1529 " لتملأن الأرض جورا و ظلما , فإذا ملئت جورا و ظلما , بعث الله رجلا مني ,
اسمه اسمي , فيملؤها قسطا و عدلا , كما ملئت جورا و ظلما " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 4 / 38 :
أخرجه البزار ( ص 236 - 237 - زوائد ابن حجر ) و ابن عدي في " الكامل " ( 129 /
1 ) و أبو نعيم في " أخبار أصبهان " ( 2 / 165 ) عن داود بن المحبر حدثنا أبي
المحبر بن قحذم عن أبيه قحذم بن سليمان عن # معاوية بن قرة عن أبيه # مرفوعا .
و قال البزار : " رواه معمر عن هارون عن معاوية بن قرة عن أبي الصديق عن أبي
سعيد , و داود و أبوه ضعيفان " . و كذا ضعفهما الهيثمي في " المجمع " ( 7 / 314
) فقال : " رواه البزار و الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " من طريق داود بن
المحبر بن قحذم عن أبيه , و كلاهما ضعيف " . كذا قال ! و أما في " زوائد البزار
" فقد تعقب البزار بقوله عقب كلامه الذي نقلته آنفا : " قلت : بل داود كذاب " .
و أقول : هو كما قال , و لكن ألا يصدق فيه قوله صلى الله عليه وسلم في قصة
شيطان أبي هريرة : " صدقك و هو كذوب " , فإن هذا الحديث ثابت , عنه صلى الله
عليه وسلم من طرق كثيرة عن جمع من الصحابة , منها طريق أبي الصديق التي أشار
إليها البزار , غاية ما في الأمر أن يكون داود بن المحبر كذب خطأ أو عمدا في
إسناده الحديث إلى والد معاوية بن قرة فإن المحفوظ أنه من رواية معاوية بن قرة
عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري به . هكذا أخرجه الحاكم ( 4 / 465 )
من طريق عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني حدثنا عمر ( و في " تلخيص المستدرك "
: عمرو ) بن عبيد الله العدوي عن معاوية بن قرة عن أبي الصديق الناجي عن أبي
سعيد الخدري مرفوعا به أتم منه و قال : " صحيح الإسناد " !
قلت : و رده الذهبي بقوله : " قلت : سنده مظلم " . و كأنه يشير إلى جهالة
العدوي هذا , فإني لم أجد من ترجمه , لا فيمن اسمه ( عمر ) و لا في ( عمرو ) .
لكن رواية معمر عن هارون - و هو ابن رئاب - التي علقها البزار , تدل على أنه قد
حفظه عن معاوية , و هذا هو الصواب الذي نقطع به لأن لمعاوية متابعات كثيرة بل
هو عندي متواتر عن أبي الصديق عن أبي سعيد الخدري , أصحها طريقان عنه :
الأولى : عوف بن أبي جميلة حدثنا أبو الصديق الناجي عن أبي سعيد مرفوعا بلفظ :
" لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلما و جورا و عدوانا , ثم يخرج رجل من عترتي
أو من أهل بيتي يملؤها قسطا و عدلا , كما ملئت ظلما و عدوانا " . أخرجه أحمد (
3 / 36 ) و ابن حبان ( 1880 ) و الحاكم ( 4 / 557 ) و أبو نعيم في "الحلية " (
3 / 101 ) , و قال الحاكم : " صحيح على شرط الشيخين " . و وافقه الذهبي و هو
كما قالا , و أشار إلى تصحيحه أبو نعيم بقوله عقبه : " مشهور من حديث أبي
الصديق عن أبي سعيد " . فإنه بقوله : " مشهور " يشير إلى كثرة الطرق عن أبي
الصديق , كما تقدم , و أبو الصديق اسمه بكر بن عمرو , و هو ثقة اتفاقا محتج به
عند الشيخين و جميع المحدثين , فمن ضعف حديثه هذا من المتأخرين , فقد خالف سبيل
المؤمنين , و لذلك لم يتمكن ابن خلدون من تضعيفه , مع شططه في تضعيف أكثر
أحاديث المهدي بل أقر الحاكم على تصحيحه لهذه الطريق و الطريق الآتية , فمن نسب
إليه أنه ضعف كل أحاديث المهدي فقد كذب عليه سهوا أو عمدا .
