تمييز المرأة على الرجل في الشريعة الإسلامية :

ومع هذا كلِّه لا بُدَّ من الاعتراف والتسليم بأن هناك أمورًا تتميَّز فيها المرأة عن الرجل في الشريعة الإسلاميَّة مراعاة لمقتضى حال المرأة، واختلافها عن الرجل، ومن هذه الأمور[1]:

أولاً: إسقاط بعض العبادات عنها :

سوَّى الشرع الحنيف بين المرأة والرجل في كثير من العبادات، فمن ذلك الوضوء والغُسْل والصلاة والصيام، إلاَّ أن تكون في حال حيض أو نفاس، عندها تتميَّز المرأة عن الرجل بنعمة إسقاط بعض العبادات، ولهذا الإسقاط صور كثيرة منها:
1- إسقاط الصلاة: قال الإمام النووي: "أجمع المسلمون على أن الحائض والنفساء لا تجب عليها الصلاة ولا الصوم في الحال"[2].
2- إلزامها بقضاء الصوم دون صلاة بعد زوال الحيض أو النفاس: قال ابن المنذر: "أجمع أهل العلم على أن عليها الصوم بعد الطهر، ونفى الجميع عنها الصلاة".
3 - إسقاط طواف الوداع عن الحائض: ومن صور تمييز المرأة في الشريعة الإسلاميَّة أن الله سبحانه قد أسقط عنها طواف الوداع إذا حاضت، دون أن يفرض عليها أي فدية؛ قال الإمام الخرقي: "والمرأة إذا حاضت قبل أن تودع خرجت ولا وداع عليها، ولا فدية... وهذا قول عامة فقهاء الأمصار"[3].

ثانيا: الأمر بالقرار في البيوت :

: "وقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ولا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وأَقِمْنَ الصَّلاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وأَطِعْنَ اللَّهَ ورَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا[4]". فقد ميَّز الإسلام المرأة المسلمة عن غيرها من نساء العالمين، بأن اعتبرها جوهرة ثمينة يجب الحفاظ عليها؛ لبِنَاء خلايا المجتمع القادر على مواجهة مصاعب الدنيا وفِتَنِهَا؛ قال سيد قطب: "وليس معنى هذا ملازمة البيوت، فلا يبرحنها إطلاقًا، إنما هي إيماءة لطيفة إلى أن يكون البيت هو الأصل في حياتهن، وهو المقرُّ، وما عداه استثناء طارئًا لا يثقلن فيه، ولا يستقررن إنما هي الحاجة تُقْضَى بقدرها، والبيت هو مثابة المرأة التي تجد فيها نفسها على حقيقتها كما أرادها الله تعالى، غير مشوَّهة، ولا منحرفة، ولا ملوثة، ولا مكدورة في غير وظيفتها التي هيأها الله لها بالفطرة".

ثالثا: ضمان النفقة للمرأة :

كذلك ضمن الإسلام نفقة المرأة على زوجها إن كانت متزوجة، وإلا فنفقتها على أصولها، وَفق التفصيل الذي أورده الفقهاء في كتبهم؛ : "والْوالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَولادَهُنَّ حَولَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وعَلَى الْمَولُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وكِسْوتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وسْعَهَا لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِولَدِهَا ولا مَولُودٌ لَهُ بِولَدِهِ وعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وتَشَاورٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَولادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ واتَّقُوا اللَّهَ واعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ[5]".

هذا، وإذا كان الإسلام قد قرَّر المساواة بين الرجل والمرأة في كل شيء، فإنه لم يستثنِ من ذلك - كما يقول الدكتور أحمد شلبي - إلاَّ ما دعت الحاجة الواضحة إلى استثنائه، وذلك كالميراث؛ إذ قرَّر أن للذكر مثل حظِّ الأُنْثَيَيْنِ؛ وذلك لأنَّ المرأة معفاة من التكاليف الماليَّة قبل الزواج وبعده، فقبل الزواج يلتزم أبوها بالإنفاق عليها، وبعد الزواج يصير الإنفاق عليها وعلى أولادها مسئوليَّة الزوج، حتى ليرى بعض الباحثين أنَّ المرأة أوفر حظًّا في الميراث من الرجل، فلأن تأخذ المرأة خمسة وتدَّخرها، خير من يأخذ الرجل عَشَرة لينفق منها أو ينفقها كلها[6].

-----------------------------------------
[1] انظر الرابط:
http://www.lahaonline.com/index-coun...ew§ionid=2#top
[2] النووي: شرح النووي على مسلم 4/ 26.
[3]الخرقي: مختصر الخرقي ص61.
[4] (الأحزاب: 33).
[5] (البقرة: 233).
[6] أحمد شلبي: مقارنة الأديان 3/ 213 .




