النصارى حذفوا كلَّ هذا:

[justify] [/justify][justify][/justify][justify]
قولك:
ثم مَنْ هذا النبي الذي له واسطة بينه وبين الله, ولا يكلم الله, أو يوحي له مباشرةً من الله؟
الجواب:
الوحي الذي كان ينزل على الرسول e له ثلاث حالات، وهي الحالات التي تكون للوحي الذي ينزل على كل نبي ولا يوجد غيرها، وتدخل فيها جميع الحالات التي تندرج تحتها. وقد بين الله تعالى هذه الحالات في صريح القرآن حصراً، قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ﴾, أي ما صح أن يكلم الله أحداً إلا موحياً أو مسمعاً من وراء حجاب أو مرسلاً رسولاً.
والوحي الذي كان ينزل على الرسول e له حالتان أشار إليهما الرسول e حين سئل كيف يأتيه الوحي بقوله:" أَحْيَاناً يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ وَأَحْيَاناً يَتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلاً فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ", أخرجه البخاري وهاتان الحالتان هما ما يلي:
1. ما وقع له عليه السلام بإشارة الملك بالإلقاء من غير بيان بالكلام، وذلك ما ألقاه الملك في روع الرسول e كما قال e:" إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله أيها الناس وأجملوا في الطلب"، أو ما وقع للرسول e وكان يراه في المنام فإنه وحي من الله يوحي له باليقظة ويوحي له بالمنام، فيلهمه الشيء إلهاماً في حال يقظته، ويريه الشيء رؤياً في حال منامه وهو إلهام، كما قالت عائشة t:" أول ما بُدئ رسول الله e الرؤيا الصادقة في النوم, فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح". أو ما وقع للرسول e مما كان يحس به أن الوحي جاءه ولكنه لا يظهر له كما روي عن عائشة t أن الحارث بن هشام e سأل رسول الله e فقال: يا رسول الله, كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله e:" أَحْيَاناً يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ", أخرجه البخاري . فهذه الأنواع: الإلهام والمنام والإعطاء خفية دون كلام وكل ما شاكلها هي حالة واحدة تدخل تحت قوله تعالى: ﴿إِلاَّ وَحْياً﴾؛ لأن اللغة تقول: أوحى إيحاء إلى فلان أشار وأومأ، والله إليه، ألهمه.
2. ما يأتيه بلسان الملك، فيقع في سمعه e بعد علمه بدليل قاطع أن هذا هو الوحي وهو الملك. والملك هو جبريل، : ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ﴾. وذلك أن يرسل الله جبريل u فيكلم الرسول e ويسمع كلامه ويحفظه عنه، قال e:" وَأَحْيَاناً يَتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلاً فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ", أخرجه البخاري. وفي حديث جبريل السابق جاء في رواية البخاري:" ثُمَّ أَدْبَرَ فَقَالَ رُدُّوهُ فَلَمْ يَرَوْا شَيْئاً فَقَالَ هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ", أخرجه البخاري.
وأما الحالة الثالثة هي: ﴿أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾, فقد حصلت مع سيدنا موسى u. والواقع الذي تشير إليه الآية في هذه الحالة من الوحي هو أن يكلم الله النبي من وراء حجاب أي كما يكلم المحتجب بعض خواصه، وهو من وراء الحجاب فيسمع صوته ولا يرى شخصه، وذلك كما كلم الله موسى. ولم يرد أن ذلك حصل مع الرسول e إلا في وضع واحد، هو وضع الإسراء والمعراج الذي جاء في الحديث الصحيح، والذي أشارت إليه آيات سورة النجم، وهي قوله تعالى: ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾.
وعلى أي حال فإن جميع أنواع الوحي حجة. فإخبار الملك للرسول بالكلام أو الإشارة وحي صريح، والإلهام والرؤيا وحي صريح، وتكليم الله للنبي من أنواع الوحي. وهذا الوحي حجة قطعية لوروده في النصوص القطعية الثبوت القطعية الدلالة.
