الإسلام يدين الإرهاب


أحكام الحرب في القرآن
طبقا لما ورد في القرآن فإن الحرب أمر يضطر إليه اضطرارا : "كُتِبَ عَلَيْكُمْ القِتَالُ وَهُوَ كرْهٌ لَكُمْ". ولا يجب أن نلجأ للحرب إلا في حالة الضرورة القصوى، ومع ذلك يجب أن يراعى فيها الجوانب الإنسانية والأخلاقية.

وتوضح هذه الآية أن الكافرين هم الذين يبدأون الحروب، ولكن الله عز وجل لا يريدها: "كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَالله لاَ يُحِبُُّ المُفْسِدِينَ"
(المائدة : 64)

في حالة النزاع، وقبل إشعال فتيل الحرب، يجب أن يتأنى المؤمنون إلا إذا أصبح القتال هو الحل الوحيد. وينبغي عليهم ألا ييدأوا الحرب إلا دفاعا عن أنفسهم وعندما يصبح القتال هو البديل الوحيد: "فَإِنْ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (البقرة : 192)
عند النظر بتأمل دقيق في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم نلاحظ أن الحرب كانت لهدف الدفاع عن النفس فقط وفي الحالات التي لا يمكن تجنبها.
استمر نزول القرآن علي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لمدة 23 عاما، وخلال الثلاثة عشر عاما الأولى، عاش المسلمون في مكة أقلية تحت وطأة ظلم المشركين. وقد تعرض المسلمون في ذلك الوقت للتعذيب والظلم وحتى القتل، وسلبت أملاكهم وطردوا من ديارهم. وعلى الرغم من هذا تحمل المسلمون واستمروا في الدعوة إلى الله دون اللجوء إلى العنف.

وعندما تصاعد الاضطهاد بشكل لا يطاق، هاجر المسلمون إلى "يثرب" التي سميت بعد ذلك المدينة، حيث تمكنوا من تأسيس مجتمعهم الخاص في بيئة من الود والحرية. وعندها لم يلجئوا إلى الحرب ضد مشركي مكة إلا عندما أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالاستعداد لها:
"أُذِنَ لِلِّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا الله" (الحج : 39-40)




"مشهد حديث للمدينة المنورة التي هاجر إليها النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه وأسسوا فيها دولتهم"
باختصار، أُذن للمسلمين بشن الحرب لأنهم تعرضوا للاضطهاد والظلم. وفي آيات أخرى يحذر الله المسلمين من اللجوء إلى العدوان:
"وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ الله الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ" (البقرة : 190)
بعد نزول هذه الآيات، وقعت عدة حروب بين المسلمين والمشركين. وعلى أية حال، لم يكن المسلمون في أي من هذه الحروب هم البادئون. وقد أسس الرسول صلى الله عليه وسلم بيئة اجتماعية آمنة لكل من المسلمين والمشركين على حد سواء عن طريق صلح الحديبية، وقد التزم فيه بجميع الشروط، غير أن المشركين هم الذين انتهكوا هذا الاتفاق وبدأوا بالاعتداء.
وتغيرت الأمور وكون المسلمون جيشا عظيما دخلوا به مكة دون إراقة للدماء. ولو أراد عليه الصلاة والسلام أن ينتقم من المشركين لاستطاع ولكنه عفا عنهم ولم يؤذ أحدا منهم وعاملهم بروح الصبر والرحمة.
يقول جون اسبوسيتو المستشرق الغربي، "عندما فتح محمد مكة تجنب الثار واستخدام السيف ضد أعدائه وآثر الرحمة والعفو"

ونتيجة لموقف النبي عليه الصلاة والسلام تجاه المشركين، اعتنق الكثير منهم الإسلام بكامل حريتهم. ولم يحدث هذا خلال فتح مكة فقط، بل في جميع المعارك والفتوحات التي حدثت في وقت النبي صلى الله عليه وسلم حرص المسلمون كل الحرص على حماية حقوق الأبرياء والعزل.


