذ الرجلُ فيحفرُ له في الأرضِ، فيجعل فيها، فيُجَاء بالمنشارِ فيوضع
على رأسِه فيجعلُ نصفين، ويمشط بأمشاطِ الحديدِ ما دون لحمه وعظمه، فما يصدُّه ذلك عن
دينه، واللهِ لَيُتمَّنَّ هذا الأمر، حتى يسير الراكبُ من صنعاءَ إلى حضرموت، لا يخاف إلا اللهَ
والذئبَ على غنمِه، ولكنكم تستعجِلون))؛ [صحيح البخاري:6943].

اصبِرْ قَلِيلًا فَبَعْدَ الْعُسْرِ تَيْسِيرُ *** وَكُلُّ أَمْــــرٍ لَهُ وَقْتٌ وَتَدْبِيــــرُ

ما أكثر ما يستوقفني قوله - تعالى -:

﴿ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ﴾ [النساء: 97]،

فأتفكَّر فيه وفي معانيه.

لَا يَسْكُنُ الْمَرْءُ فِي أَرْضٍ يُهَانُ بِهَا *** إِلَّا مِنَ الْعَجْزِ أَوْ مِنْ قِلَّــــــــة الْحِيَلِ

ثقافة الكساح
هناك مَن هو عاجزٌ فعلاً عن تغيير حاله، ولا حيلةَ له؛ ولكنْ هناك كثيرون عجزُهم
ليس حقيقيًّا، وهم يستطيعون لو أرادوا، إلا أن ثقافة الكساح التي رضعوها ونشئوا
عليها تُكبِّلُهم؛ كساح العقول والنفوس، والعزائم والهمم؛ ثقافة الموت والحياة في الظلام،
والعيش على هامش الحياة، فالناجحون هم الذين يجابِهون الحياة بشجاعة، وما تزيدهم
الشدائد والمحن إلا قوةً وصلابة، لا عجزًا أو خنوعًا واستسلامًا.

يقول ابن القيم:

"الإنسان مندوب إلى استعاذته بالله - تعالى - من العجز والكسل، فالعجز عدم القدرة
على الحيلة النافعة، والكسل عدم الإرادة لفعلها، فالعاجز لا يستطيع الحيلة، والكسلان
لا يريدها"، وقال عن العجز والكسل: "هما مفتاح كل شر".

"فإن سُدَّت جميع طرائق الدنيا أمامك، فاقتحمها ولا تقف؛ كيلا تموتَ وأنت واقف".

ثقافة الكساح
منقول

erhtm hg;shp