والآن سأورد لك مقارنتين تخصّان هذا المقام:
1. يقول الله Y: ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ * قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ﴾, (آل عمران: 38_41). فهنا جاءت البشرى من الملائكة, أي بواسطة. والنص الذي يتحدث عن هذه القصة في الكتاب المقدس هو:]13فَبَيْنَمَا هُوَ يَكْهَنُ فِي نَوْبَةِ فِرْقَتِهِ أَمَامَ اللهِ، 9حَسَبَ عَادَةِ الْكَهَنُوتِ، أَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ أَنْ يَدْخُلَ إِلَى هَيْكَلِ الرَّبِّ وَيُبَخِّرَ. 10وَكَانَ كُلُّ جُمْهُورِ الشَّعْبِ يُصَلُّونَ خَارِجًا وَقْتَ الْبَخُورِ. 11فَظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ وَاقِفًا عَنْ يَمِينِ مَذْبَحِ الْبَخُورِ. 12فَلَمَّا رَآهُ زَكَرِيَّا اضْطَرَبَ وَوَقَعَ عَلَيْهِ خَوْفٌ. 13فَقَالَ لَهُ الْمَلاَكُ:«لاَ تَخَفْ يَا زَكَرِيَّا، لأَنَّ طِلْبَتَكَ قَدْ سُمِعَتْ، وَامْرَأَتُكَ أَلِيصَابَاتُ سَتَلِدُ لَكَ ابْنًا وَتُسَمِّيهِ يُوحَنَّا. 14وَيَكُونُ لَكَ فَرَحٌ وَابْتِهَاجٌ، وَكَثِيرُونَ سَيَفْرَحُونَ بِوِلاَدَتِهِ، 15لأَنَّهُ يَكُونُ عَظِيمًا أَمَامَ الرَّبِّ، وَخَمْرًا وَمُسْكِرًا لاَ يَشْرَبُ، وَمِنْ بَطْنِ أُمِّهِ يَمْتَلِئُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. 16وَيَرُدُّ كَثِيرِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ إِلهِهِمْ. 17وَيَتَقَدَّمُ أَمَامَهُ بِرُوحِ إِيلِيَّا وَقُوَّتِهِ، لِيَرُدَّ قُلُوبَ الآبَاءِ إِلَى الأَبْنَاءِ، وَالْعُصَاةَ إِلَى فِكْرِ الأَبْرَارِ، لِكَيْ يُهَيِّئَ لِلرَّبِّ شَعْبًا مُسْتَعِدًّا». 18فَقَالَ زَكَرِيَّا لِلْمَلاَكِ:«كَيْفَ أَعْلَمُ هذَا، لأَنِّي أَنَا شَيْخٌ وَامْرَأَتِي مُتَقَدِّمَةٌ فِي أَيَّامِهَا؟» 19فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَهُ:«أَنَا جِبْرَائِيلُ الْوَاقِفُ قُدَّامَ اللهِ، وَأُرْسِلْتُ لأُكَلِّمَكَ وَأُبَشِّرَكَ بِهذَا. 20وَهَا أَنْتَ تَكُونُ صَامِتًا وَلاَ تَقْدِرُ أَنْ تَتَكَلَّمَ، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ هذَا، لأَنَّكَ لَمْ تُصَدِّقْ كَلاَمِي الَّذِي سَيَتِمُّ فِي وَقْتِهِ». 21وَكَانَ الشَّعْبُ مُنْتَظِرِينَ زَكَرِيَّا وَمُتَعّجِّبِينَ مِنْ إِبْطَائِهِ فِي الْهَيْكَلِ[, (إنجيل لوقا_الإصحاح الأول). فها هو جبريل ليس وهميا, وها هو واسطة بين زكريا وربه.
2. يقول الله Y: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ, (الصافات: 102_111). والنص الذي يتحدث عن هذه القصة في الكتاب المقدس هو: هو: ]9فَلَمَّا أَتَيَا إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ لَهُ اللهُ، بَنَى هُنَاكَ إِبْرَاهِيمُ الْمَذْبَحَ وَرَتَّبَ الْحَطَبَ وَرَبَطَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ وَوَضَعَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ فَوْقَ الْحَطَبِ. 10ثُمَّ مَدَّ إِبْرَاهِيمُ يَدَهُ وَأَخَذَ السِّكِّينَ لِيَذْبَحَ ابْنَهُ. 11فَنَادَاهُ مَلاَكُ الرَّبِّ مِنَ السَّمَاءِوَقَالَ: «إِبْرَاهِيمُ! إِبْرَاهِيمُ!». فَقَالَ: «هأَنَذَا» 12فَقَالَ: «لاَ تَمُدَّ يَدَكَ إِلَى الْغُلاَمِ وَلاَ تَفْعَلْ بِهِ شَيْئًا، لأَنِّي الآنَ عَلِمْتُ أَنَّكَ خَائِفٌ اللهَ، فَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ عَنِّي». 13فَرَفَعَ إِبْرَاهِيمُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا كَبْشٌ وَرَاءَهُ مُمْسَكًا فِي الْغَابَةِ بِقَرْنَيْهِ، فَذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ وَأَخَذَ الْكَبْشَ وَأَصْعَدَهُ مُحْرَقَةً عِوَضًا عَنِ ابْنِهِ. 14فَدَعَا إِبْرَاهِيمُ اسْمَ ذلِكَ الْمَوْضِعِ «يَهْوَهْ يِرْأَهْ». حَتَّى إِنَّهُ يُقَالُ الْيَوْمَ: «فِي جَبَلِ الرَّبِّ يُرَى». 15وَنَادَى مَلاَكُ الرَّبِّ إِبْرَاهِيمَ ثَانِيَةً مِنَ السَّمَاءِ 16وَقَالَ: «بِذَاتِي أَقْسَمْتُ يَقُولُ الرَّبُّ، أَنِّي مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ فَعَلْتَ هذَا الأَمْرَ، وَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، 17أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً، وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيرًا كَنُجُومِ السَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ، وَيَرِثُ نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ، 18وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي»[, (سفر التكوين_الإصحاح الثاني والعشرون). ها هو الملك واسطة بين إبراهيم وبين الله. فالواسطة ثبتت ﴿فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ﴾. وغالبا هو جبريل عليه السلام.
