بقلم عماد المغربي
ديانة البابليين: بعد أن بسط البابليون نفوذهم على جيرانهم السومريين في بلاد الرافدين، توسعت رقعة بلادهم ودالت دولتهم في عهد حمورابي. وقد تجلت ديانتهم في ملحمة التكوين (إينوما إيليش Elish-Enuma) وملحمة جلجامش، ويعود تاريخ كتابتها إلى 2000 ق.م. وقد وجدت هذه الملحمة موزعة على سبعة ألواح فخارية في الحفريات المكتشفة للملك آشور بانيبال. وتعني إينوما: عندما، وإيليش: في الأعالي.. وتعني أي عندما لم يكن في الأعالي سماء، ولا في الأسفل ارض.. وتفيد الأسطور: "أنه لم يكن في البدء سوى محيط مائي شاسع ممثل في الإله (أبسو Apsu وهو الماء العذب) والآلهة (تهامة Tihamat زوجته وهي الماء المالح) والإله (ممو) وهو الأمواج الناشئة عن المياه الأولى أو الضباب المنتشر فوق المياه والناشئ عنها. وهذه الكتلة المائية التي تملأ الكون هي العماء الأول (غيم رقيق يحجب بين الناظر والشمس) ثم انبثقت عنهما فيما بعد بقية الآلهة وكل الموجودات الكونية. ولما كان الثلاثة يمزجون أمواجهم معاً، لم يكن هناك زمان ولا مكان، وتكونت الماء والأرض من جسد الآلهة التي شطرها مردوخ إلى شطرين قاد إلى الصراع المرير بينهما. ومن ثم خلق الإنسان من دماء الإله (كينغو Kingo زوج تهامة بعد مقتل زوجها الإله "إبو") وهو الذي حرضها على الثورة. وقد مثّل بعد مصرع زوجته عقاباً لها. وأعطي الحياة ليكدح على الأرض ويقدم للآلهة طعامها ثم بنت الآلهة مدينة بابل (وتعني بيت الآلهة) تكريماً للإله الأكبر مردوخ وخالق الكون(5)... وقد أنجبت الآلهة عدة أنواع من الآلهات ثارت على أبويها: أبسو وتهامة.. وبعد مقتل تهامة واصل أبسو المعركة دفاعاً عن نفسه، فولد إنساناً بشعاً ذا أنياب كبيرة وسامة، عقاباً لـه على غرار الوحوش مثل: الصل، التنين، الأسد، الكلب المسعور، الرجل العقرب، الذبابة الطنانة، وقد تنطح لمردوخ ودارت بينهما المعركة.. وتقول هنا الأسطورة:
"وتقدما للقاءِ تهامةَ ومردوخ، أحكما الآلهة
وتدانيا للقتالِ واقتربا وطوقُها بها
وأطلق في وجهِهِا ريحَ الأذى الذي كانت تتبعه
ولما فغرت تهامَةَ فاههَا لتفترسَه أطلقَ ريحَ الأذى
لئلا تستطيعَ إطباقَ شفتيها وملأت الرياحُ الهائجةُ بطنَها فانتفخَ جسمُها وفتحت فاهَها
وأطلق سهماً مزّق بطنَها وهتَك أحشاءها
وشق فؤادَها فصنع من شطرِ جسمِها قبعةَ السماء ومن الآخر الأرضَ
ووضع النجوم ثم بدأ بخلق النباتات والحيوانات وأخذ الترابَ ومزجه بدمِ الإله كينغو.
. وصنع الإنسانَ على أن يكون خادماً للآلهة.."
وعند تمام الخلق احتفلت الآلهة بانتصار مردوخ وبنيت لـه مدينة بابل.. وخلعت عليه خمسين اسماً من ألقاب التشريف العظيم. وعدد الألواح التي تحمل هذه الأسطورة سبعة وهي عقيدة البابليين (السبعية).. وسنرى هذه الألواح والرقم سبعة منسوخة تماماً في التوراة ويمكن أن نجد تفسيرات عديدة بصيغ العصر من مذهب البابليين، منها الطوطمية (Totemism) والمبدأ الحيوي (Animism) والقوى الخارقة. وتعدد الآلهة (Polytheism) والمشبهة (Anthropomophism) إذ أنسن البابليون آلهتهم وأعطوها صفات بشرية روحية ومادية كالصورة والأعضاء والفكر والعواطف الإنسانية. وكان لكل زمن إله خاص يحميه وشفيع يتوسط لـه عند الآلهة. كما جعلوا أسماء الآلهة تدخل في أسمائهم مثل: (إيلي ـ دوري) "إلهي خصني "إليما ـ أبي" أسماء الملوك مثل: (فرام ـ سين "محبوب الإله القمر"، أدد ـ نراري "الإله أدد مساعدي"، بنور كدوري أوصر (نبوخذ نصر) "إله نبو يحمي الحدود"... الخ.).
المفضلات