هذا الملحق الثاني الذي أضافه أخينا محدّث البشارة الأخ الفاضل و طالب العلم المجتهد سيل الحق المتدفق و الذي تجدونه أيضاً في قسم علوم الحديث في الموضوع المتعلق بتخريج هذه القراءة

و الآن إليكم كلامه بتمامه
ملحق 2 ### سكوت أبو داود في سننه

قرأت على عبد الله بن عمر { الله الذي خلقكم من ضعف } فقال : { من ضعف } قرأتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قرأتها علي فأخذ علي كما أخذت عليك الراوي : عطية بن سعد العوفي المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 3978 خلاصة حكم المحدث: حسن .

يتشدق كثير من النصارى بما يظهر له من نتائج موسوعة الدرر السنية ، من مصطلحات تبدو للوهلة الأولى تدل على الصحة ، فيسارع بقوله : حديث صحيح وصححه فلان ، ومن هذه المصطلحات : "سكوت أبي داود في سننه" .

والرد عليهم سيكون من وجوه :

الوجه الأول : هناك كلام من جهة ثبوت هذه الرسالة للحافظ أبي داود السجستاني رحمه الله ونسبتها اليه ، وقد رويت مختصرة ومطولة ، وهناك مقال بعنوان : "نظرات في رسالة أبي داود الى أهل مكة " للأستاذ أشرف صلاح علي ، وهو باحث دراسات اسلامية ، على هذا الرابط :

http://www.alwaei.com/site/index.php?cID=541

الوجه الثاني : تعريف الحديث الصالح : على فرض صحة نسبة هذه الرسالة الى أبي داود ، ذكر أبو داود في رسالته الى أهل مكة في وصف سننه : "ما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح ، وبعضها أصح من بعض" .

قلت : فأعلموا وفقني الله واياكم أن مراتب الحديث ثمانية :
1- الصحيح لذاته .
2- الصحيح لغيره .
3- الحسن لذاته .
4- الحسن لغيره .
5- الضعيف ضعفا يسيرا .
6- المنكر والباطل .
7- الضعيف ضعفا شديدا .
8- الحديث الموضوع .
فأما المراتب المذكورة من 1 الى 4 فهي صالح للاحتجاج .
وأما رقم 5 فأنه صالح للاعتبار ، أي التقوية بالمتابعات والشواهد ان وجدت .

قال الأستاذ محمد صديق المنشاوي في "قاموس مصطلحات الحديث النبوي الشريف" (ص 71) : "
الصالح (من الحديث) : يطلق على الصحيح والحسن لصلاحيتهما للاحتجاج بهما ، ويطلق أيضا على الحديث الضعيف ضعفا يسيرا ، لأنه يصلح للاعتبار ، والعمل في فضائل الأعمال (قلت : والعمل به في فضائل الأعمال مختلف فيه ، والراجح أنه لا يعمل به الا اذا كان له مستند صحيح ) .

اذن الصالح من الأحاديث نوعان :
1- صلاحية احتجاج : ويشمل الصحيح والحسن بأقسامه .
2- صلاحية اعتبار : ويشمل الضعيف ضعفا يسيرا .

لذا كان العلماء يروون الحديث الضعيف ويكتبونه ، لأنه ربما يكون له شاهد أو متابع يشده ويقويه ، فيرتقي الى مرتبة أعلى (الحسن لغيره أو الصحيح لغيره ) .
قال الامام أحمد بن حنبل رحمه الله لما ذكر له الفوائد: "الحديث عن الضعفاء قد يحتاج إليه في وقت، والمنكر أبداً منكر"[ العلل ومعرفة الرجال عن أحمد بن حنبل رحمه الله (رواية المروذي وغيره) ص163] .
وقال أيضا : "ابن لهيعة ما كان حديثه بذاك، وما أكتب حديثه إلا للاعتبار و الاستدلال ، إنما قد أكتب حديث الرجل كأني استدل به مع حديث غيره يشدّه لا أنه حجة إذا انفرد" [ نقله عنه من رواية ابن القاسم في شرح العلل لابن رجب (1/91)] .

قلت : والصالح الذي يقصده الامام أبو داود السجستاني – على فرض صحة نسبة الرسالة اليه – هو الصالح بنوعيه ، لأنه لن يتكلم عن الصحيح بشيء ، وهو قد التزم ببيان الأحاديث المنكرة وشديدة الوهاء ، وبعد اخراج حديث المتروكين .
وهذا في قوله : (وليس في كتاب السنن الذي صنفته عن رجل متروك الحديث شيء) .وقوله : ( وإذا كان فيه حديث منكر بينت أنه منكر) .وقوله : ( وما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينته ومنه مالا يصح سنده ) .(ومنه ما لا يصح سنده) أي بعضا من الضعيف قد يبينه .

قال السخاوي في "فتح المغيث" (1/102) : " وقال أبو داود أيضا فيما رويناه في رسالته في وصف السنن ما معناه: (وما) كان في كتابي من حديث (به وهن) ، وفي نسخة من الرسالة: (وهي) (شديد) فقد (قلته) أي: بينت وهنه أو وهاءه، وقال في موضع آخر منها: وإذا كان فيه حديث منكر، بينته أنه منكر، وليس على نحوه في الباب غيره. وتردد شيخي رحمه الله ، في محل هذا البيان ; أهو عقب كل حديث على حدته ، ولو تكرر ذلك الإسناد بعينه مثلا ، أو يكتفي بالكلام على وهن إسناد مثلا، فإذا عاد لم يبينه اكتفاء بما تقدم، ويكون كأنه قد بينه؟ وقال: هذا الثاني أقرب عندي. قلت: على أنه لا مانع من أن يكون سكوته هنا لوجود متابع أو شاهد " .
قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (13/213 – 215) : " قال ابن داسة: سمعت أبا داود، يقول: ذكرت في (السنن) الصحيح وما يقاربه، فإن كان فيه وهن شديد بينته.
قلت: فقد وفى -رحمه الله- بذلك بحسب اجتهاده، وبين ما ضعفه شديد، ووهنه غير محتمل، وكاسر عن ما ضعفه خفيف محتمل، فلا يلزم من سكوته - والحالة هذه - عن الحديث أن يكون حسنا عنده، ولا سيما إذا حكمنا على حد الحسن باصطلاحنا المولد الحادث، الذي هو في عرف السلف يعود إلى قسم من أقسام الصحيح، الذي يجب العمل به عند جمهور العلماء، أو الذي يرغب عنه أبو عبد الله البخاري، ويمشيه مسلم، وبالعكس، فهو داخل في أداني مراتب الصحة، فإنه لو انحط عن ذلك لخرج عن الاحتجاج، ولبقي متجاذبا بين الضعف والحسن، فكتاب أبي داود أعلى ما فيه من الثابت ما أخرجه الشيخان، وذلك نحو من شطر الكتاب، ثم يليه ما أخرجه أحد الشيخين، ورغب عنه الآخر، ثم يليه ما رغبا عنه، وكان إسناده جيدا، سالما من علة وشذوذ، ثم يليه ما كان إسناده صالحا، وقبله العلماء لمجيئه من وجهين لينين فصاعدا، يعضد كل إسناد منهما الآخر، ثم يليه ما ضعف إسناده لنقص حفظ راويه، فمثل هذا يمشيه أبو داود، ويسكت عنه غالبا، ثم يليه ما كان بين الضعف من جهة راويه، فهذا لا يسكت عنه، بل يوهنه غالبا، وقد يسكت عنه بحسب شهرته ونكارته، والله أعلم " .

قلت : لذا أخطأ من قلد الحافظ أبو داود رحمه الله ، فحسن الحديث بناءا على سكوته ، بل الصواب أن الحديث الضعيف من ضمن أقسام الصالح . والدليل على أن الصالح عند أبو داود متفاوت قوله : " وبعضها أصح من بعض" . فالصحيح أصح من الحسن ، والحسن أصح من الضعيف .

