يقول القرآن: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾، (البقرة: 7).

السؤال: إن كان الله هو من "ختم"_ وهنا يوجد نوع من الإجبار _على قلوبهم وأبصارهم وسمعهم غشاوة، فما ذنبهم؟ أي: لماذا يعذبهم الله؟!

الجواب:

قبل الولوج في الجواب، أحب أن ألفت انتباهك إلى أن الله لم يختم على أبصارهم، بل ختم على قلوبهم وسمعهم، وجعل على أبصارهم غشاوة؛ وهنا حدث لديك خلط؛ فالواو بين قلوبهم وسمعهم هي واو عاطفة، بينما الواو بين سمعهم وأبصارهم استئنافية، ولو كانت عاطفة لكانت حركة التاء في (غِشَاوَةٌ) تنوين فتح على أساس أنها مفعول به، بينما هي بتنوين الضم على أساس أنها مبتدأ مؤخر. ما يؤيد قولي قوله: ﴿وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً﴾ (الجاثية: 23). فهنا واضح أن الختم مخصوص بالسمع والقلب، بينما خص البصر بالغشاوة.

وعلى كل حال، إليك الجواب:

هذه الآية تتكلم عن صنف من الكفار، يستوي لديهم الإنذار من عدمه في قضية الإيمان؛ ذلك أن ما هم عليه من الباطل أفسد فطرتهم، فقلوبهم منكرة مستكبرة، ران عليها ما كانوا يكسبون، فقلب الواحد فيهم كما قال النبي_ عليه السلام _: «أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ، مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ»، رواه مسلم. حتى إنهم من كبرهم قالوا: ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾، (الأنفال: 32). ولو كانوا نزيهين يرومون الحق لقالوا:" إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا إليه، وحببه إلينا".

وعليه، نتيجة لإصرارهم على الباطل، وبسبب إعراضهم عن آيات الله بعد أن عرفوها، ولجحدهم بها كما قال الله: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾، (النمل: 14). أقول: لما كانت هذه حالهم، وتلك صفاتهم، فقلوبهم لا تعقل، وآذانهم لا تسمع، وأعينهم لا تبصر: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾، كانوا كأنهم خلقوا كذلك، فنسب الختم إلى الله مجازا، ولكنه في حقيقته أشواك الباطل، وصدق الله: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا﴾، (الكهف: 57).
أي: من عاقبة ذنبهم كان الختم وكانت الغشاوة، لذلك يعذبهم الله على ما كسبت أيديهم، فأفسدت جوارحهم: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾، (الحج: 46).