إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف - ص 428

القسم الثاني : تحريف القرآن الصريح عند أهل السنة


الكلام هنا عن التحريف الصريح ويشتمل على عدة أنواع أولها دعوى تحريف سور القرآن بزيادة ونقصان سور كاملة عن المصحف ، ثانيها دعوى تحريف آيات القرآن بزيادة ونقصان بعض الآيات المزعومة عن المصحف ، ثالثها التلاعب في مفردات الآية الواحدة ، وبعض هذه الموارد قد تؤول بنسخ التلاوة وقد خلصنا فيما سبق أنه لا يوجد دليل واحد يمكن التمسك به لإثبات وقوع نسخ للتلاوة ، ومحض الادعاء لا يؤخذ به في أمورنا الدنيوية فكيف بالقرآن وهو ناموس الشريعة وركنـها ؟!

ونزيد عليه ، أنه لو سلمنا جدلا بوقوع نسخ لتلاوة بعض آيات القرآن ، فهذا لا يـجوّز لنا قبول ادعاء أي مدع ينسب للقرآن جملة زعم نسخها ! ، وهذا الحكم فضلا عن كونه معروفا ومشهورا بين علماء الأصول فإن العقل قاض به ، لذلك اشترط علماء الأصول عند أهل السنة في المنسوخ أن ينقل متواترا ، فالمستفيض -فضلا عن خبر الواحد- لا يركن إليه لإثبات النسخ ، وقد مرّت كلمات جملة من علمائهم في مبحث نسخ التلاوة
.

وعليه فالموارد الآتية لا يمكن أن تكون من منسوخ التلاوة لأنـها بأجمعها تفقد هذا التواتر الذي هو شرط لتحقق النسخ ، وحيث لا تواتر فلا نسخ
.

هذا مع العلم أن أهل السنة لا تأويل عندهم لهذه الموارد غير نسخ التلاوة ،
قال البيهقي في السنن الكبرى : " بسنده عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت نزلت ( فعدة من أيام أخر متتابعات ) فسقطت : ( متتابعات ) . قال البيهقي : قولها سقطت تريد : نُسخت . لا يصح له تأويل غير ذلك " ( 1 ) .

وهذه الموارد لم تتواتر فليست بمنسوخة وحيث لا تأويل لها غير النسخ فهو تحريف صريح للقرآن بسقوط هذه الآيات ، ومن يدعي نسخ أي جملة من الجمل التي نسبها الصحابة للقرآن فعليه أن يثبت وقوع نسخها بالتواتر ، ودونه خرط القتاد
.


( 1 )
السنن الكبرى للبيهقي ج4ص258ح8023 (باب قضاء شهر رمضان إن شاء متفرقا وإن شاء متتابعا ) .


-
ص 429 -

ونزيد عليه بأن إقرار أهل السنة بنسخ تلك الجمل تـهربا من نسبة التحريف للقرآن أو لمعتقد الصحابة مبتنٍ على تسليمهم المسبق بقرآنية ما ادعاه الصحابي وهذا بعينه تحريف للقرآن بالزيادة ، لأن إثبات قرآنيتها في الرتبة السابقة يحتاج إلى تواتر نقلها كقرآن كما مرت كلماتـهم سابقا ، فكيف أثبتوا قرآنيتها بدعوى أحد الصحابة ؟! ، وهاك الإشكال بصورته الدقيقة
:

دليل لإثبات التحريف الصريح لمن يدعي النسخ تلاوةً
بـهذا الإشكال ذي الشقين يثبت تحريف القرآن لأهل السنة ثبوتا قطعيا سواء قالوا بشيء اسمه نسخ التلاوة أم لا ، ونحتاج لتقديم مقدمة فنقول : أجمع علماء أهل السنة على أمرين
:

1-
آيات القرآن لا تثبت إلا بالتواتر ، فأي جملة نسبت للقرآن ولم يتواتر نقلها كقرآن فهي عندهم ليست من القرآن قطعا ( 1 ) .

2-
نسخ أية آية من القرآن لا يثبت إلا بالتواتر ، وما لم يتحقق التواتر فليست بمنسوخة قطعا .

واتفقوا أيضا على أن وجوه الصحابة ادعوا قرآنية بعض الجمل والمقاطع التي ورد بعضها في صحيحي البخاري ومسلم ، وقال أهل السنة إن تلك الجمل قرآن نزل من السماء وبعد أن قرأه الناس وتعبدوا به رفعه الله عز وجل ونسخت تلاوة تلك الآيات ،
وعلى هذا نقول :
1-
كيف أثبت أهل السنة بـأخبار آحاد قرآنـية هذه السور والجمل الآتية مع أنـها ليست من القرآن في نظرهم بعد أن كانت من أخبار الآحاد التي لا يثبت بـها القرآن قطعا ؟!


( 1 )
وقد مرت كلماتـهم في قراءات الشاذة فراجع .