بسم الله الرحمن الرحيم ..
شكرا لك صديقي العزيز صقر قريش أجبت فما تركت لي سؤال هنا
هل لى ان اسالك عن معجزات اخرى حسية وليس القرأن فان لى فيه حديث اخر
بداية أحمد الله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه لكوني استطعت ان أوصل لك مبتغاي ، وأشكرك جزيل الشكر على اسلوبك الراقي في الحوار .

لي عودة بحول الله لسؤالك حول المعجزات الحسية ولكن حتى أغلق مناظرتي السابقة ولا أجعل فيها أي مجال لسؤال أخر حولها دعني أضيف لها هذه الاضافة البسيطة ومن ثم أعود الى حوارك الذي زادني شغفا بالبحث والتدقيق في كل كلمة انطق بها وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه أنيب .

اعترض الزميل المنصور بالله على المعجزات الحسية بقوله ( هل أصدقك ام أصدق القران ) وكان يقصد ان القران قد منع وجود معجزات حسية للنبي صلى الله عليه وسلم واستدل بالايات الاسراء ( 59 ) التي تقول: {وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون}، وكذلك بالآية 90 إلى 93 من سورة الإسراء والتي جاء فيها: {وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً * أو تكون لك جنة من نخيل و عنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً * أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً أو تأتي بالله و الملائكة قبيلاً * أو ترقى في السماء و لن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً}.

فقدمنا شرح الطبري للأيات ولمزيدا من الايضاح نقول :

أن هؤلاء المشركين لم يكن يقترحون ويسألون عن تلك المعجزات اِسْتِرْشَادًا وطلباً للحق وإنما كانوا يَطْلُبُونَ ويقترحون ذَلِكَ كُفْرًا وَعِنَادًا فعند طلب أمثال هذه المعجزات مع الإعراض عن المعجزة الحقيقية لنبينا صلى الله عليه وسلم والمعجزات الأخرى، عند ذلك لم يستجيب الله عز وجل لطلب المشركين، إذ أن طلبهم ليس لعدم قيام الحجة الكافية بل هو نوع من التعنت و التعجيز، و قد كانوا كلما رأوا معجزة يقولون سحر مستمر أو ساحر مبين كما ذكرنا سالفاً… وقد قال الله سبحانه وتعالى عنهم: {ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون} فحتى لو نزلت هذه الآيات فلسوف يعيدون ذلك القول.

فالحاصل: أن عدم إجابة المشركين على تعنتهم لا تعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأت بآيات، فإن هذا يرده التأمل في معجزة القرآن وما نقل من معجزاته صلى الله عليه وسلم المبثوثة في كتب الحديث ودلائل النبوة.

يقول أهل التفسير في قوله تعالى: { وَمَا مَنَعَنَا أن نُرْسِل بِالآيات إلا أن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ } أي وَمَا مَنَعَنَا أن نُرْسِل بالآيات الَّتِي اقْتَرَحَهَا أَهْل مَكَّة إلا أن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ لَمَّا أَرْسَلْنَاهَا فَأَهْلَكْنَاهُمْ وَلَوْ أَرْسَلْنَاهَا إلى هؤلاء لَكَذَّبُوا بِهَا وَاسْتَحَقُّوا الإهلاك وَقَدْ حَكَمْنَا بِإِمْهَالِهِمْ لإتمام أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، روى الطبري عن الحسن فِي قَوْل اللَّه تَعَالى:{وَمَا مَنَعَنَا أن نُرْسِل بِالآيات إلا أن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ} قَالَ: رَحْمَة لَكُمْ أَيَّتهَا الأمة، أنا لَوْ أَرْسَلْنَا بالآيات فَكَذَّبْتُمْ بِهَا، أَصَابَكُمْ مَا أَصَابَ مَنْ قَبْلكُمْ. وجاء في تفسير القرطبي: وَمَا مَنَعَنَا أن نُرْسِل بالآيات الَّتِي اِقْتَرَحُوهَا إلا أن يُكَذِّبُوا بِهَا فَيَهْلِكُوا كَمَا فُعِلَ بِمَنْ كَأن قَبْلهمْ. فَأَخَّرَ اللَّه تَعَالى الْعَذَاب عَنْ كُفَّار قُرَيْش لِعِلْمِهِ أن فِيهِمْ مَنْ يُؤْمِن وَفِيهِمْ مَنْ يُولَد مُؤْمِنًا. قال الإمام ابن كثير: وَكَذَلِكَ وَقَعَ فَإن مِنْ هؤلاء مَنْ أَسْلَمَ بَعْد ذَلِكَ وَحَسُنَ إسلامه حَتَّى عَبْد اللَّه بْن أَبِي أُمَيَّة الَّذِي تَبِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُ مَا قَالَ أَسْلَمَ إِسْلَامًا تَامًّا وَأنابَ إلى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.