"الكعبة التي يحج إليها حوالي مليوني مسلم كل عام من شتى أنحاء العالم ، هي رمز للسلام والتسامح وهما ركنان أساسيان في الشريعة الإسلامية"
دأب الرسول عليه الصلاة والسلام على حث المسلمين للتحلي بالرحمة والتسامح، وقد كان هو المثل والقدوة التى تحتذى. وقد خطب النبي عليه الصلاة والسلام في المسلمين الخارجين للحرب قائلا : "اخرجوا باسم الله فقاتلوا في سبيل الله من كفر بالله ولا تغدروا ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع"

3-ووضع الرسول الأساسيات التي يجب أن يتبعها المسلم أثناء المعركة قائلا:
"لا تخونوا ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلا ولا شيخا كبيرا ولا امرأة ولا تعقروا نخلا وتحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا ولا أهل الصوامع "

4-تتفق التعاليم التي ذكرها الله في القرآن الكريم مع سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم التي تتميز بالمسالمة، حيث يأمر الله في القرآن المسلمين بمعاملة غير المسلمين بالرحمة والعدل :
"لاَ يَنْهَاكُمْ الله عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ" (الممتحنة : 8-9)

توضح الآية السابقة كيف أن المسلم يعامل غير المسلم بالحسنى وفي الوقت نفسه عليه أن يتجنب من يظهر العداوة للإسلام . وإذا تحولت تلك العداوة إلى حرب ضد المسلمين، فعليهم أن يدافعوا عن أنفسهم مع الأخذ في الاعتبار الحفاظ على الأبعاد الإنسانية .
فالإسلام يحرم جميع أشكال العنف والبربرية، ويحذّر الله المؤمنين من الوقوع في الظلم بسبب ثورة مشاعرهم ضد أعدائهم:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا اِعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " (المائدة : 8)


مفهوم الجهاد

في سياق هذه المناقشة هناك مفهوم لابد أن يوضح وهو "الجهاد".
تأتى كلمة "جهاد" من "جهد"، إذن الجهاد في الإسلام يعني أن تقوم بجهد أو تكافح لعمل شئ معين. وقد أوضح لنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن "أعظم الجهاد جهاد النفس" ويعني هنا محاربة الإنسان لنزواته ورغباته الأنانية.
ويوضح القرآن أنه يمكن أن يكون الجهاد على المستوى العقلي ضد أولئك الذين يضطهدون الناس ويظلمونهم وينتهكون حقوق الإنسان الشرعية. والغرض من هذا الجهاد هو تحقيق العدالة والسلام والمساواة.

فضلا عن هذه المعاني الأيدلوجية والروحية، فإن الكفاح على مستوي الإحساس الفيزيائي يسمي أيضا "جهادا". وعلى أية حال، وكما أوضحنا سابقا، يجب أن يكون هذا الجهاد من أجل أهداف دفاعية فقط. ومن الظلم إطلاق مفهوم الجهاد على الأعمال الإرهابية ضد الأبرياء مما يشوه المعنى الحقيقي لهذه الكلمة.

تحريم الانتحار

قضية أخرى ظهرت على السطح إثر الاعتداءات الأخيرة على الولايات المتحدة الأمريكية وهي "الهجمات الانتحارية". فبعض الناس الذين شوهت أفكارهم عن الدين الإسلامي قد تأثروا تأثرا كبيرا بالتصريحات التي تدعي أن الإسلام يجيز الهجمات الانتحارية، على الرغم من أنه دين سلام يحرم قتل الإنسان لنفسه أو للآخرين. وقد وضح لنا الله عز وجل في القرآن الكريم أن الانتحار خطيئة وكبيرة من الكبائر : "وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ" (النساء : 29) .

ويحرم الإسلام قتل الإنسان نفسه مهما كانت الأسباب أو الدوافع.
ويحذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من ارتكاب تلك المعصية قائلا : "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا " 6

يبين لنا كل هذا أن الانتحار، أو تنفيذ هجمات انتحارية تتسبب في موت آلاف الأبرياء انتهاك لكل مبادئ الإسلام وتعاليمه.



