تقول الشبهة :

محمد كمدعي للنبوة, كان من الطبيعي أن يطالبه الناس بمعجزة.

أكثر المسلمين يعتقدون أن معجزة محمد كانت القرآن, وكونه أمي .. الخ

لكن بالنظر الى عدة نقاط بالقرآن, نجد ردود مريبة لمن يطابون بمعجزة, نستنتج منها الآتي :
لا معجزة حقيقية لمحمد,

وللرد نقول :




أولاً :

أقمتم حجتكم على زعم باطل بأن مقياس صحة النبوة لأي نبي هو ما معه من معجزات .. وهذا ربط باطل لا يستقيم .. فمنذ متى لزم من عدم الدليل عدمُ المدلول ؟!


فالحق أن المعجزة وإن كانت من عوامل الإلزام للكفار والتأييد للنبي في دعوته ، لكنها لا يصح أن تُضرب معيارا وحيدا أبديا لصدق نبوة هذا النبي ..

وإن كان هذا مقياسا ، فيلزمكم إذاً ألا تؤمنوا بأن يوحنا المعمدان كان نبيّاً .. فلتشمروا عن ساعد الجد ولتدلونا على آية واحدة أو معجزة واحدة ليوحنا المعمدان في كتابكم كله !!

فهو لم يأت بمعجزة واحدة : ( يو-10-41: فجاء إليه كثيرون وهم يقولون: « ما عمل يوحنا آية واحدة ...... » ) ..

ومع ذلك نجد في متى 21 : 26 : « كُلّهُمْ يَعْتَبِرُونَ يُوحَنَّا نَبِيّاً » . !
بل إننا نجد يسوعاً نفسه يقول في حقه إنه : « أفضل من نبي » كما في متى 11 : 9 !
وأفضل الأنبياء هذا لم يأت بمعجزة واحدة !

فبهذا سقط الاستدلال الفاسد ويتبعه سقوط الزعم الباطل ..

ثانياً :

ليس النبي ملزماً بأن يجيب مطالب الكفار إليه .. وذاك أمر بدهي .. وإلا أصبحت النبوة والنبي أمراً مستهزأ به تلوكه ألسنة الناس وتهزأ به ما بلغه في ذلك وسعها ، ألم يطالب بنو إسرائيل نبي الله موسى عليه السلام فقالوا : { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً } ؟!!
أولم يسأل الكفار النبي :salla: وشرطوا عليه فقالوا : { لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا } ؟! أو أن { تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً }؟!
فهل يُتصور مطعنٌ في صحة نبوة النبي أو ما يدعو إليه إن لم تُجب مطالبهم تلك ؟!
منكر من القول وزور ما يقولون !
وهذا يقودنا إلى :

ثالثاً :

فالمستقريء للآيات القرآنية يحصل له يقين العلم بأن ما كان يتشدق به المشركون من مطالب بآيات لم يكن يبيّت إلا سوء نية وخبث طوية لعناد وجحود وكفر وإنكار ..

فمطالبهم كلها كانت على سبيل التعجيز الذي لا يخفي أثرا لسخرية واستهزاء ، فتراهم مرة يشترطون على النبي :salla: أن يفجر لهم من الأرض ينبوعا .. ثم يشترطون أن تكون له جنة من نخيل وعنب فيفجر الأنهار خلالها تفجيرا .. ثم يلوون فيريدون أن يسقط السماء عليهم كسفا أو أن يأتي بالله والملائكة قبيلا .. أو أن يكون له بيت من زخرف أو يرقى في السماء .. وبلغوا الغاية في ذلك فلم يرضوا بمجرد الرقيّ فقالوا { وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ } فما أفجرهم ! فامتنعوا على زعمهم { حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ } .. !!

وذلك إنما يضع أيدينا ويبصرنا بمدى عناد وجحود القوم فمهما أوتوا من الآيات فلن يؤمنوا ، أولم يروا القمر منشقا إلى نصفين ؟! فما زادوا على قولهم : إنه سحر !! ففعلا : { وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } !!
ولا عجب ، فقد بلغ بهم عنادهم واستهزاءهم أن اشترطوا للإيمان أن يُنَزَّل هذا القرآن على رجل آخر غير النبي :salla: بالذات ، فقالوا : { لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } ؟!
فواضح أن الأمر كله استهزاء وسخرية وعبث من جانبهم.

