(يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴿47﴾ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴿48﴾ البقرة)

وفي آية أخرى(وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ)



العدل هو الفداء ، الفدية يعني شخص يفتدي نفسه بمال .. أما الشفاعة بدون مال مجاناً لكنه بوجاهة ، أحد الناس يشفع للمجرم عندالحكومة مثلاً.. إذاًَ أول مرة قال (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَايُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ) شفاعة أولاً وعدلٌ ثانياً ، وفي نفس سورة البقرة في آية أخرى غيّر الترتيب قال (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًاوَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴿123﴾ البقرة) لا يقبل منها عدل أي فدية ولا تنفعها شفاعة.

لماذا في الأولى قدم الشفاعة وأخّر الفدية وفي الثانية أخر الشفاعة وقدم الفدية؟


باختصار شديدالحديث كما ترون لبني إسرائيل يحذرهم الله عزوجل من هذه النعم التي أنعم بها عليهم إن لم يؤدوا شكرها ، فيحذرهم و يقول إتقوا ذلك اليوم القادم وهو يوم القيامة ، في ذلك اليوم مرة قال (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ) الثانية بالعكس. الفرق أن بني إسرائيل ككل الأمم نوعان نوعٌ حريصٌ جداً على المال أكثر من حرصه على حياته، بحيث أنه يقدم نفسه فداء لحفظ ماله ولا يقدم ماله فداء لحفظ نفسه ، فخاطبهم وقال (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ) قدّم العدل وهوالفداء فهنا يخاطب أولئك اليهود الذين يفدون مالهم بأنفسهم، هذا واحد.

في الآيةالثانية أيضاً هناك فريق ثاني تكون نفسه عزيزة عليه ولهذا يفديها بماله يعطي المال ولا يعرّض نفسه للموت. من أجل هذا رب العالمين في الآيتين خاطب الفريقين والفريقان في بني إسرائيل ظاهران معروفان متميزان ، فرب العالمين يخاطب شريحة من شرائح بني إسرائيل وهاتان الشريحتان ليستا في عصرٍ واحد يعني جاء عهد شاع في بني إسرائيل حب المال حباً عظيماً وفي عهد شاع فيه حب الحياة وبالتالي هاتان الآيتان تخاطب جميع اليهود على اختلاف أدوارهم في التاريخ عموماً.


نلاحظ أيضاً أن كلمة شفاعة جاءت منكّرة .. الشفاعة في القرآن تأتي عادة معرّفة (يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ﴿109﴾ طه) فالشفاعة هنا معروفة شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، أما لما نكرها قال (وَلَايُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ) يعني أن هناك شفاعات متعددة وأنواع متعددة من الشفاعات ، فالعالم العامل يشفع في عشرة من أهل بيته، الزهراوان البقرة وآل عمران يشفعان، ورمضان يشفع، وقيام الليل ، والقرآن الكريم يشفع وهكذا شفاعات كثيرة أهمها وأعظمها وأكرمها وأوفاها الشفاعة الكبرى شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم هذه الشفاعة الكبرى . فرب العالمين لما نكرها وقال (وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ) أيّ شفاعة كانت من الشفاعات لا تنفع من لا يتقي ذلك اليوم ولا يحسب لهحساباً .


يتبع...