المرأة بين الإسلام والغرب :

وبعدُ، فهذه الموضوعات التي يتشدَّق بها أعداء الإسلام عن المرأة لم تَعُدْ تحتاج إلى دراسة وتعمُّق، وجدير بالغربيين الذين أطلقوا ألسنتهم وأقلامهم للنيل من الإسلام والمسلمين عن طريق المرأة المسلمة أن يتَّجهوا بعنايتهم إلى مشكلة المرأة الغربيَّة التي تمرُّ بمأساة قاسية تهدِّد كيانها وكيان الأسرة الغربيَّة، وتهدِّد مستقبل الجيل الجديد.
وسنُدْرِك حقيقة ما يدعون إليه عند الاطِّلاع على ما يحدث للمرأة في الغرب منذ عهد ليس بالبعيد وإلى الآن، فقد عُقِدَ في فرنسا اجتماع سنة (586م) يبحث شأن المرأة وما إذا كانت تُعَدُّ إنسانًا أو لا تُعَدُّ إنسانًا، وبعد النقاش قرَّر المجتمعون أنَّ المرأة إنسان، ولكنها مخلوقة لخدمة الرجل. وهكذا أثبت الفرنسيون في هذا التاريخ فقط إنسانيَّة المرأة، تلك الإنسانيَّة التي كانت مشكوكًا فيها من قبلُ، وحتى عندما أثبتوها لم يُثْبِتُوها كاملة، وإنما جعلوا المرأة تابعًا وخادمًا للرجل، ومن أجل هذا مرَّ الزمن حتى عصرنا الحديث والمرأة الفرنسيَّة محرومة من أبسط الحقوق التي منحتها المرأة المسلمة منذ مئات السنين، فقد صدر قانون في فبراير سنة 1938م يلغي القوانين التي كانت تمنع المرأة الفرنسية من بعض التصرفات المالية، ويجيز لها لأول مرة في تاريخها بدون إذن القاضي أن تفتح حسابا جاريا باسمها في البنك، وأن توقع بالتالي على شيكات الصرف، وأن تمضي العقود المالية، وتستولي على الإرث. وينقل الدكتور علي عبد الواحد في هذا الشأن نص المادة السابعة عشرة بعد المائتين من القانون الفرنسي وهو كالآتي: "المرأة المتزوجة حتى لو كان زواجها قائما على أساس الفصل بين ملكيتها وملكية زوجها، لا يجوز لها أن تهب ولا أن تنقل ملكيتها ولا أن ترهن ولا أن تملك بعوض أو بغير عوض بدون اشتراك زوجها في العقد أو موافقته عليه موافقة كتابية"، ويعلق الدكتور عبد الواحد على هذه المادة بقوله: ومع ما أدخل على هذه المادة من قيود وتعديلات فيها بعد فإن كثيرا من آثارها لا يزال ملازما لوضع المرأة الفرنسية من الناحية القانونية إلى الوقت الحاضر[1]. وفي إنجلترا حرم هنري الثامن على المرأة الإنجليزية قراءة الكتاب المقدس، وظلت النساء حتى سنة 1850م غير معدودات من المواطنين، وظللن حتى سنة 1882م ليس لهن حقوق شخصية ، فلا حق لهن في التملك الخالص ، وإنما كانت المرأة ذائبة في أبيها أو زوجها[2].
بل إن القانون الإنجليزي حتى عام 1805م كان يبيح للرجل أن يبيع زوجته، وقد حدد ثمن الزوجة بستة بنسات، وقد حدث أن باع إنجليزي زوجته عام 1931م بخمسمائة جنيه، وقال محاميه في الدفاع عنه: "إن القانون الإنجليزي عام 1801م يحدد ثمن الزوجة بستة بنسات بشرط أن يتم البيع بموافقة الزوجة"، فأجابت المحكمة بأن هذا القانون قد ألغي عام 1805م بقانون يمنع بيع الزوجات أو التنازل عنهن، ومن ثم حكمت على بائع زوجته بالسجن عشرة أشهر[3].
أما المرأة المعاصرة في أوروبا وأمريكا وغيرها من البلدان الغربية فهي مخلوق مبتذل مستهلك في الأغراض التجارية؛ إذ هي جزء من الحملات الإعلانية الدعائية, بل وصل بها الحال إلى أن تجرد ملابسها لتعرض عليها السلع في واجهات الحملات التجارية، وأبيح جسدها وعرضها بموجب أنظمة قررها الرجال لتكون مجرد متعة لهم في كل مكان، وهي محل العناية ما دامت قادرة على العطاء والبذل من يدها أو فكرها أو جسدها, فإذا كبرت وفقدت مقومات العطاء تخلى عنها المجتمع بأفراده ومؤسساته, وعاشت وحيدة في بيتها أو في المصحات النفسية[4].

هذا وإن أقوال الكاتبات والكتاب الأمريكيين والغربيين لتفضح وضع ومكانة المرأة عندهم، وتظهر الحقائق جلية واضحة؛ فتقول – مثلاً - الكاتبة الفرنسية فرانس كيري: "إن المرأة الغربية تفقد حق المساواة المهنية، وحق الكرامة الزوجية أو المنزلية"، ثم تمضي الكاتبة فتتحدث عن مأساة المرأة الغربية في فقدها لحق الكرامة الزوجية أو المنزلية على حد تعبيرها فتقول: "لماذا يفشل الكثير من الأزواج والزوجات ويكفون سريعا عن التحاب؟ ذلك لأن علاقتهم تقتصر على علاقة ما بين المسيطِر والمسيطَر عليه، فالرجل يأمر والمرأة تطيع، لكن ما من شيء هو أكثر تقويضًا من سلطة مجمدة... إننا غالبًا ما نشاهد هذا المخلوق الحر (المرأة) يتحول إلى عبد، وهذه الوظيفة تتحول إلى عبودية، وهذه التلقائية تتحول إلى يأس وقنوط.."[5].
وإن علماء النفس والاجتماع الغربيين المنصفين ليعانون من مرحلة اليأس ويكررون أن المجتمع قد تحطم، وقد كتب أحد الأطباء في أمريكا قائلاً: "هناك وباء ينتشر في بلادنا، وهو من النوع البشع الذي لا يمكن التغاضي عنه، وعلينا أن نضع حدًا له، وهو مرض من النوع الذي لا يوجب على أي بلد متحضر أن يكون عرضة له؛ ففي كل 12 ثانية هناك امرأة في الولايات المتحدة تتعرض لمثل هذا الوباء، أي كل 12 ثانية هناك امرأة تتعرض للضرب، وهذا يحدث من شخص تعرفه كالزوج أو الرفيق أو القريب، وفي كل يوم نشهد نتائج الحوادث الناجمة عن هذا الضرب في المكاتب وغرف الإسعافات والعيادات، وغالبًا ما نكون نحن الأطباء شهود العيان الوحيدين من خارج العائلة الذين يشهدون من دون غيرهم هذا الدليل الجرمي على هذه الإساءات، وغالبًا ما نعالج أعراض المرض ولا نتدخل عمليًا في منع الأسباب الموجبة له... لقد آن وقت التدخل لنجعل أصواتنا مسموعة... إن الأرقام التي نحن بصددها ليست ثابتة، ويقدر عدد النساء اللواتي يتعرضن للضرب في بيوتهن في الولايات المتحدة بستة ملايين، وأن ما يقرب من ثلث النساء اللواتي يفدن إلى قسم الإسعاف إنما يفعلن ذلك لأنهن تعرضن للضرب، وهناك ما لا يقل عن 30 % من ضحايا جرائم قتل النساء تتم عن طريق أزواجهن أو أصحابهن، وهناك واحدة من كل خمس نساء من اللواتي يقدمن على الانتحار إنما تقوم بذلك مدفوعة بنتائج الضرب المبرح... وفي ولاية ماساشوسيتس هناك امرأة تتعرض للقتل كل 18 يومًا من قبل شريك عمرها، وأصبح الرقم 911 الخاص بالنجدة رقما مشؤومًا بالنسبة لأقسام البوليس".
ويتابع الطبيب الأمريكي قائلاً: "إن هذا في رأينا يدعو إلى التخوف، ومع ذلك ندعو أنفسنا بالمتمدنين وأننا مجتمع متمدن! ونلفت الأنظار في الدول الأخرى كي يأخذوا حذرهم، ويحافظوا على الحقوق المدنية لمواطنيهم!"[6].
وهذا غيض من فيض مما فصح من التعبير عن وضع المرأة المعاصرة في الحضارة الغربية الحديثة؛ مما جعل الغرب يحسدنا على أسرتنا العربية الإسلامية التي ننعم بدفئها، والتي يحلم الغربيون بها، فليس بعد إلا ألا نبالي بترهاتهم، وأن نحافظ على هذه الأسرة التي مركزها المرأة؛ فنسبغ عليها الفضيلة والأخلاق، ونرجع بها حيث أراد الإسلام ورسوله.
------------------------------------------------
[1] حقوق الإنسان في الإسلام ص 60.
[2] أحمد شلبي: مقارنة الأديان 3, ص 210 - 213 .
[3] محمد أحمد إسماعيل المقدم: المرأة بين تكريم الإسلام وإهانة الجاهلية، ص 54، 55.
[4]محمد بن عبد الله بن صالح السحيم: الإسلام أصوله ومبادؤه، ص 40، 41.
[5] نقلاً عن: عبد اللطيف ياسين قصاب: المرأة عبر التاريخ، ص 191، 192.
[6] عن المصدر السابق، ص 193، 194.



نقلا عن موقع قصة الإسلام بتصرف يسير