أنت, أين دليلك على أن النبي يكلم الله مباشرةً أبدًا؟! أرجو التوثيقَ, توثيقَ رأيك الذي ادعيتَ به نَفْيَ الواسطةِ بين الله وأنبيائه, وعدم جواز ذلك.
قولك:
لمن بلَّغه؟ وأصلا لم يكتب القرآن إلا بعد وفاته, ولم يجمع إلا في عهد أبي بكر.
وقولك:
ثم كتاب الوحي كتبوا على عظام الحيوانات واللخاف, وتلك الأشياء ضاعت في وقت وجود نبي الإسلام, وحفظة القرآن ماتوا في إحدى الغزوات, حتى إنه هلع وأمر بتجميع ما بقي.
الجواب:
1. لقد ثبت بالدليل اليقيني الجازم أن النبي e حين التحق بالرفيق الأعلى كان القرآن كله مكتوباً في الرقاع والأكتاف والعسب واللخاف، وكان كله محفوظاً في صدور الصحابة رضوان الله عليهم. فقد كانت تنزل الآية أو الآيات فيأمر حالاً بكتابتها بين يديه، وكان لا يمنع المسلمين من كتابة القرآن غير ما كان يمليه على كُتّاب الوحي. قال رسول الله e:" لاَ تَكْتُبُوا عَنِّي وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ", رواه مسلم.
2. كان ما يكتبه كتاب الوحي مجموعاً في صحف, يقول الله: ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً﴾, أي: يقرأ قراطيس مطهرة من الباطل فيها مكتوبات مستقيمة قاطعة بالحق والعدل، وقال: ﴿كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ* فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ، كِرَامٍ بَرَرَةٍ﴾, أي: أن هذه التذكرة مثبتة في صحف مكرمة عند الله مرفوعة المقدار منزهة عن أيدي الشياطين، قد كتبت بأيدي كتبة أتقياء.
3. قد ترك النبي e جميع ما بين دفتي المصحف مكتوباً قد كُتِبَ بين يديه. عن عبد العزيز بن رفيع قال:" دخلت أنا وشداد بن معقل على ابن عباس t, فقال له شداد بن معقل: أَترك النبي e من شيء؟ قال: ما ترك إلا ما بين الدفتين". وقال:" ودخلت على محمد ابن الحنفية فسألنا, فقال: ما ترك إلا ما بين الدفتين". فالإجماع منعقد على أن جميع آيات القرآن في سورها قد كتبت بين يدي الرسول e حين كان ينزل بها الوحي مباشرة، وأنها كتبت في صحف. وتوفي الرسول الأعظم e وهو قرير العين على القرآن معجزته الكبرى التي قامت حجةً على العرب وعلى العالم.
4. ولأن النبي كان قد ثبّت هذه الآيات كتابة بين يديه وحفظاً في صدور الصحابة وأذن للمسلمين أن يكتبوا القرآن. ولذلك لم يشعروا الصحابة بعد وفاة الرسول e أنهم في حاجة لجمع القرآن في كتاب واحد أو في حاجة إلى كتابته. حتى كثر القتل في الحفّاظ في حروب الردة، فخشي عمر من ذلك على ضياع بعض الصحف وموت القراء، فتضيع بعض الآيات، ففكر في جمع الصحف المكتوبة، وعرض الفكرة على أبي بكر وحصل جمع القرآن.