أن المعجزات التي اقترحها هؤلاء لا تستند إلى أساس البحث عن الحقيقة، وإنما هي (اقتراحية) وتعللية، ولو نفذت طلباتهم لما آمنوا أيضًا.

هذا وأن الالتفات إلى الكلمة التي وردت في أقوال جمع من المفسرين الكبار توضح أن المعجزات على نوعين:

الـنـوع الأول: هي المعجزات الضرورية لإثبات صدق دعوى النبي، وترغيب الناس إلى الإيمان، وتخويف المنكرين، وهي المعجزات المنطقية لناشدي الحق والباحثين عن الحقيقة، بحيث يعبر القرآن في ذيل الآية الأولى منها بقوله: {وما نرسل بالآيات إلا تخويفًا}، (سورة الإسراء: 59).

الـنـوع الـثاني من المعجزات: هي المعجزات التي تسمى بـ(الاقتراحية)، أي المعجزات التي يطالب بها لا لأجل سلوك سبيل الحق واليقين بصدق دعوى النبوة ومن ثم الإيمان واعتناق الإسلام، وإنما بقصد تعجيز الطرف الآخر فأن وجدوا به قدرة على ذلك اتهموه بالسحر
.

والأنبياء كانوا يتجهون صوب القسم الأول ولا يستسلمون إطلاقا لمقترحات المتعللين والمعجزات الاقتراحية. وفي الأناجيل التي مع النصارى نجد أن هناك حالات لم يقدر المسيح عليه السلام أن يعمل فيها معجزات كما في مرقس 6: 5:(ولم يقدر أن يصنع هناك ولا قوة واحدة) ويقول مرقس أيضاً:(فخرج الفريسيون و ابتدأوا يحاورونه طالبين منه آية من السماء لكي يجربوه، فتنهد بروحه، وقال: لماذا يطلب هذا الجيل آية؟ الحق أقول لكم: لن يعطى هذا الجيل آية. ثم تركهم…)(مرقس 8/11-13).

يـشير لحن الآيات 90 ـ 93 من سورة الإسراء بشكل واضح إلى أن هذه المطالب العجيبة والغريبة لمشركي العرب لم يكن منشؤها هو البحث عن الحقيقة، بل الغاية منها هي اختلاق الأعذار والـتـشكيك في نبوة نبي الإسلام وإرساء دعائم الشرك والصنمية، ولذا لم يتمعنوا النظر حتى في مفهوم كلامهم، فمن ضمن مطالبهم مثلاً(الصعود إلى السماء)، ثم ينفون ذلك مباشرة ويقولون: نحن لا نؤمن بذلك حتى تبعث لنا كتابا من قبل اللّه، {أو ترقى في السماء و لن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه } وتـارة يطلبون الأمور المستحيلة كقولهم: {وَقَالُوا لولا أنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أنزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأمرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [ الأنعام: 8 ]

ثم إذا كان الهدف هو التوصل إلى معرفة حقيقة النبي فلم يطلبون ست معجزات مختلفة؟ أليس المورد الواحد منها كافيا؟.

من هنا لم يتسن لأي نبي أن يستسلم لهذا النوع من الأراجيف والأباطيل، فضلا عن أن الإعجاز ليس من شأن النبي واختياره، وإنما هو من شأن اللّه تعالى واختياره


ولي عودة ان شاء الله الى ما بدأناه عزيزي الفاضل سمير واعذرني على الاطالة وشكرا لسعة صدرك ..