ومن ثانياً وثالثاً نعلم أن الأنبياء لا يظهرون المعجزة إذا طلب المنكرون عنادا أو استهزاء أو حتى امتحانا ، وإلا فأنتم مطالبون وملزمون بما جاء في كتبكم عن يسوعكم !

جاء في إنجيل مرقس الأصحاح الثامن :
((11- وأقبَلَ إليهِ بَعضُ الفَرّيسيّـينَ وأخذوا يُجادِلونَهُ طالِبـينَ مِنهُ آيةً مِنَ السَّماءِ ليُجرِّبوهُ 12 فتَنَهَّدَ مِنْ أعماقِ قَلبِه وقالَ: ((ما لِهذا الجِيلِ يَطلُبُ آيةً؟ الحقَّ أقولُ لكُم: لن يُعطى هذا الجِيلُ آيةً! )) 13وتَركَهُم ورَجَعَ في القارِبِ إلى الشّـاطئِ المُقابِلِ. ))

فها هنا طلب الفريسيون آية من يسوع فلم يجبهم إلى طلبهم ، والغريب أنه حتى لم يذكر لهم آية من آياته السابقة ! ولا وعد بإظهارها فيما بعد حتى ، بما تدل عليه لفظة ( هذا الجيل ) .

وجاء في إنجيل لوقا الأصحاح الثالث والعشرون :
(( 8 فلمَّا رأى هِيرودُسُ يَسوعَ فَرِحَ كثيرًا، لأنَّهُ كانَ يَرغَبُ مِنْ زمانٍ بَعيدٍ أنْ يَراهُ لِكَثرَةِ ما سَمِعَ عَنهُ، ويَرجو أنْ يَشهَدَ آيَةً تَتِمُّ على يدِهِ.9 فسألَهُ مسائِلَ كثيرةً، فما أجابَهُ عَنْ شيءٍ.10 وقامَ رُؤساءُ الكَهنَةِ ومُعَلِّمو الشَّريعةِ يَتَّهِمونَهُ ويُشَدِّدونَ علَيهِ التُّهَم. 11 فأهانَهُ هيرودُسُ وجُنودُهُ. واَستَهزَأَ بِه، فألبَسهُ ثَوبًا برّاقًا ورَدَّه إلى بِيلاطُسَ. 12 وتصَالَحَ هِيرودُسُ وبِيلاطُسُ في ذلِكَ اليومِ، وكانا مِنْ قَبلُ مُتَخاصِمَينِ.))

فالرجل كان فرحا به وكان مقبلا على الإيمان ينتظر منه آية واحدة ليؤمن لكنه لم يجبه إلى طلبه واستعداه !

وأيضا حين سأله الكهنة أن ينزل نفسه من على الصليب فيؤمنوا به ، ولكن لأنه كان يعلم أنه استهزاء منه فقط فلم يجبهم لذلك ! ( متى : 27 : 39 - 40 )

بل إنه وبخ الكتبة والفريسيين وعنفهم وسبهم حين طلبوا منه آية : متى : 12 (( 38 حِينَئِذٍ قَالَ قَوْمٌ مِنَ اَلْكَتَبَةِ وَاَلْفَرِّيسِيِّينَ: "يَا مُعَلِّمُ نُرِيدُ أَنْ نَرَى مِنْكَ آيَةً". 39فَقَالَ لَهُمْ: "جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ اَلنَّبِيِّ. ))

وبغض النظر عن الخطأ في ذلك ، فإن هذا لا يعد آية لأن هؤلاء الكتبة والفريسيين لم يروه يقوم بأعينهم ، فكان لزاما عليه أن يريهم ذلك حتى يصلح أن يقال إنه أجابهم أو إن ذلك كان آية منه !

ولما طلب اليهود معجزة كما في يوحنا : 6 : (( 30فَقَالُوا لَهُ: "فَأَيَّةَ آيَةٍ تَصْنَعُ لِنَرَى وَنُؤْمِنَ بِكَ؟ مَاذَا تَعْمَلُ؟ 31آبَاؤُنَا أَكَلُوا الْمَنَّ فِي الْبَرِّيَّةِ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ أَعْطَاهُمْ خُبْزاً مِنَ السَّمَاءِ لِيَأْكُلُوا" ))

فلم يجبهم إلى ذلك ، وأخذ يتكلم كلاما ليس له رأس من ذيل وأخذ يكرره ، ولم يفهم ذلك منه أحد (يوحنا : 6 : 60) .. بل وصل الأمر إلى أن ارتد منهم كثيرون : (( 66مِنْ هَذَا الْوَقْتِ رَجَعَ كَثِيرُونَ مِنْ تلاَمِيذِهِ إِلَى الْوَرَاءِ وَلَمْ يَعُودُوا يَمْشُونَ مَعَهُ )) !!