الثانية : سليمان بن عبيد حدثنا أبو الصديق الناجي به , و لفظه : " يخرج في
أمتي المهدي , يسقيه الله الغيث و تخرج الأرض نباتها و يعطي المال صحاحا و تكثر
الماشية و تعظم الأمة , يعيش سبعا أو ثمانيا يعني حججا " . أخرجه الحاكم ( 4 /
557 - 558 ) و قال : " صحيح الإسناد " . و وافقه الذهبي و ابن خلدون أيضا فإنه
قال عقبه في " المقدمة " ( فصل 53 ص 250 ) : " مع أن سليمان بن عبيد لم يخرج له
أحد من الستة لكن ذكره ابن حبان في " الثقات " , و لم يرد أن أحدا تكلم فيه " .
قلت : و وثقه ابن معين أيضا , و قال أبو حاتم : " صدوق " . فهو إسناد صحيح كما
تقدم عن الحاكم و الذهبي و ابن خلدون . و بقية الطرق و الشواهد قد خرجتها في
" الروض النضير " تحت حديث ابن مسعود ( 647 ) من طرق عن عاصم بن أبي النجود عن
زر بن حبيش عنه . و رواه أصحاب السنن و كذا الطبراني في " الكبير " أيضا (
10213 - 10230 )و صححه الترمذي و الحاكم و ابن حبان ( 1878 ) و لفظه عند أبي
داود " لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلا مني
أو من أهل بيتي , يواطئ اسمه اسمي و اسم أبيه اسم أبي , يملأ الأرض ... "
الحديث و ممن صححه شيخ الإسلام ابن تيمية , فقال في " منهاج السنة " ( 4 / 211
) : " إن الأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة , رواها أبو
داود و الترمذي و أحمد و غيرهم من من حديث ابن مسعود و غيره " . و كذا في
" المنتقى من منهاج الاعتدال " للذهبي ( ص 534 ) .
قلت : فهؤلاء خمسة من كبار أئمة الحديث قد صححوا أحاديث خروج المهدي , و معهم
أضعافهم من المتقدمين و المتأخرين أذكر أسماء من تيسر لي منهم :
1 - أبو داود في " السنن " بسكوته على أحاديث المهدي .
2 - العقيلي .
3 - ابن العربي في " عارضة الأحوذي " .
4 - القرطبي كما في " أخبار المهدي " للسيوطي .
5 - الطيبي كما في " مرقاة المفاتيح " للشيخ القاريء ?
6 - ابن قيم الجوزية في " المنار المنيف " , خلافا لمن كذب عليه .
7 - الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " .
8 - أبو الحسن الآبري في " مناقب الشافعي " كما في " فتح الباري " .
9 - الشيخ علي القارئ في " المرقاة " .
10 - السيوطي في " العرف الوردي " .
11 - العلامة المباركفوري في " تحفة الأحوذي " .
و غيرهم كثير و كثير جدا .
بعد هذا كله أليس من العجيب حقا قول الشيخ الغزالي في " مشكلاته " التي صدرت
عنه حديثا ( ص 139 ) : " من محفوظاتي و أنا طالب أنه لم يرد في المهدي حديث
صريح , و ما ورد صريحا فليس بصحيح " ! فمن هم الذين لقنوك هذا النفي و حفظوك
إياه و أنت طالب ? أليسوا هم علماء الكلام الذين لا علم عندهم بالحديث , و
رجاله , و إلا فكيف يتفق ذلك مع شهادة علماء الحديث بإثبات ما نفوه ? ! أليس في
ذلك ما يحملك على أن تعيد النظر فيما حفظته طالبا , لاسيما فيما يتعلق بالسنة و
الحديث تصحيحا و تضعيفا , و ما بني على ذلك من الأحكام و الآراء , ذلك خير من
أن تشكك المسلمين في الأحاديث التي صححها العلماء لمجرد كونك لقنته طالبا , و
من غير أهل الاختصاص و العلم ? !