5. قال زيد: قال أبو بكر إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله e فتتبع القرآن فاجمعه. فوالله لو كانوا كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله e؟ قال: هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر t. فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري, ولم أجدها مع أحد غيره: ﴿لقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ﴾ حتى خاتمة براءة.
6.لم يكن جمع زيد للقرآن كتابة له من الحفاظ، وإنما كان جمعه له جمعاً لما كتب بين يدي رسول الله e، وكان لا يضع صحيفة مع صحيفة أخرى ليجمعها إلا بعد أن يشهد لهذه الصحيفة التي تُعرض عليه شاهدان يشهدان أن هذه الصحيفة كتبت بين يدي رسول الله e. وكان فوق ذلك لا يأخذ الصحيفة إلا إذا توفر فيها أمران، أحدهما أن توجد مكتوبة مع أحد من الصحابة، والثاني أن تكون محفوظة من قبل أحد الصحابة، فإذا طابق المكتوب والمحفوظ للصحيفة التي يراد جمعها أخذها وإلا فلا. ولذلك توقف عن أخذ آخر سورة براءة حتى وجدها مكتوبة عند أبي خزيمة مع أن زيداً كان يستحضرها هو ومن ذكر معه. روي من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: قام عمر فقال:" من كان تلقى من رسول الله e شيئاً من القرآن فليأتِ به"، وكانوا يكتبون ذلك في الصحف والألواح والعسب، قال وكان لا يقبل من أحد شيئاً حتى يشهد شاهدان. هذا يدل على أن زيداً كان لا يكتفي بمجرد وجدانه مكتوباً حتى يشهد من تلقاه سماعاً مع كون زيد كان يحفظه وكان يفعل ذلك مبالغة بالاحتياط.
7. فالجمع لم يكن إلا جمع الصحف التي كتبت بين يدي رسول الله e في كتاب واحد بين دفتين، فقد كان القرآن مكتوباً في الصحف، لكن كانت مفرقة فجمعها أبو بكر في مكان واحد. وعلى ذلك لم يكن أمر أبي بكر في جمع القرآن أمراً بكتابته في مصحف واحد بل أمراً بجمع الصحف التي كتبت بين يدي الرسول e مع بعضها في مكان واحد والتأكد من أنها هي بذاته بتأييدها بشهادة شاهدين على أنها كتبت بين يدي رسول الله e وأن تكون مكتوبة مع الصحابة ومحفوظة من قبلهم. وهذا ينفي ادعائك الذي تقول فيه: (وتلك الأشياء ضاعت في وقت وجود نبي الإسلام), فهلا وثقت افتراءاتك؟!
8. ومن هذا يتبين أن جمع أبي بكر للقرآن إنما كان جمعاً للصحف التي كتبت بين يدي رسول الله e وليس جمعاً للقرآن. وأن الحفظ إنما كان لهذه الصحف أي للرقاع التي كتبت بين يدي رسول الله e وليس حفظاً للقرآن. ولم يكن جمع الرقاع والمحافظة عليها إلا من قبيل الاحتياط والمبالغة في تحري الحفظ لعين ما نقل عن رسول الله e. أما القرآن نفسه فإنه كان محفوظاً في صدور الصحابة ومجموعاً في حفظهم، والاعتماد في الحفظ كان على جمهرتهم لأن الذين كانوا يحفظونه كلياً وجزئياً كثيرون. وأنت تقول: (وحفظة القرآن ماتوا في إحدى الغزوات), هل مات سبعون حافظًا؟ أين الآلاف بعده سواء يحفظونه جميعًا أو أجزاءً منه؟ هلا وثقتك افتراءاتك هذه؟!
9. أما بالنسبة لجمع عثمان, فإنه في سنة خمس وعشرين للهجرة قدم حذيفة بن اليمان على عثمان في المدينة وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في قراءة القرآن. فإنه رأى أهل الشام يقرأون بقراءة أبيّ بن كعب فيأتون بما لم يسمع أهل العراق، ورأى أهل العراق يقرأون بقراءة عبد الله بن مسعود فيأتون بما لم يسمع أهل الشام، فيكفّر بعضهم بعضاً. وروي عن حذيفة قال: يقول أهل الكوفة قراءة ابن مسعود، ويقول أهل البصرة قراءة أبي موسى، والله لئن قدمت على أمير المؤمنين لأمرنه أن يجعلها قراءة واحدة، فركب إلى عثمان.
10. وقد حدَّث ابن شهاب أن أنس بن مالك حدّثه:" أن حذيفة ابن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت عبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة، إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء ما من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ففعلوا. حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردها عثمان إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق)، وقد كان عدد النسخ التي نسخت سبع نسخ، فقد كتبت سبعة مصاحف إلى مكة وإلى الشام وإلى اليمن وإلى البحرين وإلى البصرة وإلى الكوفة وحبس بالمدينة واحد.
