المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الداعي
الزملاء الأفاضل, تحية طيبة, وبعد:
تفنيد أدلة القائلين بحجية إجماع غير الصحابة:
أولا_الآيات القرآنية:
1. ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾, (النساء: 115).
ü وجه الاستدلال:" إن الله _ سبحانه _ جمع بين مشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين في الوعيد، فلو كان اتباع غير سبيل المؤمنين مباحا لما جمع بينه وبين المحظور؛ فثبت أن متابعة غير سبيل المؤمنين عبارة عن متابعة قول أو فتوى يخالف قولهم أو فتواهم، وإذا كانت تلك محظورة وجب أن تكون متابعة قولهم وفتواهم واجبة بدون شرط اتفاق الجميع, فمن باب أولى تكون متابعة ما اتفقوا عليه واجبة, فثبت أن الإجماع حجة. وتعتبر هذه الآية أوضح الآيات وأقواها دلالة على حجية الإجماع، فقد روي أن الإمام الشافعي_ رحمه الله _عندما سئل عن آية في كتاب الله تدل على أن الإجماع حجة لزم داره ثلاثة أيام مفكرا, وقرأ القرآن عدة مرات حتى وجد هذه الآية، ومع ذلك فقد قرر كثير من الأعلام أن الآية ليست نصا في الدلالة على حجية الإجماع". المصدر: رشيد عليان: (الإجماع في الشريعة الإسلامية)؛ ص: 69.
ü دحض الاستدلال:
- الآية ظنية من حيث دلالتها, فهي محتملة لمعان تقرها اللغة والقواعد الشرعية, والقاعدة الأصولية: (عند الاحتمال يسقط الاستدلال), فكونك ترجح رأيًا لا يعني أنَّه مقطوع بصحته, بل هو محتمل للخطأ, ومثل هذا لا يثبت به أصل للفقه؛ لأنَّه كأصل الدين.
- إنَّ الهدى في الآية يعني الدليل على وحدانية الله ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يعني الحكم الشرعي، لأن الهدى في الأصول ويقابله الضلال، أمّا الفروع فيعتبر عدم اتباعها فسقاً فلا يطلق عليه الهدى، وأمّا سبيل المؤمنين الذي يجب عليهم اتباعه فهو ما صاروا به مؤمنين -وهو التوحيد-، ولا يوجب اتباعهم في المباح، ولا يوجب تحريم كل ما غاير سبيلهم، بل يصدق ذلك بصورة واحدة وهي الكفر ونحوه مما لا خلاف فيه من الأصول.
- سبب النزول: من المعلوم أنَّ سبب النزول يعين على تعيين المعنى المرام من النص, وقد نزلت في طعمة بن الأبيرق لمَّا ارتدَّ كافرًا وهرب إلى مكة خوفًا من قطع يده بعدما قامت البينة على سرقته. فالآية نصٌّ في الكفر, وسبيل غير المؤمنين ههنا هو الكفر.
- ولمَّا علمنا السبب علمنا موضوعه, وهو الارتداد. فالسبب وإن كان يعم كل ما انطبق عليه هذا الموضوع، فالآية خاصة في موضوع الارتداد فلا تعم كل سبيل للمؤمنين.
- الآية تحرِّم اتباع غير سبيل المؤمنين, ولا توجب اتباع سبيل المؤمنين؛ لأنَّ القاعدة الأصولية تقول: (الأمر بالشيء ليس نهيا عن ضده, والنهي عن الشيء ليس أمرًا بضده؛ لأن دلالة الأمر والنهي دلالة لغوية وليست دلالة عقلية ولا منطقية), أي: النهي عن اتباع سبيل غير المؤمنين لا يعني الأمر باتباع سبيل المؤمنين, وعليه, يلزم نصٌّ يفرض اتباع سبيل المؤمنين غير النص الذي يحرم اتباع سبيل غير المؤمنين.
- جملة: ﴿وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ﴾, هي معطوفة على سبيل التوكيد والتشنيع, قال أبو حيان الأندلسي:" وهذه الجملة المعطوفة هي على سبيل التوكيد والتشنيع، والا فمن يشاقق الرسول هو متبع غير سبيل المؤمنين ضرورة، ولكنه بدأ بالأعظم في الإثم، وأتبع بلازمه توكيدا". أي هي ليست مغايرة لمشاققة الرسول, بل هي لازمة لها, وعدم مشاققة الرسول هو سبيل المؤمنين, ولا يلزم منه حجية الإجماع.
- قال أبو حيان:" وسبيل المؤمنين: هو الدين الحنيفي الذي هم عليه". وعليه, سبيل المؤمنين ثابت بالقرآن والسنة, وليس هو منبثقًا عن غيرهما؛ فهنا لا يقال: إجماع الأمة حجة؛ لأنَّ إجماعهم لا يكشف عن دليل, بل هو مستند لدليل, ولما كان ذلك كذلك, لم يكن إجماعهم حجة.
- وهنا يجب التنبيه لأمر: الإجماع المعتبر هو الذي يكشف عن دليل, وليس هو الذي يستند على دليل. وهذا الدليل لا يكون إلا من السنة, وليس من القرآن. والسنة هي ما ورد عن الرسول من قول أو فعل أو صفة, ومن عاش السُّنة هم الصحابة, وليس من بعدهم؛ فهم من سمع وشاهد؛ لذلك قد يقوموا بأمر اشتهر دليله ولم يرووه لنا لاشتهاره بينهم, فهم رووا حكمًا شرعيًا؛ لذلك اعتبر إجماعهم حجة؛ لأنَّه استند على دليل لم يصلنا.
- أمَّا الأمَّة من دون الصحابة فإنَّ إجماعهم يكون قد استند على القرآن أو السنة أو إجماع الصحابة؛ فإن كان الدليل المستند عليه قطعيًّا, فلا بدَّ أنَّه قد علمنا به, والدليل ليس هو إجماع الأمة, بل هو الدليل الذي استندت عليه الأمة بإجماعها. وإن كان ظنيًّا فلا بدَّ أنَّه مختلف فيه, ومثل هذا لا يحصل به إجماع؛ فإن كان الصحابة قد اختلفوا في الاستنباط من الدليل الظني وهم من هم, فمن باب أولى أن يختلف من دونهم.
المفضلات