و اعلم يا أخي المسلم أن كثير من المسلمين اليوم قد انحرفوا عن الصواب في هذا
الموضوع , فمنهم من استقر في نفسه أن دولة الإسلام لن تقوم إلا بخروج المهدي !
و هذه خرافة و ضلالة ألقاها الشيطان في قلوب كثير من العامة , و بخاصة الصوفية
منهم , و ليس في شيء من أحاديث المهدي ما يشعر بذلك مطلقا , بل هي كلها لا تخرج
عن أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر المسلمين برجل من أهل بيته , و وصفه بصفات
بارزة أهمها أنه يحكم بالإسلام و ينشر العدل بين الأنام , فهو في الحقيقة من
المجددين الذين يبعثهم الله في رأس كل مائة سنة كما صح عنه صلى الله عليه وسلم
, فكما أن ذلك لا يستلزم ترك السعي وراء طلب العلم و العمل به لتجديد الدين ,
فكذلك خروج المهدي لا يستلزم التواكل عليه و ترك الاستعداد و العمل لإقامة حكم
الله في الأرض , بل على العكس هو الصواب , فإن المهدي لن يكون أعظم سعيا من
نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي ظل ثلاثة و عشرين عاما و هو يعمل لتوطيد
دعائم الإسلام , و إقامة دولته فماذا عسى أن يفعل المهدي لو خرج اليوم فوجد
المسلمين شيعا و أحزابا , و علماءهم - إلا القليل منهم - اتخذهم الناس رؤسا !
لما استطاع أن يقيم دولة الإسلام إلا بعد أن يوحد كلمتهم و يجمعهم في صف واحد ,
و تحت راية واحدة , و هذا بلا شك يحتاج إلى زمن مديد الله أعلم به , فالشرع
و العقل معا يقتضيان أن يقوم بهذا الواجب المخلصون من المسلمين , حتى إذا خرج
المهدي , لم يكن بحاجة إلا أن يقودهم إلى النصر , و إن لم يخرج فقد قاموا هم
بواجبهم , و الله يقول : *( و قل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله )* .
و منهم - و فيهم بعض الخاصة - من علم أن ما حكيناه عن العامة أنه خرافة و لكنه
توهم أنها لازمة لعقيدة خروج المهدي , فبادر إلى إنكارها , على حد قول من قال :
" و داوني بالتي كانت هي دواء " ! و ما مثلهم إلا كمثل المعتزلة الذين أنكروا
القدر لما رأوا أن طائفة من المسلمين استلزموا منه الجبر !! فهم بذلك أبطلوا ما
يجب اعتقاده , و ما استطاعوا أن يقضوا على الجبر ! و طائفة منهم رأوا أن عقيدة
المهدي قد استغلت عبر التاريخ الإسلامي استغلالا سيئا , فادعاها كثير من
المغرضين , أو المهبولين , و جرت من جراء ذلك فتن مظلمة , كان من آخرها فتنة
مهدي ( جهيمان ) السعودي في الحرم المكي , فرأوا أن قطع دابر هذه الفتن , إنما
يكون بإنكار هذه العقيدة الصحيحة ! و إلى ذلك يشير الشيخ الغزالي عقب كلامه
السابق ! و ما مثل هؤلاء إلا كمثل من ينكر عقيدة نزول عيسى عليه السلام في آخر
الزمان التي تواتر ذكرها في الأحاديث الصحيحة , لأن بعض الدجاجلة ادعاها , مثل
ميرزا غلام أحمد القادياني , و قد أنكرها بعضهم فعلا صراحة , كالشيخ شلتوت ,
و أكاد أقطع أن كل من أنكر عقيدة المهدي ينكرها أيضا , و بعضهم يظهر ذلك من
فلتات لسانه , و إن كان لا يبين . و ما مثل هؤلاء المنكرين جميعا عندي إلا كما
لو أنكر رجل ألوهية الله عز وجل بدعوى أنه ادعاها بعض الفراعنة ! ( فهل من مدكر
) .
المفضلات