ثالثا:ماهى الجزية فى الاسلام؟؟؟؟
1-تعريف الجزية:
الجزية في اللغة مشتقة من مادة (ج ز ي)، تقول العرب: "جزى ، يجزي، إذا كافأ عما أسدي إليه"، والجزية مشتق على وزن فِعلة من المجازاة، بمعنى "أعطوها جزاء ما منحوا من الأمن" كما قال الجوهرى فى الصحاح وابن منظور فى لسان العرب

2-الغرض من الجزية:
الإسلام كعادته لا يتوقف عند ممارسات البشر السابقة عليه، فقد ارتفع الإسلام بالجزية ليجعلها، لا أتاوة يدفعها المغلوبون لغالبهم، بل لتكون عقداً مبرماً بين الأمة المسلمة والشعوب التي دخلت في رعويتها

فيقول الطبرى فى تفسيره :و"الجزية" : الفعلة من : "جزى فلان فلانا ما عليه" ، إذا قضاه ، "يجزيه" ، و"الجزية" مثل "القعدة" و"الجلسة" ومعنى الكلام : حتى يعطوا الخراج عن رقابهم ، الذي يبذلونه للمسلمين دفعا عنها . "

ويقول القرطبى فى تفسيره:إذا أعطى أهل الجزية الجزية لم يؤخذ منهم شيء من ثمارهم ولا تجارتهم ولا زروعهم وعلى الإمام أن يقاتل عنهم عدوهم ويستعين بهم في قتالهم . ولا حظ لهم في الفيء والجزية وزنها فعلة ، من جزى يجزي إذا كافأ عما أسدي إليه ، فكأنهم أعطوها جزاء ما منحوا من الأمن

ويقول الماوردي فى كتابه الاحكام السلطانية : ويلتزم لهم ببذلها ـ أي الجزية ـ حقان، أحدهما: الكف عنهم، والثاني: الحماية لهم ليكونوا بالكف آمنين وبالحماية محروسين

وجاء في كتاب «الإسلام والنصرانية» للأستاذ الإمام محمد عبده مايلى : الإسلام كان يكتفى من الفتح بإدخال الأرض المفتوحة تحت سلطانه ،ثم يترك الناس وماكانوا عليه من دين. ثم يكلفهم بجزية يدفعونها لتكون عونا على صيانتهم والمحافظة على أمنهم في ديارهم، وهم في عقائدهم ومعابدهم وعاداتهم بعد ذلك أحرار،لايضايقون في عمل،ولايضامون في معاملة.

ويقول الشيخ الشعراوى فى تفسيره: الجزاء هو الجزية. وهي مادة " جزى " و " يجزي ". فكأن الجزية فعلة من " جزى " " يجزي "؛ لأن الإسلام قدم لهم عملاً طيباً بأن أبقى على حياتهم وأبقاهم على دينهم من غير إكراه، فوجب أن يُعطوا جزاء على هذه النعمة التي أنعم الله تعالى بها عليهم بالإسلام.وأيضاً، فإنهم سيعيشون في مجتمع إيماني؛ الولاية فيه للإسلام، ويتكفل المسلمون بحمايتهم وضمان سلامتهم في أنفسهم وأهلهم وفي أموالهم وفي كل شيء، فإذا كان المسلم يدفع لبيت المال زكاة تقوم بمصالح الفقراء والمسلمين، فأهل الكتاب الموجودون في المجتمع الإسلامي ينتفعون - أيضاً - بالخدمات التي يؤديها الإسلام لهم، ويجب عليهم أن يؤدوا شيئاً من مالهم نظير تلك الخدمات، والإسلام مثلاً لا يكلف أهل الكتاب أن يدخلوا جنداً في حرب ضد أي عدو للمسلمين إلا إذا تطوعوا هم بذلك، إذن: فالجزية ليست فرض قهر، وإنما هي مقابل منفعة أداها الإسلام لهم


ويقول الشيخ يوسف القرضاوي فى كتاب غيرالمسلمين في المجتمع الاسلامي:ومن الناس من ينظرون إلى الأمور نظرة سطحية، فيحسبون الإسلام متعسفًا في فرضه الجزية على غير المسلمين.ولو أنهم أنصفوا وتأملوا حقيقة الأمر لعلموا أن الإسلام كان منصفًا كل الإنصاف في إيجابه هذه الجزية الزهيدة. فقد أوجب الإسلام على أبنائه (الخدمة العسكرية) باعتبارها (فرض كفاية) أو (فرض عين) وناط بهم واجب الدفاع عن الدولة، وأعفى من ذلك غير المسلمين، وإن كانوا يعيشون في ظل دولته ذلك أن الدولة الإسلامية دولة (عقائدية) أو بتعبير المعاصرين دولة (أيديولوجية) أي أنها دولة تقوم على مبدأ وفكرة، ومثل هذه الدولة لا يقاتل دفاعًا عنها إلا الذين يؤمنون بصحة مبدئها وسلامة فكرتها . . وليس من المعقول أن يؤخذ شخص ليضع رأسه على كفه، ويسفك دمه من أجل فكرة يعتقد ببطلانها، وفي سبيل دين لا يؤمن به، والغالب أن دين المخالفين ذاته لا يسمح لهم بالدفاع عن دين آخر، والقتال من أجله.وتسقط الجزية أيضًا باشتراك أهل الذمة مع المسلمين في القتال والدفاع عن دار الإسلام ضد أعداء الإسلام . وقد نُصَّ على ذلك صراحة في بعض العهود والمواثيق التي أبرمت بين المسلمين وأهل الذمة في عهد عمر رضى الله عنه . كما صالح مندوب أبى عبيدة جماعة (الجراجمة) المسيحيين أن يكونوا أعوانًا للمسلمين وعيونًا على عدوهم، وإلا يؤخذوا بالجزية


