الشبهة المائتان و أربعة عشر (214):
- يصف القرآن الجبال تارة بأنها أوتاد, وتارة بأنها رواسى, وتارة أخرى بأن بها الأقوات, على تفسير بعض علمائكم للآية: {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} [فصلت:10]

الرد:

- إن المعانى كلها صحيحة.. كيف ذلك؟ قال الشيخ الشعراوى (رحمه الله) ما معناه: إن الوتد هو شىء يُدَق فى الأرض ليثبِّت شيئاً, كخيمة - مثلاً - بحيث يكون الجزء الأسفل المختفى فى الأرض أكبر من الظاهر, وهذا ما أثبته العلم الحديث, أن الجبال لها جذور فى الأرض, طولها أضعاف الجزء الظاهر منها, وهذا معنى الوتد, وقد خلقها الله عز وجل بهذه الصورة لتثبت الأرض, كما تُثبَّت الألواح الخشبية مع بعضها بالمسامير, فلولاها لحدثت انزلاقات رهيبة للقشرة الأرضية, ولمادَت الأرض بمن عليها, لأن القشرة الأرضية مكونة من صفائح, يسمونها (الصفائح التكتونية) وهنا سؤال: لماذا تميد الأرض وتضطرب بغير الجبال؟ والجواب أن هذا يدل على دوران الأرض, فلو كانت ثابتة فى مكانها لَمَا اضطربت, ولكن الاضطراب والانزلاقات تنتج عن سيرها بسرعة رهيبة ليل نهار فى دورانها حول نفسها وحول الشمس, فسبحان الله العلى العظيم. أما الرواسى فما معناها؟ الراسى يقال عادة على الشىء الراسى على سطح مائع كالماء, فيقال رست السفينة, ويقال على (مَرسَى) أى المكان الذى ترسو فيه السفن, كمرسى مطروح. فما علاقة هذا بما نقول؟ معلوم أن فى باطن الأرض أسفل القشرة الأرضية معادن منصهرة فى حالة من السيولة, والجبال - كما ذكرنا - جذورها ممتدة لمئات الكيلومترات, فكأنها ترسو على سائل, وهو المعادن المنصهرة فى باطن الأرض.
والضمير فى قوله تعالى: {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} عائد على الأرض (كما قال علماء السلف رحمهم الله) أو على الجبال (كما قال الشيخ الشعراوى رحمه الله) ولا تناقض فى ذلك, فالجبال من الأرض. ولكن كيف تكون الأقوات فى الجبال؟ قال رحمه الله: معلوم أن الجبال لها قاعدة وقمة, وقاعدتها أكبر من قمتها, وعلى العكس من ذلك, تجد الوديان قاعدتها أصغر من قمتها. ماذا نستفيد من هذا؟ نقول وبالله التوفيق: إن الجبال معرضة لعوامل التعرية, من رياح ومطر وغيرها, فتتآكل من قمتها, ويحدث بها تشققات, فأين يذهب ما تآكل منها؟ يذهب إلى الوادى فيوسعه. فما فائدة ذلك؟ فائدته أن الذى ينزل مع المطر من قمم الجبال, ومن داخل التشققات, يتفتت أثناء نزوله لاحتكاكه بالجبل, فينزل على الأرض على هيئة (غِرْيَن) أى طمى, وهو أعلى وأرقى أنواع السماد للتربة الأرضية, فلا يضاهيه أى سِماد, وكلما حدث هذا التفتُّت من الجبال, ونزل إلى الوديان والسهول, كلما اتسعت الرقعة الزراعية فى الوادى, لتتناسب مع تزايد البشر, فسبحان من {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50] ربما يقول قائل: لو أن الجبال تتآكل بعوامل التعرية لفنيت هذه الجبال. فيجيب الشعراوى (رحمه الله) بقوله: إن الجبل كلما تآكل خفَّ وزنه, وقد ذكرنا أن أسفل الجبال صُهَارة سائلة, فهى تدفع الجبل لأعلى, فتعوض ما نقص منه, والله أعلم.





