كنّاس شارعنا


تنتهي عند شارعنا إمدادات خطوط الكهرباء والمياة وعدد ولا حرج ما شئت من خدمات، كلها تنتهي عند شارعنا، مكونة مركزا رئيسا لتمتد بعد ذلك للأحياء الأحدث، واحترت للسبب فلربما كان شارعنا حنونا كالأب الشفوق فعنده تستريح ماسورة المياه الأم، وكشك الكهرباء الرئيسي .... .
ولستُ وباقي جيراننا إناسا غير مضايفين، حاشا وكلا، كل ما في الأمر أن هذه المراكز الرئيسية للخدمات كحال الأباء يحملون هموم أبنائهم مهما ابتعدوا عنهم، فإذا ما انفجرت ماسورة مياه في البكاء ففاضت مياهها في شارع بعيد في منطقتنا، تجد الحل عندنا في الماسورة الأم ويدخل شارعنا الغلبان حجرة العمليات ليتم شقه للوصول للماسورة الأم، وحل المشكلة من أساسها، ثم يُردم مرة أخري، لكننا لا نعدم تذكارا صغير، مرة نتوء، وأخري تموجات حادة، وتارة منخفض بسيط ذا طبع نزق إن لم تلتفت إليه كل مرة تمر فيها عليه تجد نفسك منبطحا علي الأرض أمامه.
ورغم ذلك كنا نجد دوما شارعا نظيفا بشكل مميز، وقد سُويت آثار الحفر والردم، بشكل متواضع، فنتابع سيرنا وتأففنا من سوء مستوي الخدمات، وذات يوم انحدر حال الشارع بشكل صارخ فبقيت القمامة تزين أطرافه تجاه كل عمارة حتي الضحى، وإذا أمطرت افتقدنا طريقا نستطيع السير فيه... ولما بدأت الناس تتساءل، أخبرهم بعض الجيران، أن كناس الشارع وصل إلي سن التقاعد، وجاء مكانه ثلاثة من الكناسين في شرخ الشباب، هم هؤلاء اللذين تراهم الأن بين الفنية والأخري وقد وقف الواحد فيهم أمامك -ما شاء الله- طول بعرض وقد أمسك في يده مكنسة هزيلة، يسد عليك طريقك ولا ينصرف حتي تنقده ما تيسر وأنت تتساءل عن هذا الوجه الجديد في المنطقة.
وقتها فقط، بدأنا ندرك ما كان يفعله الكناس، كان الرجل صاحب البنية الضعيفة والمكنسه العريضه يعمل بكد وصمت طوال سنوات، يَجد فلا يحرص علي نظافة الشارع منذ وقت مبكر صباح كل يوم فحسب، بل إنه يجتهد لتحسين الحال قدر الإمكان ففي الشتاء تجده، يزيل آثار المطر بفن -اكتسبه من كثرة المراس على عمله- حتى تتلاشي تلك الآثار بشكل أسرع، وإن وجد آثار لأعمال الصيانه فبأدواته البسيطة يسوي النتؤات والحفر والتعرجات قدر ما يستطيع، ودون يأس من حال شارعنا الموعود بأعمال الحفر والردم عدة مرات في السنة، يداوم الكناس على العمل كل مرة، بلا كلل ولا ملل، فهو يقوم بأفضل ما يستطيع مهما كانت حالة الشارع، وبمداوته علي العمل يوميا، يصبح الوضع أفضل بشكل ملحوظ وواضح، ويزيد على ذلك تطوعه لمساعدة الزبال وتسهيل مهمته في جمع القمامة، ثم إنه كان يتواري خجلا إذا ما أعطيته قروشا قليله أو كثيرة، ولا يأتيك أبدا ليأخذ نصيبه الذي وعدته به من طعام أو ملابس في المناسبات المختلفة فتجد نفسك مضطرا إلى وضع نصيبه جانبا، واختيار أحد أفراد الأسرة ممن يستيقظون مبكرا ليترقب موعده ويعطيه ما قسمه الله له، فيأخذه على استحياء، وفقط كيلا يحرجك بعدما ألححت عليه في أن يقبلك سببا لعطاء الله له.
منذ ذلك الحين وكناس شارعنا يخطر علي بالي من وقت لآخر، لا أكاد أذكر وجهه ولا حتي أعرف اسمه، لكن خطر لي أن أكتب تلك الكلمات فقط لأقول له: "شكرا لك، لفترة طويلة جعلت حياتنا أفضل، بأداء وظيفتك في هدوء، دون أن يعلم بوجودك أحد، لم يُقعدك تقاعس غيرك عن الاجتهاد والإصلاح قدر طاقتك، أتمني أن أستطيع القيام بعملي مثلما قمت أنت بعملك، بصمت وعلي أكمل وجه أستطيعه، علني أقف أمام ربي كما أحسبك ستقف أمامه مستريحا أنك أديت عملك لا تبتغي من غيره جزاءً ولا شكوراً".


غادة يوسف
33 سنة
مصرية
مترجمة

المصدر : موقع الداعية عمرو خالد
http://www.amrkhaled.net/articles/articles2044.html

;k~hs ahvukh