رابعاً :

جاء هذا العناد منهم في القرآن مباشرة بعد أن تحداهم القرآن جميعا إنسَهم وجنَّهم بقضهم وقضيضهم أن يجتمعوا جميعا على هذا القرآن فيأتوا بمثله ولو تظاهروا بعضهم على بعض ، فأبى أكثر الناس إلا كفورا من بعد تصريف الله لهم فيه من كل مثل !
فلمن يُنسب العجز إذا ؟!
ألم يكن القرآن من كلام هو عين كلامهم ؟!
ألم تكن مفرداته هو عين مفرداتهم الذين طالما تغنوا بمقدرتهم على حسن صياغتها في ما يأسر الألباب من بديع صناعة شعراً ونثراً ؟! ففيم العجز إذا ولمن أحق أن يُنسب ؟!

خامساً :

المستقريء للقرآن أيضا في إخباره لسنة الله في الأمم السابقة مع أنبيائهم وطلب قوم من النبي لمعجزة أو آية ، فإجابتهم لطلبهم هو نذير لمن يكفر منهم بعد ذلك بأخذهم بغتة وتصبيحهم بكرة بعذاب مستقر أليم ..
فمثلا ، قال قوم صالح له : { مَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } (وهو عين ما قاله الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم) وطالبوه بأن يأتي بآية قائلين : { فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } .. وقد دعا صالح الله عز وجل فاستجاب دعاءه و قال { هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ } وإلا { فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } كما في الأعراف .. أو { فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ } كما في هود .. أو { فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ } كما في الشعراء ..

وحين كذبوه فعقروها فكان جزاءهم :
- { فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ }
- { وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ }
- { فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ } .. على الترتيب .

وحين سأل قوم عيسى نبيهم عليه السلام أن ينزل عليهم مائدة من السماء ، وسأل عيسى ربه فأجاب : { إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ } ..
وفي ذلك مصداق قول الله عز وجل : { وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا }

ففي حالة قريش مع النبي :salla: من كمال رحمة الله بهم !

فلقد خيّر الله نبيّه محمداً :salla: بين أن يظهر على يديه تلك المعجزات التي سألوها إياه ، لكن بشرط أنهم لو كذبوا به بعد ذلك فسيأخذهم العذاب ويعاجلهم به ، وبين أن يمهلهم الله حتى يتوب تائبهم !

رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وابْنُ جَرِيرٍ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَال: سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ النَّبِيَّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَجْعَلَ لَهُم الصَّفَا ذَهَباً، وَأَن ينحِيَ الجِبَالَ عَنْهُم فَيَزْرَعُوا، فَقِيلَ لَه: إِن شِئْتَ أَن نَسْتَأْنِيَ بِهِم، وَإِن شِئْتَ أَن يَأْتِيَهُمُ الّذِي سَأَلُوا، فَإِن كَفَرُوا هَلَكُوا، كَمَا أَهْلَكْتُ مَن كَانَ قَبْلَهُم مِنَ الأُمَم. وَقَالَ: " لا، بَل اسْتَأْنِ بِهِم " وَأَنزَلَ الله تَعَالَى: { وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ } الآية


قال ابن كثير رحمه الله : (( أي: نبعث الآيات، ونأتي بها على ما سأل قومك منك؛ فإنه سهل علينا، يسير لدينا، إلا أنه قد كذب بها الأولون بعد ما سألوها، وجرت سنتنا فيهم وفي أمثالهم أنهم لا يؤخرون إن كذبوا بها بعد نزولها ))
فكان ذلك من تمام رحمة الله بهم وحب النبي صلى الله عليه وسلم لهدايتهم وإن كانوا لجهلهم لا يعبأون لها !

ألم يقولوا هم : { اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } ؟!
فحفظ الله تعالى لنبيه رجاءه ودعوته : { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }
فهل كان هذا عجزا منه - حاشاه ؟! كلا :
{ وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }
ولكنها رحمة الله بهم أدركتهم .. وواسع علمه فيهم ، علم أن منهم من سيموت مكذبا كافرا حتى ولو أتته كل آية ، وعلم أن منهم من سيتوب بعد حين ، وما إسلام أئمة الكفر بعدئذ والتحاقهم بركب الإيمان إلا خير شاهد على ذلك !

يُتبع مع سادساً إن شاء الله ..