أخي الكريم رواية الغرانيق التي ذكرها أهل التفسير رواية باطلة مكذوبة لا تصح بوجه من الوجوه فهي باطلة من جهة النقل و باطلة كذلك من جهة العقل و مخالفة لصريح القرآن ، و توجيه تفسير الآية 52 من سورة الحج يكون بما يوافق محكم القرآن و صحيح السنة .

روى الطبري في تفسيره عن ابن عباس و غيره من أهل التفسير معنى قوله تعالى (( تمنّى )) فقال

((حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله:( إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) يقول: إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله:( إِذَا تَمَنَّى ) قال: إذا قال.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله.
))


هذا التفسير يدل على أن النبي صلى الله عليه و أله و سلم كغيره من الأنبياء و الرسل إذا تحدّثوا ألقى الشيطان في حديثهم من الشبه و الوساوس و المعاني الباطلة فيؤخذ بها الذين في قلوبهم مرض من أهل الكفر و يثبّت الله أهل الحق على المعاني التي أرادها سبحانه من الآيات فلا يتأثرون بهذه الوساوس و الشبه و المعاني الباطلة .

قال الإمام الشنقيطي في أضواء البيان

(( أن ما يلقيه الشيطان في قراءة النَّبي: الشكوك والوساوس المانعة من تصديقها وقبولها، كإلقائه عليهم أنهم سحر أو شعر، أو أساطير الأولين، وأنها مفتراة على الله ليست منزلة من عنده.
والدليل على هذا المعنى: أن الله بين أن الحكمة في الإلقاء المذكور امتحان الخلق، لأنه قال: {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [الحج:53] ثم قال {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} [الحج:54] فقوله {وَلِيَعْلَمَ الذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ}. يدل على الشيطان يلقي عليهم، أن الذي يقرأه النَّبي ليس بحق فيصدقه الأشقياء، ويكون ذلك فتنة لهم، ويكذبه المؤمنون الذين أوتوا العلم، ويعلمون أنه الحق لا الكذب كما يزعم لهم الشيطان في إلقائه: فهذا الامتحان لا يناسب شيئاً زاده الشيطان من نفسه في القراءة، والعلم عند الله تعالى.
وعلى هذا القول، فمعنى نسخ ما يلقى الشيطان: إزالته وإبطاله، وعدم تأثيره في المؤمنين الذين أوتوا العلم.
ومعنى يحكم آياته: يتقنها بالإحكام، فيظهر أنها وحي منزل منه بحق، ولا يؤثر في ذلك محاولة الشيطان صد الناس عنها بإلقائه المذكور، وما ذكره هنا من أنه يسلط الشيطان فيلقى في قراءة الرسول والنَّبي، فتنة للناس ليظهر مؤمنهم من كافرهم.
))


الخلاصة أخي الكريم الآية لا تستثني النبي صلى الله عليه و سلم من القاء الشيطان فهو كغيره من الرسل و الأنبياء و قد وضحنا معنى هذا الالقاء آنفاً فتنبه أحسن الله إليك .