الوجه الثالث : وهذه الأحكام كلها هي اجتهادات خاصة بالحافظ أبو داود رحمه الله ، وفيما وصل اليه علمه ، فقد يكون الراوي متروكا ، ولكن اجتهاده أداه أنه ضعيفا فقط ، وهذا يظهر بالمقارنة مع أقوال سائر الأئمة ، لذا لابد مع ذلك من النظر في الأحاديث التي سكت عنها والحكم عليها بما يليق بها .

الوجه الرابع : سنن أبي داود له روايات متعددة ، منها رواية اللؤلؤي ، وابن داسة ، وابن الأعرابي ، وأبي الطيب الأشناني ، وأبي عيسى الرملي ، وأبي الحسن ابن العبد .. وغيرها .
والمطبوع هو رواية اللؤلؤي ...
فلكي تثبت أن أبو داود قد سكت عن حديث محدد أو رواية معينة ، فيجب عليك أن تثبت أنك قد راجعت جميع روايات السنن ، ووجدت أبو داود قد سكت عن هذا الحديث في الروايات كافة ، وهذا ما لا يتيسر في الوقت الحالي .

قال السخاوي في "فتح المغيث" (1/102) : " قال شيخنا : وقد يقع البيان في بعض النسخ دون بعض ، ولا سيما رواية أبي الحسن بن العبد ; فإن فيها من كلام أبي داود شيئا زائدا على رواية اللؤلؤي .وسبقه ابن كثير ، فقال: الروايات عن أبي داود لكتابه كثيرة جدا ، ويوجد في بعضها من الكلام، بل والأحاديث ، ما ليس في الأخرى " .
وقال أيضا في (1/103) : " وكذا ينبغي عدم المبادرة لنسبة السكوت ، إلا بعد جمع الروايات واعتماد ما اتفقت عليه ; لما تقدم، وقد صرح ابن الصلاح مما تبعه فيه النووي بذلك في نسخ الترمذي ; حيث قرر اختلافها في التحسين والتصحيح " .

قلت : تعالى نأخذ معا مثال صادفته أثناء تخريجي لأحد الأحاديث :
قال أبو داود في "السنن" (2489) : حدثنا سعيد بن منصور ، حدثنا إسماعيل بن زكريا ، عن مطرف ، عن بشر أبي عبد الله ، عن بشير بن مسلم ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يركب البحر إلا حاج ، أو معتمر ، أو غاز في سبيل الله ، فإن تحت البحر نارا ، وتحت النار بحرا " .

في النسخة المطبوعة من السنن برواية اللؤلؤي ، لم يعقب الحافظ أبو داود السجستاني بشيء ، وسيظهر كأنه سكت عنه ...
ولكن ...
الحافظ أبو داود رحمه الله قد ضعف هذا الحديث ونقل تضعيفه الامام النووي رحمه الله فقال في شرحه على مسلم (13/59) : " وقد روى عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن ركوب البحر إلا لحاج أو معتمر أو غاز ، وضعف أبو داود هذا الحديث وقال : رواته مجهولون " .

الوجه الخامس : لو أفترضنا أن سكوت أبي داود عن الحديث يحتمل الدلالة على التصحيح ، فان ذلك لا يلزمنا ما دمنا قدمنا علة الحديث فأقوال العلماء يحتج لها لا يحتج بها فمن يصحح الحديث عليه هو أن يضع ما يدل على صحته ، واستيفاء شروط الصحة المقررة في علم المصطلح ، وانتفاء علله وأسباب الضعف .

الوجه السادس : من خلال دراستنا السابقة للحديث تبين لنا أن علة الحديث هو عطية العوفي ، وقد وقفنا على قول الامام أبو داود السجستاني رحمه الله في هذا الراوي :قال أبي عبيد الآجري في "سؤالاته" (1/264) رقم (376) : سألت أبا داود عن عطية بن سعد العوفي ، قال : " ليس بالذي يعتمد عليه " .