11. وعلى هذا لم يكن عمل عثمان جمعاً للقرآن وإنما نسخ ونقل لعين ما نقل عن رسول الله e كما هو. فإنه لم يصنع شيئاً سوى نسخ سبع نسخ عن النسخة المحفوظة عند حفصة أم المؤمنين، وجمع الناس على هذا الخط وحده ومنع أي خط أو إملاء غيرها. واستقر الأمر على هذه النسخة خطاً وإملاءً، وهي عين الخط والإملاء الذي كتبت به الصحف التي كتبت بين يدي رسول الله e حين نزل الوحي بها، وهي عينها النسخة التي كان جمعها أبو بكر. ثم أخذ المسلمون ينسخون عن هذه النسخ ليس غير، ولم يبق إلا مصحف عثمان برسمه. ولما وجدت المطابع صار يطبع المصحف عن هذه النسخة بنفس الخط والإملاء.
12. والفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان أن جمع أبي بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شيء بذهاب حَمَلته، لأنه وإن كان مكتوباً في صحف ولكنه لم يكن مجموعاً في موضع واحد ككتاب واحد، فجمعه في صحائف. وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القرآن حين قرأوه بلغاتهم على اتساع اللغات فأدى ذلك بعضهم إلى تخطئة بعض، فخشي من تفاقم الأمر فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد. فالمصحف الذي بين أيدينا هو عينه الذي نزل على رسول الله e, وهو عينه الذي كان مكتوباً في الصحف التي كتبت بين يدي رسول الله e، وهو عينه الذي جمعه أبو يكر حين جمع الصحف في مكان واحد، وهو عينه الذي نسخ عنه عثمان النسخ السبع وأمر أن يحرق ما عداها.
13. وأما النسخة التي أملاها الرسول e عن الوحي وجمعت صحفها وجرى النسخ عنها، فإنها ظلت محفوظة عند حفصة أم المؤمنين إلى أن كان مروان والياً على المدينة فمزقها، إذ لم يعد لها لزوم بعد أن انتشرت نسخ المصاحف في كل مكان. عن ابن شهاب قال أخبرني سالم بن عبد الله بن عمر قال:" كان مروان يرسل إلى حفصة - يعني حين كان أمير المدينة من جهة معاوية - يسألها الصحف التي كتبت منها القرآن فتأبى أن تعطيه، قال سالم فلما توفيت حفصة ورجعنا من دفنها أرسل مروان بالعزيمة إلى عبد الله بن عمر ليرسلن إليه تلك الصحف فأرسل بها إليه عبد الله بن عمر فأمر بها مروان فشققت، وقال إنما فعلت هذا لأني خشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذه الصحف مرتاب".
14. وعليه, فالصحف لم تضع وقت وجود النبي e, وحفظة القرآن أكثر من أن يموتوا في إحدى الغزوات, وهذا كتاب الله محفوظ بحفظه, ومكلوء بعنايته.
15. أرجو منك توثيق افتراءاتك, وإلا فأنت مجرَّد مدَّعٍ مرتاب, وخسر هنا المبطلون. : ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.

قولك:
فهناك الكثير من التحريف في القرآن, والمواضيع كثيرة, والأمثلة عديدة: اختلاف المصاحف عند أهل السنة بين بعضها البعض, ومن بلد لآخر. تحريف القرآن من الكتب الإسلامية!
الجواب:
1. بعد ذكر ما ذكرنا من جمع القرآن, فإنَّه ينسف ادعاءات وافتراءاتك هذه.
2. لقد بدت نواجذي من قولك: (اختلاف المصاحف عند أهل السنة بين بعضها البعض, ومن بلد لآخر)؛ ذلك أنَّك لو عندك أدنى معرفة في علوم القرآن وخصوصًا القراءات, لما أتعبت نفسك بهذه الأباطيل التي تنبئنا عن مدى جهلك اللعين في علوم القرآن.
3. هذه مسألة منفصلة عن عصمة النبي محمد e, واعتراضاتك هي أوهى من أن تكون شبهة..

[/justify]


حسبي الله ونعم الوكيل, والسبب:

حُرّر بواسطة شرطي 22 : منذ 6 ساعة في الساعة 04:12pm. السبب: خروج عن موضوع المناظره

سبحان الله, لما حررت نزل المخروق ردَّه, وكأنَّه لم يرَ رسالتي إلا بعد أن حررت...حسبي الله ونعم الوكيل.