الشبهة السادسة
اغواء الشيطان لأدم

يقول الملحد:
عندما كان آدم على سرير المرض والموت يعاني الآلام الشديدة كما سيأتي في آخر حديثنا هذا، تقول القصة أنه طلب من حواء أن تحكي لنسله كيف سقطا كي لا يسقطا في الخطايا مثلهما، فبدأت تحكي القصة لهم تحت عنوان موضوع (سقوط حواء) نقرأ:



تقول القصة أن عملية إغوائهما للأكل من الشجرة المحرمة حدثت بأن الشيطان بعد طرده من الجنة غضب وازداد حقده بسبب خزيه وصمم على جلب الخراب لهما والانتقام، لذا تحالف مع الحية الشريرة وربحها إلى جانبه وتكلم الشيطان من خلال فمها، تقول القصة أن الشيطان قال للحية أنَّ قبل خلق آدم كان يمكن للحيوانات التمتع بكل ما ينبت في الجنة والآن حُدِّد لهم الاقتصار على الزؤان[الحشائش الضارة] فقط. لذا فإن إخراج آدم من الفردوس سيكون جيداً للكل.



اعترضت الحية ووقفت خائفة من غضب الرب، لكن الشيطان هدأ مخاوفها، وقال لها: "أنتِ ستكونين إنائي فقط وأنا سأتكلم من خلال فمك بذلك سوف ننجح في إغواء الإنسان."



عقب ذلك علق الثعبان نفسه من السور المسور للجنة، ليواصل محادثته معي من الخارج. وهذا حدث في اللحظة ذاتها عندما تركني ملاكيَّ الحارسين وتوجها إلى السماء للتضرع إلى الرب. لذا فقد كنت وحيدة تماماً، وعندما انتحل الشيطان مظهر ملاك، ومال على حائط الفردوس، ورنم أغاني سِرافية [نسبة إلى السِرافيم الملائكة خدام عرش الرب في اليهودية_المترجم] ، خُدِعْتُ، وظنته ملاكاً. ودارت محادثة بيني وبينه، الشيطان تحدث من خلال فم الثعبان

[.....إلخ القصة المعروفة في التوراة مع تفاصيل أسطورية وحشو كأن: ] كل الحيوانات أكلت من الفاكهة المحرمة عدا طير واحد لذا ظل يعيش في الجنة وحده .



إلا أننا نلاحظ في السياق قولها عملَ الشيطانُ كلَّ جهدٍ لإقناعي بأني ليس عندي سببٌ للخوف...إلخ. وهو من أعطاها الفاكهة وهزَّ الشجرة وأكل منها أولاً لتطمئن حواء وتأكل مثله...إلخ. وأن حواء فتحتْ له بابَ الجنة بعد إغوائه لها... إلخ وحَقنَ الثعبانُ عندما صعدَ إلى الشجرة سمَّه في الفاكهة وهو الميل إلى الشر.



فالثعبان كان حسب القصة الهاجادية المناقضة للتوراة أداة الشيطان، بل لعله تماهى معه وقتها، فصارا حيناً كأنهما واحد، فالشيطان يتكلم عبر الثعبان، والثعبان كذلك يستعمل عقله في استغلال وسواس الشيطان.



وتقول الأسطورة أن كل الحيوانات تم إغواؤهم لما أرادت حواء تجربة الفاكهة عليهم لتطمئن أنهما لن يموتا وأكلوا من الشجرة المحرمة ما عدا طائر العنقاء الأسطوري فكان أن كافأه الله بالخلود. وفي رواية أخرى بأنه الوحيد من بين الكائنات الذي كافأه الله بالخلود في الجنة فظل فيها وحده.


مصدر القصة كتاب حياة آدم وحواء اليوناني، انظر الترجمة العربية في كتابات ما بين العهدين ج3/ ص633






وعندما نقارن مع القصة الإسلامية نجد أن هذا مقارب لها فعلى حين تقول التوراة التي كانت موروثة قصة آدم فيها من تقليد وعقيدة أولى قديمة جداً تذكرنا ببعض القصص البدائية الإفريقية عن شر الأفعى في بدايات الكون(وأحياناً الثعلب أو غيره عند الإفريقيين) نجد القصة هنا تقول كالقرآن أن الشيطان وليس الحية هو من أغوى والدي البشر بمساعدة الحية، من هنا نفهم من أين جاء نبي الإسلام بقصته الأكثر تطوراً عن رواية التوراة عن إغواء الحية لحواء وآدم ،لقد أخذها من قصة الهاجادة.



ومن الأحاديث الصحيحة التي تدل على ذلك:



روى أحمد بن حنبل حدثنا ابن نمير، حدثنا موسى بن مسلم الطحّان الصغير، قال رسول اللهr: "من ترك الحياتِ مخافة َ طلبِهن، فليس منا، ما سالمناهن منذ حاربناهن."



أحمد 2037 (1/230) وأحمد 3254 وأبو داود 5250



ويقول ابن كثير في (قصص الأنبياء):

{قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} وهذا خطاب لآدم وحَوَّاء وإبليس، قيل والحية معهم. أمروا أن يهبطوا من الجنَّة في حال كونهم متعادين متحاربين. وقد يستشهد لذكر الحية معهما بما ثبت في الحديث عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقتل الحيات، وقال: ما سالمناهن منذ حاربناهن. وقوله في سورة طه: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} هو أمر لآدم وإبليس. واستتبع آدم حَوَّاء وإبليس الحية. وقيل هو أمر لهم بصيغة التثنية كما في قوله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} والصحيح أن هذا لما كان الحاكم لا يحكم إلا بين اثنين مدع ومدعى عليه، قال: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ}.


