3 ـ من أهم أسباب ظهور الجماعات الوظيفية حاجة أعضاء النخبة الحاكمة إلى جماعة بشرية ليست لها قاعدة من القوة (بسبب عزلتها عن الجماهير) يمكن استخدامها (لتنفيذ مخططاتها ولخدمة مصالحها) دون أن يكون لهذه الجماعة المقدرة على المشاركة في السلطة بسبب افتقادها القاعدة الجماهيرية، وهي لهذا السبب ستلتصق تماماً بالنخبة الحاكمة وستقوم على خدمتها بولاء أعمى، إذ أن بقاءها الجسدي نفسه منوط بمدى رضا النخبة الحاكمة. وعادةً ما تكون قوات الحرس الملكي (وأحياناً كل من يعمل داخل البلاط الملكي) من المتعاقدين الغرباء. بل يُلاحَظ أن النخبة الحاكمة قد تَستجلب جماعة وظيفية لضرب طبقة صاعدة. ففي بولندا، لاحظت النخبة الحاكمة الإقطاعية أن ظهور بورجوازية محلية قد يهدد سلطتها وقد يُسرِّب كثيراً من فائض القيمة (التي تود أن تحتكره لنفسها) إلى أعضاء هذه الطبقة الجديدة المنافسة، فاستجلبت الطبقة الإقطاعية (شلاختا) عدداً من التجار الألمان (من بينهم اليهود) ووطنتهم في مدن خاصة بهم (الشتتل) وقامت بحمايتهم بالقوة العسكرية البولندية. وقامت هذه الجماعة الوظيفية الجديدة بتنشيط التجارة في إطار خطة النخبة والخاصة بضرب العناصر التجارية المحلية ومنعها من مشاركتها السلطة.

4 ـ ومن الأسباب الأخرى المؤدية إلى ظهور الجماعة الوظيفية وصول المهاجرين. فالمهاجرون لا يمكنهم الانخراط في كل الحرف والنشاطات الاقتصادية، ولذا فإن علىهم اختيار حرف أخرى. وعلى أية حال، فإن هذا أمر حتمي فحينما يصل المهاجرون أو الوافدون إلى مجتمع ما فإنهم عادةً ما يصلون بعد أن يكون هرمه الاجتماعي قد تَشكَّل وتم شغل الأرض الزراعية (ملكيةً وعمالة)، وبعد أن تكون القطاعات الأولية قد امتلأت، بعد أن يكون جزء كبير من رأس المال قد استُثمر في تشييد البنية التحتية. ولذا، يقوم المهاجرون بالبحث إما عن وظائف قديمة لكنها هامشية أو عن وظائف جديدة تتطلب قدراً من الجسارة ونوعاً من الخبرة التي لا تتوافر لأعضاء المجتمع، وهى عادةً وظائف تُوجَد في قمة الهرم الإنتاجي ولا علاقة لها بالأرض أو الصناعات الثقيلة أو بالمؤسسات الأساسية المستقرة في المجتمع. ويحاول المهاجرون ارتياد آفاق جديدة مجهولة يحجم عن ارتيادها أعضاء المجتمع المضيف المستقرون، كما يحاولون استغلال الإمكانات التي لم تُستغَل بعد، ويحاولون كذلك توسيع الثغرات الموجودة بالفعل حتى تتاح لهم فرص جديدة للعمل ووظائف لهم بها خبرة (ومن ثم يمكنهم احتكارها). ومن العناصر التي تساهم في تحويل بعض المهاجرين إلى جماعة وظيفية ميراثهم الاقتصادي والوظيفي في وطنهم الأصلي.