الداعي
مواطن بدأ نشاطه
تاريخ التسجيل بالموقع: December, 2008
المداخلات: 89





زميلي الخارق, كما تروم, سنسبر غور العصمة المسيحية, ونتناول دقائقها, ونحلُّ وشائجها, ونستلُّ أطرافها. ونزولاً عند رغبتك_ أيها الزميل _سنعرض للعصمة المسيحية شيئًا فشيئًا, وخطوةً خطوةً, نبحث خلالها كلَّ نقطةٍ على حدة, بحثًا رصينا رصيفا, نزيهًا شريفًا, لا نروم منه غير إقامة الحقِّ, لنا أو علينا. ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾, (يونس: 35).
وطبائع الأمور تقتضي أن نبدأ بمناقشة دليل العصمة من حيث نوعه, أي سنعرض في هذه المداخلة نقطةً من النقاط الفاصلة في هذا المضمار, ألا وهي: (دليل العصمة).
لمَّا كان من السهل الادعاء, كان لا بدَّ من إقامة البرهان, على صدق اللسان. وهذا منهجٌ رصيف في البحث, لا ينكره إلا ذوو البدع والهرطقات والأهواء؛ ذلك أنَّهم في غيِّهم سادرون, وللحقِّ مجانبون, فأنَّى لهم أن يثبتوا ما به يلجون؟! وأنَّى لهم أن يوافقوا على ما هم منه يهربون, ألا وهو: إقامة الدليل على صدقهم فيما يزعمون. وصدق الله I إذ بقول: ﴿وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾, (القصص: 75).
الزميل المناظر:
العصمة, عصمة الأنبياء أمر ذو عروة وثقى؛ لأنَّ الثقة بالدين متوقفة عليها؛ ذلك أنَّه إن وجد احتمال أن يفتري النبي على ربِّه, فإنَّ هذا الاحتمال يوجد حيث يوجد التبليغ, وبهذا تسقط شريعة الأنبياء كافَّة, فلا بدَّ من العصمة, إذن.
والعصمة التي نرومها هي عصمة التبليغ, ولمَّا كانت الثقة محجوبةً عن التبليغ حتى تثبت العصمة, كان من سفه العقول أن تثبت عصمة نبيٍّ من نصٍّ قد حجبت عنه الثقة حتى تثبت عصمة مَنْ أتى به. ولتوضيح ما أومأنا إليه نقول: بطرس من أنبيائكم الذين تؤمنون بهم, وله رسالتان تمثلان جزءًا من العهد الجديد, وهما: رسالة بطرس الأولى, ورسالة بطرس الثانية. هاتان الرسالتان تمثلان التبليغ الذي نطالب بعصمة بطرس فيه, وعليه, فالثقة محجوبة عن رسالتي بطرس حتى تثبت عصمته, ولا تثبت عصمة بطرس بناءً على نصٍّ لا نثق فيه ما لم تثبت عصمة من أتى به. أي, لا نقول: عصمة الوحي متحققة في رسالتي بطرس, أي بطرس كتبهما بناءً على الوحي, ودليل ذلك هذا النص: ¥لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ¤, (P21P). وبما أنَّ بطرس نبي, فقد كتب رسالتيه, مسوقًا من الروح القدس.
لا نقول هذا؛ لأنَّ هذا النص_ أي (P21P) _محجوبة عنه الثقة مالم تثبت عصمة بطرس؛ فما يدرينا: لعلَّ بطرس كذب على الله في هذا النص حتى تصدقه الناس, ولعلَّ هذا النص من وحي الشيطان, ولعلَّ هذا النص خطأ, ولعلَّ ثمَّةَ أمورًا أخر.
فإن قلتم: كيف يكذب بطرس على الله في التبليغ؟ نقول لكم: فهل بطرس معصوم؟ فإن قلتم: لا, ليس معصومًا, قلنا لكم: إذن هناك احتمال أن يكذب على الله؛ لأنَّه ليس بمعصوم. وإن قلتم: نعم, هو معصوم, نقول لكم: أين دليل عصمته؟ فإن قلتم لنا: يقول بطرس إنَّ أناس الله القديسين يتكلمون وهم مسوقون من الروح القدس, نقول لكم: هذا لا يصلح دليلاً على عصمة بطرس في الوحي؛ لأنَّه نصٌّ محجوبة عنه الثقة حتى تثبت عصمة بطرس, وبطرس لا تثبت عصمته بنصٍّ لا يصلح للاستدلال حتى تثبت عصمة من أتى به. فإن قلتم لنا: فما هو دليل العصمة إذن؟ نقول لكم: دليل العصمة لا يكون إلا عقليًّا, أي يجب أن يثبت العقل عصمة بطرس؛ حتى تعتبر رسالتاه من الوحي, أي هما ثقة, أي ما جاء فيهما هو من عند الله.
ومثال آخر للتوضيح: يقول المسلمون: رسول الله محمد e معصوم في التبليغ. فإن قالوا دليل عصمته هو قول الله Y: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾, (النجم: 4). نقول لهم: قولكم لا قيمة له؛ لأنَّ هذه الآية لا تصلح للاستدلال حتى تثبت عصمة من أتى بها. إذن, على المسلمين أن يثبتوا عصمة نبيِّهم عقلاً, وليس نقلاً.
وكذلك المسيحيون, عليهم أن يثبتوا عصمة أنبيائهم عقلاً, وليس نقلاً.
أيها الزميل, أنتظر منك أحد أمرين:
1. أن تثبت أن عصمة النبي تكون بالنقل وليس بالعقل.
2. أن تثبت عقلا عصمة أنبيائك بعد أن تقرَّ أن عصمتهم لا تثبت بالنقل, أي بكلامهم.
هذه هي النقطة الأولى في عصمة الأنبياء المسيحية.




__________________

ثمَّ تكونُ خلافةً على منهاجِ النبوةِ. فتحت القسطنطينية, والآن ننتظر فتح روما: فما موقفك من تحقيق هذه البشرى؟