الفصل الحادي عشر


إنتصار الإسلام


جاءت الوعود كثيرة في القرءان الكريم وفي سنة الحبيب المصطفي عليه الصلاة والسلام تؤكد على إنتصار الإسلام وغلبته وإظهاره وأهله على كل من ناصب له العداء ووضع للدعوة المحمدية العراقيل :
يقول الله سبحانه وتعالى :

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ( 55 ) النور

ويقول ايضاً :

مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظ ( 15 ) الحج

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ( 28 ) الفتح

حتى أن بعض أصحاب النبي كانوا يشكون إليه ما يلقونه وما يعيشون فيه من معاناة ، ومع ذلك كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يؤكد لهم أن الفرج قادم والنصر آت لا محالة :
فعن خباب رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة وهو في ظل الْكعبة وقَد لَقِينا من الْمشركِين شدَّة فقُلْت يا رسول اللَّه أَلاَ تدعو اللَّه فقعد وهو محمر وجهه فقَال "لَقد كان من قبلَكم لَيمشط بِمشاط الْحدِيد ما دون عظامه من لَحم أَو عصب ما يصرفه ذلك عن دِينِه ويوضع الْمنشار عَلَى مفْرق رأْسه فيشق بِاثْنين ما يصرفه ذلك عن دِينه ولَيتمن اللَّه هذا الأَمر حتّى يسِير الراكب من صنعاء إِلَى حضرموت ما يخاف إلاّ اللَّه" زاد بيان "والذئْب علَى غنمه [1]

وقد تم هذا في عدة مراحل متعاقبة أستمرت تقريبا لمدة عشرة سنوات ، إبتداءاً من غزوة بدر التي وقعت بعد سنتين من هجرة الحبيب من مكه إلى المدينة المنورة [2] ثم فتح مكه سنة ثمان من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم [3]
و تحقق وعد الله لرسوله بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض وأئمة الناس والولاة عليهم ، وبهم تصلح البلاد ، وتخضع لهم العباد ، وليبدلنهم من بعد خوفهم من الناس أمنا وحكماً فيهم ، وقد فعل تعالى ذلك ولله الحمد والمنة ، فإنه لم يمت صلى الله عليه وسلم حتى فتح الله عليه مكة وخيبر والبحرين وسائر جزيرة العرب وأرض اليمن بكمالها [4]
وهذا هو الذي تنبأ عنه النص قائلاً :
" في سنين كسنين الأجير يفنى كل مجد قيدار " .

الفقرة الأخيرة من هذا الاصحاح والتي تقول :
(الفانديك)(اشعياء)(Is-21-17)(وبقية عدد قسي ابطال بني قيدار تقل لان الرب اله اسرائيل قد تكلم)

فسرها ترجوم يوناثان [5] :

And the strength of the warriors, the mighty, the sons of the Arabians, shall be lessened because by the word of the lord , the god of Israel, it is thus decreed .


اي أن قوة المحاربين العظام ابناء العرب سوف تقل لان الرب وعد بذلك .
وهذا ما يقوله القرءان الكريم ، الذي وعد الرسول عليه الصلاة والسلام بإستئصال شأفة المعاندين ، المحاربين ، المكذبين ، الذين يسخرون من آيات الله .
فجاء الأمر العلوي من الله سبحانه وتعالى إلى رسوله بعدم الإلتفات إلى هؤلاء ، والمضي في طريق الدعوة والعبادة ، وأن الله ليس بغافل عما يصنعون :

فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللّهِ إِلـهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99) الحجر

وبالفعل ... تفشي الإسلام في المجتمع العربي ، ودخله سادته كأبي بكر الصديق وحمزة بن عبد المطلب وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم وأرضاهم جميعاً وبيض وجوههم يوم القيامة .
في الوقت نفسه أشتد النكال بصناديد الكفر فهلك [6] منهم الكثير يوم بدرٍ مثل :
شيبة و وعتبة ابنا ربيعة بن عبد شمس والوليد بن عتبة والعاص بن سعيد بن العاص وأبو جهل بن هشام وأبو البختري وحنظلة بن أبي سفيان بن حرب والحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف وطعيمة بن عدي وزمعة بن الأسود بن المطلب ونوفل بن خويلد وهو بن العدوية والنضر بن الحارث قتله صبرا بالأثيل وعقبة بن أبي معيط قتله صبرا بالصفراء والعاص بن هشام بن المغيرة خال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وأمية بن خلف وعلي بن أمية بن خلف ومنبه بن الحجاج ومعبد بن وهب [7] .
وغيرهم ممن لحقوا بهم مثل أبي لهب ، والوليد بن المغيرة المخزومي ، والأسود بن عبد يغوث الزهري ، والحارس بن قيس السهمي ، وأبي قيس بن الفاكه بن المغيرة ، والعاص بن وائل السهمي ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج السمهيان ، وطعيمة بن عدي بن نوفل ، ومالك بن الطلاطلة بن عمرو بن غبشان ، وركانة بن يزيد .
قال بن الأثير : هؤلاء أشد عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن عداهم من رؤساء قريش كانوا ألق عداوة من هؤلاء كعتبة ، و شيبة ابني ربيعة وغيرهما ، وهناك جماعة كانوا شديدي الأذى والعداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولكنهم آمنوا وأسلموا وحسن إسلامهم كابي سفيان بن حرب ، والحكم بن أبي العاص ، وعبد الله بن أبي أمية ، وأخي أم سلمة لأبيها رضي الله عنهما [8]

وإلى هنا نكون قد إنتهينا من هذا البحث ، والله أسأل أنه يجعله خالصاً لوجهه الكريم دون أي غرضٍ للشهرة أو الرياء ... والحمد لله في البدء والختام ، وصلى اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا .
حق الإقتباس والنقل متاح لكل مسلم ولا يهم ذكر المصدر .... فقط نسألكم الدعاء .


____________________________________

[1] أخرجه البخاري في صحيحه واللفظ له 63 : ك : مناقب الأنصار 29: ب : ما لقى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المشركين بمكة ح 3852 . ج 3 ص 20 .
وفي 61 : ك : المناقب 25 : ب : علامات النبوة في الإسلام ح 3612 . ج 2 ص 407 .
وأبي داود 9 : ك : الجهاد 107 : ب : في الأسير يكره على الكفر ح 2649 . ج 2 ص 53 .
وأحمد في مسنده ح 21106 . ج 5 ص 110 .
وانظر فتح الباري لابن حجر ج 7 ص 166 و عمدة القاري لبدر الدين العيني ج 16 ص 304 وعون المعبود لمحمد شمس الحق العظيم آبادي ج 7 ص 221 .
[2] تاريخ الطبري ج 2 ص 521 .
[3] الطبقات الكبري ج 2 ص 124 .
[4] تفسير بن كثير ج 6 ص 76 ، المواهب اللدنية ج 3 ص 93 .
[5] The chaldee paraphrase on the prophet Isaiah . translated by REV. C. W. H. PALI .
P 67.
[6] قتل يوم بدر من المشركين سبعون رجلاً وكذلك أسر منهم انظر طبقات بن سعد ج 2 ص 16 .
[7] الطبقات الكبري ج 2 ص 17 .
[8] هذا الحبيب ص 91 ، 92 نقلاً عن الكامل للإمام بن الأثير .