شيء صعب للغاية حينما تسيطر على الإنسان فكرة ما وبخاصة إذا كانت شريرة!.. لا تدعه يفلت من بين براثنها ليلا أو نهارا، حتى يقوم بتحقيقها خاصة حينما تنصب هذه الفكرة على كيفية التخلص من الشريك؛ ولست أقصد أي شريك هاهنا بقدر ما أقصد الزوج أو الزوجة كليهما على حد السواء.
"نفيسة وسرحان".. ذلك النموذج الأكثر سوء بين النماذج السوداوية التي تطفح بها شاشة التليفزيون المصري حاليا، من غير حول لنا لا قوة؛ حيث يذاع عدة مرات يوميا ولا أحد يشعر بما يقوم به مثل هذا البرنامج من ترسيخ لمفاهيم الهدم الاجتماعي كالتفسخ الأسري وتكريس لمبررات الكراهية الشديدة وإرساء أهم قاعدة للانفلات الإنساني وهي قاعدة المؤامرات والدسائس.
وربما يتساءل البعض: هل كل ذلك يحدث في برنامج للمسابقات؟
بكل أسف.. نعم ولعل اعتياد مشاهدة مثل تلك البرامج والمسابقات حتى ولو كان اعتمادا على الفكاهة وجريا وراء الترفيه والفكاهة التافهة فهو نوع من تضييع الوقت فيما لا يفيد.

فما الذي سيستفيده المشاهد حينما يطلع عليه السيد "سرحان" كل ليلة وهو يهمس للمشاهدين بابتداعه محاولة جديدة سيقوم من خلالها بالتخلص من "نفيسة" التي هي زوجته ويبدأ في سرد وقائع محاولة القتل الجديدة والتي تفشل دائما لسبب من ثلاثة أسباب يوردها دائما في نهاية كل حلقة ليقوم المشاهد باختيار ما تسبب منها في إفشال عملية القتل من وجهة نظره، أي أنه هنا يشرك المشاهد في تفعيل الجريمة التي يقوم بها، بل يدفعه للتفكير في طرق جديدة ومغايرة لإنهاء هذه العلاقة الزوجية الغريبة والمتفسخة في آن واحد.

ناهيك عن السذاجة والسطحية والمباشرة والسماجة، أما عن بعض الطرق التي يقوم بها سرحان للتخلص من السيدة "نفيسة" فكثيرة ومتنوعة لا يعدمها مؤلفها الحلقات فمرة يهمس سرحان أنه لا يستطيع أن يقرأ جريدته المفضلة بهدوء، لماذا؟ لأن السيدة "نفيسة" مشغولة بأعمال البيت أو لأن صوت الغسالة يزعجه، ولأنه رجل صاحب مزاج عال ويحب الهدوء، يتفتق ذهنه عن طريقة أو لنقل خطة محكمة؛ هي إجرامية بالطبع لكنها من وجهة نظره مجرد وسيلة لتخليصه من هذا الكابوس الزوجي المزعج، فيذهب إلى البلكونة حيث أحبال الغسيل ويقوم بفك "الصواميل"التي تشد تلك الأحبال للحائط ويصبح سرحان متأكدا من نجاح خطته، ثم يتخيل كما في كل مرة صورة نفيسة على الجدار موسومة بالشريط الأسود، لكنه ما يلبث أن يقول في أسى: إن محاولته باءت بالفشل ولم تمت المرحومة نفيسة للأسف ويوجه تساؤله للجمهور: لماذا فشلت المحاولة؟
ومن محاولاته أيضا للتخلص منها: قطع سلوك "المصعد"، والعديد من المحاولات الأخرى كتحويل طريق السباق الذي أقيم بينهما إلى طريق آخر خطير!
ولا يخفى علينا ما في هذا الأسلوب من خطورة شديدة على مجموع المشاهدين وهذه الخطورة ربما لا تبدو ذات تأثير مباشر وحالي لكنه في اعتقادي تراكمي يحدث بالممارسة والتتابع فيصير ما نراه طبيعيا ويصبح هو النموذج المألوف وبذلك نكون قد ساعدنا في الترويج لانهيار منظومة القيم الاجتماعية التي من بينها روابط الحب والتراحم حيث تترسب تلك المشاهدات في دهاليز العقل الباطن ومواطن اللا شعور، مما يؤثر في ممارساته الاعتيادية معها فيختفي كل ما يمكن أن يكون بين الزوجين من علاقات طبيعية ولا أقول مثالية، لتنشأ عادات أخرى وسلوكيات من نوع جديد، وهي التي بدأت تطفو في المجتمع المصري كما يؤكد ذلك علماء النفس والاجتماع.
وبالطبع فإن هذه البرامج لها آثارها السيئة لو استمر بثها على هذا المنوال دونما الالتفات إلى ما تقوم بحفره بنعومة شديدة وبما تقوم بتأكيده على جريمة القتل والتخطيط المحكم، بل والتشجيع عليها بإشراك المجموع وان لم يكن ذلك بالفعل فيكفي فعله ذهنيا ليبدأ في ترك أثره غير المرئي والذي يطفو بعد ذلك أثناء التعاملات العادية واليومية لكسب قاعدة شعبية من خلالها يأخذ القتل شرعيته فيحدث ما يشبه الاستمراء لهذا الفعل وأشباهه، ولا عزاء للفائز الذي يحصد الخمسة آلاف جنيه قيمة الجائزة!
ومع انتشار برامج المسابقات ومثلها مما يسمى بـ "التوك شو" "والمفتش كرومبو" وغيرها، إلا أننا لا نستطيع منعها مهما كانت الوجبة التي تقدمها مسمومة ومهما كانت الجماهير مشرئبة الأعناق لالتهام الوقت أو لاقتناص بسمة ما .. حتى ولو كانت مزيفة، فمثل هذه البرامج مصنوعة بحرفية عالية بداية من تصميم العروسة المتحركة الذي تميل غالبا للمبالغة إضافة إلى التفنن في اختراع الخط الدرامي الذي بإمكانه استيعاب كل ذلك التنوع في وحدة موضوع معلومة "العلاقة المتضادة"بين الزوجين بشكل ساخر.
ولا يعني عدم قدرتنا على منع مثل تلك البرامج لأسباب نعرفها جميعا أن نقف مكتوفي الأيدي، فهناك الكثير مما يمكن عمله، على اعتبار أنه ليست كل قاعدة المشاهدين مجرد مستقبلين فقط، بل على اعتبار أن منهم المثقفين والمتعلمين الذين يمتلكون حاسة النقد التي تمكنهم من الانتقاء الجيد لما يشاهدون أو على الأقل الرفض والقبول.
وأشد ما يحزنني في هذا البرنامج هو انكباب البسطاء عليه في القرى والأقاليم المصرية حيث شاهدت بنفسي بعض الزوجات الريفيات وهن تتحلقن حول الشاشة في انتظار الحلقة الجديدة ـ أقصد المؤامرة الجديدة ـ التي سيدبرها سرحان لزوجته نفيسة وهذا ليس بغرض التسلية كما يمكن أن نعتقد ولكن بغرض تدبير جرائم موازية للتخلص من الزوج الذي هو سرحان بالطبع
فهل هذه هي وظيفة الإعلام الحقيقية أم ماذا؟ مجرد سؤال أطرحه على قرائي تاركة لهم مساحة من الود ليجيبوا عليه.




"سرحان ونفيسة" وحلم التخلص الحياة

"svphk ,ktdsm" ,pgl hgjogw lk hgpdhm hg.,[dm!!