"من أهم أسباب أعمال العنف، كالتفجيرات وإشعال الحرائق، هو خلق جو من القلق والخوف والرعب وعدم الطمأنينة بين الناس"

"وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا" (النساء : 29)
يقول الله تعالى في القرآن الكريم إن قتل الإنسان نفسه من أكبر الكبائر، لذلك فإنه من المحال على من يؤمن بالله ويلتزم بتعاليم القرآن اقتراف مثل هذه الخطيئة. أما الذين يقدمون على الانتحار مثل هؤلاء لا يدركون المفاهيم الحقيقية للدين، وليس لديهم فكرة عن مبادئ وتعاليم القرآن، والأكثر من ذلك أنهم يفشلون في تحكيم عقولهم وضمائرهم بسبب وقوعهم تحت تأثير المعتقدات الملحدة أو اندفاعهم وراء مشاعر الكراهية والانتقام.

الرحمة والتسامح والإنسانية في تاريخ الإسلام
لكي نلخص الحقائق التي ناقشناها حتى الآن، يمكننا القول بأن الاتجاه السياسي للإسلام، بمعني آخر،(القواعد والمبادئ الإسلامية المتعلقة بالأمور السياسية) هو اتجاه محب للسلم ومعتدل إلى أبعد الحدود. وقد اعترف العديد من علماء الأديان والمؤرخين غير المسلمين بهذه الحقيقة. وأحد هؤلاء المؤرخة البريطانية كارين ارمسترونج، وهي راهبة سابقة وخبيرة في تاريخ الشرق الأوسط. و في كتابها "الحرب المقدسة" الذي يناقش تاريخ الأديان الثلاثة المقدسة، ذكرت هذه الحقائق:
"يرجع أصل كلمة "إسلام" في اللغة العربية إلى كلمة "سلام"، ويرفض القرآن الحرب باعتبارها حالة تتعارض مع إرادة الله. فالإسلام لا يجيز حرب الابادة الجماعية، ولكن يعتبر الحرب في بعض الأحيان واجبا حتميا للقضاء على الظلم والمعاناة. ومع ذلك يوضح القرآن الكريم أنه يجب أن تكون هذه الحرب محدودة وأن تدار بأسلوب إنساني بقدر الإمكان. وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام يقاتل ليس فقط المشركين في مكة ولكن أيضا القبائل اليهودية في مكة والقبائل المسيحية في سوريا التي تحالفت مع اليهود وخططت للهجوم على الرسول عليه الصلاة والسلام.

ولكن هذا لا يجعل من النبي عدوا لأهل الكتاب. فقد أجبر المسلمون على القتال دفاعا عن أنفسهم ولكنهم لم يقودوا حربا مقدسة ضد دين أعدائهم. وعندما أرسل محمد صلى الله عليه وسلم "زيد ابن حارثة " على رأس جيش المسلمين لمحاربة المسيحيين، أوصاهم أن يحاربوا بشجاعة ولكن بإنسانية، وأن يتجنبوا إيذاء القساوسة والرهبان والضعفاء والعاجزين من الناس عن القتال، وأن لا يقتلوا المدنيين ولا يقطعوا الزرع ولا يهدموا البيوت"

6 . بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، حرص الخليفة أبو بكر الصديق الذي تولي أمر المسلمين على تطبيق العدالة، حتى أن المسلمين عاشوا مع سكان البلاد التي فتحوها مع السكان الوافدين في أمن وسلام. فقد طالب أبو بكر الصديق من ولاهم على هذه البلاد أن يحكموا بالعدل والرحمة. وكانت كل هذه المواقف إذعانا واتباعا لتعاليم القرآن. قبل الحملة الأولى على بلاد الشام وجه أبو بكر عدة وصايا ليزيد بن أبي سفيان قائلا:
"وإني لموصيك بعشر، لا تقتلن امرأة ولا صبيا ولا كبيرا هرما ولا تقطعن شجرا مثمرا ولا تخربن عامرا ولا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكله ولا تحرقن نخلا ولا تغرقنه ولا تغلل ولا تجبن "

7-وقد كان عمر ابن الخطاب، الخليفة الثاني للمسلمين بعد أبي بكر، مشهورا بعدالته. وعقد العديد من الاتفاقيات مع السكان الأصليين للبلدان التي فتحها المسلمون. وكل واحدة من هذه الاتفاقيات تبرهن على عدالته وتسامحه فعلى سبيل المثال، فقد ضمن الحماية للمسيحيين في القدس، ومنع هدم الكنائس ومنع المسلمون من الصلاة داخلها .

