سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله -‏:‏ عن حكم الزيادة في دعاء القنوت على الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في تعليمه الحسن بن علي بن أبي طالب – رضي الله عنهما -‏؟‏
فأجاب – حفظه الله – بقوله‏:‏ الزيادة على ذلك لا بأس بها؛ لأنه إذا ثبت أن هذا موضع دعاء ولم يحدد هذا الدعاء بحد ينهى عن الزيادة فيه فالأصل أن الإنسان يدعو بما شاء، ولكن بعد المحافظة على ما ورد‏.‏ بمعنى أن يقدم الوارد ومن شاء أن يزيد فلا حرج، ولهذا ورد عن الصحابة – رضي الله عنهم – أنهم يلعنون الكفرة في قنوتهم مع أن هذا لم يرد فيما علمه النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي بن أبي طالب، وحينئذ لا يبقى في المسألة إشكال، على أن لفظ الحديث‏:‏ ‏(‏علمني دعاءً أدعو به في قنوت الوتر‏)‏‏(57)‏ وهذا قد يقال إن ظاهره أن هناك دعاء آخر سوى ذلك؛ لأنه يقول‏:‏ ‏(‏دعاء أدعو به في قنوت الوتر‏)‏‏.‏ وعلى كل فإن الجواب أن الزيادة على ذلك لا بأس بها وعلى الإنسان أن يدعو بدعاء مناسب من جوامع الدعاء مما يهم المسلمين في أمور دينهم ودنياهم‏.‏



وسئل فضيلة الشيخ‏:‏ ثبت في دعاء القنوت أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو بقوله‏:‏ ‏(‏اللهم اهدنا فيمن هديت‏.‏‏.‏ إلى قوله‏:‏ تبارك ربنا وتعاليت‏)‏‏.‏ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏صلوا كما رأيتموني أصلي‏)‏‏(58)‏‏.‏ فهل تجوز الزيادة على هذا الدعاء‏؟‏

فأجاب بقوله‏:‏ هذا القول لم يثبت من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما من تعليمه للحسن بن علي، وقد قال الحسن للرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏علمني دعاءً أدعو به في قنوت الوتر‏)‏‏(59)‏‏.‏ ولم يقل علمني دعاء قنوت الوتر‏.‏ وهذا يدل على أن قنوت الوتر أوسع من هذا الدعاء؛ لأن ‏(‏في‏)‏ للظرفية، والظرف أوسع من المظروف، وهذا يدل أن الدعاء في قنوت الوتر أوسع من هذا‏.‏

فلا بأس أن يزيد الإنسان على هذا الدعاء في قنوت الوتر، وإن كان وحده فليدع بما شاء، ولكن الأفضل أن يختار الإنسان جوامع الدعاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بجوامع الدعاء، ويدع ما دون ذلك‏.‏ وينبغي للإمام أن لا يطيل على الناس وألا يشق عليهم‏.‏ ولهذا لما جاء الرجل يشكو معاذاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يطيل بهم في صلاة العشاء، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال‏:‏ ‏(‏أيها الناس إن منكم منفرين، فأيكم أم الناس فليوجز‏)‏‏(60)‏‏.‏ وهذا دليل على أن الإمام يجب عليه أن يراعي حال من وراءه، فلا يشق عليهم حتى بقراءة الصلاة‏.‏


وسئل فضيلته‏:‏ ذكرتم أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مكانها في الصلاة هو التشهد، ولا تفعل في القنوت، وإن فعلت لا يداوم عليها‏.‏ ولكن روى القاضي إسماعيل بن إسحاق الجهضمي المالكي في كتابه‏:‏ ‏"‏فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم‏"‏ قال‏:‏ حدثنا محمد بن المثنى قال‏:‏ حدثنا معاذ بن هشام قال‏:‏ حدثني أبي عن قتادة عن عبد الله بن الحارث أن أبا حليمة معاذ كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت، وعبد الله بن الحارث‏:‏ هو أبو الوليد البصري ثقة من رجال الشيخين، وأبو حليمة معاذ‏:‏ هو ابن الحارث الأنصاري القارئ‏.‏ قال ابن أبي حاتم‏:‏ وهو الذي أقامه عمر يصلي بهم في شهر رمضان صلاة التراويح‏.‏ والأثر رواه ابن نصر في قيام الليل بلفظ‏:‏ ‏"‏كان يقوم في القنوت في رمضان يدعو ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويستسقي الغيث‏"‏‏.‏ في هذا الأثر أنه كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت بمحضر أكابر الصحابة من المهاجرين والأنصار ولم ينكر عليه أحد، فهو كالإجماع على جواز ذلك‏.‏ ولفظ ‏(‏كان‏)‏ يشعر بالمداومة على ذلك، نرجو البيان‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ أولاً‏:‏ قبل الإجابة على هذا السؤال أنا أحمد الله سبحانه وتعالى أننا نجد من إخواننا من يعتنون بالحديث وبأسانيد الحديث ويحرصون عليه؛ لأن هذه طريقة طيبة جداً، ونحن نحبذها، ونود أن تكون علوم الشباب مبنية على ذلك؛ لأن السند هو الطريق إلى ثبوت الأحكام أو نفيها‏.‏ ولكن في هذا السند شيء من الآفات‏:‏ أولها‏:‏ عنعنة قتادة، وقتادة – رحمه الله – وإن كان ثقة لكنه من المدلسين، والمدلس إذا عنعن فإنه لا يقبل حديثه إلا إذا علم أنه جاء من طريق آخر مصرحاً فيه بالسماع‏.‏

