7- الفئة السابعة من الآيات وهي الدلائل قاطعة

أ- عتاب من الله لرسوله
هل لو كان مدعي نبوة أظهر هذا العتاب .. أم انه سيظهر فقط كل ما فيه مدح وشكر

عَبَسَ وَتَوَلَّى 1 أَن جَاءهُ الْأَعْمَى 2 وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى 3 أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى 4 أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى 5 فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى 6 وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى 7 وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى 8 وَهُوَ يَخْشَى 9 فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى 10 - سورة عبس
الآية عتاب من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في إعراضه وتوليه عن عبد الله بن أم مكتوم . ويقال : عمرو بن أم مكتوم , واسم أم مكتوم عاتكة بنت عامر بن مخزوم , وعمرو هذا : هو ابن قيس بن زائدة بن الأصم , وهو ابن خال خديجة رضي الله عنها . أقبل ابن أم مكتوم والنبي صلى الله عليه وسلم مشتغل بمن حضره من وجوه قريش يدعوهم إلى الله تعالى , وقد قوي طمعه في إسلامهم وكان في إسلامهم إسلام من وراءهم من قومهم , فجاء ابن أم مكتوم وهو أعمى فقال : يا رسول الله علمني مما علمك الله , وجعل يناديه ويكثر النداء , ولا يدري أنه مشتغل بغيره , حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقطعه كلامه , وقال في نفسه : يقول هؤلاء : إنما أتباعه العميان والسفلة والعبيد ; فعبس وأعرض عنه , فنزلت الآية . قال الثوري : فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا رأى ابن أم مكتوم يبسط له رداءه ويقول : [ مرحبا بمن عاتبني فيه ربي ] . ويقول : [ هل من حاجة ] ؟ واستخلفه على المدينة مرتين في غزوتين غزاهما . قال أنس : فرأيته يوم القادسية راكبا وعليه درع ومعه راية سوداء . قال علماؤنا : ما فعله ابن أم مكتوم كان من سوء الأدب لو كان عالما بأن النبي صلى الله عليه وسلم مشغول بغيره , وأنه يرجو إسلامهم , ولكن الله تبارك وتعالى عاتبه حتى لا تنكسر قلوب أهل الصفة.


ب- اظهار أمر كان يخفيه رسول الله
لماذا لو كان رسول الله مدعي نبوة أوهو من كتب القرآن يذكر هذه الآية

وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا 37 مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا 38 الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا 39 مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا 40 - الأحزاب
نزلت في شأن زينب بنت جحش وزيد بن حارثة . وقال عمرو بن مسعود وعائشة والحسن : ما أنزل الله على رسوله آية أشد عليه من هذه الآية . وقال الحسن وعائشة : لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية لشدتها عليه . وروي في الخبر أنه : أمسى زيد فأوى إلى فراشه , قالت زينب : ولم يستطعني زيد , وما أمتنع منه غير ما منعه الله مني , فلا يقدر علي . هذه رواية أبي عصمة نوح بن أبي مريم , رفع الحديث إلى زينب أنها قالت ذلك . وفي بعض الروايات : أن زيدا تورم ذلك منه حين أراد أن يقربها , فهذا قريب من ذلك . وجاء زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن زينب تؤذيني بلسانها وتفعل وتفعل ! وإني أريد أن أطلقها , فقال له : ( أمسك عليك زوجك واتق الله ) الآية

وروي عن علي بن الحسين : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أوحى الله تعالى إليه أن زيدا يطلق زينب , وأنه يتزوجها بتزويج الله إياها , فلما تشكى زيد للنبي صلى الله عليه وسلم خلق زينب , وأنها لا تطيعه , وأعلمه أنه يريد طلاقها , قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم على جهة الأدب والوصية : ( اتق الله في قولك وأمسك عليك زوجك ) وهو يعلم أنه سيفارقها ويتزوجها , وهذا هو الذي أخفى في نفسه , ولم يرد أن يأمره بالطلاق لما علم أنه سيتزوجها ,

وخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحقه قول من الناس في أن يتزوج زينب بعد زيد , وهو مولاه , وقد أمره بطلاقها , فعاتبه الله تعالى على هذا القدر من أن خشي الناس في شيء قد أباحه الله له , بأن قال : " أمسك " مع علمه بأنه يطلق . وأعلمه أن الله أحق بالخشية , أي في كل حال . قال علماؤنا رحمة الله عليهم : وهذا القول أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية , وهو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين والعلماء الراسخين.. والحكمة كما اتضح لنا من ذلك هو تحريم التبني واحلال ما يترتب عليه .