أما مسألة ترديد الشيطان لأغاني تسابيح حملة العرش فيتشابه مع تظاهر الشيطان في قصة القرآن بالتقوى لدرجة أنه أقسم لهما بالله أنه لهما من الناصحين:



{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشّيْطان لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ، وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ* فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الجنَّة* وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشّيْطان لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ*}
الأعراف 20-22



ولعل قسم الشيطان لهما مستوحى من تظاهر الشيطان بالتقوى في قصة الهاجادة اليهودية ومحرفة هكذا لأنه يعتمد على السمع وقدرته على الفهم لا القراءة والنقل من نص متاح أمامه لأن هذا الكلام كان مكتوباً بالعبرية والآرامية وما شابه ولم يكن مترجماً لأي لغة أخرى.



والشبهة - كما هو واضح - ليست سوى تخبطات يحاول بها الملحد إثبات نظرية الإقتباس, ومعروف أن في العهد القديم في سفر التكوين أن الحية هي التي أغوت آدم, والقصة الهاجادية تضيف أن الشيطان ركب الحية - إن صح التعبير - واستخدمها لإغواء آدم بينما لا ذكر للحية لا في القرآن ولا الأحاديث, والملحد يحاول تفسير عدم وجود ذكر للحية بمحاولة إقناعنا بأن القصة الإسلامية هي تطور للقصة الهاجادية التي هي بدورها تطور لقصة التوراة, ولكن السؤال: هل القصة الواردة في سفر التكوين كاملة التفاصيل؟ وهل لا يوجد دور للشيطان في قصة سقوط آدم وحواء بحسب التوراة ؟ هذا ما سنوضحه بإذن الله في الرد على الشبهة القادمة وسنفد فيها نظرية الملحد تماما.

وما يهدم نظرية الملحد أن النصارى أنفسهم يؤمنون بأن الحية هي الشيطان, فقد جاء في سفر الرؤيا:


9 فطرح التنين العظيم ، الحية القديمة المدعو إبليس والشيطان، الذي يضل العالم كله، طرح إلى الأرض، وطرحت معه ملائكته


ويقول الأنبا بيشوي في سلسلة تبسيط الإيمان:

عندما أغوى الشيطان حواء قال لها تعالى انظرى هذه الشجرة "فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون وأن الشجرة شهية للنظر فأخذت من ثمرها وأكلت، وأعطت رجلها أيضاً معها فأكل" (تك3: 6). والشيطان لكى يفعل ذلك اختفي في الحية "وكانت الحية أحيل جميع حيوانات البرية" (تك3: 1).


والسؤال الملفت هو: لماذا لا يوجد في العهد القديم دليل على أن الحية هي الشيطان؟
ومن أين عرف يوحنا اللاهوتي أن الحية هي الشيطان؟
ألا يتطلب ذلك وجود دليل صريح؟ ألا يدل ذلك على عدم تمام تفاصيل القصة؟

سنناقش هذه المسألة بمزيد من التفاصيل بإذن الله في الشبهة القادمة.

وأما استشهاده بكلام ابن كثير رحمه الله في (قصص الأنبياء) للربط بين حديث الحيات والقصة اليهودية فنقول له شتان الفارق بين اجتهاد ابن كثير المبني على العلم والتأني في الإستنتاج وبين محاولة الملحد للي عنق النص ليوافق ادعاءه بأي طريقة, فابن كثير لم يجزم بارتباط الحديث بموضوع الحية التي أخرجت آدم عليه السلام, بل ذكره على سبيل التحلي به لكونه من المسكوت عنه من قصص أهل الكتاب الذي لم ينفه أو يصدقه الإسلام والدليل أنه قال في تفسير الآية المذكورة:


اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25) }
قيل: المراد بالخطاب في { اهْبِطُوا } آدم، وحواء، وإبليس، والحية. ومنهم من لم يذكر الحية، والله أعلم.
والعمدة في العداوة آدم وإبليس؛ ولهذا في سورة "طه" قال: { اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا } [ الآية : 123 ] وحواء تبع لآدم. والحية -إن كان ذكرها صحيحا -فهي تبع لإبليس.

فنلاحظ أنه لم يجزم بصحة ارتباط الحديث بموضوع الحية لأن الموضوع لا وجود له في النصوص الإسلامية, ومن المفيد جدا أن نذكر لمحة عن موقف ابن كثير من الإسرائيليات, فقد ذكر في " البداية والنهاية":

ولسنا نذكر من الإسرائيليات إلا ما أذن الشارع في نقله مما لا يخالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو القسم الذي لا يُصَدَّق ولا يُكَذَّب، مما فيه بسط لمختصرعندنا..فنذكره على سبيل التحلي به لا على سبيل الاحتياج إليه والاعتماد عليه


فهل علم الملحدون والنصارى لماذا يذكر ابن كثير وبعض العلماء ببعض هذه الإسرائيليات؟