وقد ضمن عمر ابن الخطاب الحماية نفسها للمسيحيين في بيت لحم حيث أعطي وعدا للبطريرك صفرونيوس عام (650 – 660) بأن الكنائس لن تهدم أو تحول لدور أو جوامع . والرسالة التي كتبها البطريرك لأسقف بلاد الفرس توضح وتشرح مدي تسامح ورحمة المسلمين بأهل الكتاب :
"إن العرب الذين وهبهم الله حكم العالم اليوم، لا يضطهدون المسيحية، بل يحترمون هذا الدين ويوقرون القساوسة والقديسين ويحمون الكنائس والأديرة ."8

توضح كل هذه الأمثلة الهامة تفهم المسلمون للمعنى الحقيقي للعدالة والتسامح . ومن أوامر الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم :
"إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَاَن سَمِيعًا بَصِيرًا " (النساء : 58)
الراهب تايلور، واحد من أعضاء بعثة الكنيسة الإنجيلية، وصف في أحد خطاباته جمال المبادئ الإسلامية وأخلاقياتها قائلا:
"لقد وضع الإسلام القواعد الأساسية للدين وهي وحدانية وعظمة الله الرحيم الذي يدعو لطاعته والتوبة والإيمان. وقد حدد مسئولية الإنسان التي سيحاسب عليها يوم الدين وهي أن يبتعد عن ارتكاب المعاصي ويؤدي ما عليه من واجبات الصلاة والزكاة والصيام والصدقة، وأن يتجنب الرياء والنفاق والجدال في الدين، وقد أعطى هذا الدين الأمل للبشرية وحدد الملامح الأساسية للطبيعة الإنسانية ."9


تم تصغير هذه الصورة ... نقره على هذا الشريط لعرض الصورة بمقاسها الحقيقي علما بأن مقاسات الصورة قبل التصغير هو 634 في 247

"القدس التي حكمها المسلمون لفترات طويلة من الزمن، تعاني الآن من الحرب والصراع بدلا من الأمن والتسامح "
وقد كذب الباحثون الغربيون بقولهم بأن الإسلام انتشر بحد السيف في البلدان التي فتحها المسلمون بل أكدوا على عدالة وتسامح المسلمين في هذه البلاد، ومنهم الباحث الغربي "براون" الذي علق على هذه القضية قائلا:
"هذه الفكرة الراسخة بأن المسلمين أجبروا الناس على اعتناق الإسلام بحد السيف
ما هي إلا أفكار نشرها الكتاب المسيحيون "ويستمر "براون" قائلا في كتابه "تطلعات الإسلام" "إن الهدف الحقيقي وراء فتوحات المسلمين كان إخاء الإسلام . فالحكام الذين حكموا البلاد المسلمة علي مدي التاريخ كانوا يعاملون أصحاب الديانات الأخرى بكل تسامح واحترام. وفي داخل حدود هذه الدول الإسلامية عاش كل من المسيحيين واليهود في أمان متمتعين بالحرية الكاملة "10

البروفيسور "جون اسبوسيتو" ، أستاذ الدين والعلاقات الدولية بجامعة جورج تاون ، شرح مدي التسامح الذي وجده اليهود والمسيحيون في ظل الحكم الإسلامي:
"برهنت الجيوش المسلمة علي قدرتها الهائلة على فتح البلاد والحكم الفعال وأنها تبني ولا تدمر. فقد احتلوا مكان الحكام والجيوش الأصلية للبلدان المفتوحة مع الحفاظ على الكثير من موظفيهم وسياستهم وثقافتهم. وفي العديد من المناطق المفتوحة لم يتجاوز الأمر أكثر من تبديل الحاكم من أجل تهدئة الناس البائسة والثائرة من الضرائب التي فرضها هؤلاء الحكام خلال سنوات الحرب الفارسية البيزنطية . وخلال الحكم الإسلامي كانت الجماعات المحلية تمارس حياتها وشئونها الداخلية بطريقتها الخاصة وبحرية تامة .

