أما تعذيب الصحابة في بداية الدعوة فهذا كان قبل قيام دولة الإسلام في المدينة و قبل نزول آيات الإذن بالقتال ، فهل لك أن تزعم أن رسول الله ترك جهاد الدفع بعد نزول آيات الإذن في القتال و قيام دولة الإسلام ؟

فانظر لحال المسلمين في غزوة الخندق عندما زلزل المؤمنون و بلغت القلوب الحناجر فهل كانت القوة وفقاً للمقاييس البشرية هنا للمشركين أم للمسلمين ؟

و مع هذا و بالرغم من أن المشركين كانوا أكثر قوة و عدداً إلا أن رسول الله استنفر المسلمين لقتالهم .

قال العلّامة ابن القيّم رحمه الله تعالى

(( وجهاد الدفع أصعب من جهاد الطلب فإن جهاد الدفع يشبه باب دفع الصائل ولهذا أبيح للمظلوم أن يدفع عن نفسه
كما قال الله تعالى : أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وقال النبي من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد
لأن دفع الصائل على الدين جهاد وقربة ودفع الصائل على المال والنفس مباح ورخصة فإن قتل فيه فهو شهيد
فقتال الدفع أوسع من قتال الطلب وأعم وجوبا ولهذا يتعين على كل أحد يقوم ويجاهد فيه العبد بإذن سيده وبدون إذنه والولد بدون إذن أبويه والغريم بغير إذن غريمه وهذا كجهاد المسلمين يوم أحد والخندق
ولا يشترط في هذا النوع من الجهاد أن يكون العدو ضعفي المسلمين فما دون فإنهم كانوا يوم أحد والخندق أضعاف المسلمين فكان الجهاد واجبا عليهم لأنه حينئذ جهاد ضرورة ودفع لا جهاد اختيار ولهذا تباح فيه صلاة الخوف بحسب الحال في هذا النوع وهل تباح في جهاد الطلب إذا خاف فوت العدو ولم يخف كرته فيه قولان للعلماء هما روايتان عن الإمام أحمد
ومعلوم أن الجهاد الذي يكون فيه الإنسان طالبا مطلوبا أوجب من هذا الجهاد الذي هو فيه طالب لا مطلوب والنفوس فيه أرغب من الوجهين
وأما جهاد الطلب الخالص فلا يرغب فيه إلا أحد رجلين إما عظيم الإيمان يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله
وإما راغب في المغنم والسبي

فجهاد الدفع يقصده كل أحد ولا يرغب عنه إلا الجبان المذموم شرعا وعقلا وجهاد الطلب الخالص لله يقصده سادات المؤمنين وأما الجهاد الذي يكون فيه طالبا مطلوبا فهذا يقصده خيار الناس لإعلاء كلمة الله ودينه ويقصده أوساطهم للدفع ولمحبة الظفر
))

كتاب الفروسية صفحة 187


يتبع إن شاء الله