الشبهة المائتان و خمسة عشر (215):
- يقول القرآن عن ناقة صالح: {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} [القمر:29] ثم يقول: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا} [الشمس:14] فمرة يقول إن القاتل واحد, ومرة يقول إنهم جماعة, فمن القاتل؟

الرد:
- إن السكوت على الظلم مشاركة فيه, فمثلاً: عندما يقوم بعض الرجال بتقييد رجل ليذبحه أحدهم, أليسوا كلهم مشاركين فى قتله؟ فإن قلت إن القاتل فلان, وأنت تقصد الذى ذبحه, لكنت صادقاً, وإن قلت إنهم قتلوه, وأنت تقصد الذى ذبحه والذين أعانوه, لكنت صادقاً أيضاً, فالذى عقر ناقة سيدنا صالح - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - رجل واحد, وعندما ذهب ليعقرها, كان معه ثمانية يشجعونه, فلما رأوه خائفاً منها (لأنها كانت ضخمة) قالوا له: اشرب خمراً حتى تتجرأ على قتلها, فشربها {فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} وجميع القرية كانت تعلم أن هؤلاء التسعة نفر ذاهبون لقتلها, فلم يُبَلِّغوا سيدنا صالحاً, بل رضوا بفعلهم, فكان تواطؤهم على ذبحها كأنهم شاركوا الذى ذبحها, وهو (قدّار بن سالف) لعنة الله عليه.
ثم إنه من الغريب أن تتعجبوا من الاختلاف الظاهر - فى ظنكم - فى عدد مَن قتل الناقة, ولا تتعجبوا من الاختلاف البَيِّن فى أسماء تلاميذ معبودكم؟ فهذا إنجيل (متى) يقول:
ثم دعا تلاميذه الاثنى عشر وأعطاهم سلطاناً على أرواح نجسة حتى يخرجوها ويشفوا كل مرض وكل ضعف. أما أسماء الاثنى عشر رسولاً فهى هذه. الأول سمعان الذى يقال له بطرس وأندراوس أخوه. يعقوب بن زبدى ويوحنا أخوه. فيلبس وبرثولماوس. توما ومتَّى العشار. يعقوب بن حلفى ولبّاوس الملقَّب تدّاوس. سمعان القانوى ويهوذا الإسخريوطى الذى أسلمه (متى10: 1-4)
ثم يأتى إنجيل (لوقا) فيقول: ولما كان النهار دعا تلاميذه واختار منهم اثنى عشر الذين سماهم أيضاً رسلاً. سمعان الذى سماه أيضاً بطرس واندراوس أخاه. يعقوب ويوحنا. فيلبس وبرثولماوس. متَّى وتوما. يعقوب بن حلفى وسمعان الذى يُدعَى الغيور. يهوذا أخا يعقوب ويهوذا الإسخريوطى الذى صار مُسَلِّماً أيضاً (لوقا6: 13-16)
نلاحظ أنه ذكر فى النَّص الأول (لبّاوُس الملقَّب تدّاوُس) ولم يذكره فى النَّص الثانى, فى حين أنه ذكر (يهوذا أخا يعقوب) فى النَّص الثانى ولم يذكره فى الأول, فهل أسماء الرسل تُنسَى؟ إن أسماء الصحابة - رضوان الله عليهم -وأنسابهم معروفة, وهم حوالى مائة ألف أو يزيدون, فكيف بأسماء اثنى عشر رسولاً؟ وكيف يَعُدُّ (يهوذا الإسخريوطى) منهم, وقد خانه وسلَّمه لليهود بزعمكم؟, والله أعلم.





الشبهة المائتان و ستة عشر (216):
- يذكر القرآن الجنة مرة بصيغة المفرد, مثل: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} [يس:55] ومرة بصيغة المثنى, مثل: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46] ومرة بصيغة الجمع, مثل: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} [القمر:54] فهل هى جنة, أم جنتان, أم أكثر؟

الرد:
- الجنة حين تأتى بصيغة المفرد, فهى تعبِّر عن مجموع الجنات, فمثلاً: لو أن هناك بلداً, أو قرية سياحية, غنية بالأنهار والحدائق والبساتين (جنات) وأراد أحد أن يصفها فماذا يقول؟ لو قال إنها جنة, لكان صادقاً, لأنه يصف القرية كلها وصفاً مجملاً, ولو قال إنها جنات, لكان صادقاً أيضاً, لأنها تحتوى على بساتين مختلفة عن بعضها البعض, ولو أراد وصف حال ناس معيَّنين, عن يمينهم بستان, وعن شمالهم بستان, فقال إنهم يسكنون فى جنتين, لكان صادقاً أيضاً, فكذلك المؤمن الذى يدخل الجنة, عندما ينظر عن يمينه يجد جنة, وعن شماله يجد جنة, وإذا تجول فى الجنة وجد جنات, فهى جنة وجنتان وجنات, كما أن المؤمن يرث مقعد الكافر فى الجنة, فيكون له بذلك جنتان. وهناك قضية مشابهة وردت فى القرآن الكريم على لسان فرعون, وهى قوله: {وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي} [الزخرف:51] مُشيراً إلى فروع وترع وقنوات من نهر النيل, وسماها أنهاراً, مع أنها تتفرع من نهر واحد, والله أعلم.