كما جاء فى فتوى للازهر رقم 912548 بخصوص الجزية مايلى:لم يكن الغرض من فرض هذه الضريبة على المسيحيين لونا من الوان العقاب لامتناعهم عن قبول الاسلام ، وانما كانوا يؤدونها مع سائر اهل الذمة وهم غير المسلمين من رعايا الدولة الذين كانت تحول ديانتهم بينهم وبين الخدمة في الجيش في مقابل الحماية التي كفلتها لهم سيوف المسلمين وفي السيرة انه لما قدم اهل الحيرة مال الجزية المتفق عليه ، ذكروا صراحة انهم انما دفعوا هذه الجزية على شريطة ( ان يمنعونا واميرهم البغي من المسلمين وغيرهم ) ، وكذلك حدث ان سجل خالد في المعاهدة التي ابرمها مع بعض اهالي المدن المجاورة للحيرة قوله ( فان منعناكم فلنا الجزية والا فلا ) .وقد رد المسلمون الجزية لأهل الذمة عند عدم تحقق الأمن لهم ، كما حصل في عهد الخليفة عمر رضي الله عنه لما حشد هرقل جيشا ضخما لصد قوات المسلمين ، فكان لزاما على المسلمين نتيجة لما حدث ان يركزوا كل نشاطهم في المعركة التي احدقت بهم ، فلما علم بذلك ابو عبيدة رضي الله عنه – وكان قائد المسلمين – كتب الى عمال المدن المفتوحة في الشام بأن يردوا عليهم ما جبي من الجزية من هذه المدن ، وكتب الى الناس يقول ( انما رددنا عليكم اموالكم لانه بلغنا ما جمع لنا من الجموع وانكم قد اشترطتم علينا ان نمنعكم وانا لا نقدر على ذلك وقد رددنا عليكم ما اخذنا منكم ونحن لكم على الشرط ، وما كتبنا بيننا وبينكم ان نصرنا الله عليكم ) وبذلك ردت مبالغ طائلة من مال الدولة فدعا المسحيون بالبركة لرؤساء المسلمين وقالوا ( ردكم الله علينا ونصركم عليهم - أي على الروم - فلو كانوا هم لم يردوا علينا شيئا واخذوا كل شئ بقى لنا ) وكذلك الحكم اذا تشاركوا في الجيش كما سبق .



3- الفرق بين الجزية والزكاة والضرائب الحديثة:
يقول الدكتور راغب السرجانى فى كتابه الجزية فى الاسلام : فليُلاحِظ كلُّ مَنْ يطعن في أمر الجزية ويقول: إنها صورة من صور الظلم والقهر والإذلال للشعوب. خاصَّة حين يعلم أنها تُدفَع في مقابل الزكاة التي يدفعها المسلمون؛ وله أن يعلم -أيضًا- أن قيمة الجزية هذه أقلُّ بكثير من قيمة ما يدفعه المسلمون في الزكاة؟! في هذا الوقت الذي دخل فيه المسلمون الأندلس كانت قيمة ما يدفعه الفرد ممن تنطبق عليه الشروط السابقة من الجزية للمسلمين دينارًا واحدًا في السنة؛ بينما كان المسلم يدفع 2.5٪ من إجمالي ماله إن كان قد بلغ النصاب وحال عليه الحول، وفي حالة إسلام الذمِّيِّ تسقط عنه الجزية، وإذا شارك مع المسلمين في القتال دفعوا له أجره، فالمبالغ التي كان يدفعها المسلمون في الزكاة كانت أضعاف ما كان يدفعه أهل الكتاب وغيرهم في الجزية -تلك الزكاة التي هي نفسها أقل من أي ضريبة في العالم- فهناك مَنْ يدفع 10 و20٪ ضرائب، بل هناك مَنْ يدفع 50 وأحيانًا 70٪ ضرائب على ماله؛ بينما في الإسلام لا تتعدَّى الزكاة 2.5٪؛ فالجزية كانت أقلَّ من الزكاة المفروضة على المسلمين؛ وهي بهذا تُعَدُّ أقلَّ ضريبةٍ في العالم، بل كانت أقلَّ بكثير مما كان يفرضه أصحاب الحُكْم أنفسُهم على شعوبهم وأبناء جِلْدَتهم. وفوق ذلك فقد أمر الرسول     ألاَّ يُكَلَّف أهلُ الكتاب فوق طاقاتهم، بل تَوَعَّد     مَنْ يظلمهم أو يُؤذيهم؛ فقال: «أَلاَ مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». أي: أنا الذي أخاصمه وأحاجُّه يوم القيامة.
وهذا يعنى ان الجزية اقل بكثير جدا من الزكاة المفروضة على المسلمين وكلاهما يعادلا مفهوم الضرائب بالمفهوم الحالى مع الفرق بين قيمة الجزية وقيمة الزكاة وقيمة الضرائب الحالية وتنوعها


ويقول الدكتور عطية صقررئيس لجنة الإفتاء بالأزهر: لا يقال إن أخذ الجزية من أهل الذمة ظلم لهم أو جعلهم مواطنين من الدرجة الثانية ، فإنها تقابل الزكاة التى فرضت على المسلمين