وبكل المعاني فقد وجد السكان الاصليون مرونة وتسامحا من الحكام المسلمين لم يعهدوهما في البيزنطيين أو الفرس.أما الجماعات الدينية فكانت تمارس عقائدها بمنتهى الحرية وقد حكمها زعمائها بقوانينهم الخاصة والمتعلقة بأمور الحياة مثل الزواج والطلاق والميراث . وفي المقابل طلب منهم دفع الجزية كضريبة لحمايتهم والدفاع عنهم وإعفائهم من الخدمة العسكرية .
وقد نتج عن ذلك ضرائب أقل ، وحكم ذاتي محلي، ومزيدا من الحرية الدينية لليهود والأهالي والمسيحيين، وحكمهم الساميين الذين هم اقرب إليهم من حيث اللغة والثقافة اكثر من الإغريق، وهم نخبة كاثوليك بيزنطة .

اضطهد الأرثوذكس المسيحيون الأقباط و معظم الكنائس المسيحية باعتبارهم زنادقة. لهذا السبب ساعد كل من المسيحيين واليهود الجيوش المهاجمة باعتبارها أقل ظلما من سادتهم الأباطرة. وحقيقة فقد كونت تلك الفتوحات قبلة إسلامية في المناطق المنيعة المحصنة ."11
كفل الإسلام حقوق النساء، تلك الفئة التي انتهكت حقوقها كثيرا قبل الإسلام. وقد علق "بيرنارد لويس"، وهو واحد من أهم الخبراء الغربيين في الشرق الأوسط ، قائلا :
"بوجه عام، تحسنت أحوال المرأة بظهور الإسلام وانتشاره في البلدان العربية . حيث وهبهم حقوق الملكية إلى جانب بعض الحقوق الأخرى. وكفل لهم الحماية من سوء معاملة الأزواج وأولياء الأمور. وقد منع الإسلام وأد البنات الذي كان منتشرا في جزيرة العرب عند المشركين . ومن ناحية أخرى لم يتحسن وضع النساء في نواحي أخرى منذ أن فقدت رسالة الإسلام دوافعها وتأثرت بالعادات والتقاليد الاجتماعية التي وضعها البشر ."12 "
تميز عهد السلاجقة الأتراك وعهد العثمانيين بالعدل والتسامح، وكان للإسلام الفضل في ذلك. يوضح الباحث البريطاني "توماس أرنولد" في كتابه "انتشار الإسلام في العالم" رغبة المسيحيين في خضوعهم لحكم السلاجقة الأتراك للأسباب التالية:
"الإحساس بالأمن في ظل الحكم الإسلامي جعل مسيحيي آسيا الصغرى يرحبون بحكم السلاجقة الأتراك المسلمين. وفي عهد "مايكل الثامن" (1261 1282) طلب الأهالي من الأتراك أخذ ملكية المدن الصغيرة وذلك هربا من استبداد الإمبراطورية، وعندها هاجر الأغنياء والفقراء إلى المناطق التي تقع تحت حكم وسيادة الأتراك المسلمين. "13
وقد تقرب مالك شاه، حاكم إمبراطورية السلاجقة خلال أوج ازدهارها من سكان البلاد المفتوحة بواسطة التسامح والرحمة، ولذلك فقد ذكروه وتحدثوا عنه بكل الحب والاحترام. ويشير جميع المؤرخين المحايدين في أبحاثهم إلى عدالة هذا الشاه وتسامحه. وقد امتلأت قلوب أهل الكتاب بالحب والود تجاه هذا الحاكم. ولهذا السبب فقد خضعت العديد من المدن لحكم الشاه مالك بإرادتها الحرة، وهذا ما يندر وقوعه هبر التاريخ.

وقد ذكر القس "اودو دي ديوجيلو" الذي شارك في الحملة الصليبية الثانية بصفته القس الخاص بلويس السابع، ذكر في مذكراته التعامل الذي أظهره المسلمون تجاه الآخرين بغض النظر عن الدين أو العقيدة.
واستنادا إلى مذكرات "أودو دي ديوجيلو"، كتب توماس أرنولد:


"اندهش العديد من المسيحيين من التسامح والعطف الذي أظهره المسلمون حتى في ساحة المعركة حتى انهم أظهروا إعجابهم بسيرتهم ونرى في هذه الصورة تدشين الحملة الصليبية الثانية بواسطة لويس السابع".
"أما حالة الناجين من الحرب فقد كانت بائسة جدا. وتأثر المسلمون لحالتهم وأظهروا نحوهم الرحمة والشفقة. فقد خدموا مرضاهم وأطعموا الفقراء والمساكين منهم وعاملوهم بتسامح وكرم. وعندما حصل المسلمون على الأموال التي استولى عليها اليونانيون من المهاجرين بالقهر والخداع وزعوها على المحتاجين. ومما يثير العجب التناقض في المعاملة، فقد عامل المسلمون هؤلاء المهاجرين معاملة ملؤها الرحمة والشفقة، بينما لم يجدوا من إخوانهم في الدين سوى القسوة والغلظة. فاليونانيون هم الذين أجبروهم على العمل بالقوة وعذبوهم واستولوا حتى على القليل الذي يملكونه. وهكذا اعتنق العديد من هؤلاء المهاجرين الإسلام بكامل حريتهم وإرادتهم.

ويقول "أودو دي ديوجيلو" في مذكراته: "نفروا من إخوانهم في الدين الذين أظهروا القسوة نحوهم وانضموا إلى الكفرة الذين عاملوهم بالرحمة (يقصد المسلمين) . وكما سمعنا فإن أكثر من ثلاثة آلاف شخص لحقوا بالأتراك عندما تراجعوا "14
تكشف أقوال واعترافات المؤرخين أخلاق الحكام المسلمين الذين تبنوا المبادئ الأخلاقية الحقيقية للإسلام وحكموا بالتسامح والرحمة والعدل. وبنفس الطريقة، فقد ذكر التاريخ الدولة العثمانية التي حكمت في ثلاث قارات لعدة قرون، وهناك العديد من شواهد التسامح والرحمة في حكمهم.

إن الطريقة التي استقبل بها اليهود في الدولة العثمانية خلال حكم السلطان بايزيد الثاني، وذلك بعد تعرضهم للذبح والنفي على يد الملوك الكاثوليك في أسبانيا والبرتغال، هي أحسن مثال على رحمة الإسلام وعظمته.
فقد تعرض اليهود الذين عاشوا في ظل الحكم الإسباني في الأندلس في فترات سابقة إلى ظلم لا يحتمل من الملوك الكاثوليك الذين حكموا مناطق عديدة من أسبانيا. بينما كان من الممكن أن يعيش كل من المسلمين والمسيحيين واليهود جنبا إلى جنب في سلام، وبالرغم من ذلك فقد أجبر الملوك الكاثوليك السكان على اعتناق المسيحية وأعلنوا الحرب على المسلمين واضطهدوا اليهود أيضا.

ونتيجة لذلك فقد أزيح الحكم الإسلامي من آخر منطقة وهي غرناطة في جنوب أسبانيا عام 1492 م ، وتعرض المسلمون لمذابح مروعة ونفي اليهود الذين رفضوا تغيير دينهم.

تم تصغير هذه الصورة ... نقره على هذا الشريط لعرض الصورة بمقاسها الحقيقي علما بأن مقاسات الصورة قبل التصغير هو 636 في 384

"انتهي حكم المسلمين في أسبانيا عام 1492 عندما دخلت جيوش الملك فرناند والملكة ايزابيلا إلى غرناطة. وتوضح هذه الصورة استسلام المدينة."
طلب مجموعة من اليهود المشردين بلا وطن اللجوء إلى الإمبراطورية العثمانية، فسمحت لهم بذلك. وقد أحضر الأسطول العثماني بقيادة كمال ريس اليهود المنفيين والمسلمين الذين تعرضوا للمذابح إلى الأراضي العثمانية.
وقد ذكر التاريخ أن السلطان بايزيد الثاني من أكثر حكام آل عثمان تقوى وورعا. وفي ربيع عام 1492 استقر اليهود الذين ظلموا وطردوا من أسبانيا في أجزاء من الدولة مثل "أدرنه" و"سالوينكا" التي توجد حاليا في اليونان. والغالبية العظمى من الخمسة وعشرين ألف يهودي الذين يعيشون في تركيا الآن هم أحفاد هؤلاء اليهود الأسبان. وقد تكيفوا بدينهم وعادتهم التي جلبوها معهم من أسبانيا منذ حوالي 500 عام مع واقع الحياة التركية، ومارسوا العبادة بكل حرية وأمان، ولهم مدارسهم ومستشفياتهم وجمعياتهم ودور العجزة الخاصة بهم. ومنهم أيضا التجار ورجال الأعمال ويوجد من يمثلهم في كل مهنة بداية سواء في المجالات التقنية أو في الدوائر الثقافية .





"كان السلطان بايزيد الثاني الحاكم المسلم قد رحب باليهود الذين هربوا من الاضطهاد الأسباني وكفل لهم حرية العبادة على الأرض المسلمة."
عاشت الجماعات اليهودية في خوف من الهجمات ضد السامية في البلاد الأوربية ولعدة قرون، بينما عاشوا في تركيا بأمن وسلام . ويكفي هذا المثال وحده لإثبات التسامح والعدل الّذيْن أوصى بهما الإسلام.
الرحمة والتسامح والأخلاق الكريمة التي أظهرها السلطان بايزيد الثاني تميز جميع السلاطين العثمانيين. فعندما فتح السلطان محمد الفاتح القسطنطينية سمح لليهود والمسيحيين بالعيش بحرية تامة.

كتب "اندر ميكول" صاحب العديد من الأعمال القيمة، عن فضائل الإسلام قائلا:
"وقد عاشت الجماعات المسيحية تحت حكم عادل لم تتمتع به خلال الحكم البيزنطي اللاتيني، بل إنهم تعرضوا للاضطهاد على يد إخوانهم. وفي المقابل أصبحت الإمبراطورية العثمانية وخاصة اسطنبول مأوى لليهود الأسبان المضطهدين. ولم يجبر الناس على اعتناق الإسلام، ولكن انتشار الإسلام جاء نتيجة طبيعية للتطورات الاجتماعية ."15
وكما يتضح من هذه الحقائق، لم يكن المسلون ظالمين في أي فترة من فترات التاريخ . بل إنهم رسخوا قيم السلام أينما ذهبوا مع كل البلاد والعقائد وسلكوا سلوكا طيبا تجاه كل الناس، والتزموا بقول الله تعالى:
"وَاعْبُدُوا الله وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي القُرْبَى وَالْيَتَامى وَالمَسَاكِين وَالجَارِ ذِي القُربَى وَالجَارِ الجَنْبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنْبِ وَابنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا " (النساء : 36)



"كان فتح السلطان محمد الفاتح لاسطنبول عهدا جديدا يتميز بالحرية لليهود والمسيحيين الذين تعرضوا للظلم عدة قرون على يد الحكام الرومان والبيزنطيين."

وباختصار فإنّ الصداقة والأخوة والسلام والحب هي القواعد الأساسية للمبادئ والأخلاقيات القرآنية التي يحاول المسلمون التمسك بها.
(لمزيد من التفاصيل انظر: كتاب هارون يحيى "العدل والتسامح في القرآن" )



"منح السلطان محمد الفاتح العديد من الامتيازات للبطريرك، فقد تمتع بالاستقلال لأول مرة في التاريخ وذلك تحت الحكم التركي. ونرى في الصورة السلطان محمد الفاتح يستقبل البطريرك. "



"الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ " (الأنعام : 82)

يتبع ان شاء الله