وكذلك أيضاً يقول معاذ بن هشام عن أبيه‏.‏
ثم إن قول السائل في آخر السؤال إن ذلك بمحضر أكابر الصحابة – رضي الله عنهم – ‏(‏من المهاجرين والأنصار‏)‏‏.‏

هذا في الحقيقة غير مسلم؛ لأن المهاجرين والأنصار في عهد أمير المؤمنين عمر – رضي الله عنه – تفرق منهم أناس في الأمصار، في البصرة وفي الكوفة وفي غيرهما، فليس ذلك بمحضر منهم، وإنما هو بمحضر من هؤلاء الذين يصلون في المسجد – إن صح الأثر – ثم إن هذه المقدمة التي توصل بها السائل إلى أن يجعل ذلك مثل الإجماع أو إجماعاً، فأنا ما علمت أحداً من أهل العلم سلك مثل هذه الطريقة بحيث يجعل ما عمل في مسجد من مساجد المدينة من الأمور التي تكون كالإجماع، وإنما يعدون ما كان كالإجماع إذا اشتهر بين الناس ولم ينكر‏.‏ فلو كان هذا من الأمور المشتهرة التي لم تنكر قلنا إنه قد يكون كالإجماع، فعلى هذا نحن نشكر الأخ على هذا السؤال، ونسأل الله أن يزيدنا وإياه علماً، ونقول‏:‏

إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هي من الدعاء الذي ينبغي للإنسان أن يلازمه دائماً؛ لأنه في الحقيقة إذا صلى الإنسان على رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه بها عشراً‏(61)‏‏.‏ وبهذه المناسبة أقول‏:‏ إن جاء طريقة غير هذه الطريق لهذا الأثر فإنه قد يكون حجة؛ لأنه عمل صحابي وإن لم يكن إجماعاً‏.‏ فلا حاجة للإجماع إذا ثبت أنه عمل صحابي لم يخالفه أحد فإن قول الصحابي قد يحتج به‏.‏ وأما إذا لم يثبت الأثر فإننا نقول‏:‏ إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أمر محبوب وينبغي أن يقرن بها كل دعاء، لكن كوننا نجعلها من سنن القنوت، هذا محل نظر وقبل الانتهاء من هذا أود أن أسأل‏:‏ ما معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم‏؟‏
الصلاة مني أنا مثلاً ‏(‏إذا قلت اللهم صل على محمد‏)‏ فأنا أسأل الله أن يصلي عليه‏.‏ لكن ما معنى صلاة الله عليه‏؟‏

قال بعض العلماء‏:‏ إن صلاة الله على رسوله رحمته‏.‏
ولكن هذا ليس بصحيح؛ لأن الله تعالى قال في القرآن‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 157‏]‏‏.‏ ففرق الله بين الصلاة والرحمة، ومعلوم أن العطف يقتضي التغاير، كما هو معروف ومقرر في اللغة العربية، لكن صلاة الله على نبيه صلى الله عليه وسلم هي كما قال أبو العالية – رحمه الله -‏:‏ ثناؤه عليه في الملأ الأعلى، أي أن الله يثني على محمد صلى الله عليه وسلم لدى الملائكة في الملأ الأعلى، وعلى هذا فأنت إذا صليت على نبيك فمعنى ذلك أثنى الله عليك بها عند الملا الأعلى عشر مرات، وهذه نعمة كبيرة تدل على فضيلة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة‏.‏