ج – امتناع نزول الوحي
وحدث ذلك مرتان كان الرسول في أشد الحاجة لنزول الوحي عليه ولو كان هو من يكتب القرآن لرد فوراً .. أو على الأقل لأخفى عتاب الله له كما سنرى الآن في

المرة الأولى
حينما سأله الكفار أو قيل اليهود عن بعض أشياء مثل ( ذو القرنين – الروح ... ) فلم يقل إن شاء الله .. فتاخر الوحي .. وحتى حينما نزل .. نزل بأمر الله له بان لا يقل أنه سوف يفعل أي شيئا غدا إلا أن يشاء هو .. سبحانه ...

وأيضاً هذا دليل على نبوته .. ثم حتى ما أجابهم به صلى الله عليه وسلم فأسكت اليهود الذين يعلمون عن خبر ذو القرنين ( والذي يقال أنه قورش ) والذي كان الفرس ولكنه آمن و أعادهم من الأسر في بابل ولذلك أحبوه وذكروه حينما أرادوا أن يسألوا رسول الله ويختبروه ..

وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا 23 إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا 24 - الكهف

قال العلماء عاتب الله تعالى نبيه عليه السلام على قوله للكفار حين سألوه عن الروح والفتية وذي القرنين : غدا أخبركم بجواب أسئلتكم ; ولم يستثن في ذلك . فاحتبس الوحي عنه خمسة عشر يوما حتى شق ذلك عليه وأرجف الكفار به , فنزلت عليه هذه السورة مفرجة . وأمر في هذه الآية ألا يقول في أمر من الأمور إني أفعل غدا كذا وكذا , إلا أن يعلق ذلك بمشيئة الله عز وجل حتى لا يكون محققا لحكم الخبر ; فإنه إذا قال : لأفعلن ذلك ولم يفعل كان كاذبا , وإذا قال لأفعلن ذلك إن شاء الله خرج عن أن يكون محققا للمخبر عنه . واللام في قوله " لشيء " بمنزلة في , أو كأنه قال لأجل شيء .

وكما نرى فلم يجب رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء من تلقاء نفسه .. ولم يعطي اجابه لكل شيء .. فعن الروح قال لهم ( أن الروح من أمر ربي ) وحتى يومنا هذا والى يوم القيامة لن يعرف أحداً شيئاً عن ما هي الروح وهذا السر الذي يجعل هذا الجسد يتحرك والآخر يتحول إلى تراب .. فهذا رد الله عليهم و ما يزال قائما حتى اليوم .. فلن يستطيع أحدا مهما وصلت الانسانية من علم لمعرفة ما هية الروح ... وقد أكد القرآن على هذا التحدي بقوله قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ( وهناك أكثرمن تحدي مفتوح أي متاح لمن يريد أن يرد ليومنا هذا وهي أيضا من دلائل النبوة .. جاءت في أكثر من آية ليس المجال الآن لذكرها )

المرة الثانية
وهي أشد وطأه على رسول الله وأهل بيته ولو كان مدعي نبوة أو هو من كتب القرآن لكتب فورا كلام يبرئ به زوجته ولكنه الوحي وكلام الله وقد تاخر نزول القرآن قرابة شهر .. حتى نزل قوله تعالى

إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ 11 لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ 12 لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ 13 - النور

هذه الحادثة من أكبر دلائل النبوة إذ أن الوحي تأخر على رسول الله لأكثر من شهر ولو كان مدعيا أو هو من يكتب القرآن أو حتى يستعين بأحد لكتابته لكتب هذه الآيات فورا خاصة لو علمنا مدى الضيق الذي أصابه وأهل بيته ولنرى ما ترويه الأحاديث وتفسير ابن كثير عن هذه الآيات
تفسير ابن كثير :
هذه العشر الآيات كلها نزلت في شأن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها حين رماها أهل الإفك والبهتان من المنافقين بما قالوه من الكذب البحت والفرية التي غار الله عز وجل لها ولنبيه صلوات الله وسلامه عليه فأنزل الله تعالى براءتها صيانة لعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ف " إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم " أي جماعة منكم يعني ما هو واحد ولا اثنان بل جماعة فكان المقدم هذه اللعنة عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين فإنه كان يجمعه ويستوشيه حتى ذلك في أذهان بعض المسلمين فتكلموا به وجوزه آخرون منهم وبقي الأمر كذلك قريبا من شهر حتى نزل القرآن .. و بيان تلك القصة كاملة أوردته كما جاء في الأحاديث الصحيحة (انظر ملحق 2 )