بارك الله فيــك أخي أبا عبــدالرحمن
منــذ البــداية قلت إنني لا أحب الخــوض في مثـل هــذه المواضــيع وإنمــا كتبته كان لدحـض الحجـة الأولى مخــافة اســتخدامهـا بعــلتها لإســقاط شيء عن علم الله أو قدرته تبارك اســمه وتعــالى جــده ،

بيـد أني الآن وضـعت في موضــع المحــاور ولا بــأس من ذلك طــالما أن الحــوار مع الأخ الفــاضــل أبي عبـدالرحمــن مهــذب ومحــترم ،

أولا :بعض الأدلة من القرآن :

1- قوله تعالى " الرحمن علم القرآن خلق الإنسان " , وأظن أن دلالة التفريق في هذه الآية واضحة جدا , فلم يدخل القرآن تحت فعل الخلق كالإنسان وكسائر المخلوقات , وإنما قال " علم القرآن " , فالقرآن من علم الله تعالى , وعلمه جل وعلا أزلي أبدي ولابد , وهو صفة ملازمة لذاته , لذا وجب القول بأن القرآن صفة لله تعالى وأنه غير مخلوق ,وإلا لكان الفصل بين الإنسان والقرآن وعدم إيرادهما معا ليس له فائدة , تعالى الله وكلامه عن ذلك علوا كبيرا .
أخي الفاضــل لا أرى في ذلك دلــيلا عــلى عــدم الخــلق فالله تعــالى خــلق آدم وعلمــه الأســماء كلهــا ، فهــل يعــني هــذا أنهــا غــير مخــلوقه ، ثم أن الخــلق في هــذه الآيــة الشــريفــة يخــتص بالإنســان دون ســائر المخــلوقات ،

2-     : "لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ " , فقد وصفه جل وعلا بالكمال , والكمال لا يكون إلا لله تعالى وصفاته , فإن كان من مخلوقاته وجب أن يلحقه النقص , فكان بذلك منافيا لما جاء بالآية وأنظر أيضا الدليل الآتي .
أتــريد أن تقــول بأن الله ســبحانه وتعــالى لا يســتطيع خــلق الكامــل وأن النقص يلحــق خــلقه من تــلقاء نفســه ( لا أظــن ذلك ) فالنقص الذي خــلقه الله في ســائر مخــلوقاته كان بإرادته فهـو يخــلق ما يريــد ، وقد خــلق النقص لإثبــات كمــاله جـل وعــلا لنعــبده وخــلق القــرآن كامــلا وحفـظه بقـدرته ليكــون حجــة باقـية لعبـاده إلى يوم القــيامة ،


3- قوله تعالى : ( قرآنا عربيا غير ذي عوج ) روى عن ابن عباس : أي غير مخلوق .
إن صــح هــذا القــول عن ابن عباس رضي الله تعــالى عنــه فهــو رأيه وأحــترمه كمــا أحــترم رأيــك أخي الفاضــل وإن عارضــته ،


4- قال الله تعالى : ( لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ) ,وكلام الله ونظره واحد يعني غير مخلوق .
هــذه الآيــة تعــني إهمــالهم وأنــه تعــالى لا يــأبه بهم فــلا يجــوز أن بغفــل الله عنهم فــلا ينظــر إليهم فالله ســبحانه لا يغيب عنــه غائب ،



ثانيا الدليل من السنة :

1-عن أبي سعيد قال قال رسول الله ( فضل كلام الله عز و جل على سائر الكلام كفضل الله على خلقه ) , وهذا دليل ظاهر جدا على أن القرآن من صفاته جل وعلا , ولا يحتاج مني لتفسير .وفي سنده ضعف وجب التنبيه عليه , لأن فيه عطية العوفي قال عنه ابن حجر أنه صدوق يخطئ كثيرا .
لا أرى في هــذا إلا دلــيلا على الفضــل فكــلام الله لا يقــارن بكـلام البشــر كمــا لا يقــارن ســبحانه بخــلقه ،

2- وأيضا من أبواب البيهقي في" السنن الكبرى " ( 10 / 41 ) " باب ما جاء في الحلف بصفات الله تعالى كالعزة
و القدرة و الجلال و الكبرياء و العظمة و الكلام و السمع و نحو ذلك " . ثم ساق
تحته أحاديث و أشار إلى هذا الحديث و استشهد ببعض الآثار عن ابن مسعود و غيره
و قال : " فيه دليل على أن الحلف بالقرآن كان يمينا ... " . ثم روي بإسناد
الصحيح عن التابعي الثقة عمرو بن دينار قال : " أدركت الناس منذ سبعين سنة
يقولون : الله الخالق و ما سواه مخلوق و القرآن كلام الله عز وجل " .
في جــواز الحــلف من عــدمه اختــلافات أمــا قــولك أنه كــلام الله فلن أخــتلف معــك أبــدا ،

ثالثا دليلا منطقيا عقليا :

- نحن متفقون أن القرآن كلام الله , فانظر إلى إضافته لذات الله تعالى , فإذا فعلت فاعلم أن المضاف إلى الله تعالى على ضربين :

أولا : إذا كان لا يقوم بنفسه ولا بغيره من المخلوقات وجب أن يكون صفة لله قائمة به وامتنع أن تضاف إليه إضافة مخلوق مربوب .

ثانيا : أما إذا كان قائما بذاته أو بغيره من المخلوقات مثل عيسى روح الله أو الكعبة بيت الله , وجب أن تضاف إلى الله إضافة المخلوق المربوب , لأن ما قام بذاته لا يكون صفة لغيره , وإنما تكون هذه الإضافة من باب التعظيم والتشريف .
لو كان القرآن (وســائر الكتب قطـعا ) صــفة لله لمــا جــازت إضــافتها لغيره فاقرأ ( ومن قبــل كتاب موسى ) وقوله ( صحف ابراهــيم )

ثم اقرأ قوله صلى الله عليه وســلم ( فإنه يأتي يوم القيــامة شــفيعا لأصحــابه ) فلو كان صفة لما انفصـلت لتشــفع عنــد الذات ،



وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين .