لقد قام أيضاً أخينا الكريم السيف البتار بالرد علي شبهة الحديث الثاني وهو كالآتي :

الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال : " امرت أن اقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله " ، فالرسول لم يحدد فئة معينة من الناس بل كانت كلمة (الناس) عامة ، فقد يكون من الناس من اسلم ولم يؤدي الواجب الديني المطالب به شرعاً .

روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال : " امرت أن اقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه ، وحسابه على الله " صحيح البخاري باب قتل من أبي قبول الفرائض الجزء 8 ص 50 ، ورواها مسلم أبو داود وابن ماجة والترمذي والنسائي وأحمد والطيالسي .



معنى قول "لا إله إلا الله" فإن الإله هو المعبود بالمحبة والخشية والاجلال والتعظيم وجميع انواع العبادة ولأجل هذا التوحيد خلقت الخليقة وأرسلت الرسل وأنزلت الكتب وبه افترق الناس إلى مؤمنين وكفار وسعداء اهل الجنة وأشقياء أهل النار قال الله تعالى يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون فهذا أول أمر في القرآن .

"لقد أرسلنا نوحا الى وقومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره" فهذا دعوة أول رسول بعد حدوث الشرك (فأبوا ، فأرسل الله عليهم الطوفان فهلك ومات كل من على الأرض جميعاً)

وقال هود لقومه اعبدوا الله ما لكم من إله غيره (فأبوا ، فأرسل الله عليهم ِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ لم تر الدنيا مثلها قط. ثم توقفت الريح بإذن ربها. لم يعد باقيا ممن كفر من قوم هود إلا ما يبقى من النخل الميت. مجرد غلاف خارجي لا تكاد تضع يدك عليه حتى يتطاير ذرات في الهواء)

وقال صالح لقومه اعبدوا الله ما لكم من إله غيره (فأبوا ، فأرسل الله عليهم صيحة من السماء من فوقهم، ورجفة شديدة من أسفل منهم، ففاضت الأرواح، وزهقت النفوس، وسكنت الحركات، وخشعت الأصوات، وحقت الحقائق، فأصبحوا في دارهم جاثمين جثثاً لا أرواح فيها، ولا حراك بها)

وقال شعيب لقومه اعبدوا الله ما لكم من إله غيره (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ .. مثل قوم صالح)

وقوم لوط اذ قال لقومه اتاتون الفاحشة ما سبقكم بها من احد من العالمين (فأبوا ، فقال الله : فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ)

وقال ابراهيم عليه السلام لقومه اني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين

وبني اسرائيل عندما اعتدوا في السبت جهلهم الله (قردة خاسئين) فلعنهم الله وغضب عليهم وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت
فجاءت رحمة الله على الخلق برسالة حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال : وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم

فرفع الله عذاب السماء على من كفر به من عباده كما كان يحدث بالأمم السابقة

و "وما ارسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فأعبدون"

و "واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون"

و "وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون"

وقال هرقل لأبي سفيان لما سأله عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يقول لكم قال يقول "اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا واتركوا ما يقول آباؤكم" .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ انك تأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم اليه شهادة أن لا إله إلا الله وفي رواية ان يوحدوا الله وهذا التوحيد هو أول واجب على المكلف لا النظر ولا القصد الى النظر ولا الشك في الله كما هي أقوال لمن لم يدر ما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم من معاني الكتاب والحكمة فهو أول واجب وآخر واجب وأول ما يدخل به الاسلام وآخر ما يخرج به من الدنيا كما قال صلى الله عليه وسلم من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة حديث صحيح وقال أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله متفق عليه


فهذا الحديث عظيم وقاعدة من قواعد الدين

ومعنى هذا الحديث : قال العلماء بالسير : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - بعده وكفر من كفر من العرب عزم أبو بكر على قتالهم وكان منهم من منع الزكاة ولم يكفر وتأول في ذلك فقال له عمر- رضي الله عنه -: كيف تقاتل الناس وقد قالوا لا إله إلا الله وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ) إلى آخر الحديث

فقال الصديق : إن الزكاة حق المال وقال : والله لو منعوني عناقا وفي راية عقالا كانوا يؤدونه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه فتابعه عمر على قتال القوم .

وقوله : (امرت ان اقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا اله الا الله وان محمد رسول الله
ويقيموا الصلاه ويؤتوا الزكاه فاذا فعلوا ذلك عصموا منى دمائهم واموالهم الا بحق الاسلام وحسابهم على الله
)

قال الخطابي وغيره : المراد بهم أهل الأوثان ومشركوا العرب ومن لا يؤمن دون أهل الكتاب ومن يقر بالتوحيد فلا يكفي لعصمته بقوله : لا إله إلا الله إن كان يقولها في كفر وهي في اعتقاده

ومعنى قوله ( حسابهم على الله ): أي فيما يسترونه ويخفونه دون ما يخلون به في الظاهر من الأحكام الواجبة ذكر ذلك الخطابي قال وفيه أن من أظهر الإسلام وأسر الكفر يقبل إسلامه في الظاهر وهذا قول أكثر أهل العلم وذهب مالك إلا أن توبة الزنديق لا تقبل وهي رواية عن أحمد .

وفي قوله : ((امرت ان اقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا اله الا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به )) دلالة ظاهرة لمذهب المحققين والجماهير من السلف والخلف إن الإنسان إذا اعتقد دين الإسلام اعتقادا جازما لا تردد فيه كفاه ذلك ولا يجب عليه تعلم أدله المكتملين ومعرفة الله بها خلافا لمن أوجب ذلك وجعله شرطا في نحو أهل القبلة وهذا خطأ ظاهر فإن المراد التصديق الجازم وقد حصل ولأن النبي صلى الله عليه وسلم اكتفى بالتصديق بما جاء به ولم يشترط المعرفة بالدليل وقد تظاهرت بهذا أحاديث في الصحيح يحصل بمجموعها التواتر بأصلها والعلم القطعي .

عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أمرت أن أقاتل الناس ، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام ، وحسابهم على الله تعالى ) رواه البخاري و مسلم .


بعث الله سبحانه وتعالى الرسل الكرام ، وأنزل معهم الكتب العِظام ، لينشروا الدين في أرجاء المعمورة ، فيكون ظاهرا عاليا على سائر الأديان والملل ، كما بيّن سبحانه ذلك في قوله : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله } ( البقرة : 193 ) .

وكانت هذه المهمة محور دعوة كل أنبياء الله ، فقاموا جميعا لتحقيق هذه الغاية ، باذلين في ذلك الغالي والنفيس ، والمال والنفس ، داعين إلى الله بالليل والنهار ، والسرّ والعلانية ، فانقسم الناس عند ذلك إلى فريقين :فريق قذف الله في قلبه أنوار الحق ، فانشرح صدره للإسلام ، فوحّد ربّه ، واتّبع شريعته ، وفريق طمس الله بصيرته ، وجعل على قلبه غشاوة ، فأظلم قلبُه ، وأبى أن يقبل دعوة الحق ، ولقد أوضح الله تعالى حقيقة الفريقين في قوله تعالى : { ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم } ( محمد : 3 ) .

إن انقسام الناس إلى مصدّق ومكذّب ، ومؤمن وكافر ، أمر حتمي تجاه كل ما هو جديد ، وتجاه كل دين أو معتقد ، وإذا كان انقسامهم أمرا لازما ؛ فإنه يجب على ذلك الدين أو ذلك المعتقد أن يتعامل مع كلا الفريقين ، وجميع الطائفتين ، وهذا عين ما جاءت به شرائع الله عز وجل ، ومنها الإسلام .

لقد أمرنا الله تعالى في دين الإسلام أن ندعو المعرضين والمكذبين بالحسنى ، وأن نجتهد في ذلك ، بل أن نجادلهم بالتي هي أحسن ، فإن أبوا ، كان لزاما عليهم ألا يمنعوا هذا الخير من أن يصل إلى غيرهم ، ووجب عليهم أن يفسحوا لذلك النور لكي يراه سواهم ، فإن أصروا على مدافعة هذا الخير ، وحجب ذلك النور ، كانوا عقبة وحاجزاً ينبغي إزالته ، ودفع شوكته ، وهذا مما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( أمرت أن أقاتل الناس ، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ) ، فهو صلى الله عليه وسلم مأمور بنشر دين الإسلام ، واستئصال شوكة كل معاند أو معارض ، وتلك هي حقيقة الدين وغايته .

لكن ما سبق لا يدل على أن دين الإسلام دينٌ متعطشٌ للدماء ، وإزهاق أرواح الأبرياء ، بل هو دين رحمةٍ ورأفةٍ ، حيث لم يكره أحدا على الدخول فيه ، بشرط ألا يكون عقبةً أو حاجزاً كما تقدم ، وقد : { لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغي } ( البقرة : 256 ) .

ثم بيّن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي معنا ، الأمور التي تحصل بها عصمة الدم والنفس ، وهي : النطق بالشهادتين ، وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، فمن فعل ذلك ، فقد عصم نفسه وماله ، وهذا ما يمكننا أن نطلق عليه العصمة المطلقة ، أو العصمة بالإسلام ، وحقيقتها : أن يدخل المرء في دين الإسلام ، ويمتثل لأوامره ، وينقاد لأحكامه ، فمن فعل ذلك كان مسلما ، له ما للمسلمين ، وعليه ما عليهم .

أما العصمة المقيّدة أو العصمة لغير المسلمين ، فحقيقتها : أن كل كافر غير محارب ، أي : المُستأمن والذميّ والمعاهَد ، فإنه معصوم الدمّ ، بشروط معينة وضّحها العلماء في كتبهم .

وإذا أردنا أن نوضّح حقيقة العصمة بالإسلام فنقول : إن من تلفّظ بالشهادتين ، فإننا نقبل منه ظاهر قوله ، ونكل سريرته إلى الله تعالى ؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يأمرنا أن ننقب عن قلوب الناس ، أونبحث في مكنونات صدروهم ، أسوتنا في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكن هذا لا يعني ترك الانقياد للدين أو العمل بأحكامه ، فإن من شروط لا إله إلا الله الانقياد لها ، والعمل بمقتضياتها .

أما إقامة الصلاة ، فهي من أعظم مظاهر الانقياد والعبودية، بل إن تاركها ليست له عصمة ، يشهد لذلك قوله تعالى : { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين } ( التوبة : 11 ) ، فدل على أنهم إن لم يصلوا فلا أخوة لهم ، ولما أراد خالد بن الوليد رضي الله عنه أن يضرب عنق ذي الخويصرة - الذي اعترض على قسمة النبي صلى الله عليه وسلم للمال- نهاه عن ذلك قائلا : ( لا ؛ لعله أن يكون يصلي ) رواه البخاري و مسلم ، وهذا يقتضي أنه لو كان تاركا للصلاة لما منع خالدا من قتله .

وإيتاء الزكاة المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم : ( ويؤتوا الزكاة ) ، هي من مظاهر الانقياد المالية لله تعالى ، ولا يعني ذكرها في الحديث أن مجرد الامتناع عن أدائها كفر مخرج من الملة ، بل في ذلك تفصيل آخر ليس هذا مجال بسطه.

وإذا تحققت هذه الأمور الثلاثة في شخص أو فئة ، حصلت لهم العصمة التامة ، فتصان دماؤهم وأموالهم وأنفسهم ، إلا بسبب حق من حقوق الإسلام ، وذلك بأن يرتكب الإنسان ما يبيح دمه ، كالقتل بغير حق ، والزنى مع الإحصان ، والردة بعد الإسلام.

وبذلك يتبين لنا أن الإسلام دين يدعوا الناس جميعا إلى الالتزام بأحكام الله تعالى ، فإذا أدوا ما عليهم من واجبات ، فقد كفل لهم حقوقهم ، وصان أعراضهم وأموالهم .

انتهى ..

جزي الله أخينا الكريم السيف البتار علي الرد , وأسكنه فسيح جناته .

يتبع بعون الله ..